تاريخ النشر2021 10 August ساعة 20:00
رقم : 514682
في التاسع من آب الدامي عام 2018، فُجعت اليمن بمجزرة لم يسبق لها سابقة

حسن ... في ذكرى مجزرة ضحيان: لو كانوا رجالاً لواجهوا رجالنا في الجبهات

تنا
الطفل حسن عبد الرحمن العجري ذو الاثني عشرة سنة، أحد جرحى المجزرة، صحبَ "العهد" الإخباري في رحلةٍ خاصةٍ إلى روضة شهداء الحافلة.
روضة شهداء الحافلة ضحيان ، أكثر من 50 طفلاً في الحافلة أكبرهم عمرًا كان 14 عامًا
روضة شهداء الحافلة ضحيان ، أكثر من 50 طفلاً في الحافلة أكبرهم عمرًا كان 14 عامًا
سراء جمال الشهاري

اقتحم الطيران السعودي الأمريكي سماء ضحيان بصعدة، ورصد بدقة كما صرّح ناطق التحالف حافلة الملائكة.
تتبع الطيران الحافلةَ إلى السوق العام، ضغط الزناد وأطلق صاروخه، ليتفجر في أحلام أكثر من خمسين طفلاً، وصيّرهم أشلاء.
كانت الأرض تصيح والسماء " أطفال.. هؤلاء أطفال" لكن الطغيان الأمريكي السعودي استمرئ سفك دمائهم.

الطفل حسن عبد الرحمن العجري ذو الاثني عشرة سنة، أحد جرحى المجزرة، صحبَ "العهد" الإخباري في رحلةٍ خاصةٍ إلى روضة شهداء الحافلة.

في أثناء الطريق بدأ حسن يقص حكايته "وعدنا المعلمون في ختام المركز الصيفي برحلة ميدانية بمناسبة الختام.
كان من المقرر أن نزور روضة الشهداء بمنطقة الجعملة، وكذلك جامع الامام الهادي بمدينة صعدة القديمة، وروضة شهداء آل الصيفي".
كانت المسافة قصيرة، ووصلنا روضة الشهداء الصغار. دخل حسن الروضة يعرجُ بقدمه اليمنى إثر كسرٍ أصابه يوم الفاجعة، وقال لنا" ماتزال قدمي تؤلمني إلى اليوم".

ليس في الروضة سوى أطفالٍ رحلوا بضحكاتهم وبرائتهم وزهوهم، وفي جانبها حطام الحافلة المحروق.

سارع حسن إلى مراقد رفاقه كأنه كان يأمل استيقاظهم. كان يؤشر ببناه تارةً لضريح صديقه زكريا، وأخرى لحسين، ويُعرّفنا بأصحابه ومن كان يقضي معهم أجمل اللحظات.

تحدث حسن " كلما أتيت لزيارتهم افتقدهم كثيرًا، كم أتمنى وأشتاق أن يكونوا معي، لكني لم أعد ألقاهم".

وأردف قائلاً " كنا أصدقاء على الدوام، كلما زرتهم أتذكر الحافلة، وأتذكر رفقتنا، أتذكر حين كنا نلعب بالكرة".
أغرورقت عينا حسن بالدموع وقال "كنا سعداء يومها، لكننا تفاجأنا بصوت الانفجار!"

جلس حسن بجوار ضريح صديقه زكريا، واسترجع بعض لحظات ذلك اليوم المشهود بالدم، وحكى لـ"العهد" " كنا سعداء جدًا بالرحلة، وبعض رفاقي لم ينم ليلتها.

لقد أتى أصدقائي صباح ذلك اليوم فرحين، منهم من لبس ثيابًا جديدة، وجاء البعض دون أن يتناولوا وجبة الإفطار خوفًا من أن تفوتهم الحافلة، وأنا واحدٌ منهم كنت متشوقًا جدًا لهذه الرحلة".

" كنا في الحافلة نصرخ بالشعار وننشد ونلعب، كنت جالسًا بجوار صديقيَّ زكريا وحسين ننشد سويةً زامل "ما نبالي" ".

صمت حسن لبرهةٍ ثم أنشد بعض كلمات الزامل " ما نبالي ما نبالي ما نبالي، واجعلوها حرب كبرى عالمية... حن قلبي للجرامل والأوالي والله إن العيش ذا يحرم عليّا"

تأمل حسن مرقد زكريا، وتحسّس أشجار وزهر المرقد، كأنه كان في مناجاة مع صديقه.

ذهب حسن الجريح بجوار حسين الشهيد، ولوهلةٍ بدى حسن خائفًا، لقد تذكر  هول ما جرى " في البداية لم أكن أرى شيئًا بسبب الدخان، كنت أسمع أصوات صراخ رفاقي، ثم رأيت أحد أصحابي وقد أُصيب.

حاولت الوقوف وبدأت أُقلّب رفاقي، كانوا مقطعين وقد فارقوا الحياة، ثم رهبت وبحثت في السوق عن ابن عمي، وصلت إلى دكانه لكني لم أجده، كانت أدوات دكانه قد بعثرها الانفجار.

" خرجت خائفًا، وأوصلني سائق أجرة إلى أحد جوامع الحي، هناك في الجامع آلامتني ساقي وسقطت، كُسرت ولم أستطع السير وقتها.

ثم أخذني سائق حافلة آخر من الجامع إلى منزلي، رميت بنفسي من حافلته فور وصولي، أردت الدخول إلى منزلي، لكني لم أجد أحدًا.
هناك وجدني صديق والدي وأخذني إلى منزله كانت ساقي تؤلمني جدًا، وفي منزله صادفت أحد أصدقائي "حسن حنش" وكان جسده مليء بالجروح والشظايا.

أتى والدي إلى منزل صديقه وأسعفونا إلى مشفى الطلح، رأيت في المستشفى أصدقائي الذين كنت معهم في الحافلة، كانوا قتلى وجرحى".

صمت حسن قليلاً ثم تحدث بألم" لا أستطيع أن أصف شعوري وقتها، كنت أبكي من وجعي".

" كنا أكثر من 50 طفلاً في الحافلة أكبرنا عمرًا كان 14 عامًا، وأصغرنا كان عمره ست سنوات".

دخل الروضة أطفالٌ آخرون،  ناجون آخرون من المجزرة. ترحموا ببعض آيات القرآن على رفاقهم، وكانوا يتبادلون أماكن الجلوس مع حسن حول مراقد أصدقائهم.

قام حسن بجوار هيكل الحافلة المحروق، لم يكن ينظر بقاياها، بل ينظر أصدقائه الذين رحلوا باكرًا عنه.

كأنه كان يحدث الحافلة التي احترق مع حديدها أجمل أحلامه، أراد أن يعاتبها لمَ لم تبقي له شيئًا من ابتسامات رفاقه وضحكاتهم، ولمَ تحطمت وتحطم معها كل شيء!

كان مايزال في جوف حسن رسالة غضبٍ إلى من دمروا رحلته " أقول لأمريكا واسرائيل إنكم لن ترعبونا، وسنواصل التعليم حتى النصر أو الشهادة، ونحن الجيل الذي سيهزمكم".

وواصل قائلاً " هم ليس فيهم رجولة، ولو كانوا رجالاً لواجهوا رجالنا في الجبهات، إنهم جبناء".

ودّع حسن الروضة بعرجة قدمه، وهو يحمل ألمًا يفوق جسده الصغير.

يحمل ألم فراق أصدقائه الذين ماتزال أصوات صراخهم وأنينهم في أذنيه.

ويحمل ألم ظلم العدوان وحصاره، وظلم عالمٍ قتلَ بخنوعه وصمته رفاقه مرتين.


/110
اليمن
https://taghribnews.com/vdcfcjdt0w6dyva.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز