تاريخ النشر2010 23 August ساعة 13:10
رقم : 24159

إيران ربحت الرهان النووي وإسرائيل الإذعان "الفلسطيني"

خلال اسبوع واحد، ربح كل من العدوين اللدودين، إسرائيل وإيران، رهاناً مزمناً. إسرائيل كسبت رهانها على رضوخ السلطة الفلسطينية لاجراء مفاوضات مباشرة معها دونما شروط مسبقة. وإيران كسبت رهانها النووي بتدشين مفاعل بوشهر الكهروذري بعد صراع مع عالم معادٍ تقوده الولايات المتحدة دام نحو ثلاثة عقود. غير ان اذعان فلسطينيي محمود عباس لن ينهي قضية فلسطين وان كان سيظلل مركزيتها في الحياة السياسية العربية ويعطل اولويتها في عالم الاسلام. كذلك فإن نجاح إيران في زرع "شوكة في خاصرة الحاقدين" متوّجهاً سلسلة من الانجازات العلمية والتكنولوجية في وجه ضغوط اميركا والغرب الاطلسي والتذبذب الروسي لا يجعلها بمأمن من ضربة عسكرية محتملة، اميركية او إسرائيلية، في الحاضر المأزوم او المستقبل المنظور.
إيران ربحت الرهان النووي وإسرائيل الإذعان "الفلسطيني"
 
من الواضح ان السلطة الفلسطينية ما كانت لترضخ لشروط حكومة نتانياهو باجراء مفاوضات مباشرة بلا شروط مسبقة لولا ضغوط قوية مورست عليها من جهتين: الاولى، باراك اوباما الذي تكشفت قيادته الضعيفة للادارة الاميركية عن استعداد دائم للتراجع كرما لعيون اركان الكيان الصهيوني. الثانية، دول الاعتدال العربية التي باتت مقتنعة بأن "الخطر الاول" الذي يواجهها حالياً ليس إسرائيل بل إيران !
هل ثمة احتمال جدّي بأن تتعرض إيران الى ضربة عسكرية في الحاضر او المستقبل؟ 
سلطه فلظطيع
ظاهر الحال يشير الى ان إسرائيل هي المرشحة للقيام بهذه المغامرة. مصداق ذلك التصريحات المفاجئة التي ادلى بها السفير الاميركي السابق لدى الامم المتحدة جون بولتون منتصفَ الاسبوع الماضي ومفادها ان امام إسرائيل ثلاثة ايام فقط لضرب مفاعل بوشهر قبل ان تبدأ روسيا عملية تزويده وقوداً نووياً، اذ ان اي هجوم بعد ذلك ربما يتسبب باطلاق مواد مشعة. ولم يتوانَ بولتون عن التحذير من انه بمجرد ان تدخل منشأة بوشهر قيد الاستخدام العملاني، فإن الاوان سيكون قد فات على توجيه ضربة جوية عسكرية ضد إيران مخافة انتشار مواد مشعة والحاق الضرر بالمدنيين. 

تصريحات بولتن تحمل مدلولين متناقضين. فهي، ظاهراً، تحمل معنى تحريض إسرائيل على ضرب مفاعل بوشهر قبل تزويده وقوداً نووياً "مثلما فعلت مع المفاعل النووي العراقي اوزيراك في سنة ۱ ۸ ۹ ۱، ومع المفاعل النووي الذي بنته كوريا الشمالية في سوريا في سنة ۷ ۰ ۰ ۲". غير ان تصريحات بولتن تحمل معنى آخر وهي استحالة توجيه اي ضربة عسكرية الى منشآت إيران النووية بعد تدشين مفاعل بوشهر النووي لأنها جميعاً مزودة وقوداً نووياً ما يتسبب في اطلاق مواد مشعة تُلحق ضرراً بالمدنيين. 

يبدو ان ثمة اسباباً اخرى، غير خطر اطلاق مواد مشعة، حملت إسرائيل على الاحجام عن ضرب إيران في هذه الآونة. اولها، ان اميركا غير مستعدة في الوقت الحاضر للتورط في حرب جديدة بسبب متاعبها الاقتصادية وبلوغ دينها العام مبلغ ۳ ۱ تريليون دولار من جهة، وتعثر حروبها في العراق وافغانستان وباكستان من جهة اخرى. ثانيها، ان واشنطن اكدت لتل ابيب، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" (۰ ۲/۸/۰ ۱ ۰ ۲) ان إيران بحاجة الى اكثر من عام من اجل انتاج سلاحها النووي. ربما لهذا السبب سارع وزير المال الإسرائيلي يوفال شطاينيتس الى التصريح بأن على إيران ألا تستنتج ان الوقت قد فات على توجيه ضربة عسكرية لها، داعياً واشنطن الى تهديدها بأنها "اذا لم تغيّر تصرفاتها خلال اسابيع، فسيأخذ الخيار العسكري الموضوع على الطاولة اهمية حقيقية". ثالثها، ان اوساطاً اميركية متعددة واثقة بأن العقوبات الدولية والاميركية المفروضة على إيران ستلحق أضرراً بالغة بالاقتصاد الإيراني ما يحمل طهران على تقليص برنامجها النووي. 

هذه الأسباب الثلاثة كافية، بحد ذاتها، لردع إسرائيل عن التورط في مغامرة عسكرية ضد إيران. لكن ثمة سبباً رابعاً لعله الاكثر جدية في ردع الكيان الصهيوني. انه قدرات إيران العسكرية المتنامية وتصميمها على استخدامها بشكل يمنحها قوة رادعة ليس ضد إسرائيل فحسب بل ضد اميركا ايضا. ها هو وزير الدفاع الإيراني احمد وحيدي يعلن، بالصوت والصورة، عشية تدشين مفاعل بوشهر، اختبار الصاروخ " قيام - أ " من طراز ارض- ارض الذي يتمتع بمجموعة من الخصائص الفنية الجديدة والقدرات الفنية العالية اذ " ليست فيه أجنحة توجيه مما يعطيه تفوقاً فنياً ولاسيما لجهة تفادي فعالية الرادار، وفيه اجهزة تتبع وتوجيه ذاتي، وفي امكانه تجنب استهدافه من الانظمة المضادة للصواريخ". 

هذا الانجاز الصاروخي الجديد يعزز فعالية إيران الدفاعية وقدراتها الهجومية كما صدقية التهديدات التي يطلقها قادتها العسكريون. ذلك ان رئيس دائرة العمليات في القيادة العامة للقوات المسلحة الإيرانية العميد علي شادماني كان اعلن قبل ايام انه "لمواجهة العدوان المحتمل، خططنا لثلاث اجراءات وفي مقدمها السيطرة بشكل تام على مضيق هرمز حيث لن يسمح لأحد بالحركة"، مؤكداً "نحن نراقب بدقة جميع القواعد الاميركية في افغانستان والعراق، واستناداً الى ذلك فإن ادنى محاولة ضد إيران، ستجعل القوات الموجودة في هذه القواعد تصاب بالشلل، ولن يسمح لها بالقيام بأي عمليات". اكثر من ذلك، هدد العميد شادماني الكيان الصهيوني بقوله "ان إسرائيل هي الحديقة الخلفية لاميركا، وعلى هذا الاساس، فاننا سندمر هذه الحديقة الخلفية ". وكان المرشد الاعلى للجمهورية الإيرانية الاسلامية علي خامنئي صرح بأن رد إيران على اي هجوم يُشن عليها لن ينحصر في المنطقة بل سيتجاوزها الى أبعد منها. 

ان قدرة إيران على اغلاق مضيق هرمز وعلى اصابة قواعد عسكرية اميركية داخل المنطقة وخارجها سيكون لها تأثير كبير في تحديد شكل الضربة الإسرائيلية (والاميركية) لإيران في حال اقرارها. فاغلاق مضيق هرمز قد يؤدي الى تعطيل مرور نحو 20 في المائة من انتاج النفط في العالم . كما ان قدرة إيران على اصابة القواعد العسكرية الاميركية داخل المنطقة وخارجها قد يحمل الدول العربية والاسلامية المضيفة على مطالبة واشنطن بالاحجام عن استعمالها في مجهودها الحربي.
مع ذلك يرى بعض الخبراء والمحللين الاستراتيجيين ان التحديات والعوائق والخسائر المحتملة المشار اليها قد لا تثني إسرائيل (واميركا) عن محاولة ضرب إيران لأن الاخطار والخسائر المحققة التي تنجم عن بقائها قوة اقليمية مركزية بأنياب نووية وبأسلحة دمار شامل اخرى تفوق بمراحل التكلفة والخسائر الناجمة عن ضربها وتدميرها. 

يزداد هذا التقدير الاستراتيجي وروداً مع التقاء العديد من أصحاب القرار في إسرائيل مع نظرائهم في اميركا على اعتبار الاسلام الراديكالي هو العدو المشترك للبلدين. اصحاب القرار هؤلاء ينظرون الى إيران الاسلامية بصيغة المستقبل ويتحسبون للتحديات التي يمور بها الاسلام الراديكالي. ولعل عيّنة من هذا التفكير تتمثل بما كتبه الكاتب السياسي نداف هَعَتسيني في صحيفة "معاريف" (۹ ۱/۸/۰ ۱ ۰ ۲) اذ وصف الرئيس اوباما بأنه " يبدو أشبه بالاعمى ازاء العدو الحقيقي الماثل الآن امام بلده وامام العالم الحر كله، وهو الاسلام المتطرف. ان هذا العدو لا يمكن التوصل الى سلام معه. واذا لم يستفق اوباما من احلامه، اواذا لم يتمّ استبداله على وجه السرعة، فإن العالم كله سيدفع ثمناً باهظاً. 

في اطار التحسب لمواجهة إيران بما هي رأس حربة الاسلام الراديكالي، يخطط العقل الاستراتيجي الإسرائيلي لمحاولة ضربها وازالة خطرها. الضربة المحتملة قد لا تستهدف بالضرورة منشآت إيران النووية المحصنة. فإيران لم تتوصل بعد الى صنع قنبلة ذرية واحدة، وقد لا تكون معنية بهذا الامر. ومع ذلك فهي، في نظر اهل القرار في إسرائيل، خطر ماثل ومتفاقم. وعليه، فإن الضربة المحتمل تسديدها لها قد تتركز، بالدرجة الاولى، على قاعدتها الصناعية وبنيتها التحتية بكل انواعها واشكالها. ذلك ان الهدف الاستراتيجي المطلوب هو تدمير إيران بقصد تحجيمها واعادتها الى الوراء عشر سنوات على الاقل.
هذا يفسر قرار إسرائيل شراء ۰ ۲ طائرة من طراز "اف- ۵۳" او "الشبح" التي تعتبر الطائرة الاكثر تطوراً في العالم. فهي تمنح تل ابيب امتياز المحافظة على تفوقها العسكري على جميع دول المنطقة الى جانب منحها القدرة على معالجة ما اسماه عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس" (۹ ۱/۸/۰ ۱ ۰ ۲) القدرة على معالجة "كل ما يتعلق بدائرة الأخطار البعيدة المدى التي تهددها".
 
غير ان قدرة إسرائيل على بلوغ اجواء إيران بطائرات "اف - ۵۳" (التي لن توضع في الخدمة قبل ۷ ۱ ۰ ۲) او بغيرها لا تمنع إيران من بلوغ إسرائيل وايذائها بصواريخها بعيدة المدى. اكثر من ذلك، في مقدور إيران ردع إسرائيل من خلال تحالفاتها مع سوريا والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية (حماس). في هذا المجال، يسترعي الاهتمام التقرير الذي صدر مؤخراً عن "مجموعة الازمات الدولية" (ICG)، اذ تؤكد مجموعة الباحثين التي كتبت التقرير، بعد لقاءات مع كبار المسؤولين في كل من حزب الله وسوريا وإسرائيل، ان السبب الرئيس الذي يمنع الحرب هو خشية الاطراف كلها من ان تكون المواجهة العسكرية المقبلة اكثر شمولاً وتدميراً من المواجهات السابقة كلها. 

وقد جاء في التقرير ان مسؤولا إسرائيلياً رفيع المستوى قال لمجموعة الباحثين "ان السكان المدنيين سيكونون في المواجهة المقبلة اكثر عرضةً للمساس، وان حزب الله سيُنزل بنا ضربة مؤلمة وازاء ذلك، من المتوقع ان ترد إسرائيل الصاع صاعين". غير ان مسؤولين كباراً في حزب الله اكدوا لمجموعة الباحثين ان الصواريخ التي في حيازتهم ستردع إسرائيل عن خوض مواجهة اخرى لأنها تجعلها تدرك الثمن الباهظ الذي ستتكبده في حال اقدامها على شن هجوم عسكري على لبنان. كما اكد مصدر رفيع في الحزب لمجموعة الباحثين ان اي هجوم إسرائيلي، حتى لو كان محدوداً، سيجرّ ردة فعل قوية من طرف حزب الله. وقد اوصت مجموعة الباحثين بعدم التعامل مع هذه التحديات على انها جوفاء، معيدةً الى الاذهان ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله برهن طيلة الاعوام الماضية على انه ينفذ وعوده.
هل تنجرّ سوريا الى المواجهة المقبلة؟ 

تنسب مجموعة الباحثين الى مصادر اميركية رفيعة المستوى عن خشيتها من انجرار سوريا الى المواجهة المقبلة نتيجةَ "التلاحم غير المسبوق" القائم بين المنظومات العسكرية لدى كل من سوريا وحزب الله وإيران. غير ان مجموعة الباحثين حذرت إسرائيل من ارتكاب خطأ برؤيتها حزب الله مجرد اداة في يد إيران تحركها متى تشاء.
هذا ما هو متوقع في المشهد الشرق اوسطي المثير. ماذا عن المشهد الآخر في واشنطن حيث ستبدأ المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؟
لن يكون المشهد في واشنطن مثيراً على الاطلاق. فالمفاوضات، المباشرة وغير المباشرة، بين إسرائيل وبعض الفلسطينيين ناشطة منذ نحو عشرين عاماً من دون ان تسفر الاّ عن مزيد من التلهي بمعسول الكلام من طرف محترفي تذوّق حلاوة الاوهام.
عصام نعمان - كاتب وسياسي لبناني
https://taghribnews.com/vdccosqi.2bq0p8aca2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز