تاريخ النشر2017 12 December ساعة 15:46
رقم : 298961

العقولُ المُعطَّلة بين الميزانِ الواقعيّ والمثاليّ

تنا
حينَ أقفُ عند مُشكلاتِ العقل وآليات تفكيره أُصَابُ أحياناً بالدَهشة وأحياناً بالذهولِ وأحياناً بالعجزِ هؤلاء الذين يترفّعون عن أجدادهم، هل يملكونَ حقّاً تفكيراً أرفع منهم؟
العقولُ المُعطَّلة بين الميزانِ الواقعيّ والمثاليّ
طارق شفيق حقي
يعني هذا الرجلُ المُعاصِر الذي يدَّعي الحداثة، هل يعرفُ ويُدرِكُ ويَفهم ويَعي أكثر من رجلٍ قبلَ ألفِ سنةٍ مثلاً؟
قانونُ الحياةِ يقول: يجب أنْ يكون كذلك، لكنَّ الواقعَ يُؤكّدُ عكس ذلك.

خميرة العقل وجدوى عمله ليس بِكمِّ المعلومات التي لا جدوى منها؛ كأكبر علمٍ وأصغرِ حبّةِ رز وأعلى جبلٍ وحفظِ مليون معلومةٍ لا تنفع ولا تضر لكن بعقلٍ لا نمطيّ وغير مُعطّل.

العقولُ المُعطَّلةُ
آليةُ اختراقِ هذه العقولِ تحتاجُ لأساليبَ مُختلفة، لكن سأقفُ عندَ التناقضِ بين الفكرِ الواقعيِّ والمثاليّ للعقولِ المُعاصِرة.

لو قلتُ لشخصٍ شَكلانيٍّ مُعاصِرٍ اليوم هل تُحبُّ أنْ تتحرَّر القدسُ على يدِ حزب الله؟
لقالَ لك: لا واللهِ أحبّ لدي أنْ تبقى القدسُ بيدِ الصهاينةِ على أنْ تتحرَّرَ على يدِ الشيعة.

لو عُدنا للتاريخِ وسألناهُ عن موقفِ أهلِ مصر السنَّة
في ذلكَ الوقتِ راسلَ أهل مصر السنّة الفاطميّين الشيعة لدخولِ مصرَ وتولّي أمرهم وحمايتهم من الإخشيديّين وظلمِهم وانتشارِ الفسادِ في البلاد وتزويرِ العملة وانتشارِ قطَّاع الطّرق وظهور خطرِ الغزوِ البيزنطيّ واحتلالِهم المدن الشماليّة في بلادِ الشام، وحمايتهم من غزوات القَرامِطة.

ولا بدَّ من الشرحِ الطائفيِّ؛ فالقرامطةُ كانوا كذلك مِنَ الشيعة، يعني الفاطميّين الشيعة قاتلوا القرامطةَ الشيعة دِفاعاً عن السنَّة في مصر.

والفاطميّون الشيعة قاتلوا كذلك سيف الدولة الحمدانيّ الشيعيّ.

لماذا قَبِلَ أهل مصر بموالةِ الفاطميّين؟ رغم أنَّ الفاطميّين فَشِلُوا مِراراً وتكراراً من دخولِ مصر في غير معركة.

إنّهُ مِنَ الطبيعيّ والمنطقيّ أنْ يبحث أهل مصر عن الحلولِ الواقعيّة لا الحلولِ المثاليّة، فربّما كانَ جُلّ أهل مصر يحلم لو عادت الدولة العبّاسيّة لقوّتها وحَكَمت البلادَ كما كانت ولم يتحكّم بهم أُمراء طولون وأمراء إخشيد.

حينَ ظهرَ الخطرُ المُحدقُ بالبلادِ من فسادٍ واضطهادٍ، وتنامي الخطرُ الخارجيّ كانَ أنْ راسلَ أهل مصر الفاطميين فعيّن الخليفةُ الفاطميّ القائد جوهر الصقليّ وأَبرمَ اتفاقاً مع أهل مصر يقضي أنْ يُبقي مساجدَهم ومذهبهم السنّيّ ويتركُ لأهلِ الذمّةِ حرية معتقدِهم.

ودخل الفاطميّون مصرَ بترحيبِ أهلِها ورضاهم اللّهم إلّا مِنْ مُقاومةٍ لا تُذكَر من المتمرّدين الإخشيديّين.

والسؤالُ الذي لا بدَّ أنْ نقفَ عندهُ بعد هذا العرضِ التاريخيّ:

هل يمكنُ أنْ نقولَ إنَّ الإنسانَ المُعاصِرَ يملكُ قدرةً على التفكير المفيدِ أكثر من الإنسانِ في مصرَ وقتها؟
والمثالُ الثاني هو صلاح الديني الأيوبيّ الكرديّ
لماذا قَبِلَ العربُ في بلادِ الشامِ ومصرَ والعراقِ وجزيرة العرب تولّي قائدٍ كرديّ؟
وهم قَبِلُوا قَبلها تولّي قائدٍ تُركّيٍّ وأوزبكيّ ومملوكيً
أهلُ حلب لماذا قَبِلُوا دخولَ نور الدين الزنكيّ الكرديّ لحلب؟
لماذا راسلوهُ وطَالبُوه بتولّي أمرهم؟؟
لا يوجد لدي أدنى شك أنَّ الناسَ قبلَ ألفِ سنةٍ كانت أكثر حكمةٍ منهُ اليوم
هذه العقولُ المُعطّلة عَبثَت بها فيروساتٌ فلسفيّةٌ وتنظيراتٌ لا واقعيّة
وهُم هُمْ تَراهم يُطبّقون التفكيرَ الواقعيّ في حياتِهم
لكنّهم يرفضونَهُ فكريّاً وتنظيريّاً
في الحربِ، الفتنةُ التي مرّت بالشامِ الأبيّة كان المعارض للدولة السورية إذا أراد إرسال أولاده لمدينة أُخرى فهو يُرسلهم عبر طرق الجيش العربيّ السوريّ لأنّهُ يُدرِك أنّها أكثر أمناً من طُرقِ المُرتزقة، لكنّهُ هو هو يشتمُ ويسبُ الدولةَ ويُعلنُ العداءَ لها.

وإذا كانَ اللّقاحُ فهو يلقّح أولادهُ باللّقاحِ السوريّ لأنّهُ يُدركُ أنّهُ آمنٌ وسليمٌ بينما اللّقاح التركيّ غير آمنٍ وربّما قاتل.

وهو هو تراهُ يتغنّى بأردوغان ويرضى أنْ يكونَ ذليلاً لعدوِّ بلده التاريخيّ على أنْ يكون مُواطناً مُخلصاً لوطنه.

هذا المرضُ هل يمكن أنْ نسمّيه انفصام الشخصيّة؟
لعمري إنّه مرضُ العصرِ الذي يُصيبُ الفردَ والجماعات والدول.

انفصامُ الشخصيّةِ ولا بدَّ لنا حين نُحاوِرُ هذه العقول المريضة أنْ نَعي أنّها مُصابةٌ بمرضِ انفصامِ الشخصيّة، وهذا جانبٌ من جوانبِ تعطّل العقلِ المُعاصِر أحببتُ أنْ أقفَ عنده.

 
https://taghribnews.com/vdcepv8wzjh8ooi.dbbj.html
المصدر : اسيا
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز