تاريخ النشر2018 1 August ساعة 11:01
رقم : 346917
في رحاب موسم حج 1439

افراح وسرور من آداب توديع حجاج بيت الله في مصر

تنا
طقوس حجاج بيت الله الحرام في مصر كثيرة و متنوعة منها "مجالس الوداع" إلى "الرايات البيضاء".. طقوس تكمل بهجة حجاج مصر. تزيين الجدران، ورفع رايات بيضاء على الحافلات، وترديد الأغاني الشعبية، ومجالس وداع الحاج.. طقوس مترسخة لدى المصريين لا سيما في الريف، تعبيرا عن البهجة لهذه الرحلة الايمانية الى الديار المقدسة .
افراح وسرور من آداب توديع  حجاج بيت الله في مصر
        "قلبى إلى بلد الحبيب يهيم.. يا ليته بين الربوع مقيم..                      وإلى رحاب النبى.. إلى ضياء الكوكبى"..
بهذه الكلمات أنشد المداح الإسلامى أمين الدشناوى، ويردد معه الآلاف من أبناء الصعيد (مصر) هذه المدائح أثناء توديع حجاج بيت الله الحرام لأداء مناسك فريضة الحج.

ويحرص أبناء المجتمع الصعيدى على مجموعة من العادات والتقاليد أثناء توديع الحجيج للسفر إلى الأراضى المقدسة، منذ سنوات ورثاً عن الأجداد، ومنها فرقة المزمار البلدى والمنشدين ونساء الدف، والذين يرافقون الحاج منذ أن يخرج من بيته وصولاً إلى المطار أو استقلاله القطار للقاهرة أولاً ومنها للأراضى المقدسة، أو إلى الباخرة، كما كان يحدث فى الماضى.
 
من جهته قال محمد عوض، أحد الحجاج من محافظة أسوان، "المجتمع الصعيدى عرف هذه العادات والتقاليد فى توديع الحجيج منذ مئات السنين، وتناقلها الأبناء جيلاً بعد الجيل، وبالرغم من اختلاف الزمان وظهور وسائل تكنولوجية حديثة، إلا أن أبناء الصعيد لا يزالون يتمسكون بهذه العادات فى توديع الحجاج، فرحاً وابتهاجاً بالمسافر لأداء مناسك فريضة الحج".
 
وأضاف عبد الله محمد مصطفى، أحد الحجاج  من محافظة أسوان لأداء مناسك الحج، أن أسرة الحاج تستعد يوم سفره بفرقة مزمار بلدى، تصطحبه بزفة بلدى من بيته وصولاً إلى المطار أو محطة القطار أو مكان توقف الأتوبيس الخاص بنقله للمطار، وسط تجمع عدد كبير من الأسرة
والجيران والأصحاب وزغاريد النساء.
 
وأشار عبد الله محمد مصطفى إلى أن هناك بعض القبائل العربية تجهز للحاج حصاناً مزيناً بزى معين، ويستقله الحاج، وسط أقاربه وأصدقائه، الذين يرددون الأغانى وتلبية الحجاج، ويمر الحصان على كل منزل بالقرية، ليستقبله الأهل والجيران ويبادلونه المصافحات والتبريكات والدعوات، موضحاً أن هذه الخطوة ضمن عادات وتقاليد الأجداد بهدف إزالة الخصومات والضغائن وتصفية النفوس، قبل سفر الحاج لزيارة بيت الله الحرام.
 
وأوضح محمود محمد، أحد العازفين على المزمار بأسوان، أنه يعمل بهذه المهنة منذ 20 سنة، وتوارثها عبر أجداده حتى أصبحت العائلة تشتهر بهذه الحرفة، مضيفاً أنه عندما يتلقى اتصالاً من إحدى العائلات باستعداد أحد أفرادها للمغادرة إلى الأراضى المقدسة، يستدعى باقى أعضاء فرقته وهم 4 أشخاص، ويقومون بالعزف والأناشيد ابتهاجاً بالحجاج.
 
وأشار عوض طاهر، أحد أبناء محافظة أسوان، إلى أن العادة جرت بين القبائل العربية فى أسوان على أنه فى حالة سفر الرجل يستدعى له فرقة إنشاد أو مزمار بلدى، وفى حال سفر امرأة يستدعى لها سيدات الدف، وهن نساء اشتهرن بهذه العادة قديماً ولا تزال تعمل بها حتى اليوم، من خلال الدق على الدف وترديد الأغانى المعروفة عن الحجاج.
 
وأضاف طاهر، أن هناك بعض القبائل تلجأ لذبح ماشية وتوزيعها على الفقراء فى هذا اليوم، ومضايفة الأهل والعشيرة أثناء استقبال الضيوف التى تودع الحاج وتوزيعها أيضاً على الفقراء والمساكين، بجانب صناعة الحلويات وتوزيعها أيضاً على الأهل والجيران.

في إحدى قرى شمالي مصر، كان الستيني ماهر جلال يستعد لأداء فريضة الحج قبل سنوات، وأول ما تبادر لذهن أهل بيته أن يقوموا بطلاء
حائط منزله وكتابة عبارة "حج مبرور وذنب مغفور".

أحد من عاشوا تلك الواقعة يسترجع الآن تفاصيل العادات والتقاليد السنوية للمصريين ، إن الرسم على جدار المنزل كان أول ما انتبه له أهل هذا الحاج، فاستعانوا بخطاط ليكتب تلك العبارة تتوسطها صورة للكعبة المشرفة.

ويضيف إبراهيم عيد: "هذا ما فعلناه أيضا لوالدي ووالدتي عندما ذهبا للحج قبل سنوات، إذ قمنا بطلاء الحائط الخارجي للمنزل ووضع الرسوم والعبارات ذاتها، فيما تم رفع الرايات البيضاء على السيارة التي أقلتهما إلى المطار قبل رحلة السفر للأراضي المقدسة، بخلاف الاحتفالات والأغاني المرتبطة بالحج".

وبخلاف "جداريات على الجدران"، و"الرايات البيضاء" على الحافلات، والأغاني، هناك حرص على "استقبال الزائرين" قبل الرحلة وبعدها، أو ما يعرف بمجالس الوداع والعودة.

تلك الطقوس المرتبطة بشعيرة الحج، يعتبرها خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبي والمتخصص في الفلكلور الشعبي، مترسخة ومتغلغلة لدى المصريين، لا سيما في الريف والمناطق الشعبية، تعبيرا عن البهجة والتفاؤل.

ويحمل فلكلور الحجاج المصريين أحيانا رغبة من البعض في أن يموت بالأراضي المقدسة أثناء أداء الحج، باعتبار أن هذه خاتمة جيدة تفرح أهله، وفق حديث الأكاديمي ذاته .

 و تبدأ مجالس الوداع والعودة تلك العادات والتقاليد فور سماع الحاج لخبر فوزه في قرعة الحج أو تلقيه تأشيرة الدعوة لأداء الفريضة واقتنائه ثوب الحجاج، حيث يتحول منزل الحاج إلى مزار شعبي احتفائي للجيران قبل ذهابه، والأمر نفسه يتكرر عقب عودته، وهو ما يعرف بمجالس الوداع والعودة.

وتتزين بعض بيوت الحجاج برسوم تحمل آيات قرآنية تدعو إلى
أداء فريضة الحج، وأشهرها قوله تعالى "وأتموا الحج والعمرة لله"، وكذلك بعض التعبيرات المأثورة، منها "حج مبرور وذنب مغفور"، و"لبيك اللهم لبيك"، وبعض الصور للكعبة، أو وسائل الحج عبر الزمان بدءا من ركوب الجمال ومرورا بالسفينة والطائرة.

ووفق تقرير لمجلة "الأهرام العربي" (المملوكة للدولة) في 2017، كان أول من رصد لرسوم وجداريات الحج في العصر الحديث بعض الرحالة الأجانب الذين زاروا مصر في نهاية القرن التاسع عشر مثل المستشرق الإنجليزي إدوارد ويليام لي.

وفي كتابه "المصريون المحدثون"، تناول ويليام لي عادات وتقاليد المصريين في هذه الفترة وأهمها تزيين منازلهم قبل عودة الحجاج بثلاثة أيام، وتلوين الأبواب والحوائط باللونين الأبيض والأحمر وبطريقة بدائية بسيطة.

ومنذ بضع سنوات، صدرت ترجمة عربية لكتاب بعنوان "رسومات الحج، فن التعبير الشعبي عن الرحلة المقدسة"، قام بتحريره الإنجليزي أفون نيل، تناول فنون التعبير الشعبي عن رحلة الحج في مصر.

ودعا محرر الكتاب إلى تسجيل هذه الجداريات بوسائط حديثة تجمعها في كيان مرئي يحميها من الاندثار، لأنها في مجملها تشكل سجلا أثريا لفن شعبي شديد الخصوصية، يمثل حركة فنية اعترف بها العالم، ووجها مشرقا من أوجه الميراث للأمة المصرية.

و اما الرايات البيضاء أحد أبرز طقوس المميزة لرحلة الحج في مصر، إذ توضع فوق الحافلات التي تقل الحجاج من مدنهم وقراهم إلى المطارات والموانئ عند الذهاب لأداء الفريضة، أو العكس في طريق العودة.

و من جانب اخرتمتلأ منازل الحجاج باحتفالات وأغانٍ بشكل مستمر قبل ذهاب الحاج لأداء الشعيرة، ومن أشهر الكلمات الغنائية التي يرددها مصريون:

بعيدة بعيدة يا بلاد الرسول.. بعيدة بعيدة ونفسي
(أتمنى) أزورك يا نبي


بعيدة ونفسي وإن أعطاني ربي.. لأروح لك (لأذهب إليك) بزفة (موكب احتفالي)

رايحة فين (ذاهبة إلى أين) يا حاجة يا أم شال قطيفة (غطاء رأس).. رايحة أزور النبي والكعبة الشريفة

يا فاطمة يا فاطمة يا بنت نبينا افتحي لنا البوابة أبوكِ (والدك) داعينا

ويحظى الحاج عقب عودته بمعاملة خاصة وسط مجتمعه، فهناك أكبر قدر من درجات التوقير باعتباره أقرب واحد من أفراد المجتمع حداثة ببيت الله وبزيارة الرسول (خاتم المرسلين)، ويكون النداء دائما له مسبوقا بلقب "الحاج"، ويعد هذا اللقب جزءا أصيلا من هويته.


يقول خالد أبو الليل  إن الحج يحظى بمكانة كبيرة لدى المصريين، وله طقوس عديدة متغلغلة ومترسخة عندهم للاحتفاء بها والتعبير عن البهجة والتفاؤل.

ويوضح أبو الليل أن الجداريات أو الأغاني أو الزيارات أو وضع الرايات البيضاء، هي طقوس معبرة عند المصريين لا سيما في المناطق الريفية والشعبية.

ويشير إلى أن المصريين حتى بعد هجرتهم من الريف للمدن حافظوا على تلك الطقوس، وإن قلّت لتغيرات اجتماعية واقتصادية، إلا أنها موجودة وتحظى بمكانة في النفوس.

وضرب مثلا بظهور الرايات البيضاء إلى الآن في صالات السفر بالمطارات والموانئ قبيل بدء رحلة الحج السنوية.

ويلفت إلى أن الريف عادة ما تكون لديه أجواء تداخل اجتماعي بصورة أكبر من المدن، ولذلك تظهر فيه تلك الطقوس بوضوح.

ويؤكد أن بعض الحجاج يتمنون أثناء الوداع أحيانا أن تختتم حياتهم في الأراضي المقدسة، ويجد هذا الأمر ترحيبا نفسيا لدى أسرهم على أساس أنها خاتمة صالحة، رغم أنه مرتبط بالموت الذي لا يتماشى مع طقوس الفرح بالحج.

اعداد وتدوين علي اكبر بامشاد
 
https://taghribnews.com/vdcjvmetauqexhz.3ffu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز