حديث التقريب... في الذكرى السنوية الستين لتحرير الجزائر

حديث التقريب
في الذكرى السنوية الستين لتحرير الجزائر

في الخامس من يوليو تموز عام 1966 أُعلن استقلال الجزائر بعد كفاح شعبي مرير و طويل مع الاستعمار الفرنسي، نقف عند بعض المحطات من هذه الذكرى بما يرتبط بحاضر أمتنا ومستقبلها.
المحطة الاولى: مشهد صور الفظاظة والوحشية التي تعامل بها الفرنسيون مع الشعب الجزائري الذي ثار من أجل المطالبة بحقوقه الحقة في الحرية والاستقلال والعيش الكريم. لقد أزهق الفرنسيون أرواح مليون ونصف المليون من هذا الشعب الثائر المظلوم، الذي قاوم المحتلين بصدور عارية وأيدٍ خالية غالباً. ولم يكتف الفرنسيون بقتل هذا الشعب بل مارس معه أبشع ألوان الوحشية التي يندى لها الجين، والتي تشكل وصمة عار في تاريخ البشرية.
لقد تم ذلك على يد فرنسا التي تدعي أنها مهد الحرية! وتدعي أنها حاملة راية الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان. إنه درس يجب أن يكون نصب عين أجيالنا كي لا ينخدعوا بالشعارات البراقة التي لا تزال تتبجّح بها الحكومات الأوروبية. إن الممارسات الأميركية بحق شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية هي من الجنس نفسه الذي مارسته الجيوش الفرنسية والايطالية والبريطانية بحقّ الشعوب.

المحطة الثانية: ما مارسه الاستعمار الفرنسي بحق الجزائريين في حقل الهدم الثقافي خلال سنوات الاحتلال، وهي تصب في محاولة سحق هوية هذا الشعب ومحاربة التزامه بدينه وثقافته ولغته.
ومن ممارسات الهدم الثقافي الاستعماري نذكر باختصار.
الاذلال: والنصوص التي وصلتنا في هذا الشأن كثيرة جدا، وتشير جميعا الى محاولة الفرنسيين الاستهانة بشخصية الانسان الجزائري وغرس روح الهزيمة والشعور بالدونية في وجوده.
إبادة الارث الثقافي: فقد أتلف جنود فرنسا عددا كبيرا من المخطوطات النفيسة في مكتبات الجزائر الخاصة والعامة في محاولة لتغييب ذاكرة الشعب الجزائري بشأن ارثه الثقافي.
إثارة النعرات القومية: في الجزائر قوميتان عاشتا في كنف الاسلام متآخيتين متلاحمتين هما البربر والعرب، ويسمى البربر أيضا (الأمازيغ).
حاول الاستعمار الفرنسي بشتى الطرق أن يثير النعرات القومية بين الجانبين، كما حاول أن يحارب اللغة العربية بحجة ضرورة سيادة اللغة الأمازيقية.
محاربة المساجد: باسم فصل الدين عن الدولة أو العلمانية أن اللائيكية عمدت فرنسا الى التعدي على حرمة المساجد وعيّن المحتلّون مسؤولاً فرنسياً لإدارة المساجد والإشراف على الوظائف الدينية!! ثم صادروا أوقاف المسلمين، حتى راح الشاعر الجزائري يخاطب فرنسا بقوله:

                               عهدناكِ قدماً دولة لائكية   فكيف حرمتِ المسلمين المساجدا
تشجيع التحجّر الديني
عمل الاستعمار الفرنسي على تشجيع كل ظاهرة تبعد الاسلام عن الحياة. وشجعوا بعض المتحجّرين على رفع شعار "اعتقد ولا تنتقد" أي اكتف بالإيمان واخضع واستسلم.
التنصير: كانت الارساليات التبشيرية لتنصير الجزائريين من أبرز ظواهر الاحتلال الفرنسي. أنشأ الرهبان الفرنسيون الاديرة والمياتم والمدارس المهنية وأسسوا جمعية الكشافة الكاثوليكية في المدن والقرى الجزائرية، من اجل تغيير دين الجزائريين.

المحطة الثالثة:

أمام هذه الممارسات الواسعة من إبادة الحرث والنسل في الجزائر على يد الفرنسيين لمدة استمرت اكثر من قرن ونصف القرن، يُخيّل للانسان أن الجزائري قد فقد كل مقومات الحياة وعلى رأسها روح المقاومة. لكن الاسلام يأبى على الشعب المسلم أن ينهزم ويترك الساحة.
فقد قاوم الجزائريون بما يمتلكون من سلاح بسيط، منذ ثورة عبدالقادر الجزائري التي بلغت ذروتها سنتي 1838 و1839. اذ ثار تحت شعار "اتحاد الملة المحمدية والقيام بالشعائر الأحمدية". وتواصلت الثورات مما أجبر الفرنسيين على التراجع فأُعلن سنة 1958 تشكيل الحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية، وكان ذلك مقدمة لاستقلال الجزائر.

وأهم من الثورات المسلحة كانت النهضة الثقافية في الجزائر. ونهض بالدور الأكبر بالدور الاكبر فيها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أسسها الشيخ عبدالحميد بن باديس سنة 1931 ثم تولى رآستها بعد وفاته سنة 1940 الشيخ محمد البشير الابراهيمي. أعضاء هذه الحركة تأثروا بنهضة السيد جمال الدين الاسد آبادي (المعروف بالافغاني) وتلميذه محمد عبده. نشطت الجمعية في حقل التعليم بشكل خاص مستهدفة تغيير "الانسان" الذي هو محور كل تغيير.
ونشير فقط الى أن هذه النهضة الثقافية واكبتها نهضة أدبية، فقد دخل الشعر ساحة المعركة ليستنهض وليدفع بالشعب نحو ساحات اليقظة والحركة والجهاد.

المحطة الرابعة
تفاعل الشعوب الإسلامية مع الثورة الجزائرية تفاعلاً واسعاً تمثل في إقامة المهرجانات وخروج المظاهرات، كما تمثل في إنشاد الشعراء بمختلف لغات الشعوب الاسلامية ومنها الفارسية. وهذا يؤكد وحدة الدائرة الحضارية الاسلامية من طنجة الى جاكارتا على حد تعبير المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي.
ومن أمثلة ما قيل من الشعر الفارسي في هذا المجال قصيدة لعبد العلي اديب برومند عام 1958 ومطلعها ما ترجمته:
                         ما أعظمكِ أيتها الجزائر وما أعظم شعبكِ   /   وما أعظم تضحيات رجالك الكبار
وفيها يقول ايضا:
تحت راية الاسلام سيكون النصر من نصيبكِ / إذ كان شعار (نصر من الله) قد توّج ساحتك
عجباً أن تكون فرنسا (التي تدعي) أنها مهد الحرية / تسفك الدماء لتجري سيولاً جرّاء قصفك
وفي هذا المجال أنشد كثير من الشعراء أمثال محمد جعفر تويسركاني وعلي محمودي وغيرهم من الشعراء الايرانيين.
إن روح (المقاومة) التي تصاعدت في الشعب الجزائري قد استطاعت أن تسجل صمود هذا الشعب أمام محاولات الابادة الجماعية والابادة الثقافية ولاتزال تسجل مواقف عظيمة لهذا الشعب النبيل تجاه القضايا العربية والاسلامية كالقضية الفلسطينية وتجاه محور المقاومة. فتحية للشعب الجزائري العظيم في الذكرى الستين لانتصاره المجيد، وتحية للشهداء الذين قدموا أرواحهم في سبيل كرامة بلدهم وعزّة شعبهم. وستبقى الجزائر سندا لكل المقاومين العرب والمسلمين بإذن الله تعالى.

   المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
   الشؤون الدولية

/110