تاريخ النشر2023 15 April ساعة 11:28
رقم : 590308
حديث التقريب؛

وقفات تقريبية عند خطاب سيد المقاومة في يوم القدس العالمي

تنـا - حصري
يوم القدس العالمي هذا العام، شهد تحركًا جماهيريًا عالميًا لم يسبق له نظير، فقد عمّ القارات الآسيوية والأفريقية بل وتعدى ذلك إلى القارة الأوربية والأمريكية.
وقفات تقريبية عند خطاب سيد المقاومة في يوم القدس العالمي
وكانت التغطية الاعلامية في الشبكات الحرّة على مستوى الحدث، كما كان التعتيم عليه في الشبكات الصهيونية وأقمارها كما عهدناه من قبل. نقف في حديثنا اليوم عند خطاب سيد المقاومة السيد حسن نصر الله أعزّ الله نصره، فقد ألقي في يوم القدس خطابا كانت فيه وقفات تقريبية نقف عند اثنتين منها:
الأولى: تحدث عن المشاريع التي راهنت عليها أمريكا في المنطقة وفشلت، ومنها محاولة إقامة محور «سنّي – إسرائيلي»! لمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومنها إقامة محور «عربي»! اسرائيلي لنفس ذلك الهدف.
المحور الأول كان فاشلاً أساسًا، إذ كيف يمكن أن يكون أهل السنة في محور واحد مع إسرائيل، بنما هم في الصميم من جبهة النضال ضد العدوّ الصهيوني في فلسطين وفي البلاد العربية والإسلامية بأجمعها.
ثم إن تعاليم الإسلام الناهية عن موالاة أعداء الإسلام شاملة للمسلمين جميعًا، وهكذا التعاليم الداعية إلى الأخوة بين المسلمين تخاطب المسلمين المؤمنين بأجمعهم، ولذلك فشل المحور الأول فشلاً ذريعًا، وكان المسلمون بمختلف مذاهبهم صفًا واحدًا وصوتًا واحدًا في يوم القدس وكان نداؤهم موحدًا يتجه نحو هدف واحد وهو تحرير القدس وإنقاذ الأقصى ومناصرة الشعب الفلسطيني والتأكيد على قرب زوال اسرائيل.
والمحور الثاني الرامي إلى إيجاد تحالف عربي – إسرائيلي لمواجهة إيران قد فشل أيضًا، لأن العرب والإيرانيين يعيشون ضمن دائرة حضارية واحدة، ويحملون آمالاً وآلامًا موحدة وثقافة ذات جذور مشتركة، كما أن الأجواء الإيجابية التي شهدتها علاقات بلدان المنطقة أكدت على ذلك الفشل رسميًا ليُضاف إلى ما واجهة من فشل
شعبي.
الثاني: ذكر السيد نصر الله في الخطاب باجلال وتعظيم رجلَ الفكر والوعي والجهاد السيد محمدباقر الصدر، وهو من رجال التقريب بين المذاهب الإسلامية أيضًا، بمناسبة ذكرى استشهاده رضوان الله عليه في التاسع من ابريل نيسان 1980 على يد فرعون العراق المعدوم؛ ولابدّ من وقفة عند المشروع التقريبي لدى هذا الشهيد الكبير ونكتفي بتلخيص أهم خطواته العملية في هذا المجال:
الأولى- من الملاحظ أن الامام الشهيد الصدر لم يقتصر في مؤلّفاته على الكتب الشيعية فقط بل اعتمد كذلك على كتب أهل السنة ومصادرهم معتبرًا الفقه الإسلامي كيانًا واحدًا مع مافيه من تعدد الاجتهاد والمذاهب؛ فمثلًا اعتمد في كتاب اقتصادنا في محاولته لبلورة النظام الاقتصادي الإسلامي على مجموعة من المصادر الإسلامية السنية، منها: كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، وكتاب المغني لابن قدامه، وكتاب الأُم للشافعي، وكتاب المحلّى، لابن حزم، والمدونة الكبرى، ومواهب الجليل للحطاب، ونهاية المحتاج للرملي، والمبسوط للسرخسي، والفقه على المذاهب الأربعة. وغيرها من المصادر السنية.
ولم يكن (رحمه الله) بصدد نقاش الآراء الفقهية للمذاهب الإسلامية، وإنما كان بصدد اكتشاف هيكلية النظام الاقتصادي الإسلامي.
ومع ذلك فنحن لا ننكر أن المصادر وطرق الاستنباط للأحكام الشرعية تختلف بين مدرسة أهل البيت وبين المذاهب الإسلامية الأخرى، سواء في القيمة العلمية للرأي الفقهي، أو في قيمة وحجة المصادر الروائية والفقهية، ومع ذلك فإننا على صعيد الواقع ننتهي إلى نتيجة واحدة.
إن هذا اللون من التفاعل الإيجابي والتعامل العلمي يجعل السني يشعر بأنّ لرأيه الفقهي أهمية وموقعًا عند أخيه الشيعي، وكذلك العكس. فيؤدي في النتيجة إلى روح التفاعل والانفتاح ويعزز روابط الأخوة، ويصدّع من قوة الحواجز النفسية.
ثانيًا - أصدر الامام الشهيد الصدر (رضي الله عنه) بيانًا وجّهه إلى الشعب العراقي (عام 1979م) وكان وقتها محتجزًا من قبل السلطة وذلك قبل استشهاده بعدة أشهر، حمل العبارات
التالية:
«أيها الشعب العظيم، إني أخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك وحياتك الجهادية، بكل فئاتك وطوائفك، بعربك وأكرادك، بسنتك وشيعتك، لأن المحنة لا تخص مذهبًا دون آخر».
«وإني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء حين دافعت عن الرسالة التي توحّدهم جميعًا، وعن العقيدة التي تضمّهم جميعًا».
وفي مقطع آخر يقول: «فأنا معك يا أخي وولدي السني بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي. إن الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا إلى أبنائنا البررة من السنة أن المسألة مسألة شيعة وسنة ليفصلوا السنة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدو المشترك.
وأريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر: إن المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني، إن الحكم السني الذي مثّله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل، حمل عليٌّ السيف للدفاع عنه إذ حارب جنديًا في حروب الردّة تحت لواء الخليفة الأول أبي بكر، وكلّنا نحارب عن راية الإسلام، وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي.
إن الحكم السني الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة - قبل نصف قرن - بوجوب الجهاد من أجله، وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصًا من أجل الحفاظ على راية الإسلام ومن أجل حماية الحكم السني الذي كان يقوم على أساس الإسلام».
ومما لا ريب فيه أن هذه الوثيقة تعتبر من أهم الوثائق التي يمكن أن تساهم في معالجة الحواجز النفسية بين أبناء الأمة الإسلامة، وذلك لأن السيد الشهيد الصدر حينما أصدر هذا البيان كان قد صمّم على الاستشهاد في سبيل اللّه لإيمانه بأنّ المرحلة الجهادية والسياسية تتطلب ذلك.
رضوان الله تعالى عليه والسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيًا.
وجزى الله سيد المقاومة خيرًا إذ أشار في خطابه يوم القدس العالمي إلى هذين المعلَمين من معالم التقريب.

المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية

نهاية المقال 
https://taghribnews.com/vdce778nvjh8oxi.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز