تاريخ النشر2012 12 October ساعة 16:55
رقم : 111947
الكاتب أمين حطيط

المعتدون على سوريا في هجوم مضاد أم تخبّط فرضه الإخفاق؟

تنا - بيروت
"غلّوا أيديكم حتى يقتلكم الإرهابيون" هو موقف كي مون المثير فعلاً للضحك، فيه إعترافٌ وهزيمة للإرهابيين وإقرارٌ بصمود الحكومة السورية.. في المقابل،يؤرق حزب الله عيون الإرهابيين والمتآمرين مما يدفعهم إلى إطلاق النار بعشوائية وبقبضةٍ لا تتحكم بها قدرات عقلية متوازنة
المعتدون على سوريا في هجوم مضاد أم تخبّط فرضه الإخفاق؟
إعتبرت جبهة العدوان على سوريا أن معركة حلب ستكون معركة الحسم والفصل الأخير، وإنشغل غلاتهم في توزيع المناصب والمكاسب، بإعتبار أن المعركة حسمت لصالحهم وبانهم باتوا على ابواب سلطة آلت اليهم، أما الحذرون منهم – رغم قلتهم – فقد قطعوا بان المعركة باتت راجحة لصالحهم وان عليهم متابعتها مع النظر الى ما بعدها تحضيراً لمستقبل سوريا وهي في يدهم. 

ومن هنا جاءت دعوات الغرب وبلسان فرنسي (اللسان الفرنسي يستعمل بيد أميركا لجس النبض عادة ) دعوات لتشكيل الحكومة الإنتقالية لسوريا مع وعد بالإعتراف بها لتكون السلطة البديلة للسلطة المقاومة والتي تسببت مع المحور الذي هي واسطة العقد فيه تسببت بتلك الكوارث الاستراتيجية التي لحقت بالغرب وليس اقلها فشل النظام العالمي الأحادي القطبية. 

وبعد شهرين على إنطلاقتها، حسمت «معركة حلب» لصالح الدولة والشعب والسوريين بطريقة منعت العدوان قيادة وجسماً تنفيذياً وأدوات من تحقيق شيء من الأهداف، إلاّ ما تسبّبُوا به من تدمير ونهب وسرقة في المدينة شاركت فيها تركيا بشكلٍ مُعمّقْ، يحدوها في ذلك حقد على الموقع الاقتصادي والتجاري الحلبي المنافس لا بل المتقدم في المنطقة حتى وعلى
الاتراك أنفسهم.
و كانت خسارة المعتدين لـ «حرب حلب» كما أسموها، او «معركة الفصل» كما وصفها آخرون، خسارة مدوية، ترافقت أيضاً مع انجازات ميدانية حققها الجيش العربي السوري في أكثر من ساحة وميدان، خاصة في منطقة حمص وريفها وتمدداً إلى القصير حيث تكبد المسلحون الخسائر الفادحة التي لا تقتصر على القتلى منهم بل وتشمل أيضاً خروجهم من المعركة وفرارهم بإتجاه لبنان أو إلقاءهم السلاح. 

في ظل هذا الواقع المرير بالنسبة لجبهة العدوان الذي انحسر وجود الارهابيين فيه الى اقل من ٩ % من المناطق المأهولة في سورية و٤ % من كامل المساحة السورية، وُضِعَتْ قيادة العدوان ووكلاؤها أمام تحدٍ ضخم، حيث فُرض عليهم الإختيار بين الاستسلام للهزيمة أو المناورة لكسب الوقت من أجل تنفيذ هجوم مضاد يحقق أو يستلحق ما فات. 

ويبدو أنّ الحسابات الشخصية والداخلية لكل فريق من فرقاء جبهة العدوان أملت عليه تصرُّفاً يناسب مصالحه، وجاءت تصرفات الجميع منظوراً إليها بشكلٍ إجمالي وكأنها تُشكّلُ بنيةً لتحضير هجوم مضاد على سوريا لإجهاض انجازاتها، لكن دراسة تفصيلية لكل سلوك على حدة مقرونة بمواقف الآخرين تؤدي إلى نتيجةٍ مختلفة وإستخلاص ما يلي: 

نبدأ مع بان كي مون – أمين عام الأُمم المتحدة – الذي طلب من الحكومة السورية أن تُعْلِنَ وقف إطلاق نار من جانب واحد، وهو طلب فيه الكثير من العيوب وعدم الواقعية التي لن نغوص في تفاصيلها، ونكتفي بالتذكير بالمناورات الإحتيالية التي قامت بها الجامعة التي كانت عربية في إرسال مراقبين
من أجل غل يد سوريا وتمكين الإرهابيين من التسلُّح والتمدُّد للسيطرة على المناطق السورية، أو بعدها إرسال المراقبين الدوليين من أجل تهيئة البيئة لتدخل عسكري أجنبي في سوريا.
 
ولماّ فشلت المناورات المخادعة سحب المراقبون. ويأتي الآن بان كي مون العامل من أجل المصالح الاميركية ليطلب من السوريين: «غلوا أيدكم حتى يقتلكم الارهابيون»، وهو طبعاً طلب يثير الضحك لكنه يؤشر الى امر بالغ الاهمية، اذ فيه اعتراف بهزيمة الارهابيين، وإقرار بان الدولة السورية هي الممسكة فعلياً بالوضع، رغم ما فيه من بعض الثغرات أساسها حركات تمرد وارهاب. 

إتهام حزب الله بالضلوع في القتال داخل سوريا لا يرتكز على أسسٍ عقلانية
أما عن الهجوم على حزب الله واتهامه بالانخراط في أتون النار التي نشرتها اميركا وترجمتها عملاً ارهابياً تدميرياً في سوريا، فإننا نذكر بأنّ الجميع يعلم أن الحزب رفض كل إقتتال في سوريا وهو ضد اعمال العنف ويرفض اي قتال الا قتال «اسرائيل» المغتصبة، ويعتبر أن اي قتال آخر هو هدر للطاقات، وبالتالي، وانطلاقاً من مصداقيته التي تؤكدها سلوكياته، نجد ان الاتهام لا يرتكز على اسس عقلانية للأخذ به.

 هناك أمران ينسفان فرضية مشاركة حزب الله
وفضلاً عن ذلك، ولو فرضنا أن الحزب كما يقولون يشارك بـ ١٥٠٠ مقاتل فان هناك أمرين ينسفان الفرضية: 
الأول منطقي ويتمحور حول السؤال عن مدى تأثير هذا العدد في ميدان يعمل فيه ١٠٠ ألف مسلح وإرهابي وتكفيري.
 والثاني ميداني ويتعلق بإستراتيجية الحزب وإستعداده لمواجهة قادمة مع «اسرائيل»،
ولهذا نرى ان الاتهام لا ينطلي ولا يمر على عاقل. ( لو كان الفرض صحيحاً وفي الاحوال السورية وشدة درجات القتال فيها لكان وجب ان يسقط من العدد على الاقل ٢٠٠ قتيل وهذا امر لم يحصل طبعا).
 
لكن لماذا جاء هذا الإتهام الآن بالذات؟ والجواب لا يتعدى أمرين:
 الأول متعلّقٌ بهزيمة الإرهابيين في القصير ـ حمص، وحاجتهم لتبرير الهزيمة ومنع نسبة الإنجاز إلى الجيش السوري. 
والثاني المساهمة في الهجمة الغربية على حزب الله خاصة بعد نجاحاته في تعطيل خطط الفتنة في لبنان. 

والامر طبعا لم يقتصر في هذه المسألة على هذا الاتهام فقط، بل هناك تخرصات وتلفيقات برع الإعلام التحريضي التزويري في حبكها. ولكن نستفيد من كل ذلك لنقول ان اخفاقهم في سوريا جعلهم يرتبكون ويطلقون النار العشوائية بقبضة لا تتحكم بها قدرات عقلية متوازنة، ولهذا يطلقون الافتراءات على حزب الله الذي يؤرقهم. 

إعلان الإنتشار الأميركي في الأردن لا يعني أي حرب من الأردن على سوريا،الامر بات وراء الظهر
ونأتي إلى الإعلان عن « إنتشار أميركي في الأردن « رغم النفي الاردني له، يأتي التأكيد الأميركي الواضح حتى دون مراعاةٍ للأردنيين. 
وهنا يجب بداية وضع الامور في نصابها ونقول ان «قوة الـ ١٥٠ عسكرياً أميركياً» ليست بجديدة على الساحة الأردنية، فالاردن مرتبط مع أميركا بإتفاقيات عسكرية
تتيح مثل هذا الانتشار تحت تسميات شتى. 

وعلى الدوام كان العسكريون الأميركيون خاصّةً في معسكرات التدريب المتعددة الأهداف، يتجاوزون بعددهم أحياناً هذا الرقم. 

وهذه المجموعة العسكرية بالذات شاركت في «مناورات الأسد المتأهب» التي كان من أهدافها التعامل مع الوضع السوري والتدخل فيه وفقاً لما يتيحه الظرف. 

ولما فشلت خطط التدخل العسكري، إنتقل الإهتمام إلى مقولة الأسلحة الكيماوية. ولما لم تلق صدى مهماً، جاء هذا الإعلان الملتبس الذي يهدف أصحابه إلى رفع معنويات الإرهابيين والقول بأن أميركا تتحضر لشيء ما إنطلاقاً من الاردن لدعمهم. 

ونحن نرى في الإعلان الاميركي عملاً دعائيا اعلامياً في اطار حرب نفسية ضد سورية، وخدمة للحملة الانتخابية لاوباما للرد على رومني الذي ادعى أن اوباما قصر في سوريا. 

وبالتالي فاننا لا نرى تغييراً يذكر في مسار الأحداث من هذا الباب، بل تأكيدٌ غير مباشر على إنجازات سوريا في حربها على الارهاب التكفيري التدميري الذي يستهدفها، ولا علاقة للامر مطلقاً بما يمكن قوله من تحضير لحرب على سوريا انطلاقاً من الاردن، فالامر بات وراء الظهر. 

شعور تركيا وأردوغانها الخائب بغلّ اليدين دفعه إلى القرصنة ضد طائرة رخّص لها بعبور أجوائه
أما تفتيش الطائرة السورية بعد إعتراض تركيا لها، والمترافق مع القصف التركي المتقطع عبر الحدود والمدعوم بالتهديدات التركية الأخيرة بتصعيد مستوى الرد، فإننا ومع التأكيد على ما كنا قلناه سابقاً حول السّقف الذي لا تستطيع تركيا تجاوزه في سلوكها،
فإنّنا نرى أن شعور تركيا بالعزلة وغل اليدين جعل أردوغانها الخائب يتخبط على غير هدى، ويقدم على القرصنة ضد طائرة رخص لها بعبور اجوائه، فينتهك القانون الدولي ويكون عليه تلقي النتائج وهي خسائر بدون شك. 

وصحيح ان سوريا لن ترد وتشن حرباً على تركيا من اجل ذلك، لكن الصحيح ايضاً ان سوريا وحلفاءها قادرون على الرد بما يؤلم تركيا، وها هي طلائع الرد بدأت بوقف استجرار سورية للكهرباء من تركيا ثم الرد الروسي القاسي بالغاء زيارة بوتين لتركيا والنتيجة ستكون خسارة تركية إضافية، وتكون تركيا المرتبكة تسببت لنفسها بها دون مبرر إلا حقد ساستها، ولا يمكن أن يشكل سلوكها في اي حال مؤشراً الى مواجهة عسكرية وحرب واقعة، بعد ان ادرك الجميع أن هذه الحرب ممنوعة. 

وفي الخلاصة، نرى أن جبهة العدوان على سوريا وبعد الاخفاقات الكبيرة التي لحقت بها، إتجهت إلى رفع المعنويات لإمتصاص الهزائم، وجاءت بسلوكيات قد توحي للوهلة الاولى بأنها شمرت عن السواعد وأعدت أو هي بصدد الإعداد للهجوم المضاد الكاسح ضد سوريا، لكن الحقيقة كما نراها لا تتعدى محاولات يائسة لمنع الانهيار المعنوي للارهابيين، وحفظ ماء الوجه حداً من المزيد من الخسائر.

 إنه صراخ المهزوم وعويله وتخبطه وإقراره الضمني بالنجاح السوري ونجاح من هم في المحور والجبهة مع سوريا، في مواجهة هذا العدوان. 
أمين حطيط
https://taghribnews.com/vdcc0sqsm2bqso8.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز