تاريخ النشر2010 8 September ساعة 14:32
رقم : 25456
في حوار مع الباحث الاسلامي الشيخ علي الحكيم:

ابرز التحديات التي تواجه الاقليات الاسلامية في الغرب

تتسبب الاعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة في البلدان الغربية في سلوكيات غير شرعية لدى الأقلّيات المسلمة فيها محاكاة وتماهيا مع تلك الأعراف.
ابرز التحديات التي تواجه الاقليات الاسلامية في الغرب
خاص بوكالة أنباء التقریب (تنا)
الحديث عن الأقلّيات المسلمة في البلدان الغربية والشرقية يرتبط بمساحة شاسعة من المسلمين الذين يهجروا بلادهم ويعيشون في بحر من الأكثرية غير المسلمة، الأمر الذي يعرّضهم الى ألوان متعددة ومعقّدة من المشاكل والتحديات التي تهدد وجودهم وهويتهم وواقعهم، وحول هذا الموضوع حاورنا الباحث الاسلامي المقيم في بريطانيا الشیخ علی الحکیم ووجهنا اليه الاسئلة التالية:

ماهي ابرز التحدیات التی يواجهها المسلمون فی الغرب؟
هناك تحدیات کثیره تواجه الأقلیات المسلمة في الغرب أبرزها:
التحدي التربوي والتعليمي: ان ثقافة أي مسلم تعتمد على المصادر الثقافية الإسلامية وفي مقدمتها القرآن الكريم والسنة الشريفة، ومفتاح هذه المصادر هي اللغة العربية، وهذه المشكلة يترتب عليها جهل حقيقي في فهم الإسلام فعدم المعرفة باللغة العربية والاختلاف بين لغة الاقلية ولغة القرآن يتسبب في فجوة كبيرة في الهوية الثقافية لهذه الأقلّيات، بل قد ينتج عنه نمط خاص من التفكير خلال البحث عن المصادر الثقافية للفكر الاسلامي، الامر الذي يتسبب في خطر اكبر يهدد هذه الفئات من المسلمين في عقيدتهم نفسها. وحتى الأقلّيات التي تنحدر من أصول عربية أو شرقية تنطق اللغة العربية، فانها تفقد علاقتها باللغة العربية بمرور الزمن، وخاصة بالنسبة للجيل الثاني والثالث، مما يتسبب في الذوبان في نمط التفكير الذي تخلقه اللغة الاجنبية الجديدة، وهي حالة خفية ومعقّدة من حالات الفقدان التدريجي للهوية.
 
التحدي الإجتماعي والحقوقي:تتسع مساحة هذا التحدي لكل ما له علاقة بواقع الاسرة المسلمة وعلاقات أبنائها مع بعضهم، والعلاقات الاجتماعية داخل الأقلّيات، وعلاقاتها بالوسط الذي تعيش فيه، ومقدار الحرية التي تسمح لها بامتلاك واقع اجتماعي مستقل يحظى بالحقوق المدنية والدينية والسياسية التي تميز هويته الاجتماعية والثقافية والدينية عن البيئة العامة، ولعل أبرز انعكاسات هذا التحدي هو قلة عدد المساجد، إذ لا توجد في كثير من مناطق المسلمين مساجد لتكون لهم بمثابة مراكز دينية واجتماعية ومحاور لحركة الأقلّيات وقلة المساجد يؤدي الى مشاكل اخرى ترتبط بصعوبة ممارسة العبادات الاخرى،
كصلاة الجمعة والجماعة. 

وتتسبب الاعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة في البلدان الغربية في سلوكيات غير شرعية لدى الأقلّيات المسلمة فيها محاكاة وتماهيا مع تلك الأعراف التي تأتي في مقدمتها موضوع الإختلاط والانفتاح بين الرجال والنساء في كافة الأماكن وفي المجالس الخاصة والعامة وفي العمل وفي مراكز التعليم (من مرحلة الابتدائية وحتى الدراسات العليا) وفي الرحلات الجماعية وفي اماكن الترفيه (كالبلاجات وغيرها) والأخطر من ذلك أن هذه الأقلّيات ـ حتى الملتزمة منها ـ قد تصل الى مرحلة من تسويغ هذا الواقع، بحيث يصعب عليها الفرز بين الحلال والحرام، لأنها تعودت عليه تماماً وأصبح جزءاً من حياتها.

وهناك ظاهرة قد تكون خاصة بالمسلمين المهاجرين، وهي عدم وجود لغة وفهم مشتركين بين الجيل الأول والثاني والثالث منهم، فالجيل الثالث الذي ولد وتربى في الغرب ولا يعرف غير لغاته وأساليب تفكيره، يشعر بغربة شديدة من الجيل الأول وقد لا يفهمه أبداً، بالنظر لإختلاف الحاجات والمشاعر والنوازع وإختلاف الرؤية للحياة. وهذا الأمر لا يرتبط بالأسرة الواحدة فقط، بل بجميع مفردات الواقع الاجتماعي والديني للأقليات.

وفيما يتعلق بالجوانب الحقوقية فانها تتمثل في قضايا الزواج (الشرعي) والإرث وغيرها مما يرتبط بالقوانين المدنية وقوانين الأحوال الشخصية. فكثير من البلدان الغربية تفرض على مواطنيها (ومنهم المسلمين) القوانين المدنية الوضعية التي يتعارض الكثير منها مع الشرع الاسلامي، الأمر الذي يقود الى مشاكل حقوقية كبيرة للمسلمين. ودون شك فإن الإنتماء بالجنسية للبلد الغربي سيترتب عليه الإلتزام بقوانين هذا البلد بمختلف ألوانها ومضامينها، الأمر الذي يخلق هذه الإشكالية، أي إشكالية الإنتماء بالجنسية للبلد الغربي والإنتماء بالعقيدة للاسلام وما يترتب على ذلك من خصوصيات. وفي المجال نفسه تدخل إشكالية الإنخراط في العمل السياسي والحكومي والحزبي الغربي بالنسبة للمسلمين. 

وهناك تحدي آخر يواجهه المسلمون في الغرب وهو التحدي الثقافي والاعلامي فمن الناحية النظرية والفكرية، فإن وجود الأقلّيات المسلمة في بيئة فكرية نقيضة، تتميز بسيادة الآيديولوجية العلمانية ومختلف الافكار الوضعية والالحادية يؤثر بشكل أو بآخر على البنية الفكرية لهذه الأقلّيات وعلى رؤيتها للدين ووظيفة الدين ويتكامل هذا الجانب النظري والفكري مع الجانب السلوكي والعملي الذي يتميز ـ هو الآخر ـ بسيادة ايديولوجيا المادة
والمنفعة واللذة التي افرزت أشكال مختلفة من السلوكيات اللاأخلاقية واللاإنسانية، واعطت لمفاهيم الصلاح والفساد، والسعادة والشقاء، والحب والبغض، والاستقامة والانحراف، والعدالة والظلم، والحق والباطل، والاستبداد والحرية، مضامين اخرى تناقض المفاهيم الإسلامية التي تنسجم مع الفطرة الإنسانية. وخلق هذا التكامل في الغرب ثقافة خاصة طبعت الحياة هناك بلونها. 

 ولاشك فإن التأثير الذي تتركه ثقافة الغرب على الأقلّيات المسلمة، لا يأخذ دائماً طابع الهجوم أو الغزو المحدد في وجهته، بل إن العملية كثيراً ما تأخذ طابع التأثر اللاواعي الذي ينتج عن خلل عميق في الذات المسلمة، بسبب انهيار الحصون الذاتية للفرد والاسرة والمجتمع المسلم، وهو ما أطلقنا عليه «القابلية على إغتيال الهوية».والأقلّيات المسلمة ـ ككل الفئات الاجتماعية الاخرى ـ تعيش دون إرادتها تحت وطأة الإعلام الغربي الذي يأخذ على عاتقه مهمة نشر تلك الثقافة وتعزيزها وتكريس حضورها الإجتماعي، بالصورة التي تمكّنه من التلاعب بمضامين الوعي الإجتماعي وتياراته، وتوجّه الرأي العام بالإتجاه الذي يخدم مصالح سدنة السياسة والمال.والأخطر من ذلك ظهور بعض الإتجاهات الثقافية والإسلامية في وسط الأقلّيات المسلمة المهاجرة، التي تتناغم مع نوعية الإعلام الغربي وتحاكيه وتتشبه به، وهي اتجاهات مستلبة ولا تقل خطورة وبشاعة في محاولاتها لاغتيال هوية المسلمين الثقافية عن وسائل الاعلام الغربية. ومعظم هذه الاتجاهات تستقر في الولايات المتحدة الامريكية. اضافة الى ظهور حركات اجتماعية غير مستقرة على المعتقدات الإسلامية ولاسيما في أوساط المسلمين السود في أمريكا. 

کیف نواجه هذه التحدیات ؟
لاشك ان الحلول التي تطرح لعلاج أية مشكلة، تفترض دراسة واعية ودقيقة لواقع المشكلة وتفاصيلها وخلفياتها، لتأتي المعالجات منسجمة مع حقائق المشكلة. . ففيما يرتبط بمشاكل الأقلّيات المسلمة في الغرب، فإن استشراف مستقبل هذه المشاكل وماستشكله من ضغوطات على الواقع، سيحدد نوعية الاهداف التي ينبغي الوصول اليها، كما يحدد البدائل والخيارات التي تفرضها حقائق الحاضر، لكي تبتعد المعالجات عن حالة التوصيات العامة، ولغة ما يجب وما ينبغي، وهي اللغة التي تقف عادة خارج إطار الزمان والمكان وأرقامه. الحديث عن المعالجات التي يمكن من خلالها مواجهة التحديات آنفة الذكر، تسبقه مداخل أساسية، يتمثل إهمها في ضرورة وقوف الأقلّيات المسلمة على حقيقة التحديات التي تواجهها ووعي هذه التحديات ومعرفة مضامينها ونوعياتها، دون تهويل أو إلغاء أو تبسيط. حينها ستكون هذه الأقلّيات ـ كمدخل ثان ـ مهيأة للقيام بثلاث عمليات أساسية تكمّل بعضها، بهدف صيانة هويتها
وحمايتها من الإغتيال الثقافي:

الأولى: البناء والتحصين الداخلي.

الثانية: مواجهة التأثيرات المحيطة وعمليات الإغتيال.

الثالثة: التأثير في الوسط المحيط (غير المسلم).

والعملية الثالثة التي مرّ ذكرها، تستدعي أن يتحول المسلمون الى محاور للتأثير في الوسط المحيط، أي عناصر تبليغية، من خلال السلوك الحسن والاخلاق الفاضلة، والكلمة الطيبة والدعوة الحسنة، وبث التعاليم والمفاهيم الإسلامية والتواصل الايجابي مع غير المسلمين، ليخلقوا صوراً مشرقة عن الإسلام والمسلمين في أذهان الآخرين. وهناك الآلاف من المسلمين الذين يعيشون في الغرب من أصحاب الكفاءات والإختصاصات، وهؤلاء بإمكانهم ـ في الوقت الذي يعملون فيه على صيانة هويتهم وهوية اخوانهم في العقيدة ـ التأثير في مجتمع النخب الفكرية والعلمية والثقافية الغربية التي يمارسون تخصصاتهم في أوساطها، بل ويضيفوا البعد الاسلامي الى الحالة الثقافية والحضارية الغربية. فمن الخطأ الإنعزال والتقوقع والإنكفاء، لأن الإنكفاء إذا حقق بعض الإيجابيات المؤقتة، فإن سلبياته على المديين القصير والبعيد هي أكبر بكثير. 

هل يمکن أن تكون وحدة الاقلیات وتوحید الصفوف احد الحلول ؟
من المؤكد ان وحدة هذه الأقلّيات في كل بلد احد الحلول المطروحة ومدخل توحيد الصفوف والكلمة هو أساس كل تخطيط أو نجاح يراد تحقيقه. ولعل المؤتمرات العامة الدورية والاتحادات والبرلمانات ومجالس الشورى هي مظاهر ضرورية لهذه الوحدة، وبإمكانها استيعاب كل المسلمين في أي بلد، لكي يخرج الحديث عن الآلام والآمال والتحديات والحقوق من فم واحد يمثل المسلمين جميعاً. والطموح أن تتجاوز هذه الكيانات المحلية الى كيان أوسع يستوعب كل الأقلّيات المسلمة في اوربا وهكذا في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية واستراليا. والوحدة والتنسيق والتقريب هنا يشمل كل حالات الإختلاف بين المسلمين، في المذهب.. في اللغة.. في الجنسية.. في القومية.. في المستوى الإقتصادي.. في التوجه الاجتماعي.. في المشرب السياسي وغيرها.

ويمكن لمنظمة المؤتمر الاسلامي والمنظمات الاخری أن تسعی فی هذا المجال وهو دعم الأقلّيات المسلمة في الغرب ودعم حقوقها وتنظيم شؤونها. ومن خلال العديد من اللقاءات والقراءات، وضعت المنظمة جملة من الأهداف والمخططات والتوصيات، التي نأمل أن تتحول بموجبها الى واقع عملي، وأعيد هنا التأكيد على نقطة في غاية الأهمية، تتعلق بالتعددية المذهبية والقومية واللغوية والاجتماعية للأقليات. فهذه التعددية لابدّ أن تتحول الى نقطة قوة وتقارب ووحدة، بدلاً عن أن تكون نقطة اختلاف وافتراق. 

حوار:لقاءسعید

https://taghribnews.com/vdcd9o0x.yt0kk6242y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز