تاريخ النشر2019 12 March ساعة 00:18
رقم : 406925
من رواد التقريب

مما قال جمال الدين الاسد ابادي رائد التقريب و الصحوة الاسلامية ومما قيل فيه

تنا
كانت الأمّة الإسلاميّة غارقة في سبات مميت، والجهل والتخلّف المطبق يلفّها من شرقها إلى غربها، وكانت بلاد الإسلام معر ضا لغزو المستعمرين ونهب الطامعين وكان الأجانب يتص رّفون في مقدّرات هذه الأمّة كما يشا ؤون.
مما قال جمال الدين الاسد ابادي رائد التقريب و الصحوة الاسلامية ومما قيل فيه
قال السيّد الأمين العاملي: أمّا بالنسبة إلى الأفغان واشتهاره بالأفغاني فمن المشهورات التي لا أصل لها – وربّ مشهور لا أصل له – وسبب اشتهاره بذلك أنّه نسب نفسه إلى الأفغان في مصر وخلاها، لا إلى إيران وتعمية للأمر، ولولا ذلك لما سمّي بحكيم الإسلام وفيلسوف الشرق، ولا كانت له هذه الشهرة الواسعة، ولا أنزله الصدر الأعظم علي باشا في إستانبول منزلة الكرامة إلى أن يقول: - ولا تمكّن الشيخ محمّد عبده أن يصاحبه ويأخذ عنه ويتّخذه مرشدا ...

وقال نقلا عمّا كتبه عنه السيّد صالح الشهرستاني في مجلة العرفان:

إنّ السيد صفدر والد السيّد جمال الدين جاء إلى طهران مع ولده جمال الدين أوائل عام 1266 ه وبعدما مكث فيها
ما يزيد على خمسة أشهر سافر إلى العراق ودخلا النجف في عصر الشيخ مرتضى الأنصاري، فاعتنى الشيخ الأنصاري
بجمال الدين، وبقي جمال الدين في النجف أربع سنوات  .


وفي كتاب حاضر العالم الإسلاميّ ، قال لوثورت ست ودارد:
كان جمال الدين سيّد النابغين الحكماء وأمير الخطباء البلغاء، وداهية من أعظم الدهاة، دافع الحجّة، قاطع البرهان ثبت
الجنان متوقّد العزم شديد المهابة، كأنّ في ناسوته أسرار المغناطيسيّة، فلهذا كان المنهاج الذي نهجه عظي ما، وكانت سيرته
كبيرة، فبلغ من علوّ المنزلة في المسلمين ما قلّ أن يبلغ مثله سواه، وكان سائحا جوّابا طاف العالم الإسلاميّ قطرا قطرا،
وجال غربي أوروبا بل دا بل دا فاكتسب من هذه السياحات الكبرى ومن الاطلاع العميق والتبحّر الواسع في سير العالم
والأمم، علما راسخا واكتنه أسرا را خفية واستبطن غوامض كثيرة، فأعانه ذلك عون ا كب يرا على القيام بجلائل الأعمال التي قام بها  .

وقال الشيخ محمّد عبده في مقدّمته التي كتبها لرسالة السيّد جمال الدين في الردّ على الدهريّة:
واستكمل – أي السيّد جمال الدين – الغاية من دروسه في الثامنة عشرة من سنّه، عرض له سفرا إلى البلاد الهنديّة
فأقام بها سنة وبضع أشهر ينظر في بعض العلوم الرياضيّة على الطريقة الأوروبيّة الجديدة، وأمّا مقصده السياسيّ الذي
وجه إليه أفكاره وأخذ على نفسه السعي إليه مدّة حياته وكلّ ما أصابه في سبيله، فهو إنّها الدولة الإسلاميّة من ضعفها
وتنبيهها للقيام على شؤونها حتّ تلحق الأمّة بالأمم العزيزة والدولة بالدول القويّة فيعود للإسلام شأنه وللدين الحنيفيّ
مجده، ويدخل في هذا تنكيس دولة بريطانيا في الأقطار الشرقيّة وتقليص ظلّها عن رؤوس الطوائف الإسلاميّة، وله في
عداوة بريطانيا شؤون يطول بيانها  .

إلى أن قال:
ما خاصم أحدا إلّا خصمه، ولا جادله عالم إلّا ألزمه، وقد عرفه الأوروبيّون بذلك بعدما أقرّ له الشرقيّون، وبالجملة
فإنيّ لو قلت بأنّ ما أتاه الله من قوّة الذهن وسعة العقل ونفوذ البصيرة هو أقصى ما قدّر لغير الأنبياء لكنت غير مبالغ
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل عظيم .

وقال أنّه سافر إلى الهند وعمره 18 سنة أي سنة 1272  فأقام بها سنة وبضعة أشهر وأتى بعد ذلك الأقطار الحجازيّة لأداء فريضة الحجّ وطالت مدّ ة سفره إليها نحو سنة وهو ينتقل من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر.
حتّ وافى مكّة المكرّمة سنة 1273 ه فوقف على كثير من عادات الأمم التي مرّ بها في سياحته واكتنه أخلاقهم
وأصاب من ذلك فوائد غزيرة رجع بعد أداء فريضة الحجّ إلى بلاده. 

وفي سنة 1285 ه سافر إلى الحجّ عن طريق الهند. فلمّا وصل إلى التخوم الهنديّة تلقّته حكومة الهند بحفاوة وإجلال إلّا أنّها لم تسمح له بطول الإقامة في بلادها ولم تأذن للعلماء في الاجتماع عليه إلّا على عين من رجالها فلم يقم أكثر من شهر سيّرته من سواحل الهند في أحد مراكبها على نفقتها إلى السويس، فجاء إلى مصر وأقام فيها نحو أربعين يو ما تردّد فيها على الجامع الأزهر إلى أن يقول وسارع بالسفر إلى الأستانة وبعد أ يّام من وصوله إليها أمكنته ملاقاة الصدر الأعظم عالي باشا ونزل منه منزلة الكرامة وعرف له الصدر فضله وأقبل عليه بما لم يسبق لمثله.

و في الأستانة دبرة ضده مؤامرة إلى أن يقول: وآل إلى صدور أمر الصدارة إليه بالجلاء عن الأستانة بضعة أشهر. ففارق الأستانة مظلو ما في حقّه. وحمله بعض من كان معه على التحوّل إلى مصر، فجاء إلى مصر في أول محرّم سنة 1288 ه - إلى أن يقول – واهتدى إليه بعد الإقامة كثير من طلبة العلم .
فأورى واستفاضوا بحره .... إلى أن يقول – ولم يزل شأنه في ارتفاع والقلوب عليه في اجتماع إلى أن تولّى
خديويّة مصر حضرة خديويها المغفور له توفيق باشا، وكان السيّد من المؤ يّدين لمقاصده الناشرين لمحامده إلّا أنّ
بعض المفسدين ومنهم مسرف فيفيان قنصل البريطاني  سعى فيه حتّ غيّر قلب الخديويّ عليه، فأصدر أمره
بإخراجه من  المصر هو وتابعه أبو تراب ففارق مصر إلى البلاد الهنديّة سنة 1296 ه وأقام بحيدر آباد الدكن، وفيها كتب هذه الرسالة في نفي مذهب الدهر يّين، ولماّ كانت الفتنة الأخيرة بمصر دُعي من حيدر آباد إلى كلكتا وألزمته حكومة الهند بالإقامة فيها حتّى انقضى أمر مصر.


أيّ بلد آخر، فاختار الذهاب إلى أوروبا، وأ ول مدينة صعد إليها مدينة لونجرة أقام بها أ يّا ما قلائل ثم انتقل منها إلى
باريس وأقام بها ما يزيد على ثلاث سنوات .

ولماّ كلّفته جمعيّة العروة الوثقى أن يُنشئ جريدة تدعو المسلمين إلى الوحدة، كانت تحت لواء الخلافة
الإسلاميّة أيّدها الله سألني أن أقوم على تحريرها، فأجبت، ونشر من الجريدة ثمانية عشر عددا، وقد أخذت من
قلوب الشرق يّين عمو م المسلمين  ما لم يأخذ قبلها وعظ واعظ، ولا تنبيه منبّه، ثّم قامت الموانع دون
الاستمرار في إصدارها حيث قفلت أبواب الهند عنها، واشتدّت الحكومة البريطانية في إعنات من تصل إليهم فيه،
ثّم بقي بعد ذلك مقيما في أوروبا، أشهرا في باريس، وأخرى في لاندرة إلى أوائل شهر جمادى الأولى سنة 1303
ه، وفيه رجع إلى البلادايران .

                           

وفي إيران، لم يهدأ السيّد جمال الدين فأخذ يبثّ الوعي بين الناس، ويبيّن لهم حقيقة ما حلّ بهم من
الضعف والذلّ والتخلّف نتيجة لفساد الحكّام وخنوع الشعب وهيمنة الجهل عليهم وضعف العزيمة فيهم. قال الميرزا
صادق خان البروجوردي أحد أصحابه حسب نقل السيّد صالح الشهرستاني في مجلّة العرفان وكان في جميع مجالسه
وأحاديثه ينتقد السلطان ناصر الدين ووزيره يومئذ ميرزا علي أصغر خان الملقّب أمين السلطان، ويدعو إلى الإصلاح
ومقاومة الاستبداد وانتهى به الأمر إلى أن أخرجه وزير الشاه ناصر الدين من إيران قهرا إلى العراق، وقد وصف
السيّد جمال الحالة التي أُخرج بها إلى العراق في رسالته المعروفة إلى الإمام الشيرازي يقول فيها:

ثّم حملتني زبانيّته الأوغاد وأنا مريض  في فصل الشتاء وتراكم الثلوج والرياح الزمهريريّة، وساقتني جحفلة
من الفرسان إلى خانقين، وصحبني جمع من الشرطة إلى بغداد، ولقد كاتب الوالي من قبل والتمس منه أن يبعدني إلى
البصرة علما منه أنّه ولو تركني إلى نفسي لأتيتك أيّها الحبر وبثثت لك شأنه وشأن الأمّة وشرحت لك ما حاق ببلاد
الإسلام من شرّ هذا. ودعوتك أيّها الحجّة إلى عون الدين وحملتك على إغاثة المسلمين وكان على يقين أنيّ لو اجتمعت
بك لا يمكنه أن يبقى على دست وزارته المؤسسة على خراب البلاد وإهلاك العباد  .
ثّم إنّ السيّد اتّّهمن البصرة إلى أوروبا مرّة أخرى .
 بثّ الوعي بين المسلمين حكّاما وعلماء وشعوب  وتنبيههم على الفساد والتخلّف الفظيع الذي يحكم واقعهم الثقافيّ والاجتماعيّ والسياسيّ ودعوتهم إلى الجدّ في سبيل إصلاح ذلك الواقع الفاسد وتّديد الحالة الدينيّة في واقع المسلمين بما ينسجم مع أهداف الرسالة المحمّديّة ومبادئها وقيمها.

كتب السيّد جمال الدين في مقالة نشرت بجريدة "مصر" في 14 فبراير 1879 ثّ أعاد رشيد رضا نشرها
في "المنار" في عددي 4 ، 14 نوفمبر 1900 م:
إنّ طول مكث الشرقيين تحت نير استبداد المستبدّين الذين كان اختلاف أخوائهم الناشئ عن تضاد طبائعهم، وسوء
تربيتهم، مع عدم وجود رادع يردعهم ومانع يمنعهم، وقوى خارجيّة تصادمهم في سيرهم، سبب ا يوجب التطاول على
رعاياهم وسلب حقوقهم، بل اقتضت التصرف في غرائزهم وسجاياهم، والتغير في فطرتهم الإنسانيّة، حت كادوا أن لا
يميزوا بين الحسن والقبي والضارّ والنافع، وأوشكوا أن لا يعرفوا أنفسهم، وما انطوت عليه من القوى المقدّسة والقدرة
الكاملة والسلطة المطلقة على عالم الطبيعة والعقل الفعّال الذي تخضع لديه البسائط والمركّبات، ويطيع أمره النافذ جميع
المواليد من الحيوان والنبات. وأنّ امتداد زمن توغّلهم في الخرافات التي تزيل البصيرة وتستوجب المحو التام والذهول المستغرق
بل تستدعي التنزّل إلى المرتبة الحيوانيّة، ومداومتهم من أحقاد متتالية على معارضة العلوم الحقيقيّة التي تكشف عن حقيقة
الإنسان، وتعلمه بواجباته وما يلزمه في معاشه وتبين له الأسباب الموجبة للخلل في الهيئة الاجتماعيّة، وتمكّنه من دفعها
سيّد جمال الدين و انديشه او، ص 490 .
والسعي في إطفاء نورها بما ورثوه عن آبائهم من سفه القول، وسخف الرأي والجدل في اضمحلال كتبها وضياع آثارها
واستبدالها بما أوقعهم في ظلمات لا يهتدون إلى الخروج منها أبدا  .
هذا نموذج من كلامه الذي كان يبثّ الوعي بين المسلمين وينبّههم إلى واقعهم الفاسد الذي يعيشونه،
ويدعوهم فيه إلى تغييره وإصلاحه.

إلغاء الهيمنة الاستعماريّة على بلاد المسلمين، وإحياء روح الاستقلال والاعتماد على النفس بين
الشعوب المسلمة، بل والشعوب الشرقيّة كلّها، وعلاج حالة التبعيّة والشعور بالصَّغار الذي كان قد خيّم على
المسلمين حكّا م ا وشعو ب ا، وقادة وجماهير، ممّا جعلهم يقفون أمام هيمنة الأجانب موقف المستسلم الذليل، وأمام
ثقافتهم، وأفكارهم، موقف المقلّد التابع من غير دليل.

                                  

كتب السيّد جمال الدين في مقال نشرته جريدة "البصير" التي كانت تنشر في باريس في العدد 26 أبريل
سنة 1883 م: "إنّ للأمم صعو د ا ونزو لا ، وإنّ في ارتفاعها وانخفاضها تتناوبها السعادة والشقاوة، وتعتورها العزة
والمسكنة، وما يطم بصرها إلى ذرى المجد إلا وترى نفسها في حضيض المذلّة – إلى أن يقول – وليست أسباب
هبوط الأمم وعروجها، طلوع نجم، وأفول كوكب كما ذهب إليه البعض. وليس جزر قوّتها ومدّ سلطتها مسبّبين عن
الأسباب الطبيعيّة، لأنّنا نرى أمم ا كثيرة شبّت بعدما شابت وبُعثت بعدما ماتت وصارت عظا م ا نخرة، والأسباب
الطبيعيّة لا تحيد سننها ولا تقف عن سيرها، ولا تعرفيها التبديلات ولا يعيدها عن مسالكها اختلاف الحركات. ها
هي الأمّة الإيطاليّة أمامك فانظر إليها يظهر لك صدق مقالي، ولا تغضّ النظر عن إسبانيا متدب را فيما كانت عليه
معت برا فيما آلت إليه، وإنّ الأمم ما صعدت إلا بنفسها، وما هبطت إلا من نفسها – إلى أن يقول – إنّ الأمّة
العربيّة في صدر الإسلام ما كان عددها يزيد عن المليونين، وأنّها مع الفقر المدقع وقتئ ذ، وخلوّها عن العلوم والصنائع
قد أرغمت الأكاسرة ودمغت القياصرة، والآن بلغ عددها 30 مليو ن ا وهي قاصرة عن إدارة نفسها وعاجزة عن
صيانة بلادها. إنّ العثمانيين مع قلّة العدد، قد أرعبوا الدول الغربيّة وأذلّوا الجبابرة ... وتراهم من نصف قرن مع
سعة بلادهم وكثرة رجالهم، يسرفحمون ملوك الإفرنج ويحتمون بهم، ويزعمون أن لا حياة على البسيطة إلا بهم. –
إلى أن يقول -: لا يمكن أن تنال أمّة من الأمم سعادة ما إلا بالتئام آحادها التئام أعضاء الجسد بعضها ببعض،
ولا يحصل لها علوّ الكلمة وبسطة الملك إلا أن تصير مسالك حركات أفرادها كأنصاف الدائرة منتهية إلى نقطة
10 سلسلة الأعمال المجهولة: جمال الدين الأفغاني، ص: 62 ، نشر رياض الريّس للكتب والنشر.
سعادة الكل غير خارجة عن محيط الجنسية وأن يلاحظ كلّ منها منفعة الكل أو لا وبالذات، وينظر إلى منفعة نفسه
ثان ي ا وبالعرض، حت يكون خير الكل كينبوع تتشعب منه جداول خيرات الآحاد" 11 .
الثالث: إحياء الأمّة الإسلاميّة عن طريق رجوعها إلى تطبيق الإسلام تطبي ق ا كام لا وتوحيدها في ظلّ
حكومة إسلاميّة واحدة.
كتب السيد جمال الدين في مقالة نشرتها "العروة الوثقى" تحت عنوان "انحطاط المسلمين وسكونهم وسبب
ذلك" كتب يقول فيها: "إنّ للمسلمين شدّة في دينهم وقوة في إيمانهم وثبا ت ا على يقينهم يباهون بها من عداهم من
الملل – إلى أن يقول -: ومه هذا نرى أهل هذا الدين في هذه الأيام بعضهم في غفلة عمّا يلمّ بالبعض الآخر ولا
يألمون لما يألم له البعض، فأهل )بلوجستان( كانوا يرون حركات الإنگليز في )أفغانستان( على مواقع انظارهم ولا
يجيش لهم جأش، ولم تكن لهم هزّة على إخوانهم، والأفغانيون كانوا يشهدون تدخّل الإنگليز ولا يضجرون ولا
يتململون – إلى أن يقول - تمسّك المسلمين بتلك العقائد وإحساسهم بداعية الحق في نفوسهم مع هذه الحالة التي
هم عليها ممّا يقضي بالعجب ويدعو إلى الحيرة، ويسبق إلى بيان السبب فخذ مجم لا منه: إنّ الأفكار العقليّة
والعقائد الدينيّة وسائر المعلومات والمدركات والوجدانيات النفسيىة وإن كانت هي الباعثة على الأعمال وعن حكمها
تصدر، بتقدير العزيز العليم، لكنّ الأعمال تثبتها وتقوّيها، وتطبعها في الأنفس عليها حت يصير ما يعبّر عنه بالملكة
ا ولخلق، وترفتّب عليها آثارها التي تلائمها – إلى أن يقول بعد تدبّر هذه الأصول البيّنة والنظر فيها بعين الحكمة
يظهر لك السبب في سكون المسلمين إلى ما هم فيه مع شدّتهم في دينهم... فإنّه لم يبقَ من جامعة بين المسلمين
في الأغلب إلا العقيدة الدينيّة مجرّدة عمّا يتبعها من الأعمال – إلى أن يقول -: وكان من الواجب على العلماء
قيا م ا بحق الوراثة التي شرّفوا بها على لسان الشارع أن ينهضوا لإحياء الرابطة الدينيّة ويتداركوا الاختلاف الذي وقع
في الملك بتمكين الاتفاق الذي يدعو إليه الدين ويجعلوا معاقد هذا الاتفاق في مساجدهم ومدارسهم حت يكون
كلّ مسجد وكلّ مدرسة مهبط ا لروح حياة الوحدة، ويصير كلّ واحدة منها كحلقة في سلسلة واحدة إذا اهتزّ أحد
أطرافها اضطرب لهزّته الطرف الآخر"  .

و من إنجازات السيّد جمال الدين كثيرة وكبيرة وهنا نشير إلى بعض أهمّها:

بثّ الوعي واليقظة بين الأمّة الإسلاميّة ونشر الفكر الإسلامي والنهضوي بين كوادرها لا سيّما علمائها ورجالها السياسيين ولا سيّما السياسيين وقد تركت جهود السيد جمال الدين في هذا المجال آثارا كبيرة وأدّت إلى كثير من التغييرات الاجتماعيّة في البلدان الإسلاميّة. فمن التغييرات والأحداث التي تأثّرت بجهود السيد جمال
الدين، الأحداث التي شهدتها بلاد الهند والتي وقف فيها المسلمون موقفا موحّدا ضد الاستعمار الإنگليزي وقد
استطاع فيها المسلمون حفظ هويتهم الإسلاميّة والتي انتهت بالتالي إلى تأسيس دولة باكستان الإسلاميّة.

ومن التغييرات الكبرى التي تأثرت بجهوده وبفكره الثورة الدستوريّة في إيران سنة 1324 ه فإنّ الثورة الدستوريّة وإن
تأثرت زمنيا عن عصر حياة السيد جمال الدين ولكنّ المتأمّل في الأحداث التي سبقت الثورة الدستوريّة ومهّدت لها
يجد بوضوح أنّ الخيوط الأولى من النهضة الفكرية والسياسيّة التي انتهت بالثورة الدستوريّة تحركت على يد السيد
جمال الدين وهو أول من زرع بذور النهضة التغييريّة في إيران في نهايات عهد القاجار.

وأمّا ساحة مصر والشمال الأفريقي، فهي أكثر البلدان تأثرا بفكر السيد الافغاني أو الأسد آبادي، فإنّ
حركة الوعي الإسلامي في هذه المنطقة، وما تلاها من النشاط الإسلامي الحركي والفكري، مدينة بكليتها وأسسها
الأولى لهذا الرجل العظيم، يقول الدكتور محمد البهي: "مات جمال الدين في سنة 1897 م بعد صراع عنيف مع
الاستعمار الغربي استمر قرابة ثلاثين عاما، ولكن ما أن توفي رحمه الله حت انتشر كفاحه واتّاهه في التفكير في
جميع أنحاء العالم الإسلامي، وبخاصة في تلك الأنحاء التي تسلّط فيها الأجنبي وعبث بمقدّسات المسلمين وبكراماتهم
واقتصادياتهم ومواردهم في الثروة الطبيعيّة.

مات جمال الدين، وظهر أثره في مصر، محمد عبده ومدرسته السلفيّة.

وفي الجزائر، في جمعية علماء الجزائر لمؤسسها المرحوم عبد الحميد بن باديس المتوفي سنة 1940 م.

وفي أندونيسيا في حركة تّديد "المنار".

وفي الهند،جماعة أهل الحديث، وفي ندوة العلماء لمؤسسها محمّد شبل النعماني المتوفى سنة 1941 م.

 وفي أزهر الهند في مدرسة دار العلوم في ديوبند التي نقلت بعد تقسيم 1948 م إلىأكوري( ببيشاور في الباكستان"  .

إعداد جيل من العلماء والكوادر الحركيين الحاملين للفكر الإسلامي النهضوي، والسائرين على خطى السيد جمال الدين، في مختلف أقطار العالم الإسلامي، وقد استمرّت مدرسة جمال الدين ضمن هذه المجاميع من المفكرين وحملة الوعي الإسلامي حت ظهرت آثارها في كثير من بلاد الإسلام سواء على صعيد الفكري أو على الصعيد السياسي.

يقول الدكتور البهي: "خلق جمال الدين جيلا من القادة، خلّفه بعد وفاته على أساس من المعرفة والتبصير
الهادئ الرزين، أو على أساس من فهم صحيح للإسلام وتعاليمه وفي توجيه العالم المجرّب.

فلم يكن جمال الدين قائد شعب أو شعوب ضدّ اعتداء أجنبي قوي منظّم فحسب، بل كان مع ذلك رائد فكرة، ورائد ...
للإسلام.

ولولا دفع جمال الدين الأفغاني وتبصيره العلمي الإسلامي لما رأينا من بعده شخصية كشخصية الشيخ
محمد عبده، تتميّز كل التميّز عن أقرائنها يومئذ في فهم الإسلام، وفي تقدير قيمه، وفي فهم الحياة وظروفها، ولماّ
وجد هذا النظام الإسلامي الشامل للحياة الإسلاميّة في ظل الإسلام وتعاليمه الذي وضعه تلميذه المخلص محمد
عبده"  .

 وفق السيّد توفيقا كبيرا في نشر الوعي بين الأمة الإسلاميّة واستنهاض رجالها وعلمائها ومفكّ ريها،
وخلق تيار الفاعل من الوعي الحركي والفكر النهضوي بين الطبقة المفكّرة والمثقفة في المجتمع
الإسلامي في شتّ المناطق وبين مختلف شعوبه.
 لقد تميّز السيّد من بين غيره من قادة الصحوة الإسلاميّة وبُناتها باقتحام الحواجز الطائفيّة القوميّة
وتذليل العقبات التي تحول بين تفاعل أجزاء الأمّة وقطاعاتها بعضها مع بعض،  استطاع وهو
رجل شيعي إيراني أن يعمل مع السنّة الأتراك حكّا ما وعلماء كما عمل بين الإيرانيين، وأن يعمل
بين الأزهريين وكبار المقدرة الفريدة في شخصيته هي التي مكّنته من التأثير بين رجال علمائهم
كما عمل بين علماء الشيعة في العراق وإيران، وهذه الأمّة على اختلاف طوائفها وقومياتها من
شرق العالم الإسلامي إلى غربه.

بالرغم من الموقع المتميّز الذي احتلّه جمال الدين بين علماء السنّة ممّا جعلهم يعبرون عنه بفيلسوف
الشرق والحكيم الأكبر، وما إلى ذلك من العبارات الدالّة على موقعه الفكري والعلمي المتميّز في  الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي.

أوساط أهل السنّة، لم يحتلّ السيد بين أوساط الشيعة، موقعا علميا وفكر يا بارزا، ولم تنظر إليه الأوساط العلميّة الشيعيّة كمفكّر كبير جاء بجديد في عالم الفكر والتحقيق العلمي.

وإنّما برزت شخصيّة السيّد جمال الدين في الأوساط الشيعيّة كشخصية مصلحة ذات أفكار سياسيّة جديدة
تدعو إلى تحرير البلاد الإسلاميّة ورقيّها، ونبذ الفرقة والخلاف، والوقوف أمام الاستعمار الغاشم والهيمنة الأجنبيّة في صف واحد وبقوة واحدة.

ولهذا فالسيد جمال الدين كان يعوزه في بلاد أهل السنّة العمق الاجتماعي لأنّه كان بالرغم - من كلّ عبقريّته – رجلا دخل إليها من خارجها،
وكان يعوزه في بلاد الشيعة العمق الفكري والدينيّ الذي يمكّنه أن يحتل الموقع القيادي الذي يؤهّله للقيام بما كان يطم إليه من التغيير الشامل لذلك المجتمع التقليدي، وتحويله إلى مجتمع إسلامي جديد، عامر بالعدالة، نابض بالحياة.


و يقول وائل السمرى : جمال الدين الأفغانى.. أعلم العلماء وأفقه المتقين.. آمن بالعقل وقدرته وبأن الحرية أساس إسلامى وحارب التعصب المذهبى والطائفى والدينى وأطلق على مروجى التعصب لقب «تجار الدين»  هو مثل الشعلة التى أينما حلت أنارت ما حولها، يحلم بالعدالة المطلقة والسلام الحقيقى والعلم الخالص النافع، يرق قلبه للجائعين الضعفاء المساكين المرضى، لا يرى فى العالم شرا بقدر ما يراه فى ظلم الإنسان لبنى جنسه، مفكر من جبابرة الفكر الإنسانى، وفقيه وعالم وباحث صادق، عاش حياته ليتعلم ويعرف فأضاءت معرفته تاريخ الإنسانية، يقدس رابطة الدين بين المسلمين فى أقاصى البلاد وأدانيها، يحترم الأعراف والتقاليد والقوميات الخاصة، يؤمن بحرية الإنسان وقدرته على التحليق إلى آفاق الخيال، ولا يرى فرقا بين الخيال والواقع إلا بمقدار الإرادة الإنسانية وقدرتها على الصمود والتطور، إن ضعفت الإرادة بعد الفرق بين المتخيل والواقع، وإن قويت الإرادة اقترب الخيال من الواقع، هو أيضا المناضل الصامد الذى لا يلين أمام مدافع العدو سواء الحربية أو الفكرية، جندى شجاع لا يخاف من نار ولا يتهيب من الحوار، هو الرحالة الذى عرف الشعوب ووعى ثقافاتهم فصار جامعة دول متسامحة لا ترى فضلاً لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، هو ذلك الأفغانى الذى أتى من بلاد سحر الشرق، فطاب له فى مصر المقام فأحبها وقدسها وعمل من أجل تطويرها وتنميتها فكرياً وروحياً وأدبياً ونهضوياً فصار أحد أكبر أعلامها وأهم رموزها وصائغ نهضتها وصانع خطتها التى شكلت هوية مصر الحديثة، فكتب له الله من التلاميذ المخلصين من خلد ذكره ونفع الخلق بفكره.

عنه يقول العلامة المحقق أحمد حسن الباقورى: «لا ريب أن الله تعالى مسخر لجمال الدين الأفغانى ولكل ذى مذهب صالح صادق من يكون لسان صدق فى الدفاع والإقناع فإذا جمال الدين ملء الأسماع ومشتهى الأبصار ثم إنه بعد أن ضمه القبر أعلى قدرا وأرفع ذكرا وأجل جلالا وأعظم هيبة مما كان بين تلاميذه ومريديه والإمام جمال الدين من أؤلئك الزعماء الفادرين بالفضل بين الناس تزيدهم الأيام فى موتهم وفى تقادمهم جدة وحاجة المجتمع إليه لا يشتد هتافها به ولا تمنيها له من حيث هو أعلم العلماء ولا أفقه المتقين وإن كان هو أعلم العلماء وأفقه المتقين ولكن لأنه كان رجلا منطلق الفكر بين طبيعة الحياة وحقيقة الدين وهو مع ذلك يحب أن يجمع بقدر ما يكره أن يفرق ويحب أن يتسامح بقدر ما يكره أن يتعصب وكلما حاولت أن أتخيل وجه رسول الله وجدت أول الطريق إلى هذا الخيال الجميل فى وجه السيد جمال الدين فى إشارة منه إلى نسبة الشريف.

عاصر جمال الدين الأفغانى (1839 – 1897م). تطور مصر وتقدمها الفكرى على يد الإمام حسن العطار وتلميذه رفاعه الطهطاوى، فرأى فيها ملكات وخصائص لم تكن متوفرة فى غيرها، وبعد أن كان ينوى أن يمر سريعا على القاهرة طاب له المقام فيها وتجسد حلمه بها فهدأت روحه التى كانت لا تطيق الركود ولا تصبر على القعود حالما بأن يجمع العالم الإسلامى على كلمة واحدة يكون فيها المسلم أخا المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، يشاركه حلمه وأمله وطعامه ورحمته، فيعم السلام الروحى على الجميع وتنعم بلاد الإسلام بثرواتها المتدفقة بدلاً من أن ينعم بها محتل غاصب أو حاكم غاشم أو جاهل مستبد مبدد.

رأى جمال الدين بعينه فى بلاد «أفغانستان» ما يفعله التشتت والتفرق بين الإخوة من اضمحلال وفساد وخراب على البلاد، ورأى فى الهند أن الاستعمار يعمل على تفتيت الأمم وإضعاف إيمانها متربصا بكل بلاد العالم، ورأى كيف أن العنصرية أكلت الغرب حتى ظن أنه أفضل من شعوب العالم فأطلق صرخته الإصلاحية المستنيرة ليستنهض المسلمين من غفوتهم، لتترك الأمة الضعف وتجنح إلى الاتحاد وتنبذ الجهل وتتمسك بقيمها الخلقية والروحية التى تدعو إليها الأديان، مؤكداً أن ضعف الدول الإسلامية ليس ناتجا عن عيب فى الدين نفسه وإنما لابتعاد المسلمين عن إتقان العلوم وتنقية الروح من الخمول ونزع الرتابة والتقليد عن أفكارنا الدينية التى تدعى أن الخير كل الخير فى النقل والشر كل الشر فى العقل، داعياً إلى تفجير الإمكانيات العقلية لدى الإنسان المسلم ليعود إلى سيرته الأولى وقت أن كان سيداً للعالم وصانعاً لحضارته وتقدمه.

ولئن كانت دعوة الاسدابادي هذه قد لاقت رواجاً كبيراً بمصر ووجدت لها أتباعا ومريدين وتلامذة فهذا لأن من سبقوه من المصريين كانوا قد مهدوا المجتمع لمثل هذه الدعوات، وعلى رأسهم الإمام حسن العطار ورفاعه رافع الطهطاوى، ولذلك أصبحت مصر تربة خصبة لمثل هذه الأفكار التحريرية، ولم يكن الأفغانى يرى أى مانع دون وصول الأمة الإسلامية إلى ما تشتهى من تقدم وسمو إلا مكوث الحكام الظلمة على جسد هذه الأمة، فقد كان يرى أن حكام المسلمين وقتها غير جديرين بمناصبهم، ولا يهتمون إلا بإشباع شهواتهم الحسية، ولذلك أصبحوا فريسة سهلة لكل آكل.

ولعل روح جمال الدين الذى كان جنديا فى ميادين القتال ظلت على عهدها من شجاعة وتوثب وهو فى ميادين الفكر، وأهلته تلك الروح لخوض غمار المناطق الفكرية الوعرة والتصدى لما لا قبل لأحد به، وكذلك فإن معرفته الواسعة بالعلوم والرياضيات وشغفه بالمعرفة حصنه أمام الغزوات الفكرية المتتالية ومرس عقله ليصبح حجة من حجج الإسلام فى الدفاع عن الهوية الإسلامية المتحضرة الحديثة، ولعل شهرة الأفغانى وصيته الذائع هى التى جعلت مصر تستقبله أحسن استقبال حينما أتى إليها زائراً عام 1871 فأقام بها ثمانى سنوات قام فيها بإلقاء المحاضرات، وكون خلالها مجموعة تلاميذ، لعبوا دورا هاما فى مستقبل مصر السياسى. منهم الإمام محمد عبده وسعد زغلول، الذى أصبح فيما بعد بطل مصر الوطنى وزعيم ثورة 1919، ورئيس الوزراء. ومن تلاميذه أيضاً، محمود سامى البارودى، وعبدالسلام المويلحى، وإبراهيم المويلحى، وإبراهيم اللقانى، وعلى مظهر وسليم النقاش وأديب إسحق وأحمد لطفى السيد، فقد جمع الاسدابادي كل المخلصين على اختلاف مشاربهم واختلافاتهم، فصاروا نواة لصحوة وطنية كبيرة بعد أن تسلحوا بمقومات هويتهم العربية الإسلامية المصرية، فقد كان جمال الدين يدرس لتلاميذه فى منزله مفهومه للإسلام الصحيح، وإلى جانب دراسة الإسلام كدين وفقه، كان يشرح لتلاميذه أصول الشريعة والتصوف والفلسفة الإسلامية، وهى العلوم التى كانت شبه مجهولة فى مصر آنذاك، وللحق فإن هؤلاء التلاميذ النجباء ما أن شعروا بعلمهم يفيض حتى أنشأوا الجرائد مثل جريدة «مصر» وجريدة التجارة «التجارة» اللتين كان الأفغانى يكتب لهما تشجيعاً لتلامذته فحققت رواجاً كبيراً وقتها، وأخذ أيضاً يدعم روح الثورة على الأوضاع الاستبدادية القائمة ومقاومة روح الخنوع أمام قوات الاحتلال والتى كان يرعاها الخديو توفيق فتم القبض على جمال الدين فى العام 1871م ونفيه إلى الهند بإيعاز من الإنجليز.

ومن يتأمل منهج الأفغانى فى بث الوحدة بين البلاد الإسلامية يجد أننا فى أمس الحاجة الآن إلى مثل هذا الرجل فقد قال عنه العلامة الكبير شيخ الأزهر الجليل مصطفى عبدالرازق أنه حوى الشرق كله ومازال تأثيره قائما حتى الآن فى مصر وإيران وتركيا» فالأفغانى الذى كان أول من نادى بالوحدة بين المسلمين وإنشاء جامعة للدول الإسلامية كان شديد الكراهية لروح التعصب والتفريق بين أبناء البلد الواحد، وكان كما قيل عنه أكثر حكماء المسلمين وأئمتهم توسعاً فى معنى المساواة وأكثرهم ميلا للعمل به، وقد كان الدين عنده محفزاً على إكساب البشر رسالة أنه أشرف المخلوقات وأنه ملك هذه الأرض، وكان يجزم بأن «لا يوجد فى الأديان الثلاثة «الإسلام والمسيحية واليهوية» ما يخالف المجموع البشرى بل على العكس تحضه على أن يعمل الخير المطلق مع أخيه وقريبه وتحظر عليه عمل الشر مع أى من كان، بل يفسر جمال الدين ما نراه من احتقان وصراع دينى بأنه من عمل تجار الدين فيقول: «وأما اختلاف أهل الأديان فليس هو من تعاليمها ولا أثر له فى كتبها وإنما من صنع بعض رؤساء أولئك الأديان الذين يتاجرون بالدين ويشترون بآياته ثمنا قليلا» بل يتوقع أن يحاربه أولئك الذين يتخذون دين الله «حانوتا» أو إن شئت قل «مشروعاً» كما يسمونه الآن قائلاً: «علمت أن أى رجل يجسر على مقاومة التفرقة ونبذ الاختلاف وإنارة أفكار الخلق بلزوم الائتلاف رجوعاً إلى أصول الدين الحقة فذلك الرجل يكون عندهم قاطع أرزاق المتاجرين فى الدين وهو فى عرفهم الكافر الجاحد المارق المخردق المهرتق المفرق.....

أما لو أردت أن تعرف السبيل الذى ارتضاه الأفغانى لنفسه والمرشد الذى سار عليه نهجه ، «هو العقل» حيث قال : «إن الإنسان من أكبر أسرار هذا الكون ولسوف يصل بالعلم وبإطلاق سراح العقل إلى تصديق تصوراته فيرى ما كان يراه مستحيلاً وقد سار ممكناً» أى أنه يجعل من العقل سبيلاً لتحقيق المعجزات متحدياً أولئك الذين أغلقوا باب الاجتهاد ورأوا أن من «حفظ المتون فقد حاز الفنون» وأن كل شىء خير فى النقل وكل شىء شر فى العقل».

وقف جمال الدين الأفغانى بحسب تعبير المفكر الإسلامى محمد عمارة «كالإعصار الكاسح والبحر الهادر يمجد العقل فى أفكاره ومناظراته ومناقشاته وفى تفسيراته وتطبيقاته فجعل الحكم للعقل والعلم، وينسب له أنه كان أول من دعا إلى التفريق بين آيات القرآن والحقائق العلمية قائلاً إن «القرآن يجب أن يجل عن مخالفته للعلم الحقيقى خصوصاً فى الكليات فإذا لم نر فى القرآن ما يوافق صريح العلم والكليات اكتفينا بما جاء فيه من الإشارة ورجعنا إلى التأويل، وبفضل إيمانه بالعقل واستماتته فى الدفاع عن الإسلام قارع المشككين فيه الحجة بالحجة والبرهان بالرهان، ولما ظهرت نظرية دارون للوجود وتشكك العالم الإسلامى بسببها فى معتقداته لم يجد المسلمون غير الأفغانى ليرد على دعاة هذه النظرية الذين نقلوا مفاهيمها بشكل خاطئ، وقال إن هذه النظرية متناقضة فى متنها فالكون كله «منظم» بإحكام وهى تدعى أن سبب خلق الكون «مصادفة» فكيف تنتج الفوضى نظاماً؟ وهو الرأى الذى أسهم فى طمأنة الناس وتهدئتهم، كما أسهم فى نقل مبادئ الدارونية الصحيحة التى لا تنكر خالق النسمة الطيبة أو الروح، فأدى ذلك إلى تسامح جمال الدين مع النظرية التى لا تصطدم بالدين، وآمن بفكرة الانتخاب الطبيعى التى هى أساس الحياة.

وكان طبيعياً أن يجد عالم جسور ومناضل كبير بهذا الشكل اعتراضات كبيرة وكثيرة على أفكاره وآرائه التى زلزلت المجتمع وأرقت مضاجع الطغاة، فصاروا يكفرونه ويحاربونه ويشككون فيه، فكفرته مشيخة الإسلام فى تركيا وكفره شيوخ الخديو توفيق مثل الشيخ عليش وقال إنه رئيس جمعية سرية من الشبان ذوى الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا. لكن الاسد ابادي الذى كان يعرف أنه مجدد شباب الأمة الإسلامية لم يكن يكترث بهذا اللغو، ويبدو أنه كان يعرف أيضاً أنه سيكون مثار جدل كبير حتى بعد موته، فقد أملى على تلميذه محمد المخزومى كتابه الأخير «الخاطرات» محذراً تلميذه من بطش السلطان وموصياً إياه بإخفائه عن الأعين وقال له فى نهايته: «إذا سلمت من خطر الطاغية وطواغيته فستصادف من أهل الجمود عنتا وتخرصاً وقلبا للحقائق فلا تبال بهم فما خلا الكون منهم ليخلو زمنك منهم وما نجا منهم مخلص لتنجو أنت.

و في الختام عندمن استقرّ في لندن أصدر فيها جريدة "ضياء الخافقين".وقد أدّى ذلك إلى أن تضيّق عليه الحكومة البريطانية  فاستدعاه السلطان عبد الحميد إلى الأستانة فتوجّه إليها سنة 1310 ه وبقي فيها يواصل نشاطه في سبيل إقامة الدولة الواحدة ووحدة الأمّة الإسلاميّة وإيقاظ المسلمين، إلى أن قتل ناصر الدين شاه سنة 1313 ه، على يد آقا رضا خان الكرماني وكان من تلامذة السيّد جمال الدين المقرّبين لديه، فطلبت الحكومة الإيرانيّة من البلاط العثماني تسليمها السيّد جمال الدين بعد أن كشفت للسلطة العثمانيّة حقيقة كونه شيعيا إيرانيا، وأدّى ذلك بحسب ما يراه المحقّق مرتضى مد رّسي جوهاردي إلى أن تقوم الحكومة الإيرانيّة لقتله، وبعثت من أجل ذلك رجلا يدعى "ناصر الملك" فاستطاع وبالتنسيق مع السفارة الإيرانيّة في إستانبول دسّ السمّ إلى السيّد جمال الدين، فقتل شهيد ا بالسمّ سنة 1314 ه  .






اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد









 
https://taghribnews.com/vdcf0vdjtw6dx1a.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز