تاريخ النشر2010 2 September ساعة 17:24
رقم : 24979

مفاوضات تصفية القضية الفلسطنية ؟ : بين الدوافع و المصير ؟

كان الامر شأنا يستحق الدرس و التحليل ان يصر الرئيس الاميركي على تنظيم مفاوضات مباشرة بين اسرائيل و السلطة الفلسطنية و يضغط على الفريق الاخير الى حد التهديد بوقف المساعدات في مرحلة اولى و التراجع عن الاعتراف به شريكا في عملية السلام في مرحلة ثانية تعيده الى ما كان عليه وضعه مع اميركا قبل اتقاقيات اوسلو .
العميد الدكتور امين محمد حطيط
العميد الدكتور امين محمد حطيط

وكالة أنباء التقریب (تنا )


كان الامر شأنا يستحق الدرس و التحليل ان يصر الرئيس الاميركي على تنظيم مفاوضات مباشرة بين اسرائيل و السلطة الفلسطنية و يضغط على الفريق الاخير الى حد التهديد بوقف المساعدات في مرحلة اولى و التراجع عن الاعتراف به شريكا في عملية السلام في مرحلة ثانية تعيده الى ما كان عليه وضعه مع اميركا قبل اتقاقيات اوسلو .


اما اسرائيل التي تمعن في خطتها و بتسارع ملفت في القدس و الضفة الغربية ، فانها تبحث مع اميركا عن حل خلاق يحفظ في الجوهر استمرار الخطة المتضمنة الاقرار بيهودية الدولة و تهويد القدس لتكون العاصمة الموحدة لهذه الدولة ، و اسقاط حق العودة نهائيا ، و اخيراً اقامة مجلس بلدي فلسطيني لادارة شؤون ما يتبقى من الضفة الغربية بعد الاستيطان السريع و المكثف ، مجلس يسمى دولة منزوعة السيادة و السلاح و طبعا العزة و الكرامة.

و في البحث عن اجابة للسؤال نرى ان اوباما الذى بات على عتبة النصف الثاني من ولايته يرى ان هذه الولاية تتآكل دون نجاح فعلي جدي في الداخل او الخارج . حيث ان انجازه الوحيد في الداخل كان في الملف الصحي و كان له شركاء فيه ، اما في الخارج ، فانه شهد انهيار استراتيجته في افغانستان ، و تخفيض قواته في العراق مرغماً رغم انه ابقى ما يعول عليه من قوى لحفظ المصالح الاميركية هناك في السياسة و الاقتصاد خاصة النفط ، لكن المشهد العام يتجسد في اخفاق اميركي في العراق ايضاً اما علی الاتجاه الايراني فقد حاول ان يصف القرار ١٩٢٩ بالعقوبات على ايران بانه انجاز عظيم لادارته ، و اذ بايران ترد و قبل انتهاء مهلة الثلاثة اشهر المعطاة لها للعودة الى النقاش و مراجعة الموضوع ترد قولاً برفض الانصياع و عملاً يؤكد التحدي و تفتح مفاعل بوشهر لانتاج الطاقة الكهربائية بالذرة التي تريد اميركا ان تحرمها من حقها بها ، اما في لبنان ، فان الخطة الاميركية في اغراق المقاومة في وحول الداخل اللبناني بفتنة تقود االى حرب اهلية كما تتمنى و تخطط اسرائيل و اميركا من باب اكذوبة ما يسمى القرار الاتهام الصادر عن المحقق بقتل الحريري ، فان هذه الخطة يبدو انها جمدت او اوجلت فعلا – و في التجميد او التأجيل نذير اخفاق ايضاً- كل المشهد اذن يقطع بتلاحق الاخفاقات الاميركية عل مساحة المسرح الاستراتجي الكبير المسمى بالمصطلح العسكري الاميركي " المنطقة الوسطى " ، لكل ذلك و على اعتاب الدخول في انتخابات نصفية للكونغرس الاميركي ، رأى اوباما انه بحاجة لاظهار نجاح ما و اختار الملف الفلسطيني ليحدث فيه الانجاز المأمول اميركيا و صهيونياً . و السبب الرئيسي في اختيار هذا الملف عائد الى ٤ امور رئيسية هي :

- وجود سلطة ضعيفة فاشلة في رام الله فقد رئيسها الشرعية الدستورية و القانونية بانتهاء ولايته و استعاض عنها بشرعية ممنوحة له من اميركا و ممن تأمرهم او يلتحقون بقرارها في اروبا و العالم العربي ،

- انقسام فلسطيني و معاناة في قطاع غزة بسبب الحصار الاجرامي الذي تنفذه اسرائيل ضد القطاع بما يمنع – حسب التصور الاسرائيلي و الاميركي – ممارسة الرفض للمفاوضات بالعوة الى عمليات عسكرية لاحياء العمل المقاوم انطلاقاً من القطاع او انطلاق انتفاضة ثالثة في الضفة رفضاً للمفاوضات ،

- دعم عربي واسع للمفاوضات من الجامعة العربية و من معظم البلدان العربية ( باستثناء ثلاث دول فقط ) يمكن اميركا من تركيب الحل الذي تريد للتخلص من عبء قضية تربك مشروعها منذ عقود، (و اغرب ما في هذا الدعم هو موقف سعد الحرير رئيس حكومة لبنان الذي سيكون ممن يدفعون فواتير كبرى في تصفية القضية بالتوطين) .

- الثقة بان الفريق المعارض للمفاوضات من الانظمة و التنظيمات الاقليمية المقاومة و المواجهة للمشروع ، لن يقدم على افتعال ما يعرقل المفاوضات بهجوم في الميدان ، كما انه سيكون ملاحقاً و منشغلاً خلال فترة المفاوضات المقررة لعام واحد ، بملفات تعدها اميركا او بمآزق تحضرها له .

لكل ذلك وجد اوباما ان الظرف مناسب للدعوة ، و وجدت اسرائيل و الدول العربية الملحقة بالقرار الاميركي ان الظروف ملائمة لتصفية االقضية الفلسطنية ، خاصة و ان هذه لم تعد ملفاً صعب الحل بعد ان فتت و جزئت منذ العام ١٩٨٧ و حتى الان ، حيث خرجت مصر و الاردن من الصراع و سقط عنه توصيف الصراع العربي الصهيوني ، ثم فتت الشأن الفلسطيني الى ملفات متنوعة ( القدس – غزة – الضفة – اللاجئين – الخ) و بعد الانقسام الحاصل بين الضفة و القطاع ،ما سمح لاسرائيل ان تطلق مشروعها للحل بشكل يقفز فوق حق العودة و وضع غزة و يعتبر ان منح الضفة الغربية – مع المحافظة على المستعمرات المغتصبة ل ٢٣ % من اراضيها بالاضافة الى جدار العزل المعطل او المقتطع ل ١٢% من ارض الضفة - منحها ادارة محلية ليس لها حق بالسيادة او السلاح او العلاقات الخارجية الا من خلال القرار الاسرائيلي المباشر ، و يكون هذا المشروع هوالتصفية التي تريدها اسرائيل ، و تجد في محمود عباس الشخص "النموذجي ذو الخبرة " لتوقيع الاستسلام لها . و لهذا و بعد تشكيل الوفود للتفاوض طرح نتنياهو اللقاء مع عباس مرتين في الشهر ليحصل على موافقته على الجزئيات تباعا و يعطيها للمتفاوضين لاخراج النصوص و لعباس خبرة في التنازل عن الحقوق الفلسطنية على طاولة المفاوضات كما فعل في اسلو التي كانت الخطوة الاولى لتصفية القضية . و الان هل تنجح المفاوضات في تحقيق الاهداف الاميركية و الاسرائيلية .

ان الحكم النهائي على نجاح المفاوضات يتطلب انصرام المهلة اي سنة كما حدد لها ، و هذا ما تريده اميركا بالضبط – شراء وقت بطول سنة تلزمها لترتب ما تشاء من ملفاتها سواء في الداخل او الخارج خاصة في العراق و افغانستان و لبنان ، و تحجب خلالها الاخفاق الذي يلاحقها ، و تكون الدعوة و الصورة الاولى لبدء المفاوضات كافية في الحد الادنى لاستثمار مناسب لها و تسميه نجاحاً ، هذا بصرف النظر عما ستؤول المفاوضات اليه . اما اسرائيل ، فهي ايضا ستسفيد من هذه المدة لتستثمرها ميدانيا في انفاذ مشروعها استطيانا و تهويداً و متابعة تعزيز القدرات و سد الثغرات في بنيتها العسكرية لتتحضر للحرب المقبلة التي يبدو انها باتت ايضا مستبعدة لفترة سنة اضافية .

اما عن المفاوضات ذاتها فاننا نرى لنتائجها احتمالين :

-الاول : استسلام محمود عباس للضغوط الاميركية و الصهيونية و التسليم بما يفرضه الاسرائيلي وهنا يمكن توقيع اتفاقية حل تشبه اتفاقية اسلو و تكون كما وصفها الرئيس حافظ الاسد يومها ، " كل كلمة فيها بحاجة الى تفاوض و اتفاق لاحق " اي يكون الفلسطيني تنازل و لم يأخذ شيئاً في الحقيقة خاصة و ان المهل المحددة للتنفيذ بعد الاتفاق تصل الى ١٠ سنوات هي مهلة كافية لاسرائيل حسب تقديرها للاجهاز على ما تبقى من معاني للقضية الفلسطنية .

- اما الاحتمال الثاني فيتمثل في فشل المفاوضات خاصة اذا استمرت اسرائيل على تصلبها و تعنتها برفضها الاقرار للفلسطنيين باي حق، و امتنع عباس عن الاستسلام الكلي لها . و هنا يكون المكسب الاميركي متمثلاً في الدعوة و الرعاية و بعدها يحمل الجانب الفلسطيني المسؤولية و تبرأ اسرائيل من مسؤولياتها و تفك عزلتها الدولية .

و هكذا تكون المفاوضات و مهما كانت نتائجهاً مكسبا اميركيا و اسرائيليا ، و خسارة فلسطينية ، و يكون محمود عباس قد قدم للصهيونية العالمية ، خدمة جليلة اخرى بعد خدماته في اوسلو . اما اهم ما يخشى من فكرة المفاوضات و الدعوة لها فضلا عن محاولة اعطاء الفرص لاسرائيل و المكاسب التي ذكرنا ، هو ما يخطط للجبهة المقابلة من محاولات ارباك و اشغال قد تكون الفتن و عمليات القتل و الاغتيال بعضا من وجوهها و من هنا نفهم التركيز في لبنان على القرار الاتهامي ضد المقاومة و في ايران على العقوبات و في غزة على استمرار الحصار اما سوريا فانهم كما يبدو يراقبونها ليشهروا بوجهها ملفات تحضر و هي ليست بغافلة عنها . انها فترة سنة اخشى ان لا ننعم فيها بالاستقرار الذي نرغب، اما عن التصفية التي يرغبون بها فلا اعتقد بانهم قادرون ، و من جميل الصدف يكون يوم القدس العالمي الذي يأتي هذا العام في الاسبوع الذ تبدأ فيه المفاوضات ، يكون اول رد على محاولة تصفية القضية .

العميد الدكتور امين محمد حطيط



https://taghribnews.com/vdccooqi.2bq0m8aca2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز