تاريخ النشر2020 4 May ساعة 23:35
رقم : 461398
رمضانيات فلسطين المحتلة

الخليل : لا تعرف الجوع و زاد لا ينضب بفضل تكية سيدنا ابراهيم (ع)

تنا
سميت "التكية" الإبراهيمية في مدينة الخليل (جنوب الضفة الغربية المحتلة) بهذا الاسم، نسبة إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، حيث تقع بجوار المسجد الإبراهيمي الشريف في المدينة.
الخليل : لا تعرف الجوع و زاد لا ينضب بفضل تكية سيدنا ابراهيم (ع)
 ومع تفاقم الوضع الاقتصادي، لا سيما في ظل الحصار الدولي المفروض على الشعب الفلسطيني منذ أشهر، أصبحت التكية ملاذا لآلاف الفقراء، ومقصدا للباحثين عن الخير والأجر من المحسنين.

مع مرور الوقت، وتزايد أعداد الناس والفقراء، ازداد الإقبال على التكية، وزادت كمية الطعام التي تطهى فيها، خاصة في شهر رمضان المبارك، بعد أن ساهم الحصار والإغلاق المضروب على الشعب الفلسطيني منذ أشهر، في ارتفاع نسبة رواد "التكية"، إلى أكثر من 15 في المائة عن المعدل الاعتيادي.

ورغم أن تكية سيدنا إبراهيم(ع) عرفت على مدار سنوات طويلة بأنها تقوم بتقديم الطعام المجاني يوميا، وعلى مدار السنة، لمن يعانون الفقر والفاقة من أهالي المدينة، غير أنها أضحت في الآونة الأخيرة خط دفاع مهم لسكان المدينة، في مواجهة الأزمات الاقتصادية والحصار، وهو ما دفع العاملين على التكية لإعداد الوجبات بكميات أكبر.


وتعني كلمة "تكية"، وهي من أصل تركي، مطعم. ويقول محمد أبو صالح، الذي عمل مدرسا بالمسجد الإبراهيمي الشريف، ومؤلف كتاب "الخليل..عربية إسلامية" إن الدولة الإسلامية في مختلف العصور اهتمت بالتكية، كما اعتنى الأيوبيون بها، وزادوا في خيراتها والاهتمام بها. وعندما جاء صلاح الدين الأيوبي، وطرد الصليبيين من البلاد، ثبّت في الخليل عشر عائلات لها شرف الخدمة في المسجد الإبراهيمي الشريف.

ويضيف أبو صالح أن التكية الإبراهيمية كان يوضع بها الحساء للوافدين على المدينة ولأهلها، وتوزع على ثلاثة أوقات أول النهار وبعد الظهر وبعد العصر، ويدق الطبل عند التوزيع في المرة الثالثة بعد العصر في كل يوم.
وفي العهد الفاطمي، كما يقول أبو صالح في كتابه، فـ"إن الأموال والمخصصات السنوية اللازمة رصدت لاستمرار عمل التكية، فوقف الملوك والسلاطين وقادة الجيش القرى والعقارات الكثيرة على المسجد الإبراهيمي الشريف والتكية الإبراهيمية"، مضيفا أن هذا تمويل الوقف يصل من مصادره المتعددة من مصر والشام وشرق الأردن ومن جميع أنحاء فلسطين.
ويشير أبو صالح إلى أن التكية الإبراهيمية ذكرها الرحالة والسياح، الذين زاروا الخليل منذ أقدم العصور، ومنهم السائح الفارسي ناصر خسرو، الذي زار الخليل قبل الحروب الصليبية وتحدث عن التكية.

وكذلك ابن الفضل العمري، الذي زار الخليل سنة 745هـ، وابن بطوطة الذي زارها سنة 725 هـ، وكان مما قاله ابن بطوطة عن التكية: "وكان سماط الخليل يعمل فيه يوم الجمعة الأرز المفلفل، وحب الرمان، والعدس في كل يوم، وفي الأعياد تعمل الأطعمة الفاخرة".


لقيت التكية اهتماماً كبيراً من قبل الدولة الإسلامية بمختلف حقبها التاريخية، بداية من الفتح الإسلامي الثاني على يد صلاح الدين الأيوبي، إذ عمد السلطان إلى تكليف 10 عائلات في مدينة الخليل بخدمة الحرم الإبراهيمي الشريف، وأمر بصرف الشعير لخيول تلك العائلات ليبقوا في رباط دائم إلى يوم القيامة، كما أقام وقف التكية الإبراهيمية التي كانت تطعم الوافدين إليها.

وحول طبيعة عمل التكية في تلك الفترة، يؤكد أبو صالح أن التكية منذ أن وجدت راحت تقدم الطعام للوافدين على المدينة ثلاث مرات يوميًّا في الصباح وبعد الظهر وبعد العصر، وتتكون وجبة الطعام من خبز السماط والحساء، إذ كانت التكية تستهلك من الخبز يوميا 14 ألف رغيف، وأحيانا يصل العدد إلى 15 ألف رغيف. وتابعت التكية عملها في تقديم الطعام للوافدين على المدينة في حربي 1948 و1967، إذ احتضنت آلاف الفلسطينيين المهجرين بفعل الاحتلال من أراضيهم.

ويوضح أبو صالح أن التكية في زمن النكبة كانت تعمد إلى طبخ ما يزيد عن 24 قدراً من الطعام يوميا لإطعام المشردين الفلسطينيين، الذين وجدوا في الخليل مكاناً آمناً.

أزيل بناء التكية القديم وملحقاتها عام 1964، وذلك ضمن مشروع إزالة ما حول المسجد الشريف، ونقل إلى مكان مؤقت بجانب بركة السلطان في المدينة، وذلك بحجة تنظيم وتجميل المسجد الإبراهيمي الشريف. وفي عام 1983 قامت الأوقاف بإنشاء مبنى جديد من الجهة الشمالية القريبة للمسجد الإبراهيمي، وتم تجهيز هذا المكان بكل ما يلزم التكية ويريح الوافدين.

ويذهب أبو صال إلى أنه "حسب الإحصائيات التي رصدت لعمل التكية فقد قدمت عام 1936 حوالي 74472 وجبة غذائية من الحساء في أحد عشر شهرا عدا رمضان. أما في شهر رمضان وحده فق قدمت حوالي 16500 وجبة. وفي عام 1997 تم طبخ ما قيمته (22240) دولار خلال شهر رمضان المبارك. ووصل عدد العائلات المستفيدة حينها إلى حوالي 300 أسرة، كلها تأخذ الطعام يوميا وهو اللحم المطبوخ الذي يصنع على نفقة المحسنين من أبناء الخليل.


التكية المقامة منذ القرن التاسع للميلاد، لم تشهد اكتظاظاً في أعداد الوافدين إليها كالذي تشهده في الآونة الأخيرة، بفعل فقد العديد من الأسر الفلسطينية مصدر رزقها، في ظل سياسة التجويع والحصار المفروضة الشعب الفلسطيني كعقاب جماعي على خياره الديمقراطي.

وفي هذا الصدد يوضح الشيخ عمار الخطيب، أحد المشرفين على التكية، أنه تم تكثيف ومضاعفة كميات الطعام التي تقدمها التكية لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي يمر بها الشعب الفلسطيني بكل فئاته وقطاعاته المختلفة، لافتاً إلى أن الناس يأتون إلى التكية بأعداد مطردة، خاصة يومي الاثنين والجمعة، إذ تقدم التكية في هذين اليومين وجبات طازجة من الخضار، بالإضافة إلى اللحوم، إلى جانب الوجبات اليومية من القمح المجروش، والتي تضاعفت كميتها ثلاث مرات للإيفاء باحتياجات الوافدين على التكية.

من جهته يقول تيسير أبو اسنينه، مدير الأوقاف الإسلامية بالخليل، "إن عدد زوار التكية، يصل هذه الأيام إلى نحو ثلاثة آلاف مواطن، يأتون بأوان فارغة، ويأخذون نصيبهم من الطعام، وهو عبارة عن لحوم مطبوخة مع الخضار بوزن 100 غرام، إضافة إلى صحن من البرغل أو الأرز". ويلفت أبو اسنينه النظر إلى اضطرار فئات لم تكن معتادة في السابق إلى الحضور لأخذ وجبات الطعام وهم الموظفون الذين يعانون من انقطاع الرواتب منذ شهور.

أما حجازي أبو اسنينة، مدير عام أوقاف الخليل، فقال: "إن التكية توزع إضافة لما سبق يوميا نحو 10 آلاف رغيف من الخبز".
من جهته يقول الشيخ صلاح النتشة، مدير الحرم الإبراهيمي السابق، إن التكية كانت تقدم خلال شهر رمضان المبارك حوالي 2500 وجبة، ويستفيد منها نحو 500 عائلة، موضحاً أن أصحاب النذور والصدقات وأهل  الخير والمتبرعين من أهالي الخليل يتسابقون لإعداد وجبات شهر رمضان المبارك الفاخرة من اللحوم والخضار والخبز.

وقال إن قرابة خمسة قدور، سعة كل واحد حوالي 200 كغم من الخضار واللحوم، تطبخ يوميا وتوزع على الرواد من فقراء ومساكين، لافتا إلى أن التكية تقدم في الأيام العادية على مدار العام الشوربة، حيث يتم يوميا طبخ أكثر من مائتي كغم من القمح، الذي يتم سلقه ويطبخ بطريقة خاصة، وهناك مئات العائلات التي تستفيد منها يومياً.

أما تأثير الحصار الصهيوني على عدد رواد التكية فقال: "ساهم الإغلاق والحصار في ارتفاع نسبة رواد التكية بأكثر من 15 في المائة عن المعدل الاعتيادي"، مشيراً إلى أن حظر التجول الذي يفرض على البلدة القديمة من الخليل يحرم مئات العائلات من حقها في لقمة العيش.

يقول مدير اوقاف الخليل زيد الجعبري  " سميت التكية عند انشائها بالطبلانيه لان العاملين فيها كانو يدقون الطبول ايذانا بانتهاء عمليه الطهي وبدء توزيع الطعام حيث كان يوزع الدشيشيه وهي القمح المطبوح وكان يوزع نحو 12 الف رغيف يوميا على الفقراء وعابري السبيل  وعرفت عند اهل الخليل بالتكية الابراهيمة او تكية ابراهيم نسبه الى سيدنا ابراهيم عليه السلام "
 
واضاف الجعبري بان السلاطين والولاه كانو بخصصون الاوقاف للتكيه فهناك العديد من الاراضي والعقارات التي يخصص ريعها للتكيه واطعام الفقراء والمساكين ومنذ ذلك العهد ولم تتوقف التكيه عن تقديم الطعام .

واكد الجعبري بان 4 الاف شخص يستفيدون من التكية اي ما يعادل من 1500 الى 2000 عائلة خاصة من عائلات البلده القديمة في الخليل  وهي قدم الوجبات الساخنه على مدار العام ولا تغلق ابوابها سوى ايام العيد حيث تقدم القمح المجروش طيله ايام العام باستثناء يومي الاثنين والجمعه من كل اسبوع  و يقدم وجبات تحتوي على اللحم او الدجاج اما في شهر رمضان فتوزع اللحوم والدجاج بشكل يومي "
 
من جانبه اشار مسؤول التكية عمار الخطيب "  بان القائمين على التكية وهم موظفون في وزارة الاوقاف يباشرون عملهم منذ ساعات الفجر الاولى حيث تبدأ عمليه الطهي عند الساعه الرابعه فجرا وذلك ليتم  تجهيز الوجبات توزيعها  في وقت مبكر قبل اشتداد حرارة الصيف ووطئتها على القادمين للاستفاده من التكية "
 
واشاد الخطيب بالمتبرعين والمحسنين وفاعلي الخير الذين يعملون على دعم التكية بشكل متواصل لا سيما في شهر رمضان المبارك وطيلة ايام السنة بشكل عام حيث تسد التبرعات حاجة التكية دون اللجوء لدعم وزارة الاوقاف الراعيه للتكية الى في حالات قليله .

وقال الخطيب بان اهل الخير قامو بحجز دورهم للتبرع للتكية قبل حلول رمضان بشهر كامل حيث يتكفل كل محسن بتوفير الطعام ليوم واحد" .  

وأشار الباحث في شؤون الخليل محمد ذياب أبو صالح إلى اعتناء الأيوبييين بهذه المؤسسة الخيرية وخاصة الناصر صلاح الدين،  "أوقف الأيوبيون للتكية الوقفيات والأراضي والمزروعات والمواشي كي تستمر في إطعام الوافدين على المدينة، بل كانت التكية تقدم لخيول هؤلاء الوافدين الشعير والعلف كي يستمروا في رباط حولها".

وأضاف ابو صالح: "اهتمت الدولة الإسلامية في مختلف العصور بالتكية؛ حيث اعتنى الأيوبيون بها وزادوا في خيراتها والاهتمام بها، وعندما جاء صلاح الدين الأيوبي أوقف الوقفيات الكبيرة على المسجد الإبراهيمي والتكية الإبراهيمية التي كانت تطعم الوافدين إليها ويصرف لخيولهم الشعير حتى يبقوا في رباط دائم إلى يوم القيامة".

وكان من مرافق التكية مطبخا كبيرا للدشيشة (شوربة القمح)، إضافة الى عدد المطاحن التي تطحن القمح، وكذلك عدد من الأفران التي تقوم بصنع خبز السماط الذي يقدم للضيوف والسكان المحيطين بها، حيث كانت هذه الأفران تنتج يوما في العصر الأيوبي نحو خمسة عشر ألف رغيف توزع مجانا.

في العهد الفاطمي تم وقف الكثير من العقارات والمزارع والأفران والطواحين لصالح التكية، وقد حفظت وثائق وقفيات التكية في صندوق كان يخبأ في مقام سيدنا يوسف عليه السلام داخل المسجد الإبراهيمي.

تحدث عن فضل هذه التكية الرحالة والسياح الذين زاروا الخليل منذ أقدم العصور، فذكروها في مذكراتهم وتحدثوا عن دورها وأثرها ومكانتها، وقد ذكرها الرحالة الفارسي ناصر خسرو الذي زار الخليل قبل الحروب الصليبية كما ذكرها ابن الفضل العمري الذي زار الخليل سنة 745 هـ، وكذلك ابن بطوطة الذي زار الخليل سنة 725 هـ.

شكلت التكية ملاذا للفقراء والمساكين، على مدار العصور، فطوال العام كانوا يتناولون حول المسجد الإبراهيمي في الخليل طعامهم من التكية الإبراهيمية والمكون من جريشة القمح البلدي الخليلي،  ذو النكهة المميزة التي لا توجد بمكان آخر حتى ولو كانت بمنازل طهاة التكية ذاتها، وذلك لسرٍ يجهلونه حتى اليوم.

 إلا أنها في شهر رمضان تقدم الوجبات الدسمة من دجاج ولحوم وشوربات خضار وفاصوليا وأرز.

فقد كشف مدير التكية حازم مجاهد، أن شهر رمضان زاخر بالكميات الدسمة حتى يسعد الفقراء والمساكين ويتمتعون ويأكلون كما يأكل الأغنياء.

وقال إنه "في الشهر الفضيل تقوم التكية بطبخ 500 إلى 600 كيلو لحم، وكذلك 800 إلى 1000 كيلو دجاج في كل يوم، وتقدر الطبخة يوميا بقيمة 50 ألف شيقل" أي ما يعادل 14 ألف دولار جزء منها على حساب ميزانية التكية، والجزء الآخر تبرعا مشكورا من أغنياء الخليل".

  ويضيف مجاهد: "غالبية العائلات الفقيرة التي تسكن البلدة القديمة وبجوار المسجد الإبراهيمي تتناول طعامها طوال شهر رمضان من التكية وكذلك في غير رمضان فهي بالنسبة لهم ملاذ ومصدر لا يستغنون عنه".

الحاج حفظي النتشه (66 عاما) يخدم في التكية الإبراهيمية منذ عشرين عاما، وهو مستمتع بعمله الذي يضفي بسمة على وجوه الفقراء والمساكين كما يقول.

ويضيف النتشه قائلا : "يوم توزيع لحمة الضأن نشعر بالسعادة والسرور ونرى الابتسامة على وجوه الأطفال الذين لا يأكلون اللحم طوال العام إلا في رمضان ومن التكية فقط".

  
  وتبقى التكية رمزا للتكافل الاجتماعي في الخليل وكرم اهلها وتذكر بجود ابي الانبياء ابراهيم عليه السلام الذي يقع قبره في المسجد الابراهيمي على بعد امتار قليله من التكية التي ارتبط اسمها به على مدى العصور.



اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد
 
https://taghribnews.com/vdcao6nya49nie1.zkk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز