تاريخ النشر2014 27 June ساعة 13:04
رقم : 162150

المالكي أمام الخيار الوحيد: الانتصار

تنا
المالكي يجيد قراءة المصالح العراقية العليا وهو ما يكره الأمريكيون أن يروه في اي زعيم عربي….
رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي
رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي

وليد شاكر العبيدي

أصبح واضحا الآن من خلال سيل التصريحات الرسمية الأمريكية والغربية والنهج الإعلامي لوسائل الإعلام الغربية الناطقة باللغة العربية وصداها من المحطات العربية وكذلك تحركات بعض الساسة العراقيين الفاشلين (المعيار السليم هو المعيار الانتخابي) والممقوتين شعبيا كالجلبي أن هناك جهدا منسقا داخليا وعربيا وغربيا تقوده الولايات المتحدة لوضع رئيس الوزراء نوري المالكي بموضع الاختيار بين تشكيل الحكومة بالمواصفات التي يريدها هؤلاء بعيدا عن الاستحقاق الانتخابي أو إعلان الاستسلام وتنازله عن منصب رئيس الوزراء وفي هذه الحالة قد لا يكون حتى من ائتلاف دولة القانون…

وكما يتضح من صورة اليوم بعد أن تجمعت المؤشرات الكافية هو أننا نستطيع أن نتحدث عن انقلاب أداته ليس الجيش كما اعتدنا بل تحالف فلول البعث مع ماكنة الإرهاب الدولية التي يحركها الغربيون بزعامة الولايات المتحدة مدعوما بزعامات إقليمية وعراقية معروفة….وعندما تتحدث صحيفة اعتبرها الكثير من المراقبين العرب “موضوعية” مثل صحيفة الاندبندنت البريطانية عن “أن نهاية نوري المالكي باتت قريبة” ويتردد نفس الكلام على لسان صحيفة التايمز من أن ”الوقت حان لرحيل المالكي عن سدة الحكم….”

والغارديان: “المالكي لا يقبل بأى نصائح، حتى من حلفائه أمريكا وإيران وكل ما يريده فقط هو المساعدة العسكرية دون تحفظات…” عدا سيل التصريحات الأمريكية المنافقة والتي دللت بشكل فاضح عن أن قوى الإرهاب هي أداة لتنفيذ السياسات الغربية والتي أصبح التدخل المسلح جزءا عضويا منها، تكتمل معالم صورة ما يخطط له….

إن السؤال هل أن هذا الحشد ضد المالكي هو لجعله يذعن أم لجعله “يرحل” يصبح غير ذي أهمية
فالإذعان هنا يصبح رديف الإذلال وإذلال المالكي يعني إذلال غالبية الشعب العراقي التي انتخبته واحتقار فاضح لإرادتها….

لقد بينت في مقالتي السابقة أن الهجوم الإرهابي هدفه إفشال مسعى رئيس الوزراء لتشكيل حكومة غالبية سياسية ضاربا صفحا عن حكومة التقاسم التي يريدها الأمريكان وحلفاءهم العرب والعراقيين (والتي لم تثبت سوى أنها أداة تعطيل) كصيغة حكم دائمة في العراق تصبح مع مرور الزمن عرفا لا يمكن تجاوزه بحيث يصبح النظام الديمقراطي مجرد شكل لمحتوى زائف لكن تطور الأحداث يشير إلى ان الولايات المتحدة قد تذهب إلى أبعد من ذلك وهو إسقاط حكومة منتخبة ديمقراطيا بوسائل ديبلوماسية (عبر وزارة الخارجية كأداة للتحذير والضغط المخفي وراء اللغة الدبلوماسية) أو -إن فشلت – بوسائل أخرى عبر المزيد من الدعم للمسلحين من داعش وبعثيين . إن تاريخ الولايات المتحدة بهذا الشأن طويل وأظهرت مرات ومرات أنها لا تعير القانون الدولي بالا وأن مصالحها النفطية وأمن إسرائيل ودول الخليج تحتل الأولوية….

و لا يشكل العراق لوحده وفي حالته الضعيفة التي هو فيها أي تهديد لأمن إسرائيل غير أن تطور نظام سياسي مستقل عن مركز القرار في واشنطن قد يذهب بالعراق (أو هكذا يرى صناع القرار في واشنطن) باتجاه محور سوري عراقي إيراني يشكل معادلا أو مهددا لمنظومة الاقتصاد والأمن الخليجي والتي أصبحت، من أجل بقاءها، توظف أموالا هائلة في خدمة مصالح الولايات المتحدة في كل مكان على وجه الأرض….وأكثر من ذلك تلوح الولايات المتحدة بتقسيم العراق الذي يمثل مطلبا خليجيا وإسرائيليا وبارزانيا ملحا وهذا خيار قد تلجأ إليه إذا ما وجدت أن العراق في طريق الانزلاق من تحت يديها…

وقد جاءت زيارة كيري الأخيرة إلى بغداد لإعطاء الدبلوماسية الأمريكية فرصتها فيما يعتبره صناع القرار الأمريكيون “لمنح المالكي فرصة لمراجعة نفسه” اي تراجعه عن التفكير بحكومة الغالبية السياسية والتي تعني لواشنطن إقصاء رجالها من دائرة التأثير في القرارات التي تتخذها بغداد…و لا يجد تأكيد المالكي من أن حكومة الغالبية السياسية لا تعني إقصاء أحد اي صدى في إذن واشنطن بل أن الفكرة بحد ذاتها تصيبها بالذعر-إن لم نبالغ بالتعبير- لأن ذلك يعني بالنسبة لها أن المالكي يقول ان من يمثل الكرد ليس بالضرورة مسعود البارزاني ومن
يمثل السنة ليس بالضرورة النجيفي بل هناك آخرون يمكنهم الحديث باسم الكرد أو السنة يتفقون معه على الأسس التي طرحها لتشكيل الحكومة والقائمة على وحدة العراق الجغرافية ووحدة الثروة ورفض التدخل الخارجي في شؤون العراق….

وفي مؤتمره الصحفي الذي عقده في نهاية زيارته الأخيرة كرر جون كيري “الجاركون” الأمريكي المعهود اي الكلام الذي يعوم في بحر العموميات والذي لا ” يشتم منه شيئا” في الظاهر ولكن التطمينات لخدم واشنطن فيه ظاهرة والتي هي في نفس الوقت تهديدات للمالكي وكلمة السر فيها هي “حكومة يشترك فيها الجميع” وكلام من قبيل “إذا ما اتخذ القادة العراقيون الخطوات الضرورية لتوحيد البلاد، فان هذا الدعم سيكون فعالا”. و لا يغرن أحدا تلقيح كيري لحديثه بعبارة “وفق الدستور” ذلك لأنك عندما تقول للمالكي “يمكنك تشكيل الحكومة لأنك تملك الغالبية وفق الدستور ولكن لا تستطيع أن تشكلها “بكيفك” بل عليك أن ترضي أمراء الطوائف والقوميات مهما كانوا فهو كمن يقول له بالعامية “أكل حتى تشبع بس لا تمد ايدك”….

وعدا إرضاء أمراء الطوائف والقوميات ممن لا يؤمنون بعراق موحد وقوي لا يزال الأمريكيون لم “يبلعوا” حقيقة أنه احتلالهم للعراق كان الأقصر في تاريخ الاحتلالات في العالم وأنهم خرجوا دون أن يتركوا قوة ضاربة في هذا البلد ويبحثون عن شتى الوسائل للعودة إليه بصيغة ما ويجدون في فقدان الحكومة سيطرتها على مناطق في العراق فرصة لعرض “خدماتهم” بالثمن الذي يحددوه هم…. وليس الامتناع عن تسليح العراق سوى منع أي حكومة من امتلاك وسائل القوة التي تسمح لها بفرض سلطتها على كل شبر من العراق ما لم تكن تلك الحكومة مستعدة لأن تكون جزءا من الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة وهو ما رفض أن يكونه المالكي…. وإذا كان الأمريكيون قد قبلوا على مضض رفض المالكي معاداة إيران لأسباب معروفة obvious فإنهم لن يسامحوه عن رفضه فتح جبهة عراقية ضد سوريا رغم نظامها البعثي ورغم اتهامه لها في الماضي القريب بأنها تأوي قيادات بعثية عراقية ترسل إرهابيين إلى العراق….
….

يجيد المالكي قراءة المصالح العراقية العليا وهو ما يكره الأمريكيون أن يروه في اي زعيم عربي….

ويمكن القول أن باب المناورة السياسية أمام المالكي ضيق للغاية إن لم يكن مغلقا فهو لن يستطيع التخلي عن مبدأ حكومة الغالبية السياسية دون أن يظهر بمظهر الرجل الضعيف الذي تخلى تحت الضغط عن مبدأ سياسي صحيح انتخبته الجماهير على أساسه آملة في تطبيقه لتخليصها من التجربة المريرة التي مرت بها خلال السنوات الأربع الأخيرة من”حكومة الوحدة الوطنية “….ويدرك الأمريكيون وحلفائهم العراقيون والعرب أن تراجع المالكي عن هذا المبدأ بسبب خوفه من عدم قدرته على بسط سيطرته على المناطق التي خرجت من سلطة الحكومة سوف يؤشر بداية انحسار التأييد الجماهيري له ولدولة
القانون ويمهد الطريق أمامهم ليتخلصوا من عقبة كبيرة أمام تقدم مشروعهم في العراق….

ماذا لو أصر المالكي على موقفه من طريقة تشكيل الحكومة؟ الجواب حسب اعتقادي هو أن الأمريكيين سوف يصعبون عليه إمكانية إعادة سيطرة القوات الحكومية على المناطق المحتلة من قبل تحالف البعث وداعش وسوف يرسلون له إشارات واضحة أن تقسيم العراق أصبح أمرا واقعا والسبب هو رفضه “الاستماع إلى نصائحهم” فلا هو شكل “حكومة تضم الجميع” و لا هو منحهم حق الوجود العسكري والاستخباراتي في العراق مجللا بالحصانة من التبعات القانونية إذا تجاوز الأمريكيون حدود مهمتهم التي جاءوا من أجلها أو تسببوا في قتل عراقيين….

إذا وفق هذا التصور لن يكون أمام المالكي إلا أن يحسم المعركة العسكرية لصالحه معتمدا بالدرجة الأولى على الإمكانات العراقية المتوفرة مع ما تقدمه له روسيا من فرص لا ندري إلى اي درجة يستطيع استثمارها من دون أن يتسبب بالمزيد من الضغط الأمريكي عليه على الأرض…أما خيار اللجوء إلى إيران للمساعدة فهذا بتصوري بعيد الاحتمال ويمكن أن يحدث عندما تصبح بغداد تحت التهديد والذي سوف يعني –أي اللجوء إلى إيران- بداية عملية تقسيم العراق تحت ذريعة “الاحتلال الفارسي”…وليس لدي شك ان وسائل الإعلام المعادية المالكي غربية وشرقية –وما أكثرها- تهيأ العدة حاليا لإثارة ضجة كبيرة إذا ما نجح المالكي في بسط سلطة الدولة على كل مناطق العراق موضوعها أن المالكي استعان بإيران ومن دونها لم يكن بمستطاعه أن ينجح…

لقد وردت أخبار عن عزم إيران تسليم ١٣٠ طائرة حربية روسية الصنع كان صدام قد أودعها لديها عندما احتل الكويت خوفا من قيام الأمريكيين بتدميرها على الأرض والذي لو صح لأضفى بعدا جديدا على المعركة الدائرة على المستويين العسكري والسياسي…وخلاف ما يحاول البعض الترويج له من أن هذه الطائرات قديمة الصنع و لا يمكنها أن تفعل شيئا فإنه يمكن بمساعدة الخبراء الروس إعادة تأهيلها وتجهيزها بأنظمة حديثة لتصبح فعالة في ساحة المعركة وأعتقد أن الإيرانيين أنفسهم يمتلكون الخبرة اللازمة لإعادة تأهيل هذه الطائرات وليس من المعقول أن يكونوا قد تركوها كل هذه المدة رابضة في مطاراتهم لتتهرآ بينما
كانوا يعانون من نقص المعدات العسكرية بسبب حصار الغرب عليهم…وقد تكون الحكومة العراقية قد وضعتها في حسابها كمفاجئة للحظات الأخيرة….

و لا شك أن الحملة التطوعية التي أطلقها المالكي وباركتها المرجعية الدينية في النجف وحرصه على تأسيس تحالف شعبي مع الجيش تشترك فيه العشائر العربية السنية قد أربك إلى درجة ما حسابات من يحرك تحالف داعش والبعث ومن يريد استغلال الانكسارات ليقدم استعراضا على حلبة الرقص السياسي كاستعراضات أحمد الجلبي واستعراض “فيلق السلام المقتدائي” والذي كان حريا به أن يقاتل داعش والبعث وهو صامت…وفي حقيقة الأمر لن يكون مقتدى و لا “جيشه” يوما هدفا لداعش والبعث طالما كان منشغلا بحرب مقدسة ضد المالكي…

ويدرك ائتلاف دولة القانون أبعاد ما يخطط له من اجل إفشال مشروعه السياسي وقد عبر عن ذلك بشكل واضح عضو الائتلاف إحسان العوادي عندما قال – وهو يتحدث عن إمكانية قيام الحكومة العراقية بإعادة النظر باتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة- ” أن “الموقف الأمريكي غير الواضح من الأزمة الأمنية دليل على تنفيذ مشروع جو بايدن السيء الصيت”، لافتا الى أن “هذا المشروع تمت المصادقة عليه في الكونغرس الأمريكي عام ٢٠٠٧ ، وهي ألان بصدد تطبيقه”. (http://awaniq.com/ar/news/)

ليس لدي شك في أن مخطط عرقلة عمل وإفشال أي حكومة تنحى منحى وطنيا والذي ابتدأ منذ وزارة المالكي الأولى وذلك من خلال تعطيل عمل الجهاز الحكومي من طرف الموظفين البعثيين في دوائر الدولة وإشاعة الفساد والرشوة (وهو لا شك عمل منسق) وعرقلة عمل المفتشين النزيهين بل قتلهم وعرقلة عمل أجهزة صنع القرار مثل مجلس النواب من جهة و خلخلة الوضع الأمني بالاعتماد على فلول استخبارات وأمن البعث الذين أصبحوا يحركون من قبل أجهزة استخبارات إقليمية من جهة أخرى كان يراد به إشاعة التذمر والبرم في صفوف الناس من حكومة المالكي بما يهيآ لهزيمة ائتلافه انتخابيا وفتح الطريق أمام النموذج العلاوي مجددا لحكم العراق….غير أن فشل هذا المخطط – رغم ما ألحقه من ضرر بمصالح وأرواح الأبرياء – من خلال وعي الناس لما يجري واستعدادهم للتضحية والذي ترجم نفسه بتصاعد شعبية ائتلاف دولة القانون قد اجبر المخططين على توظيف كل الأوراق التي تبقت لهم وأبرزها ورقة العنف من أجل بعثرة الأوراق السياسية ثم إعادة ترتيبها بما يحفظ مصالحهم المهددة فكانت الهجمة الأخيرة…

إنه ورقة العنف الفوضوي بأبشع صوره والذي لا بد من وقفه والقضاء عليه بواسطة عنف الدولة المنظم والشرعي المدعوم بالإرادة الشعبية والمعبر اصدق تعبير عن مصالحها……
https://taghribnews.com/vdcenw8z7jh8pzi.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز