تاريخ النشر2010 15 November ساعة 10:35
رقم : 31316

الأزمة اللبنانية: لا فـتـنـة ولا انـقـلاب

الفتنة المذهبية في لبنان واحتمال الانقلاب على الشرعية السياسية والمحكمة الدولية وقرارها الاتهامي الفتنوي , كله يدخل ضمن مشروع تهميش المقاومة وابعادها عن القرار السياسي لتسهيل عملية الهيمنة الامريكية - الاسرائيلية على الوطن العربي .
الأزمة اللبنانية: لا فـتـنـة ولا انـقـلاب
وكالة انباء التقريب (تنا) :

طلال سلمان

منذ خمس سنوات طويلة واللبنانيون محرومون من بهجة الأعياد، يتقلّبون فوق مواجعهم بين القلق الممض والحزن العميق والقلق على المصير.
حتى الانتصار على العدو في الحرب التي شنها على لبنان وصمد فيها «ثالوث الشعب والجيش والمقاومة» التي قاتل مجاهدوها كأمجد ما يكون القتال، كاد يتوارى في طيات الخلاف الداخلي الذي شجر حول قضية كان يفترض أن تزيد وحدتهم صلابة، هي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي تحولت إلى استثمار مجزٍ للدول التي أقلقها هذا الصمود الجبار للوطن الصغير بكل تداعياته المحتملة على الصراع العربي الإسرائيلي، ومن ثم على مشروع الهيمنة الأميركية ـ الإسرائيلية المطلقة على الوطن العربي بمختلف أقطاره. 

ولقد أخذنا الاستثمار الخارجي للجريمة إلى الاغتراب عن ضمانات وجودنا، وأولها الوحدة الوطنية، وعن التنبّه إلى أن عدونا الإسرائيلي ما زال في حالة حرب مفتوحة علينا، تؤكّدها ـ بالحد الأدنى ـ طلعات سلاحه الجوي اليومية التي تخترق سماءنا من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال مروراً بالعاصمة والجبل والبقاع بغربه وشرقه.. فضلاً عن إفادته من الكرم الأميركي الفائض عن الحد والذي منحه ٢٠ طائرة حربية حديثة مجاناً، وقبة فولاذية وأودع في مستودعاته ذخيرة تكفي لحروب عديدة.. 

بل إن الغفلة، وربما الكيدية، جعلت بعضنا يتبنى الروايات الإسرائيلية
عن الجريمة ومرتكبيها، متجاهلاً غرضها في إثارة الفتنة وإشغال اللبنانيين بعضهم بالبعض الآخر، وهم جميعاً أهل الشهيد، والأخطر: متجاهلاً تصريحات قيادييها المدنيين والعسكريين ومناوراتها شبه الدائمة بهدفها المعلن وهو «الثأر من الهزيمة في حرب تموز» بالعودة إلى الميدان مجدداً... ومتجاهلاً التغطية السياسية لعملية قضم الأراضي الفلسطينية بالمستوطنات التي باتت تشكّل طوقاً من الإسمنت المسلح والمستوطنين المدججين بالسلاح، و«الهوية» الجديدة التي منحتها إسرائيل لذاتها بمباركة أميركية، بل ومن على باب البيت الأبيض في واشنطن، «دولة يهود العالم» والتي تهدد وجود من تبقى من أهل الأرض فيها نتيجة لفرضها عليهم «قسم الولاء» الذي سوف يكون المبرّر لطردهم منها، ولو بعد حين. 

أسقط بعضنا العداء لإسرائيل مقدماً عليه «العداء» لأخيه الشقيق، بعدما سحب من التداول اتهام سوريا بارتكاب الجريمة، فجأة ومن دون تبرير لتوجيهه إليها أصلاً، ومن ثم تعديله في اتجاه «حزب الله»، من قبل أن يصدر قرار الاتهام واعتماداً على تقديرات وتخمينات وتسريبات تستهدف تحويل هذا الحزب من قائد لمقاومة منتصرة إلى متستر على «عناصر غير منضبطة» يمكنها أن تقدم على اغتيال واحد من أصدقائها الكبار، وزعيم شعبي تخطت شهرته ونفوذه حدود الوطن الصغير. 

مع كل ذلك، فقد استبشر اللبنانيون خيراً بمقدمات الانفراج في الأزمة السياسية العراقية التي كانت تنذر بتفجر حرب أهلية تمزق وحدة الشعب ودولته أو ما تبقى منها، بعدما أسقط الاحتلال الأميركي، كوريث للطغيان، الهوية الوطنية عن العراقيين وتعامل معهم بعناصرهم المكونة: هم عرب وأكراد، والعرب سنة وشيعة: فأما الكرد فلهم حصتهم التي لا جدال حولها، وأما العرب فليقتتلوا على المناصب، منشغلين عن الاحتلال والنهب المنظم لخيرات وطنهم الذي
كان غنياً فنهب وما يزال ينهب بينما الشعب غارق في فقره وخوفه المقيم. 

ساد الافتراض أن أقوى الأطراف الدوليين ومعهم بعض «الجيران» المعنيين قد توصلوا إلى «تسوية ما» يحقق فيها كل طرف بعض مصالحه، تاركين للعراقيين فرصة للتنفس والحلم بموت طبيعي، إذا ما تمت تهدئة العصبيات المذهبية المستثارة. 

وتوقع اللبنانيون الذين يعرفون أن وطنهم الصغير الذي طالما استخدم كساحة نموذجية من ساحات الصراع الدولي، قد يستفيد من «التفاهم» في العراق وعليه، وأن المناخ الذي أوصل إلى التسوية في العراق قد يمتد إليه بإشاعة مناخ من الهدوء الداخلي الذي قد يساعد على بلورة «تسوية» تبعد عنهم أشباح الحرب الأهلية التي لا تكاد تغادر نهاراتهم المضطربة وليالي التوتر.
قال بعضهم: نحن، على الأقل، لسنا مختلفين على الثوابت، أي وحدة الدولة والصيغة السياسية للحكم، والتمييز بين الأخ الشقيق وبين العدو الوطني والقومي وطبيعة الصراع المفتوح معه منذ سبعة عقود وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً... 

وقال بعض آخر: لكن المحكمة الدولية بطليعتها التفجيرية ممثلة بالقرار الاتهامي في جريمة الاغتيال تكاد تضرب روابط الأخوة، وتكاد تدمر صلات الرحم، وهي قد جعلت الأجنبي مرجعنا السياسي والقضائي والإعلامي ـ أميركياً بالأساس، حتى لا ننسى تصريحات جون كيري وهيلاري كلينتون وجيفري فيلتمان ـ ومن ثم إسرائيلياً حيث يضخ إعلام إسرائيل وبعض المسؤولين فيها، بين الحين والآخر «معلومات مثيرة» لأجهزة إعلام عربية محددة ويغريها «بالسبق الصحافي» في نقل المزور والمفبرك، فتنقلها بعض هذه الأجهزة التي لا تفرق بين الواقعة والدسيسة، أو التي تستخدم الدسائس والأكاذيب والشائعات المفبركة لتصير «أخباراً» وتحتل
صدر الصفحات الأولى في بعض الصحف العربية فضلاً عن المحلية، ومقدمات النشرات الإخبارية في بعض الفضائيات، ودائماً بهدف محدد: إثارة الفتنة بين اللبنانيين عموماً، وبين المسلمين منهم على وجه التحديد، بحيث تصير الجريمة اغتيال وطن وشعب تعتبر إسرائيل أن لها ثأراً عليه، وقد جاءت لحظة الانتقام!

ما زال الرهان في لبنان على تسوية قد يبتدعها التفاهم السوري ـ السعودي خلال فترة وجيزة، سيكون أهم ما فيها إعادة الوعي إلى اللبنانيين بوحدتهم في همومهم وفي طموحاتهم وفي حرصهم على الحقيقة التي تنقذهم من تدمير الذات. 

لكن الواضح أن الإدارة الأميركية (ومعها إسرائيل دائماً) تشاغب على مشروع التسوية المفترض، يساعدها في بيروت كل مستثمري الجريمة والتحقيق والقرار الاتهامي والمحكمة الدولية.

ولعل هذه الإدارة قد أحبطت أيضاً المساعي المتجددة للمصالحة بين حركتي فتح وحماس، والتي شهدت انطلاقة مشجعة قبل أيام في دمشق، ثم عطلتها «القوى المتضررة» من استعادة العمل الوطني الفلسطيني الحد الأدنى من المنعة بوحدة الهدف.

.. ولن تكون فتنة في لبنان! ولن تذهب المقاومة بمجاهديها إلى حرب أهلية جديدة. ولن يحتدم الخلاف حول سلوك السلطة إلى حد إسقاط النظام الذي أثبتت التجارب أنه يبقى حتى لو سقطت الدولة واقتتل «الرعايا» إلى حد الهلاك. إنه نظام مصفح بالرعاية الدولية، وبعجز قوى التغيير عن تغييره. 

فامض بعائلتك إلى إجازة العيد مطمئناً إلى أن محاولات التحريض لن تنفع في تغيير ثوابت اليقين، فالمقاومة ترى الوطن في صورته الكاملة، ولا تطلب من السلطة إلا ما يحفظ قدرتها على أداء واجبها.. والآخرون أعجز من أن يكملوا انقلاباً مستحيلاً باستخدام القرار الاتهامي أو المحكمة ذاتها لأغراضهم ولو على حساب الشهيد الذي يتعرض لاعتداءات يومية على دوره الحقيقي وعلى صورته الأصلية.

https://taghribnews.com/vdcfvmdm.w6dyyaikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز