تاريخ النشر2011 8 March ساعة 10:20
رقم : 41673

أولويات السياسة الخارجية الأوروبية

بقلم: حازم عيّاد
في قراءة سريعة للمواقف الأوروبية من الثورات العربية نجد ان ملف الهجرة في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء قفز إلى أعلى سلم الأولويات لدى دول الاتحاد الأوروبي عقب الثورة التونسية والمصرية والليبية
أولويات السياسة الخارجية الأوروبية

وكالة أنباء التقریب (تنا)

لو قمنا بترتيب سلم الأولويات للسياسة الخارجية الأوروبية خلال السنوات العشر الماضية تجاه العالم العربي لوجدنا ”إسرائيل”، على رأس هذا السلم يليها إمدادات النفط وأمن المتوسط والملفات المرتبطة به من هجرة ”وإرهاب”، ويعود الفضل في ترتيب سلم الأولويات الأوروبية بهذا الشكل المشوه إلى الأنظمة الدكتاتورية العربية الحاكمة التي مكنت الاتحاد الأوروبي من إدارة علاقاته مع الدول العربية بأقل كلفة ممكنة من خلال الاتفاقات والتفاهمات السرية بين دول الاتحاد والأنظمة الدكتاتورية التي شملت تفاهمات أمنية وعقود اقتصادية مقابل تمتع هذه الأنظمة بالرعاية والحماية الغربية. 

فهل تغيرت هذه الأولويات بعد اندلاع الثورات في العالم العربي؟ وكيف ستعيد هذه الثورات ترتيب سلم الأولويات للسياسة الخارجية الأوروبية تجاه العالم العربي؟
بداية لا بد من الإقرار أن قيام أنظمة ديمقراطية تخضع حكوماتها للمحاسبة والمساءلة في العالم العربي سيجعل من توقيع اتفاقات مستقبلية مع الاتحاد الأوروبي خاضعا لاعتبارات سياسية واقتصادية وإنسانية أكثر عمقا وشفافية مما كانت عليه الحال في عهد الانظمة الدكتاتورية العربية التي كانت تستفيد من هذا الملف في تكريس سلطتها باستغلال الهواجس الأوروبية الأمنية في المتوسط، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية لتعزيز شرعيتها وتكريس دورها في الإستراتيجية الغربية. 

وفي قراءة سريعة للمواقف الأوروبية من الثورات العربية نجد ان ملف الهجرة في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء قفز إلى أعلى سلم الأولويات لدى دول الاتحاد الأوروبي عقب الثورة التونسية والمصرية والليبية، فساركوزي وبرلسكوني ممثلين بوزراء خارجيتهم قادا السياسة الأوروبية خلال الأيام الأولى للثورات العربية بإظهار قدر عال من التعاطف مع الأنظمة الدكتاتورية في كل من تونس ومصر وليبيا، ولا يعني ذلك طبعا أن قضية الهجرة لم تكن ضمن أولويات الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية غير ان الاتفاقات السرية والتفاهمات التي أقامتها دول الاتحاد مع الأنظمة الدكتاتورية العربية في شمال افريقيا مكنت دول الاتحاد من إدارة هذا الملف بأقل كلفة ممكنة، وهو الأمر الذي لم يعد متاحا في المرحلة الأخيرة خصوصا بعد الثورة الليبية. 

وقد ترافقت المخاوف الأوروبية المتعلقة بملف الهجرة مع المخاوف المرتبطة بإمدادات النفط العربية فالتحفظ الفرنسي على التدخل الامريكي في ليبيا جاء على خلفية حجم الواردات النفطية الأوروبية من ليبيا والتي تتجاوز نصف الصادرات النفطية الليبية، فالنمسا على سبيل المثال تستورد ۱۴في المئة من احتياجاتها النفطية من ليبيا، كما ان المصالح الفرنسية في كل من الجزائر والنيجر وهي دول مجاورة لليبيا تمثل رأس مال كبير لا يمكن تهديده بمغامرات عسكرية امريكية في ظل وجود ”تنظيم القاعدة” في جنوب الصحراء الكبرى والذي دخل مؤخرا في مواجهة حقيقية مع
النفوذ الفرنسي في جنوب الصحراء، وهو صراع لا ترغب فرنسا في توسيع نطاقه بمغامرات دونكيشوتية امريكية. 

والسؤال المطروح الآن يتعلق بمكانة ”إسرائيل” ووزنها في السياسة الأوروبية المقبلة فإذا كانت التهديدات المباشرة القادمة من شمال أفريقيا وجنوب الصحراء ذات اهمية بالغة ومباشرة في المرحلة الحالية للقارة الأوروبية فإن مكانة وقيمة ”إسرائيل” مهددة بالتراجع إلى مرتبة متدنية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل صعود قوى ديمقراطية شمال القارة الافريقية، والتي سيمتد تأثيرها عاجلا أم آجلا إلى الجزائر والمغرب وموريتانيا والنيجر ونيجيريا وهي قوى أكثر تعبيرا عن مصالح وهوية الشعوب التي تمثلها بصورة ديمقراطية وتمثل بديلا للفوضى المحتملة لانهيار هذه الكيانات كنتاج للضغوط السكانية والتنموية التي قد تتفاقم بفعل انظمة تفتقد إلى الفاعلية وتمتاز بالفساد والانتهازية. 

في ضوء هذه المتغيرات فانه من الصعب توقع الاتجاه التي ستتطور فيه العلاقات (الصهيونية- الأوروبية) خلال السنوات العشر القادمة، ولكن من المؤكد أن التحولات القائمة في العالم العربي بدورها تستند إلى جملة من المتغيرات الديمغرافية والاقتصادية والثقافية التي يصعب تجاوزها باجراءات وسياسات عفا عليها الزمن كالتدخل العسكري المباشر او غير المباشر، او بتقديم مساعدات اقتصادية ومحاولة التحالف مع نخب لا تملك قواعد اجتماعية وسياسية، او الاعتماد على تحالفات مع انظمة موالية للغرب فالثورات العربية المندلعة تعبر عن حقائق ديمغرافية واجتماعية واقتصادية وجغرافية عميقة تمثل تهديدا حقيقيا لأوروبا وصل دون مبالغة إلى عقر دارها. 

إن علاج هذه المتغيرات من خلال إجراءات وقائية وحمائية من قبل دول الاتحاد الأوروبي، كالتي اقترحها ودعا اليها رئيس الوزراء البريطاني ”كاميرون” مؤخرا برفضه التعددية الثقافية القائمة في بلاده باعتبارها تهديدا وخطرا يفكك الدولة والمجتمعات الأوروبية توجه جاء في وقت تعاني فيه أوروبا من تناقص واضح في تعداد السكان وارتفاع في معدلات الشيخوخة، ما يجعل هذا التوجه مشكوكا في نجاحه، ففي فرنسا على سبيل المثال تبلغ نسبة من تجاوزت أعمارهم أربعين عاما سبعين في المئة؛ ما يعني أعباء اقتصادية وانخفاضا في الانتاجية والنمو الاقتصادي كحتمية لهذا الخلل الديمغرافي، ما يضع أوروبا أمام استحقاقات سياسية واقتصادية واجتماعية ستفرض نفسها برغم كل الإجراءات الوقائية المتبعة. 

لا يختلف الأمر كثيرا عند تناول ظاهرة ”التطرف” فتنامي القوى المسلحة في المناطق النائية جنوب الصحراء الكبرى، لا يمكن التعامل معه بطرح مشاريع أمنية، فالحلول الجذرية مرتبطة اشد الارتباط بقيام أنظمة قادرة على استيعاب التناقضات الفكرية والثقافية والسياسية والتعبير عن مصالح الشعوب بطريقة تكرس شرعية الدولة وتمنع الخروج عليها، وتصوغ علاقات قائمة على الاحترام المتبادل مع دول الاتحاد الأوروبي. 

وعليه فإن أولويات السياسة الأوروبية تتطلب إعادة النظر في كثير من المسلمات التي على رأسها دعم النظم الدكتاتورية والكيان الصهيوني باعتبارها أهم الركائز التي استندت إليها دول الاتحاد الأوروبي لحفظ الأمن والاستقرار والمصالح الأوروبية جنوب المتوسط خلال العقود الستة الماضية، ذلك أن العلاقة بين الكيان الصهيوني والدكتاتوريات العربية تطورت لتصبح علاقة عضوية جعلت من موت احدهما مؤشر على قرب فناء الآخر.

https://taghribnews.com/vdcc1eq0.2bqsm8aca2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز