تاريخ النشر2015 1 February ساعة 14:33
رقم : 180351
بمناسبة ذكری انتصار الثورة الاسلامیة

مفهوم الأمة عند الإمام الخمیني (رض)

تنا
الأمة إلاسلامیة واحدة تتجاوز عناصر اللغة والعرق واللون وترتکز على العقیدة والفکر، وهذا ، أرقى تطور فکری یصل الیه المجتمع السیاسی.
مفهوم الأمة عند الإمام الخمیني (رض)
ورد مصطلح الأمة في القرآن الکریم موزعا بین القرآن المکي والقرآن المدني، وعلى کلا الحالتین کان الاسلام حتى آخر عهود القرآن المدني مقصوراً على العرب وحدهم في المراحل الأولى لنمو الاسلام، ولکن التفسیر النظری للنص کان منذ البدایات الأولى یتجاوز العنصر العربی الى ما وراءه. لذلك نجد حینما امتدت فتوح الاسلام الفکریة والسیاسیة واستوعب الدین الجدید عروقاً ولغات وثقافات أخرى وفي مناطق جغرافیة شدیدة التنوع ، لم یقم أي شعور بأن لفظ الأمة لا یعبر عن الواقع النامي بل على العکس کان یستوعب هذا الواقع.  

اذن، هناك أمة إسلامیة واحدة تتجاوز عناصر اللغة والعرق واللون وترتکز على العقیدة والفکر، وهذا ، أرقى تطور فکري یصل الیه المجتمع السیاسي.  

وبالعودة الى مفهوم الأمة قبل الثورة الاسلامیة في ایران، فقد اعتاد النظام الاستبدادي طیلة عهوده الثلاثة: الصفوي – القاجاري – والبهلوي ، على إبراز العناصر القومیة والجغرافیة بهدف طمس الهویة الاسلامیة لمسلمي ایران. ومما لا شک فیه ان الامام الخمیني (قده) بدأ ثورته في أجواء صعبة وحالکة ضد النزعة القومیة التي کان الشاه المخلوع یعمل على ترسیخها. ومع انتصار الثورة المبارکة عادت الحیاة الى معنى الأمة الاسلامیة وعاد شعب ایران للتعبیر عن محتواه الثقافي الذي هو الإسلام، فانعکس المعتقد الواحد في التفکیر السیاسي للأمة ، وقد أدى هذا الانعکاس الى انحسار معطیات الجغرافیا واللغة والعنصر، هذه المعطیات التي عمل الاستعمار الأجنبي منذ قرون من الزمن من أجل ترسیخها في المجتمع الاسلامي لیس في ایران وحسب، بل في کل العالم الاسلامي.
 
اذن انتصار الثورة الاسلامیة المبارکة، کان بمثابة انتصار حقیقی لمفهوم الامة الاسلامیة، حیث عادت الحیاة الى هذا المفهوم، وبدأ یظهر مفهوم جدید للأمة یقوم على أساس الفکر والمعتقد، لا على أساس الفکر الغربی وفکر القومیات.  

لقد سعى الامام الخمینی (رض) لإحیاء مفهوم الامة لتکون خیر أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنکر وتؤمن بالله، لأنه لم یکن یرى ثمة تناقضا بین القومیة والاسلام، فیما لو کانت القومیة مجرد شعور عاطفی، هذا الشعور الذی لابد منه فی داخل کل شعب لتفجیر الطاقات والقوى للعمل والإنتاج فی عملیة التقدیم، بحیث تبقى الثورة السیاسیة ذات طابع إسلامي نابع من مفهوم الأمة الاسلامیة، الذي یحدد بالتالي وحدة الصف، ووحدة الموقف في العمل السیاسی المشترک فی العالم الاسلامي باعتباره جزءا من العالم الثالث في مواجهة الامبریالیة، ولا یمنع ان نتطلع الى اتحاد سیاسي کبیر بین هذه الدول الاسلامیة.

بمعنى آخر یمکن القول ان القومیة هي الزاد العاطفي الموضعي، والاسلام هو الاطار السیاسي الأوسع الذي یضم هذه التنوعات الموجودة في العالم الاسلامي. 

لاشک ان الامام الخمیني سعى جاهداً من أجل ان تکون الأمة الاسلامیة حیة في دورها ومسؤولیاتها وقراراتها بحیث یکون لها ما کان للأمة الاسلامیة في زمن رسول الله ( صلى الله علیه و آله ) والأئمة المعصومین (ع)، الطرح الاسلامي یبقى هو هو، ان هناك أمة إسلامیة تقوم على المعتقد وان هناك شعوباً إسلامیة تقوم على المعطیات الجغرافیة واللغویة والعنصریة.
 
مکونات الأمة الاسلامیة
  إن من جملة مکونات الامة الاسلامیة، ان تأخذ بالاسلام وتعمل به ، لأنه بمعزل عن الاسلام عقیدة وشریعة ونظام حکم، فانه لن یکون بمقدور أحد من الناس إحیاء مفهوم الأمة الاسلامیة، ولهذا نجد ان الرسول الأکرم (ص) بعد هجرته الى المدینة یقیم الدولة بعد ان اکتمل حضور الامة، لأنه یستحیل ان تتحقق الدولة في ظل غیاب الأمة بدلیل ان الاسلام أول من قدّس الأمة حیث قال سبحانه وتعالى: (کنتم خیر أمة أخرجت للناس) وقد تابع الائمة (ع) هذا العمل لتبقى الأمة خیر أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنکر.  

لذا فإن دور الامام الخمیني (رض) لم یقتصر على تسلیط الضوء على ما کانت علیه الأمة في تاریخها، وإنما تعداه الى حفز الأمة وإرشادها الى ما ینبغی ان تکون علیه فی النظریة والتطبیق. فالامام الخمیني (رض) لم یکتف بالاشارة الى عناصر حفز الامة، بل جسّد هذه العناصر وأحیا الواقع الاسلامي من خلال مسیرة جهاده الحافلة بالتضحیات. ولا یخفى ان الاسلام حصّن الأمة ووحدتها بجملة من التشریعات الإلهیة، وما لم یأخذ المسلمون بها ویقومون بترجمتها والالتزام بها، فان مفهوم الأمة سیبقى عرضة للاضطراب، وبالتالي فان ذلك سیحول دون تحقیق الهدف الاسلامي الاول، والذي یقضی بتحقیق وحدة الامة الاسلامیة، لانه من غیر الممکن بناء وحدة عربیة او إسلامیة من دون مضمون إسلامي، وان أمکن ذلك فانها لن تعیش طویلا، وأکبر دلیل على ذلك هو ان الانظمة السیاسیة الاقلیمیة لم تتمکن من النجاح لأنها من دون مضمون إسلامي. وإذا تأملنا مضمون خطاب الامام الخمیني (رض) ودعوته الى تحقیق الوحدة فإننا نجد حرصه الشدید على توصل الأمة الى صیاغة مشروع سیاسی تضمن من خلاله عزتها وکرامتها.  
 
مشروع الإمام في الوعي والثورة والحکم
  تتسم شخصیة الامام الخمینی بالبعد العرفانی الذي نرى فیه أحد الجوانب الایجابیة في الشخصیة السیاسیة لهذا الفقیه العرفاني، ومن هنا کانت رؤیته الفقهیة تتسم بدرجة متمیزة من الیقین الذي یتصف به العرفاء. هذا الیقین خفف کثیراً من المخاوف الطبیعیة ، وسدّ الطریق على کثیر من الشکوك التي تعتری القیادة أمام القرارات الصعبة، ومن ثم مکّن لظهور ما یسمى عادة (القاطعیة) عند الامام الخمیني وهي صفة لا یجوز ان یمارسها من لیس أهلا لها. ومن شروط القاطعیة: التقوى والورع، الخوف من الله، والعمق الروحي ، من دون ذلک فـ (القاطعیة) قد تهلک الحرث والنسل.فالبعد العرفاني، والعمق العرفاني الصافي الذي کان یتمتع به، نعتقد انه أحد العوامل المهمة التی ساهمت في قدرته على رسم مشروعه التغییری النهضوی على صعید ایران والعالم الإسلامي معا.  

لقد أدرک الإمام الخمیني (رض) بوضوح وببساطة متناهیة، بدون الدخول في مجادلات ومماحکات فقهیة قد یختلف الرأی فیها، أدرک ان الإسلام باعتباره دینا وثقافة وشریعة وفکرا ، هو بصورة طبیعیة یقتضي ان ینتج وینجز مجتمعا سیاسیا، وان ینجز نظاما سیاسیا، قد یختلف الرأی في ان هذا النظام السیاسی والمجتمع السیاسي یقوم على فکرة ونظریة ولایة الفقیه... ولکن على کل المبانی الفقهیة، فلقد أدرک الإمام الخمیني هذه الحقیقة وتمسک بها ولم یتردد فیها. کما وأدرک الإمام الخمیني قابلیة الشعب الایراني، نتیجة لتربیة هذا الشعب ولمزاجه الدیني، لأن یحقق هذا الإنجاز والإبداع في الإدارة السیاسیة. وهذا عمل موضعي کامل، ولیس فیه غیبیات.  

الابداع في الادارة السیاسیة لانتاج هذا المزیج المدهش، بین نظام المصالح الایرانیة المحضة، المصالح الموضوعیة المادیة للشعب الایراني، ونظام المصالح الدولي، والمضمون الثقافي والروحي للشعب الإیراني وللتیار الاسلامي العالمي. لقد کانت أدارة هذا المزیج عملیة مبدعة. ومن النادر ان نقع في هذا التاریخ على قدرة من هذا المستوى.  
 
المنعطف الاساسی فی المسیرة الاسلامیة والعالمیة
 مثلت الثورة الاسلامیة الایرانیة التي قادها الامام الخمیني(رض) منعطفا اساسیا في مسیرة العالم الاسلامي والامة الاسلامیة في هذا العصر، وأحدثت آثاراً عمیقة على الوضع العالمي لا تزال تتفاعل حتى الآن. ولم تؤثر على فعالیة هذه الثورة جمیع العقبات التي وضعت أمامها وجمیع الأزمات التی مرّت بها.  

وکما نعلم جمیعا ان الامة الاسلامیة اختبرت على ما یزید على نصف قرن تجربة صیغة الدولة الغربیة الحدیثة، وفشلت هذه الصیغة في کثیر من الحالات والمستویات الاقتصادیة والسیاسیة، وکلفت الأمة غالیا في حریتها وکرامتها واستقلالها.  

إن من أهم ثمار المشروع الاسلامی للامام الخمیني (رض)هو انه أعاد طرح الاسلام باعتباره صیغة تنظیمیة حضاریة، وأعاد الى المسلمین الثقة بأنفسهم والشعور بقدرتهم على مواجهة القوى المتغلبة في العالم، وعلى بناء صیغتهم السیاسیة الحضاریة الخاصة بهم. کما أعاد (رضوان الله تعالى علیه) الى الأمة الاسلامیة في ایران دورها الشاهد والوسطي وحقق للأمة وحدتها ، حیث ان السبب الأکبر في فقدان الوسطیة في المسألة السیاسیة للأمة الاسلامیة کان ولا یزال هو التجزئة والتفرق، اذ ان اضطرار هذه الدولة او تلك من دول المسلمین للاذعان لإرادة هذه القوى العظمى او تلک، هو أثر من آثار التجزئة بالدرجة الأولى ، ولو کانت الأمة الاسلامیة موحدة فی إرادتها السیاسیة بالنسبة الى قضایاها الکبرى لاستطاعت شعوبنا ودولنا ان تختط لنفسها خطاً وسطاً في سیاساتها الخارجیة وعلاقاتها الدولیة، فیلغي او یخفف من سیطرة القوى العظمى على مقدرات العالم وشعوبه. وهذه هي الثمرة الکبرى التي حققها المشروع الاسلامي عند الامام الخمیني (رض) حیث بعث الحیاة في مفهوم الامة ووحدتها، إضافة الى ثمرات مبارکة تکلکت بنجاح الثورة ومن ثم إقامة الدولة الاسلامیة لتواکب حرکة الامة في مسیرتها التاریخیة.  

وهنا تجدر الاشارة الى ان المیزة الاساسیة التي اتسمت بها الدولة الاسلامیة في ایران هي انطباق خصائص الدولة الاسلامیة علیها، فضلا عن ان مصدر شریعة السلطة والقوانین نبع من المحتوى الثقافي للأمة ولیس من مصدر ثقافی آخر، وهذا ما انعکس على تکوین ثقافة اسلامیة عامة في المجتمع الایراني، کان محط اعجاب سائر المسلمین في العالم.  

وعلى هذا الاساس تعتبر الجمهوریة الاسلامیة فی ایران دولة اسلامیة بالمعنى الکامل وحکومة اسلامیة بالمعنى الکامل، وهي الیوم تستکمل خطواتها على طریق الأسلمة الکاملة لکافة المؤسسات إضافة الى تطهیر البیئة الاجتماعیة للحیلولة دون عودة الثقافات الغربیة التی سبق لهذه الثورة ان قطعت صلاتها بها.
https://taghribnews.com/vdchmvnzz23n6xd.4tt2.html
المصدر : مجلة الوحدة
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز