تاريخ النشر2010 8 September ساعة 13:28
رقم : 25458
العميد الدكتور امين محمد حطيط

عام القلق! ...لتمرير التصفية او كسب الوقت ؟

عام القلق! ...لتمرير التصفية او كسب الوقت ؟
كما بات معلوما، فرضت الظروف الاميركية الخاصة و العامة، فرضت الدعوة الملحة الى مفاوضات مباشرة بين اسرائيل و سلطة فلسطينية منتهية الصلاحية، مفاوضات يعول كل من المعنيين بها على تحقيق مكسب او مغنم ، و وحدها القضية – القضية الفلسطنية – لا يملك اربابها او اصحابها الحقيقين املاً حتى وحلما بتحقيق اي مكسب، و فقدان الامال هنا امر طبيعي في الظرف القائم لان المنطق في التفاوض هو ان يأخذ الطرف على مائدة المفاوضات شيئا يترجم ما يمتلك من اوراق قوة خارج القاعة و يستطيع ان يستعملها على الطاولة، كاوراق
ضغط ينتزع به الحق المغصوب. اما في حال ضعف او انعدام اوراق القوة تلك، فان التفاوض اصلاً ، ينقلب الى املاء من جهة و استسلام و اذعان من جهة اخرى ، و في احسن الاحوال امتناع عن قبول ما يرمى من فتات – هذا ان سمح له - وهنا تكون وظيفة المفاوضات بيد الفريق القوي اداة تبرئة ذمة و كسب وقت يحتاجه في مكان ما او من اجل عمل آخر. 

و نظرة على فرقاء التفاوض و راعيهم تقود و من غير كبير عناء الى القول بان الفلسطيني يذهب اعزلاً من اي ورقة او سلاح. بعد ان:
- تنازل في المبدأ و سلم لاسرائيل "بحقها الشرعي في الوجود " على ارض فلسطين .
- تنازل عن ورقة المقاومة و بات يدين اعمالها و يسميها ارهابا مستعملاً القاموس الاسرائيلي ذاته.
- تنازل عن وحدة المواجهة و تنكر لجبهة المقاومة و المواجهة التي لا تخشى اسرائيل في الواقع القائم سواها مجتمعة او منفردة خاصة و ان فيها المقاومة التي امتلكت السلاح الذي يقلق اسرائيل في جبهتها الداخلية.
- تنازل عن حرية القرار و وضع نفسه رهينة المجموعة العربية "المعتدلة " التي ترى ان تصفية القضية الفلسطنية و باي ثمن هو في مصلحتها الملحة، خاصة و انها انقادت لاميركا كليا في سياستها الرامية الى تغيير وجهة الصراع ليصبح ايرانيا عربيا، و هي بحاجة لاسرائيل في هذه
المواجهة، و تكون التصفية ضرورية لحفظ شيئ من ماء وجه ذهب اكثره لاقامة التحالف ذاك.
- تنازل عن الكرامة و الحرية الشخصية، ففي قراءة الوضع الشخصي للمفاوض الفسطيني نجده رهينة الاحتلال الاسرائيلي و رهينة الاعاشات الغربية المتمثلة بالاموال التي تستعمل رواتب و تقديمات لمن تولو وظائف في سلطة رام الله. 

في ظل هذا الوهن و الارتهان الذي نجد المفاوض الفلسطيني عليه لا يمكن ان نتوقع ان "يتبرع " الاسرائيلي بشيء يقارب منطق الحق، والاميركي غير قادر و لا يريد ان يفرض عليه ما لا يريد، و كيف تتراجع اسرائيل او تقبل بترك ما في يديها، في غياب قوة او خطر يلزمها بذلك و من سيلزم اميركا بالضغط على اسرائيل. و قد يقول قائل ان مصلحة الاسرائيلي ان يعطي "محمود عباس" شيئاً يمكنه من مواجهة حركة حماس بقوة، و يقنعها بصوابية سياسة التفاوض من اجل التحرير ، هنا نرى الرد بسيط، ان حماس انكرت شرعية التفاوض لانه يبعد كثيرا عن السقف الذي ترفعه وهي تنصلت من نتائجها مسبقاً و بالتالي لن تغير معاهدة
مفترضة او يتصور ان يوقعها محمود عباس مع اسرائيل، لن تغير قناعتها. اذن لا شيء يكسبه الفلسطيني من المفاوضات و لاحل بالمعنى الحقيقي للقضية و هنا نرى ان ليبرمان – وزير خارجية الصهاينة - عبر عن حقيقة الموقف عندما نعى هذه المفاوضات بعد ساعات على انطلاقتها معتبراً ان زمن الحلول لم يحن بعد. نعم زمن الحل لم يأت، و لكن لماذا المفاوضات اذن ؟ 

منذ اللحظة الاولى رأينا ان المصالح الاميركية و الاسرائيلية الراهنة املت هذه المفاوضات في محاولة لتصفية القضية ان امكن او لكسب الوقت في فترة ترتيب الاوراق استعدادا للمرحلة المقبلة الخاصة بكل منهما سواء في الداخل الاميركي و ما فيه من انتخابات نصفية او على جبهات الحروب الاميركية و ما فيها من اخفاقات، او على الصعيد الاسرائيلي و ما تحتاجه حكومة اليمين المتطرف من وقت لاستمرار خطتها التهويدية للقدس و ابتلاع الضفة الغربية بالمستوطنات و الترويج ليهودية الدولة. و من اجل ذلك حدد للمفاوضات مهلة سنة متراخية الجولات مع سرية مطبقة. حيث ان السرية تساعد على التصفية و ان تباعد الجلسات تساعد على كسب الوقت، لكن هذا بحاجة الى تحصين و حماية، و لم يجد الاميركي كما يبدو افضل من القلق ينشره في المحيط سلاحاً، في ظل غياب القدرة على الحرب. لكن القلق المصتع اميركيا لن تكون ساحة الفرقاء انفسهم بعيدة عنه. حيث سنجد في هذا العام ان كل المعنيين بالقضية الفلسطينية عرضة لموجات القلق، و هذه هي النتيجة الفورية للمفاوضات المباشرة التي اردتها اميركا. قلق دائم او دوري يتجدد مع كل جولة مفاوضات، و لهذا اتجه الى تسمية العام الذي بدأ في اول ايلول ٢٠١٠ " بعام القلق ". 

قلق سنلحظه على كل صعيد، على صعيد
الدول، و على صعيد الهيئات و الكيانات غير الدول و على صعيد الاشخاص. و السبب في ذلك، ان الذي يتحرك في التفاوض يخشى من ردة فعل المتربص به، و الاخر الذي بقي خارج المائدة فان قلقه على نوعين قلق مما يدور في الغرف التفاوضية و قلق من منتجات الغرف السوداء اخلالا للامن في هذا البلد او ذاك و و بالنسبة لهذه الفئة او الشخص او ذاك. قلق على الحقوق من حق العودة الى الحق بالتحرير، قلق على الامن الفردي و الجماعي، قلق على الاستقرار، و لبعض الفئات قلق على المصير، و هنا يجب الانتباه الى ما يصاغ او يحضر من ملفات اميركية لهذا الفريق او ذاك من اطراف جبهة المواجهة و المقاومة - من ايران الى سوريا وصولا الى حزب الله و حركة حماس - و شخصياتها و قادتها، و بالمقابل فان اميركا و حلفائها و تابعيها ليسوا اقل قلقا على منصب او دور او مشروع . 

و للقلق المخطط له وظيفة تتجسد بحرمان الخصم من الوقت و الفرصة لتعزيز اوراق قوته بانتظار ما سيكون بعد انتهاء "عام القلق" عندما يتشكل ما يوحي بالانطلاق الى المبادرات الهجومية. ولكن يستوقفنا هنا الموقف المفاجئ الذي اطلقه " ولي الدم " في لبنان و اعترف بخطئه باتهام سوريا بقتل ابيه
رفيق الحريري، و اقراره بشهود الزور الذين استخدموا في حرف التحقيق عن الحقيقة، اذ قد يرى مراقب انه موقف معاكس لهذا الطرح و نرد عليه بالقول على اهمية الموقف هذا الا ان فيه ما يدعو الى الحذر و القلق بالنسبة لجبهة المواجهة و المقاومة، اذ، الا يمكن ان تكون التبرئة في سياق تحييد سوريا عن ملف اعد الان لسواها من اطراف الجبهة ؟ اي انه عمل ياتي ضمن خطة فصل التحالفات و فكفكة الجبهة !!مع ان الكل يعلم ما يحضر لسوريا من ملفات في مواضيع اخرى كافية برأي معديها لانتاج القلق المطلوب بعد عزلها ان وقعت بالفخ. 

في عام القلق المخطط اميركيا يجب الحذر حتى اكثر من زمن الحرب. و ان لا نأمن بسذاجة لمواقف و ابداء رغبات و لعبارات مثيل " الاستقرار" و" التهدئة " و " الكلمة الطيبة"،و هي كلمات تتوقف مفاعيلها عند تلقي اتصال بسيط من الخارج يفرض الخروج عنها، او اتصال معاكس يلزم بالعودة اليها. يجب الحذر لان منح ثقة لا تتوفر عناصرها امر خطر و كما هو خطر الوقوع في استدراج يهدر الطاقات، و لنعلم ان العام هذا ليس عام العمليات الجراحية، بل هو عام التخدير الظاهر تحضيرا للجراحة ان اكتملت ظروفها، لهذا اقول قلق فقط و لا اقول خوف او رعب او خطر.


https://taghribnews.com/vdcfcjd0.w6dttaikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز