تاريخ النشر2017 10 November ساعة 23:45
رقم : 292926

"حرب الشفق" .. مواجهات 30 عاماً بين أميركا وإيران بقلم ضابط في "المارينز"

تنا-بيروت
30 عاماً من المواجهات المباشرة وغير المباشرة بين واشنطن وطهران يختصرها ضابط سابق في قوات مشاة البحرية الأميركية في كتابه هذا.
"حرب الشفق" .. مواجهات 30 عاماً بين أميركا وإيران بقلم ضابط في "المارينز"
يروي الدكتور ديفيد كريست، الضابط السابق في قوات مشاة البحرية الأميركية، خفايا 30 عاماً من الصراع الأميركي – الإيراني في كتابه "حرب الشفق".

الكتاب يستند إلى حوارات مع كبار ضباط الجيش الأميركي في مختلف أركانه، خاصة أولئك الذين عملوا في "القيادة المركزية الأميركية" CENTCOM، ليروي صراعاً طويلاً يبدأ مع رئاسة جيمي كارتر، ويشمل محطات عدة: تدهور العلاقات الإيرانية الأميركية - إيران كونترا – التعاون الاستخباراتي الأميركي العراقي – حرب ناقلات النفط في الخليج – المواجهة في العراق.

يشير كريست في مستهلّ استعراضه للرؤية الأميركية إلى الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني إلى أن الاستخبارات الأميركية لم تكن بذاك المستوى الكبير من الخوف من نوايا النظام الإيراني الجديد، مقارنة بما حصل بعد فترة من نجاح الثورة الإيرانية، فيتحدث في هذا الصدد عن معلومات مرّرتها الـ CIA لأجهزة الأمن الإيراني أدت إلى إلقاء القبض على جواسيس يعملون لصالح الاتحاد السوفياتي، بعضهم أعضاء في حزب "تودة" الموالي لموسكو آنذلك، وذلك بعدما فرّ ضابط كبير في الاستخبارات الروسية المتمركزة في طهران يُدعى فلاديمير كوزيشكين إلى بريطانيا حاملاً معه كنزاً دفيناً من وثائق تتعلّق بعمليات تجسس سوفياتية، بحسب رواية الكاتب.

تدهور العلاقات الإيرانية - الأميركية
 
مع الوقت، بدأ الأميركيون يتلمّسون مشاعر الإيرانيين السلبية تجاههم، وذلك بسبب العلاقة التاريخية بين الشاه والبيت الأبيض. هكذا قرّر الأميركيون العمل على إنشاء شبكات تجسسية داخل إيران لاسترجاع فعالية دورهم في هذا البلد.

يروي الكاتب كيف أن الكثير من أموال دافعي الضرائب في الولايات المتحدة تم إنفاقها من دون أن تحقق أي خرق استخباراتي حقيقي داخل الجيش الإيراني، لافتاً إلى أنه حتى الصفوف المتدنية التي تمكّنت الـ CIA من اختراقها نجحت الأجهزة الإيرانية لاحقاً بالتعامل معها، مما دفع الأميركيين للشعور باليأس.

يشرح الكتاب كيف كان لقرار واشنطن باستقبال الشاه الإيراني للعلاج من مرض خبيث أثر كبير ضاعف من عداء الإيرانيين للولايات المتحدة.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 1979، وعلى أثر استقبال واشنطن الشاه الإيراني من أجل علاجه، ثار طلّاب إيرانيون عزموا على اقتحام السفارة الإيرانية في طهران، رداً على ما اعتبروه دعماً أميركيّاً واضحاً للشاه يهدف إلى إعادته للحكم وليس من أجل علاجه من مرض خبيث. وهكذا أمضى 52 أميركيّاً 444 يوماً في الاحتجاز داخل إيران.

إيران كونترا
يقدم "حرب الشفق" الكثير من التفاصيل عن صفقة "إيران كونترا" التي تمت بين الإدارة الأميركية برئاسة رونالد ريغان والإيرانيين، بعدما بدأت الحرب مع العراق، بحيث حصل الجيش الإيراني على سلاح أميركي متطوّر في مقابل مساعدة طهران على تحرير رهائن أميركيين في بيروت.

يشرح كريست كيف تلاعب أحد الوسطاء بالإدارة الأميركية، هو منوشهر غربانيفار، الذي قيل لاحقاً إن له علاقات مع الموساد الإسرائيلي، وكيف تمكّن الحرس الثوري الإيراني من الحصول عبر تلك الصفقات على مئات من صواريخ "تاو"، تم استخدمها لاحقاً ضد البحرية الأميركية في بحر الخليج.

يسلّط كريست الضوء على الضربة التي وجهتها صفقات "إيران كونترا" للعلاقات بين واشنطن والعواصم الخليجية الحليفة لها، بالإضافة إلى عواصم أوروبية أيضاً، فقد ظهر أن الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على دول تهرّب الأسلحة إلى الإيرانيين، تقدّم لهم الأسلحة المتطورة على طبق من فضة، بحسب الكاتب.

التعاون الاستخباراتي الأميركي – العراقي
 
يشير "حرب الشفق" إلى درجة التعاون الذي بلغها الأميركيون والعراقيون من أجل هزيمة طهران في الحرب التي استمرّت ثماني سنوات.

يلفت كريست إلى أن واشنطن مرّرت لبغداد حينها الكثير من صور الأقمار الاصطناعية التي تكشف تحرّكات الجيش الإيراني، مما مكّن الجيش العراقي من صد هجمات كلّفت الإيرانيين خسائر بشرية ضخمة.

زيارات عدة رفيعة المستوى يروي تفاصيلها كريست، شارحاً كيف راهنت الإدارة الأميركية على نصر العراقيين في الحرب، وإن كانت كل هذه الأعمال تجري بحذر لأن صدّام حسين لم يكن مصدر ثقة بدوره بالنسبة للبيت الأبيض.

حرب ناقلات النفط في بحر الخليج
يستعرض الكتاب العديد من تفاصيل حرب ناقلات النفط في بحر الخليج خلال سنوات الحرب الإيرانية – العراقية. فبعد أن بادرت الطائرات العراقية إلى ضرب ناقلات النفط الإيرانية، مما سبب الكثير من الضرر الاقتصادي لطهران، راح الحرس الثوري يستهدف بما أمكنه ناقلات النفط العراقية، بالإضافة إلى ناقلات نفط الدول التي كانت تدعم صدام حسين في الحرب، وخاصة الكويتية والسعودية منها.

ويروي كريست كيف نجحت الألغام الإيرانية بإحداث أذى حقيقي لتلك الناقلات، وعرقلت تجارة النفط، مما دفع بالحكومات الخليجية إلى طلب حماية البحرية الأميركية لتحرّك ناقلات نفطها، لكن أثر الألغام الإيرانية لم يتوقف عند ناقلات النفط بس استهدف السفن الحربية الأميركية وأدّى في إحدى المرّات إلى تدمير إحدى أكبرها وتكبيد طاقمها خسائر كبيرة.

في المقابل، يروي "حرب الشفق" كيف رد الأميركيون على استهدافهم بالألغام الإيرانية، بحيث كانوا يتقدمون بسفن حربية إلى مراكز بحرية إيرانية، ثم ينذرون من فيها بأن عليهم أن يغادروا خلال دقائق معدودة، ليدمّروا بعدها تلك المراكز بشكل كامل.

يستمرّ السرد التفصيلي للعبة القط والفأر التي دارت بين القوتين البحريّتين لإيران والولايات المتحدة، حتى يحلّ نهار 3 تموز/ يوليو عام 1988، عندما استهدفت سفينة حربية أميركية هي فانسنيز  Vincennes، طائرة نقل ركاب إيرانية من طراز إيرباص. أودى هذا الاستهداف، الذي حصل عن طريق الخطأ بحسب رواية كريست، إلى حوالى 290 ضحية، بعد أن ظنّ رادار البحرية الأميركية أنه يتعامل مع طائرة حربية، وبعدما لم يُجب قبطان الطائرة على النداءات اللاسلكية.

يؤكد كريست في كتابه، أنه وبالرغم من الحقيقة التي ظهرت بسرعة لاحقاً بأنه تم استهداف طائرة مدينة إيرانية لا طائرة حربية، إلا أن الضابط الأميركي الذي أمر بإطلاق صاروخ أرض – جو قد تمّت ترقيته على عمله هذا.

يرى كريست، بحسب المعلومات التي توافرت لديه وعرضها في كتابه، أن هذا "الخطأ" الأميركي كان له الأثر الحاسم بدفع النظام الإيراني لقبول وقف إطلاق نار بأقرب وقت، بعدما فهمت طهران ما حصل على أنه قرار أميركي نهائي بفرض حصار جوي على إيران، وأن ما حدث يمكن أن يتكرر بأية لحظة ويودي مجدداً بحياة مئات الإيرانيين.

المواجهة في العراق
 
في حين يشير الكاتب إلى نجاح ما حققه التعاون الإيراني – الأميركي في أفغانستان، أثناء العمل على قيام نظام جديد يحلّ محلّ نظام طالبان، فقد تحدث عن تفاصيل المواجهة الكبيرة التي دارت بين الطرفين في العراق بعد اجتياح عام 2003.

وفي حين راهن الأميركيون على أن يقف المزاج الشعبي العراقي إلى جانبهم بعدما أسقطوا نظام صدام حسين، انكبّ الإيرانيون على العمل الميداني، من خلال دعم علاقاتهم المتنوعة مع العراقيين، وبدأوا بمساعدة الكثير من الفصائل التي قررت قتال الاحتلال الأميركي، مما منح إيران أفضلية كبيرة على الولايات المتحدة في الساحة العراقية، وذلك بالرغم من كل الجهود الأميركية التي هدفت في مراحل لاحقة إلى القضاء على تلك الجماعات التي نسجت علاقات متينة مع حليفها الإيراني.

وبحسب كريست، فإن إدارة الرئيس الأمير جورج بوش الإبن قد راهنت على أن نجاح التجربة الديمقراطية في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، سيؤدي إلى ارتدادات كبيرة في الداخل الإيراني الذي سيُطالب بالوصول إلى وضع مشابه في بلاده، على اعتبار أن النظرة الأميركية للواقع الإيراني تزعم غياب الديمقراطية عن الإيرانيين بشكل كامل. لكن تطوّر الوضع الميداني في العراق ووصوله إلى درجة سلبية جداً بالنسبة للحسابات الأميركية، وشدة تركيز الحرس الثوري الإيراني على عمله داخل العراق، كشف عن مدى عدم صوابية الرؤية الأميركية لواقع ذاك البلد.

يخلص الكاتب إلى أن مشكلة إيران ما زالت ثابتة بالنسبة للسياسة الأميركية، وأن كلّما حاول فريق ما أن يتقرّب من الآخر، سبق البارود الجميع ليبقى هو سيّد الموقف. هكذا لم تسهم 30 سنة من الصراع الأميركي – الإيراني في تحسين العلاقات بين الطرفين حتى اليوم.
 
https://taghribnews.com/vdcj88e8muqehhz.3ffu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز