تاريخ النشر2022 24 July ساعة 14:55
رقم : 558820

مسلمو موزمبيق بين مطرقة الكنيسة وسندان داعش

تنا
سعى الاستعمار البرتغالى منذ اللحظة الأولى لدخول موزمبيق إلى طمث الهوية الإسلامية لهذا البلد الإفريقى .
مسلمو موزمبيق بين مطرقة الكنيسة وسندان داعش
مارس الاستعمار سياسة الترهيب ضد المسلمين من خلال إجبارهم على تغيير أسمائهم واعتبار ذلك الوسيلة المثلى للالتحاق بالمدراس التى أسستها الكنيسة الكاثولوكية، مما اضطر المسلمين إلى إبعاد أبنائهم عن المدارس التبشيرية والاكتفاء بالمدارس الدينية حفاظاً على الهوية وخوفاً من التنصير.

وفى أحيان أخرى  استخدم الاستعمار القوة العسكرية ضد المسلمين وعزلهم عن محيطهم الإسلامى ومنع استعمال اللغة العربية، ومارس حملات التنصير الشرسة التي استطاعت، أن تغير الكثير من هوية موزمبيق الإسلامية، في ظل غياب المؤسسات الإسلامية، حتى أصبح المسلمون فى بلادهم أقلية، بل مواطنون بلاحقوق.

جرائم الاستعمار البرتغالى
لم يكتف البرتغاليون بمحاولة تذويب هوية المسلمين، بشكل غير مباشر، بل قاموا بإجراءات إرهابية ضد المسلمين، بمساعدة الكنيسة، بحرمان المسلمين من الالتحاق بالمدارس.

ونجح هذا المخطط بشكل نسبي، حيث أقبلت أعداد كبيرة من المسلمين على اعتناق المسيحية، فيما عزف البعض عن إلحاق أبنائهم بهذا المدارس خوفا على دينهم حتى  خروج المستعمر البرتغالي عام 1975.

كما قام المستعمر بمحاصرة المسلمين، وإبعادهم عن أي تأثير ملموس فى الحياة السياسية في موزمبيق، من خلال حرص البرتغاليين، علي نشر التخلف الاجتماعي والاقتصادي، وغياب التعليم، وهو ما حرم المسلمين من التحول لنخبة في المجتمع، وعزز من سيطرة الموالين للثقافة البرتغالية، وهيمنتهم على الساحة السياسية والثقافية منذ الاستقلال وحتى اليوم.

تنظيم داعش ولعنة الموارد
يصف البعض ما جرى في السنوات الأخيرة بأنه «لعنة الموارد»، فما إنْ ظهر معدن الياقوت واكتشف الغاز حتى ظهرت داعش، وبدلاً من قطع طريق الفقر عن المسلمين، لينهضوا ويمارسوا دورهم فى المجتمع، جرى قطع الرؤوس، وبدلاً من أن تتم تنمية منطقة المسلمين ضمن تنمية مجمل الدولة، منع تنظيم داعش الدولة من العمل، ومنع المسلمين من الحياة.

انبثق «داعش - فرع موزمبيق» عن جماعة محلية متشددة هي جماعة «أنصار السنة» التي شنّت تمرداً ضد الحكومة بدءاً من العام 2017.

 ويُعرف فرع «داعش» أيضاً بأسماء أخرى مثل «أهل السنة والجماعة» و«سواحيليي السنة» و«الشباب» .. وتنظيم الشباب هذا  يختلف عن «حركة الشباب» في الصومال، التي انضمت إلى تنظيم «القاعدة» وباتت فرعاً له في شرق أفريقيا.

و في المقابل، انضم «شباب» موزمبيق أي «أنصار السنة" إلى «داعش» وباتوا فرعاً رسمياً تابعاً لقيادته في سوريا والعراق بدءاً من يونيو 2019.

وتفيد تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي أيه» بأن الجماعة التي باتت فرع «داعش» في موزمبيق قتلت 1300 مدني منذ العام 2017، لكن أعمال العنف المرتبطة بتمردها أدت إلى مقتل قرابة 2500 مدني وعنصر في قوات الأمن ومقاتلين من فرع «داعش» نفسه، إضافة إلى تشريد نحو 700 ألف شخص في شمال البلاد.

وقد برز نجم هذه الجماعة عندما تبنّت هجوماً أسفر عن السيطرة لمدة ثلاثة أشهر على ميناء موكيمباوا بإقليم كابو ديلغادو في أغسطس 2020، لكن اقتحامها بلدة بالما يُعد إنجازها الأضخم حتى الآن، لأنها شكلت  تهديداً مباشراً لمنشآت الغاز الضخمة بشمال البلاد.

 وتدير شركة «توتال» الفرنسية مشروعاً ضخماً لإنتاج الغاز هناك، لكنها اضطرت إلى وقف العمل به وإجلاء موظفيها الأجانب بعد سقوط بالما في أيدي «داعش"
بايع المتطرفون تنظيم داعش قبل أعوام، وراحوا يقولون إنهم يهدفون إلى إقامة العدل وسيادة الإسلام، وكانت أبرز أعمالهم «في طريق العدل» الذي يزعمون هو قتل الأبرياء، وحرق المنازل، وتدمير القرى.وتم قتل 50 طفلاً دون العاشرة، حيث قطعوا رؤوسهم.

وصول الإسلام
وصول الإسلام  إلى موزمبيق مرتبط بوصوله إلى شرق أفريقيا بصفة عامة، فلقد ازدهرت التجارة بين العرب وشرقي أفريقيا، وحدثت هجرات عربية إلى المدن الساحلية على طول الساحل الأفريقي، واستولى  المسلمون على نقاط ارتكاز على الساحل الشرقي للقارة الأفريقية، ثم أخد التجار المسلمون والدعاة يتوغلون إلى الداخل، وعرف المسلمون هذه المنطقة بجزيرة "موسى السمبيق" وزادت الهجرات الإسلامية إلى بر الزنج وكان المهاجرون من العرب والفرس، ومن ممباسا وكلوة.

والمسلمون العرب ليسوا غرباء في الحقيقة عن موزمبيق التي يرتبط اسمها نفسه بالعرب، نسبة إلى موسى بن بيق (أو بن بيك)، وهو تاجر عربي كان يتاجر بالرقيق، ونصّب نفسه سلطاناً على جزيرة صغيرة تحمل اسمه، ويربطها اليوم جسر بسواحل موزمبيق.

 كان هذا قبل مجيء المستعمرين البرتغاليين في القرن الخامس عشر، وهو مايؤكد أن الوجود العربى والإسلامى ضارب بجذوره فى تاريخ هذه البلاد.

 ونشط المهاجرون المسلمون في تشييد المدن الساحلية، التى مازالت شاهدة على حضارة المسلمين فى سواحل إفريقيا الشرقية.

 وقد مر أنتشار الإسلام في موزمبيق بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى
بدأت بتأسيس المسلمين لمدينتي موزمبيق وسقالة،  فبعد أن وصل الإسلام إلى ساحل موزمبيق توغل المسلمون  إلى الداخل ونشروا الإسلام عن طريق التجار فى الداخل.

المرحلة الثانية
بدأت بظهور البرتغاليين أمام سواحل شرقي أفريقيا، عندما اكتشف "بارثلمبو داياز" في نهاية القرن التاسع الهجري طريق رأس الرجاء الصالح، ثم تابع "فاسكو دا جاما" الرحلات البرتغالية عبر المحيط الهندي.

 وشهد شرقي أفريقيا صراعاً دموياً شنه البرتغاليون ضد الإمارات والمدن الإسلامية على طول السواحل، ولكن استطاع العمانيون وقف التقدم البرتغالي وأنهوا نفود البرتغال في معظم سواحل شرقي أفريقيا، وأسس أحمد بن سعيد سلطنة عمانية ضمت معظم شرقي أفريقيا إلا أن البرتغاليين تمسكوا بموزمبيق، ولم يتخلوا عنها، واستمروا فى احتلالها حتي الاستقلال عن البرتغال سنة 1975.

 ورغم تحدى البرتغاليين إلا أن الإسلام وصل إلى نياسالاند (ملاوي) وبحيرة تنجانيقا في داخل أفريقيا، غير أن الدعوة الإسلامية إصطدمت بعقبات كثيرة منها:

- نشاط المنصرين.
- حصار الاستعمار البرتغالي للدعوة.
- الجهل الديني الذي أصاب السكان المسلمين بسبب انعدام التعليم الإسلامي وندرة الدعاة.

المرحلة الثالثة
بدأت هذه المرحلة مع استقلال موزمبيق عن البرتغال فى سنة 1975 خلال السّنوات الأولى التي تلت الاستقلال، وفى سنة 1977 تبنّى حزب منظمة "فريليمو" الماركسيّة أوما يسمى بالاشتراكيّة العلميّة، القضاء على مجموعة واسعة من الممارسات والمعتقدات الاجتماعيّة، التي اعتبرت من وجهة نظره ظلاميّة، ومتخلّفة ومناقضة للحداثة، وتمّ تعريف الدّين على أنّه عنصر ظلاميّ، وحظرت الحكومة التّعاليم الدّينيّة فى المدارس، والمؤسسّات الدّينيّة، واضطهدت القادة الدّينيين، وعانى المسلمون كثيرًا خلال تلك الحقبة الظالمة.

 وفي عام 1981، قرر "فريليمو" إعادة النّظر في مواقفه تجاه الاسلام في موزمبيق وإنشاء منظّمة وطنيّة إسلاميّة، وتمّ تنفيذ هذا القرار من قِبل المنظّمة الإسلاميّة الدّوليّة غير الحكوميّة التي تتخذ من السّعوديّة مقرًّا لها.

ويتركز المسلمون في الولايات الأربع الشمالية من موزمبيق، وهي (تمبولا، وزمبزيا، ونياسا وكابو دلجادو) ويعملون بالزراعة (جوز الهند والقطن والسكر) وصيد الأسماك والتعدين في مناجم الفحم والذهب والماس والمنغنيز واليورانيوم ، ويشكلون ما يقرب من أربعة ملايين نسمة، أي حوالي 18٪ إلى 20٪ من مجموع السكان، ومعظمهم من أصول أفريقية وطنية والباقي من أصل آسيوي.

والغالبية العظمى من المسلمين هم من أهل السنة على الرغم من وجود بعض الشيعة الإسماعيلية، الذين قدموا من الهند وباكستان. واللغات هي: البرتغالية (لغة رسمية) مع وجود عدة لغات محلية.

المساجد والتعليم الإسلامي
لقد أهملت السلطات الحاكمة أحوال المسلمين، فالمساجد المنتشرة في القري والمدن الإسلامية متواضعة، وألحقت بها مدارس أقل تواضعاً، ويدرس بها معلمون غير مؤهلين لذلك، ويتلقون أجوراً زهيدة. ويوجد بالعاصمة مابوتو حوالى 17 مسجداً و9 مدارس قرآنية.

وهناك العديد من المعاهد، التى توجد في مدن موزمبيق المختلفة، مثل معهد "حمزة الإسلامي" ومعهد "أنس بن مالك" في العاصمة موبوتو وزمبيزا وتمبولا، ولكنها تقتصر على التعليم فى مرحلة ما قبل الجامعة، وإعداد الطلاب المسلمين لمراحل التعليم الجامعي خارج البلاد، فلا يوجد جامعة إسلامية يلتحق بها خريجو هذه المدارس، لاستكمال دراستهم، فيتم إرسالهم للجامعات الإسلامية الكبري، مثل الأزهر الشريف وجامعة أم القري وجامعة إفريقيا العالمية بالسودان .

كما يوجد عدد من الهيئات الإسلامية والهيئات الاجتماعية والخيرية ولا وجود للمنظمات السياسية التي تدافع عن حقوقهم، والمنظمات الرئيسية هي منظمة (أنوار الإسلام) والمجلس الإسلامي، والجمعية الإسلامية المحمدية.

متطلبات العمل الإسلامي
يجمع مسلمو موزمبيق على أن تقدم العمل الإسلامي بالبلاد يحتاج الى عدد من المتطلبات، تتمثل في:

تشكيل هيئات إسلامية في مناطق تجمعات المسلمين، وذلك بالتعاون مع المجلس الإسلامي الموزمبيقي.

إنشاء معهد، على الأقل، لإعداد المدرسين والدعاة في القطاع الشمالي من موزمبيق في ولاية نامبولا.

تأمين الاحتياجات المادية للدعاة والمدرسين وتأمين الكتاب المدرسي باللغة البرتغالية.
الحاجة الماسة للكتب الدينية، وترجمة معاني القرآن الكريم باللغة البرتغالية.

تأمين نسخ من القرآن الكريم والعناية بالمدارس القرآنية.

البدء بالتخطيط لمشروع للتعليم المتوسط والتعليم العالي والمهني لمقاومة نفود بعثات التنصير.

تقديم بعض المنح الدراسية بالجامعات الإسلامية لأبناء المسلمين في موزمبيق.
التحديات التى تواجه المسلمين:

هناك العديد من التحديات التى تواجه الأقلية المسلمة فى موزمبيق ويمكن إجمال هذه التحديات فى:

 - الفقر والتخلف، نظراً لعدم اهتمام الحكومة بهم، فلا يوظفون في وظائف الدولة، ولا يحصلون على المميزات التي يحصل عليها غيرهم من باقي الديانات.

 -  نقص المدارس العامة والمدرسين في جمع المراحل التعليمية، والذين يتخرجون- على قلتهم- يعانون من عدم وجود فرص مناسبة لإكمال التعليم والاستمرار فيه، وهو ما يعني قلة الخريجين من المسلمين الحاصلين على مؤهل عالٍ.

-  المستشفيات قليلة جداً، والكثير من السكان يعتمد على الوصفات الشعبية لعدم قدرته على الذهاب إلى المستشفيات.

- المساجد بسيطة متواضعة، ألحقت بها مدارس لتدريس الدين الإسلامي، وبها معلمون غير مؤهلين لذلك، ويتلقون أجوراً زهيدة.

- عدم وجود كلية شرعية أوجامعة تستوعب الطلاب خريجى المدارس الدينية ، ممايضطرهم للسفر خارج البلاد، ولايقدر على ذلك إلا من يتلقة منحة من الجامعات الإسلامية فى العالم العربى، وهى قليلة للغاية.

- يواجة خريجو الجامعات الإسلامية العربية عدم وجود فرص للعمل مما يجعلهم ينصرفون لأعمال أخرى. 
https://taghribnews.com/vdchi6nmv23nm6d.4tt2.html
المصدر : مركز انسان للاعلام
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز