تاريخ النشر2012 18 January ساعة 14:07
رقم : 79815
المؤتمر الدولي "المسلمون والمسيحيون في مناخ التحولات الكبرى" يختتم أعماله في بيروت

لـ " حمايةِ الثَّوراتِ من التَّشرذُمِ والضَّياع "

تنا - بيروت
المطران مطر: هل أصوليَّاتُ اليوم تعودُ كلُّها إلى الإسلامِ الأصيلِ وإلى جوهرِهِ الثَّمينِ؟
لـ " حمايةِ الثَّوراتِ من التَّشرذُمِ والضَّياع "
أكد رئيس مركز البحوث لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني سماحة الشيخ أحمد مبلغي أن هناك ثلاثة تحديات تواجه المسلمين و المسيحيين اليوم : الأول يتمثل بإهمال المشتركات ، و الثاني إعتبار المشتركات ذات إقضاءات (فعالية) إيجابية قليلة و الثالث إعتبار هذه الإقتضاءات مهمة و لكنها تواجه موانع . 

وخلال الجلسة الأولى من المؤتمر الدولي "المسلمون والمسيحيون في مناخ التحولات الكبرى" الذي تابع أعماله الثلاثاء في فندق كورال بيتش، والتي كانت تحت عنوان "هواجس الأقليات: حقيقة واقعية أم وهم" . بيّن سماحة الشيخ مبلغي أن التحدي الأول لا يستند إلى منهج عقلي لأن العاقل يركز على المشتركات و أسف سماحته لرواج هذه " النظرة الساذجة التي تحمل المشتركات " . لافتاً إلى أن "قرآننا يركز على أن فكرة الله هي البنية التحتية لكل البشر " . 

وأشار سماحته إلى أن المسلمون و المسيحيون يشتركون في التوجه من باطن الروح إلى الله كما يشتركون في الدعاء، داعياً إلى حلقة خاصة تركز على "التقريب بين المسلمين والمسيحيين " و أن العودة إلى الله هي التي تقرب بين الجميع. 

الجلسة الأولى من المؤتمر، و التي عقدت عند العاشرة و الربع صباحاً ترأسها سيادة المطران بولس مطر الذي تحفظ على اختيارِ كلمة «أقلِّيَّات» في عنوان الجلسة موضحاً أن "الحقوقُ والواجباتُ لا تُبنى في المجتمعات لا على الأعدادِ ولا على مفهومِ الأقلِّيَّات والأكثريَّات بل هي تُبنى على المواطنةِ المتساويةِ وعلى الانتماءِ القوميِّ والإنسانيِّ في آنٍ معًا ". 

و لفت المطران مطر إلى أن " القرآنُ لا يذكرُ كلمةَ أقلِّيَّات إنَّما هو يذكرُ أهلَ الكتابِ ويخصُّهم بكلِّ مودَّةٍ وإكرام" .
من جهة أخرى تطرق سيادة المطران للحديث عن الثورات قائلاً :"إذا كان
على الثَّوراتِ أن تَحمي حقوقَ الجميعِ دونَ استثناءٍ، فإنَّ على الجميعِ أيضًا أن يُساهِموا في حمايةِ الثَّوراتِ من التَّشرذُمِ والضَّياع". موجهاً كلامه إلى ما يحدث في مصر اليوم بعد الثورة الشعبية . 

وليس بعيداً عن الثورات ، أشار المطران مطر في حديثه عن الأصولية بقوله :"لا شكَّ في أنَّ هذا المنحى هو حقٌّ للمسلمين وأنَّ الأصوليَّةَ الدِّينيَّةَ لا يُمكن أن تُرفَضَ إذا كان المقصودُ منها العودةَ إلى الأصلِ وإلى الينابيعِ الدِّينيَّةِ الأولى. إلاَّ أنَّ الإقرارَ بهذا الحقِّ قد نُقرِنُهُ نحنُ بأمنيتَين غاليَتَين: الأولى تكمنُ في العودةِ إلى الأصولِ الأولى للإسلام أيْ إلى زمنِ النَّبيِّ الكريمِ الَّذي خصَّ المسيحيِّين بأطيبِ معاملةٍ، والخلفاءِ الرَّاشدين الَّذين تلقَّوا هذا الإيمانَ وكانوا خيرَ مَن عاشوه ومَن جسَّدوه على أرضِ الواقعِ دولةً ومؤسَّساتٍ". متسائلاً : هل أصوليَّاتُ اليوم تعودُ كلُّها إلى الإسلامِ الأصيلِ وإلى جوهرِهِ الثَّمينِ؟ داعياً إلى "التَّحاورِ مع الأصوليَّاتِ الرَّاهنةِ فنسألها أوَّلاً عن الدَّورِ الَّذي تُقرُّهُ للمسيحيِّين في أنظمتِها الجديدة". 

كما تطرق المطران مطر إلى الإشارة في كلمته عن ما صدرَ منذُ أقلِّ من أسبوعٍ عن الأزهر الشَّريف من بيانٌ حُرِّر مع نخبةٍ من المثقَّفين حولَ مستقبلِ مصر، قائلاً أنه :" تضمَّنَ مواقفَ ومبادئ منيرةً وجديرةً بكلِّ ثناءٍ وقابلةً للحوارِ مع الجميع، بعيدًا عن التَّفرقةِ ونبذِ الآخر". 

وإذ حيّا هذا البيانَ "وأصحابَهُ الكرامَ بالتَّحيَّةِ الصَّادقةِ"، ذكّر مجدداً " بأنَّ الأقلِّيَّاتِ ليس لها هواجسُ لا حقيقيَّة ولا واهمة، إزاءَ ما يجري في العالمِ العربيِّ من تغيُّراتٍ. بلْ هي شريكةٌ مع الأكثريَّاتِ في التَّمسُّكِ بالحقِّ والعدلِ، وبالمواطنةِ الكاملةِ، وصنعِ المصيرِ قولاً وفعلاً. 

ثم حاضر المنسق العام السابق لحركة كفاية
(مصر) الأستاذ جورج اسحاق الذي استعرض ما كان يجري في عهد مبارك من استخدام تيار الإسلام السياسي وممارسات بعض أفراده أو فصائله غير المسؤولة كفزاعة للأقباط تظهر لهم أن نظام مبارك هو الحامي لهم من تصاعد ممارسات هذا التيار مما أدى إلى تزايد انسحاب الأقباط من المجال العام وتقوقعهم خلف جدران الكنيسة.
 
وأشار الأستاذ اسحاق إلى أن "ثورة ٢٥ يناير كشفت أن الشباب الأقباط استطاعوا مع باقي أقرانهم المصريين المسلمين وغير المسلمين بناء مجال عام افتراضي موازي عابر للأديان ونجحوا خلال ثورة ٢٥ يناير في تحويل هذا المجال إلى مجال عام واقعي وحقيقي. وتمكنوا من خلال المشاركة الواسعة للأقباط في الانتخابات الأخيرة في حسم المقاعد البرلمانية في الدوائر التي حسمت لمرشحي القوى المدنية. وبالتالي سصيبح الأقباط جزءً من الكتلة المدنية وليسوا مجرد أقلية دينية ".

ثم ألقى الشيخ ماهر حمود كلمة تساءل فيها :" هل يحق للمسيحيين أن يخافوا من الربيع العربي؟" معتبراً أن الجواب لا يمكن أن يكون بالنفي أو الإيجاب لأنه بسبب المظاهر الشاذة التي تحدث اليوم ( من تعدي على حرية المعتقد) كان من الطبيعي أن يخافوا و لكن الأمل كبير في التغيير لا فتاً إلى أن الضحايا ليسوا فقط من الطائفة المسيحية . 

و أكد الشيخ حمود أن جوهر الإسلام هو التعايش مع أهل الكتاب وأن الإسلام يحمي الجميع سواءً كان ذلك بالنص القرآني أو السنة النبوية الشريفة أو مجمل التاريخ الإسلامي، داعياً المسيحيين إلى أن يساهموا في أسلمة المجتمع في الاتجاه الصحيح، كما دعا إلى إعادة النظر في كلمة التخويف من الإخوان المسلمين . 

بعده تحدث أمين عام اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي – المسيحي سعادة الأمير حارث شهاب، فرأى أنه بعد مرور سنة على قيام الانتفاضات ليس المطلوب حماية المسيحيين بل المطلوب مساواة الجميع في ظل دولة يحميها القانون. 

وأكد الأمير شهاب أن :" المسيحيون يعيشون اليوم حالاً من القلق وهم يشاهدون ما يعتبرونه تشويها لصورة الإسلام من جهة وتراجعاً كبيراً في واقع العيش المشترك الذي
خبروه مع إخوانهم المسلمين منذ صدر الإسلام من جهة أخرى، وقد أصبح يطلق عليهم تسمية الأقليات وهي عبارة تحمل في طياتها تمييزاً مرفوضاً عند الأديان السماوية وعلى وجه التحديد في الإسلام".
 
وأشاد شهاب بالوثيقة الثانية الجديدة للأزهر خصوصاً ما ورد فيها حول الحريات. وخلص إلى أننا اليوم بأمس الحاجة لتفعيل الحوار الإسلامي – المسيحي الذي لا نحتاجه فقط في لبنان وفي محيطنا العربي والشرق أوسطي بل على المستوى العالمي، كما نحتاج إلى وقفة جريئة من القيادات الروحية الإسلامية السنية والشيعية في العالم بدءاً من منطقتنا، تحدد فيه بموقف صريح نظرة الإسلام للمسيحية وعلاقته بها، لكي نقطع دابر الفتنة وتضحض ما يزعمه البعض من تأويل أو تفسير لن يجر بالنتيجة إلا وبالاً علينا، ولن تبقى حينذاك مجموعة بمنأىً عن تردداته السلبية.

واختتمت الجلسة الأولى بمحاضرة لرئيس مركز البحوث لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني سماحة الشيخ أحمد مبلغي .

أما الجلسة الثانية كانت تحت عنوان " اتجاهات الحوار الإسلامي – المسيحي وسط عاصفة التحولات العربية والإقليمية " وترأسها رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله سماحة العلامة الشيخ محمد يزبك الذي شدد على ضرورة أن لا تكون نظرتنا نظرة تشاؤمية إلى ما يجري بل علينا أن نتحمل مسؤولياتنا وتقديم الحلول لمستقبل واعد للإنسان والمواطن في المنطقة من خلال دراسة الأسباب التي أدت إلى الانفجار والفوضى والتباينات في الطروحات والعصبيات المقيتة والاستخفاف بالانسان وحياته ومعتقداته وأفكاره. 

ورأى سماحته أنها " الفوضى التي يبشر بها بوش الإبن لاستباحة المنطقة وإنسانها وأديانها وإثنياتها فلا ضمان ولا حصانة ولا قيمة إلا بتبعية عمياء تتحكم بها صهيونية وماسونية عالمية تحدد الحرية والديمقراطية والخير والشر بما يخدم مشروعها ونظريتها الفوقية شعب الله المختار، والناس إنما خلقوا للخدمة وفي المنطقة الدولة اليهودية إجهازاً على ما تبقى وعليه ينبغي أن يكون محور التغيير يدور مدار الارتباط بالقضية الفلسطينية فهي تحدد وجهات
النظر، العدو، والصديق، والإصلاح والحرية والديمقراطية والدولة والأمة والمدينة والدينية والمواطنة والعمالة". 

وختم رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله " إن السبب الذي ولّد الديكتاتورية والفساد والانتهازية هو التحلل من الارتباط بعالم الروح والقيم والإيمان من خلال الإعلام الموجه الذي شوّه صورة الإيمان وقدّم المادة والتحلل من كل قيمة سبيلاً للسعادة، والعلاج يكون بالعودة إلى قيمنا الروحية وإيماننا بالله والانسان والأرض بكل مفاعيل الإيمان الذي ترجمته الرسل والأنبياء والدعاة والصالحون سلوكاً وحياةً وانسجاماً وأمناً وأماناً لا مكان لقابيل بل يد هابيل ممدوة للسلام وقلبه مفتوح على المحبة".

ثم تحدث إمام مسجد النور بالعباسية – مصر- الداعية الشيخ أحمد السيد تركي، فرأى أن مصطلح "أهل الذمة" هو من أجل ضمان حقوق هؤلاء الناس، مشيراً إلى أن بعض علماء المسلمين اعتبروا أن المسلمين والمسيحيين إذا عاشوا على أرض واحدة فهم أمة واحدة، منتقداً بعض الفتاوى من رجال دين مسلمين ومسيحيين تشكل عوائقاً في الحوار بين الطرفين. وشدد الداعية تركي على ضرورة الانتباه من الشائعات الكاذبة التي تهدف لصنع الفتن في بلادنا.

ثم ألقى رئيس مؤسسة أديان الأب الدكتور فادي ضوء ، كلمة تطرق فيها إلى الأحداث التي تجري على الساحة المصرية والشعارات التي يطرحها المسلمون والأقباط. مميزاً بين حركة الإخوان المسلمين الذين هم تيار سياسي وبين الحركات السلفية المستجدة .

 وأعرب الأب ضو عن اعتقاده بأن ظهور السلفية يطرح سؤالاً على طاولة الحوار الإسلامي المسيحي مفاده هل المرجعية الدينية هي المصدر لتوصيف وتحديد الحياة العامة، والذي بدوره يطرح سؤلاً آخر عن مصير الجماعات الأخرى التي لها قراءة مختلفة؟ وشدد على أننا لا يمكن أن نقف ضد الديكتاتوريات السابقة وفي الوقت نفسه نرفض الديموقرطيات المستجدة.

واختتمت الجلسة بمحاضرة لمدير معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية سماحة الشيخ شفيق جرادي فأكد أنه لا ينبغي
أن نجعل الله عرضة لما قسمناه ، لأنه فوق الجميع ومع الجميع وقبل الجميع، لكن يبقى أن نسأل كيف نميز بين جماعة دينية وأخرى، فالمفاضلة هي أن نكون في محضر الله. 

وقال سماحته :" لا يمكن لي أن اطلب من المسلم أن ينظر للمسيحي نظرته لبقية المسلمين، كما لا يمكن لي أن أطلب من المسيحي أن يضع المسلمين على نفس المصاف من اهتماماته إذ الإيمان العقيدي ومقررات الايمان العقائدي فضلاً عن سياقات الحياة تمنع من ذلك، لكن لا يمكن إلا وأن أرى في وجه كل مسلم أو مسيحي روح الإيمان الحي الذي يجب أن لا يموت." متسائلاً :"بأي إيمان يحرق الواحد منّا معبد الآخر ؟ بأي ايمان نستبيح الكرامات ونسوّغ التهجير ونفقد الحياة المشتركة لذة الهناء والوئام؟ تعالوا نحتكم لإيمان الروح فينا ولنسمعها ولو لهذه المرة". 

وواصل المؤتمر أعماله بعد الظهر فترأس الجلسة الثالثة عن "دور الأديان والثقافة الدينية في ترسيخ السلم الأهلي ودرء الفتنة الدينية" سعادة السفير الإيراني الدكتور غضنفر ركن آبادي، وحاضر فيها كل من السادة: الأستاذة فيفيان فؤاد عن مؤسسة المصري من أجل المواطن، مدير الديوان البطريركي لبطريركية انطاكية وسائر المشرق للسريان الرثوذكس – سوريا المطران جان قواق، والباحث الإسلامي الدكتور منير سعد الدين، ومستشار وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني الدكتور محمد علي آذر شب، والأستاذ المحاضر في جامعة البلمند الأب الدكتور جورج مسّوح.

وترأس الجلس الرابعة والأخيرة عن " الإيمان الديني كعامل مؤسس لثقافة العيش الواحد واستعادة السيادة الوطنية" سماحة الشيخ ماهر حمود ، وحاضر فيها السادة: الباحث الاستاذ محمود حيدر، وممثل حركة حماس في لبنان الأستاذ علي بركة، وعضو المجلس السياسي في حزب الله غالب أبو زينب والأمين العام للفريق العربي للحوار الإسلامي – المسيحي القس الدكتور رياض جرجور.
https://taghribnews.com/vdcbswbz.rhb98pukur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز