إذا كانت الذكرى لعظماء الرجال إشادة بما رسموا للأمم من مجد ، وتخليداً لما أسّسوا وبنوا لهم من سؤدد ، فمن أحقّ بالخليد من ذكراك يا أبا الأمجاد ، ويا مؤسّس العظمات ، ويا ملتقى العبقريات ؟.
شارک :
وإذا كانت ذكريات العظماء ، تسجيلاً من الأمّة لفضلهم ووفاء منها بحقّهم ، فمن أولى من حقّك بوجوب الوفاء ، ومن أجدر من أياديك بوجوب التسجيل يا فاتح الخير ، ويا قائد البركة ويا رائد الرحّمة وخازن المغفرة ؟.
وإذا كانت ذمة للحقّ ، وأمانة للتأريخ ، على البشريّة أن تؤدّيها ، وأن تعتزّ بها ، فمن أجدر بهذه الخصائص من ذكراك يا دليل الحقّ ، ويا مصدر العِزّ ويا باني التأريخ ؟.
وإذا كانت الذكرى تجديداً لميثاق الأمّة لقائدها ، وتوثيقاً لصلتها برائدها ، وتوكيداً لعهده الذي أخذه عليها أن تتّبع خطوة ، وأن تلتزم هداه ، وتقتفي نهجه ، فمن أحرى من ميثاقك بأن يجدّد ، ومن أحرى من أمّتك بأن تشدّ صلتها بك يا مصدر القوّة ويا معدن العزّة ويا رائد الكرامة ؟.
وإذا كانت للاقتباس من سيرة بناة العظمة ، والإقتداء بأعمالهم ، والإستمداد من أرواحهم ، وقوّة نفوسهم فمن أحقّ من سيرتك بأن تكون منهجاً للقدوة ، وموضعاً للاقتباس. ومن أجدر من روحك الكبيرة الكبيرة ، ونفسك العظيمة العظيمة ، بأن تكون مصدراً للوحي ، ومنبعاً للفيض ، ومدداً للعطاء ؟؟.
من سيرة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم
أبوه : عبد الله ، وجده لأبيه عبد المطلب ، وأمّه آمنة ، وجدّه الاُمّه وهب.
ولد النبي بعد وفاة أبيه بالمدينة ، وكانت ولادته يوم الجمعة عند طلوع الشمس في السابع عشر من ربيع الأوّل ، عام الفيل وأيّام ملك الفرس أنو شروان .
عاش ثلاثاً وستّين سنة ، منها ٦ سنوات مع أمّه ، و ۸ مع جدّه عبد المطلب ، و ٤۲ مع عمّه أبي طالب ، منها ۱۷ في بيته ، وحوالي ۲٥ في بيت خديجة زوجته الاُولى ، وبقي بعد عمّه في مكة ۳ سنوات ، وفي المدينة ۱۰ سنوات.
أولاده : جاءه ثلاثة ذكور ، وأربع إناث ، والذكور هم القاسم ، وعبد الله من السيّدة خديجة ، وإبراهيم من مارية القبطيّة ، وماتوا أطفالاً. والأناث زينب ، وأمّ كلثوم ، ورقيّة ، وفاطمة ، أسلمن وتزوّجن ، ثمّ توفين في حياته ما عدا الزهراء سيدة النساء.
كتاباته إلى الملوك : كتب النبي إلى ملوك زمانه يدعوهم إلى الإسلام ، ولما وصل كتابه إلى النجاشي ملك الحبشة وضعه على عينيه ، ونزل عن سريره تواضعاً ، وأسلم.
أمّا قيصر ملك الروم فأيقن بالحقّ. واعتقد أنّ محمّداً رسول من عند الله ، وأراد أن يسلم ، فخاف قومه ، وآثر الملك.
أمّا كسرى ملك الفرس فمزّق الكتاب ، وطرد رسول النبي ، فتمزّق ملكه ، وطرد منه.
وأمّا المقوقس ملك القبط في مصر فكتب إلى النبي جواباً قال فيه : قد اكرمت رسولك ، وأهديت إليك جاريتين ، لهما مكان عظيم في القبط ، وكسوة وبغلة تركبها ، ولم يسلم ، والجاريتان هما مارية القبطيّة ، تزوّجها النبي ، وولدت له إبراهيم ، والثانية سيرين ، وهبها النبي لشاعره حسّان بن ثابت.
وممّن كتب له الحارث الغساني ، وكان في سورية تابعاً لملك الروم ، فأراد أن يجيش الجيوش ، ويحارب النبي ، فنهاه سيّده قيصر.
وكتب النبي إلى هوذة صاحب اليمامة ، فاشترط لإسلامه أن يجعل له النبي شيئاً ، فرفض وبقي هوذة على الكفر.
آداب النبي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم
أمّا آدابه (ص) فقد جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار : كان النبي صلّى الله عليه وآله أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم ، لم تمسّ يده يد امرأة لا تحلّ ، وأسخى الناس ، لا يثبت عنده دينار ولا درهم ، فان فضل ولم يجد من يعطيه و يجنه الليل لم يأو إلى منزله حتّى يتبرّء منه إلى من يحتاج إليه ، لا يأخذ ممّا آتاه الله إلّا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل الله ، ولا يسأل شيئاً إلّا أعطاه ، ثمّ يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتّى ربّما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء ، وكان يجلس على الأرض ، وينام عليها ، ويأكل عليها ، وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويفتح الباب ، ويحلب الشاة ، ويعقل البعير فيحلبها ، ويطحن مع الخادم إذا أعيا ، ويضع طهوره بالليل بيده ، ولا يتقدّمه مطرق ، ولا يجلس مكتئاً ، ويخدم في مهنة أهله ، ويقطع اللحم ، وإذا جلس على الطعام جلس محقراً ، وكان يلطع أصابعه ، ولم يتجشأ قطّ ، ويجيب دعوة الحرّ والعبد ولو على ذراع أو كراع ، ويقبل الهدية ولو أنّها جرعة لبن ويأكلها ، ولا يأكل الصدقة ، لا يثبت بصره في وجه أحد ، يغضب لربّه ولا يغضب لنفسه ، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، يأكل ما حضر ، ولا يردّ ما وجد ، لا يلبس ثوبين ، يلبس بردا حبرة يمينة ، وشملة جبة صوف ، والغليظ من القطن والكتان ، وأكثر ثيابه البياض ، ويلبس العمامة ، ويلبس القميص من قبل ميامنه ، وكان له ثوب للجمعة خاصّة ، وكان له عباء يفرش له حيث ما ينقل تثنى ثنيتين ، يلبس خاتم فضّة في خنصره الأيمن ، يحبّ البطيخ ، ويكره الريح الردية ، ويستاك عند الوضوء ، يردف خلفه عبده أو غيره ، يركب ما أمكنه من فرس أو بلغة أو حمار ، ويركب الحمار بلا سرج وعليه العذار ، ويمشي راجلاً وحافياً بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة ، ويشيع الجنائز ، ويعود المرضى في أقصى المدينة ، يجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين ، ويناولهم بيده ، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتألف أهل الشرف بالبرّ لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلّا بما أمر الله ، ولا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه ، وكان أكثر الناس تبسّماً ما لم ينزل عليه قرآن أو لم تجر عظة ، وربّما ضحك من غير قهقهة ، لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس ، ما شتم أحداً بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادماً بلعنة ، ولا لاموا أحداً إلّا قال : دعوه ، ولا يأتيه أحد حرّ أو عبد أو أمة إلّا قام معه في حاجته ، لا فظّ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيّئة السيّئة ، ولكن يغفر ويصفح ، يبدأ من لقيه بالسلام ، ومن رامه بحاجة صابره حتّى يكون هو المنصرف ، ما أخذ أحد يده فيرسل يده حتّى يرسلها ، وإذا القي مسلماً بدأه بالمصافحة ، وكان لا يقوم ولا يجلس إلّا على ذكر الله ، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلّي إلّا خفّف صلاته وأقبل عليه ، وقال : ألك حاجة ؟ وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعاً ، يجلس حيث ينتهى به المجلس ، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة ، وكان يكرم من يدخل عليه حتّى ربّما بسط ثوبه ، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته ، وكان في الرضا والغضب لا يقول : إلّا حقّاً ، وكان يأكل القثاء بالرطب والملح ، وكان أحبّ الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب ، وأكثر طعامه الماء والتمر ، وكان يجتمع اللبن بالتمر ويسمّيهما الأطيبين و .....
و من مما قيل في النبي الخاتم (ص) كثيرة منها قصيدة بانت سعاد (البردة) للكعب بن زهير :
كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، ولُقّب بأبي المُضرَّب، هو من الشعراء المخضرمين؛ أي عاش في عصرين مختلفين هما: العصر الجاهلي، وعصر صدر الإسلام. كان من أعرق الناس في الشعر؛ إذ إنّ والده هو زهير بن أبي سلمى، وابنه عُقبة، وأخوه جُبير، وحفيده العوّام وكلّهم من الشعراء.
من أشهر قصائده هي القصيدة اللامية التي مطلعها (بانت سعاد)، والتي مدح فيها كعب بن زهير النبي محمد صلّى الله عليه وسلم عندما أتى النبيّ مسلماً متخفياً بعد أن أُهدِر دمه، فكساه النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ببردته، وقد كَثُر المخمّسون للاميته ومشطّروها وترجموها إلى غير العربية.