تاريخ النشر2010 20 November ساعة 12:21
رقم : 31683

أي بُعـد نظـر؟

سيدفع لبنان والمنطقة ثمناً هائلاً على مذبح «المجتمع الدولي» وعدالته. لنترك جانباً منطق الكيد السياسي ونسأل عن مصير البلد إذا ما تحوّل القرار الظني إلى أداة لمحاصرة «حزب الله» وممارسة الضغوط عليه وعلى الدولة اللبنانية.
أي بُعـد نظـر؟
وكالة انباء التقريب (تنا) :

سليمان تقي الدين

في نظام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بندان لم يردا في أي نظام لمحكمة أخرى: الافتراض المسبق لمسؤولية الرئيس عن المرؤوس، ومنع الدولة اللبنانية من إصدار عفو عام أو خاص، وهذان البندان يتعارضان مع مبادئ العدالة. لنوقف التذاكي في موضوع «العناصر غير المنضبطة» أو اتهام الأفراد لا الدول ولا الجماعات ولا الأحزاب! 

سيدفع لبنان والمنطقة ثمناً هائلاً على مذبح «المجتمع الدولي» وعدالته. لنترك جانباً منطق الكيد السياسي ونسأل عن مصير البلد إذا ما تحوّل القرار الظني إلى أداة لمحاصرة «حزب الله» وممارسة الضغوط عليه وعلى الدولة اللبنانية. ثمة من يعتقد أن هذه فرصة لتطويع الحزب واحتوائه وخفض نفوذه وإرباكه، ما يسهّل عملية البحث عن حل لمسألة السلاح. واقعياً لن يكون المسار على هذا النحو. سيدافع الحزب عن نفسه بكل ما يملك من قوة مادية ومعنوية ويتشدد تجاه محاولات الإلغاء ويقحم كل العناصر الممكنة لهذا الغرض بما فيها مجاله المذهبي. سياسات العزل والإقصاء والحصار لا تؤدي في ديناميات النزاع اللبناني الطوائفي إلى فك الارتباط بين الحزب وجمهوره، بل هي تلبسه الطائفة وتتلبّسه الطائفة كما حصل ويحصل بين التيارات الحزبية والجماعات التي تمثلها. لنفترض جدلاً أنه لا يهمنا مصير «حزب المقاومة» ورصيده، ولا يهمنا مصير الجماعة التي تحتل موقعاً بارزاً في جغرافية البلد ومكوّناته، فإلى أين ندفع بهذه «القوة» وبهذه «الجماعة»؟ الجواب يجب أن يحضر فوراً في أي تقدير للموقف السياسي الذي يستهين به معظم الطقم السياسي وبعض النخب. ببساطة هذا البعض يهدر رصيداً وطنياً ثميناً للدفاع عن لبنان وحقوق لبنان، ويفرّط بقوة ومناعة البلاد أمام احتمالات الحرب والتسوية ويسقط في يدها. 

وفوق هذا وذاك يضع البلد في مهب نزاعات أهلية عنيفة لا يمكن حساب نتائجها لصالح أي طرف أو جماعة. لا مصلحة للبنان، لكل لبنان، لكل اللبنانيين، أن يتجذر العنف والتطرف والمذهبية، ولا مصلحة لأي جماعة أن ندخل في سياسة تعديل التوازنات الطائفية بالقوة. هذه لغة يجب أن يفهمها اللبنانيون لا رضوخاً لتهويل أو تهديد ولا خوفاً من وطأة «السلاح» أو سواه. في معمعة كهذه يتسخ كل سلاح وكل قضية، وتتشوّه المقاصد والأهداف النبيلة، ويسقط الهيكل على رؤوس الجميع في مصلحة وخدمة طرف واحد هو إسرائيل. 

يُقال: ننتظر القرار الظني ونرى ما هي حيثياته. بالفعل قد لا نستطيع إلغاء القرار الظني إلا بثمن أكبر من لبنان. لكن المطلوب هو أن ننأى بالوضع الداخلي اللبناني عن التداعيات الأكيدة لهذا القرار بما يخطط له «المجتمع الدولي» استيفاءً لعقاب «حزب الله» على المقاومة في وجه إسرائيل لا على الاغتيال السياسي، أي اغتيال سياسي من قبل ومن بعد. هذا الاستخفاف بالتداعيات على فرض أن المجتمع الدولي صار يكبح العنف والاغتيال ويحاصر التطرف، فضلاً عن كونه يصيب المجتمع اللبناني كله وليس «حزب الله» أو هذه الدولة الإقليمية أو تلك، هو وصفة سحرية لتطوير آليات المقاومة العنيفة لكل نظام ولكل استقرار ولكل عدالة من هذا المستوى هجينة مشوّهة قاصرة انتقائية استنسابية مسيّسة. 

هناك طريق واحد لمعالجة مشكلاتنا هو البناء على ما استجد من وقائع وتطورات ومتغيّرات وفي مقدمتها واقع السلاح والمقاومة. أما الخشية من المفعول السلبي على النظام السياسي فلا خيار سوى بإخراج الدولة من احتمالات الهيمنة والتحكّم والتقاسم. وليس من معيار لقياس مصداقية الداعين إلى سلطة الدولة أكثر جدية من طي صفحة المنازعات «السياسوية» والذهاب إلى شؤون المواطنين واحتياجاتهم التي ليس من أولوياتها المحكمة ولا حتى «السلاح» المبتور عن بُعده الوطني والاجتماعي.
السفير

https://taghribnews.com/vdcc1eq1.2bqs48aca2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز