تاريخ النشر2024 22 January ساعة 00:13
رقم : 622475

حديث التقريب .. موقف الإيرانيين من القضية الفلسطينية (1)

تنـا - خاص
القدس حاضرة في كل أدبيات الثورة الإسلامية بشأن فلسطين وفي فنونها وإعلامها..الرسوم والأفلام والمسلسلات الإيرانية حول فلسطين تحكي عن شعب وادع هادئ يتعرّض للإرهاب والوحشية، وتتحدث عن مقتل الأطفال والنساء والشيوخ.
حديث التقريب .. موقف الإيرانيين من القضية الفلسطينية (1)
1- الخليفات التارخية والحضارية
قد يخال بعضهم أن موقف إيران من القضية الفلسطينية قد بدأ مع إقامة الجمهورية الإسلامية، ويرى أن هذا الموقف سياسي يرتبط بالحضور الإيراني في المنطقة، لكن ذلك يتنافى مع الحقائق التاريخية والثقافية للشعب الإيراني، الإمام الخميني (رض) انطلق من هذه الخلفية التاريخية في شحن الشارع الإيراني.

فالشارع الإيراني شُحن فكريًا ونفسيًا بضرورة مواجهة مثلث الشاه والصهيونية وأمريكا، وهذا الشحن تواصل بعد سقوط الشاه، واليوم نستطيع أن نفهم أكثر من أي وقت مضى سبب مواصلة الإمام لهذا الشحن، وسبب تحذيره المستمر من التنازل أمام التهديدات الأمريكية الصهيونية.

وهنا نشير إلى أن ارتباط مثلث الشاه ـ الصهيونية ـ أمريكا اتضح للإيرانيين بالوثائق بعد الثورة حين جمع الشباب الإيراني ما حصلوا على جذاذاته في السفارة الأمريكية ونشروه في مجلدات خاصة بعنوان : محتلو القدس وأمريكا حامية محتلي القدس وفلسطين – 1 وفلسطين – 2.

وحين يمتزج القومي مع الإسلامي في حركة مستقبلية يدخل كل الموروث الثقافي ليشكّل حوافز هذه الحركة ورموزها ومن أهم هذه الحوافز والرموز لدى الإيراني:
الدفاع عن المقدسات

القدس حاضرة في كل أدبيات الثورة الإسلامية بشأن فلسطين وفي فنونها وإعلامها؛ فبيت المقدس والأقصى يرمزان إلى المقدس في القضية الفلسطينية، والمقدس بما له من بُعد غيبي لامتناه يشدّ الفرد والجماعة البشرية نحوه إيمانيًا، ويزوّد المسيرة بعطاء متواصل، ويدفع إلى التضحية من أجل الحفاظ عليه.

حتى النظم الوضعية تحتاج إلى قدسية تجسّدها في العَلَم وفي الدستور وفي تراب الوطن من أجل شدّ الجماهير بالنظام.

والمقدس في القضية الفلسطينية يستوعب كل ذرة من تراب هذا الوطن الإسلامي، لكنه يضمّ أيضًا رموزًا تشكل عامل شد وتحريك لكل المسلمين، إلى جانب ما فيها من رموز مقدسة يشترك فيها المسيحيون والمسلمون.

والمقدس يمكن أن يكون وسيلة لقياس مافي الأمة من حياة ويستطيع العدوّ من خلاله أن يجسّ النبض ويعرف مستوى الحيوية. من هنا فإن احتلال الصهاينة للقدس وتدنيسها بأقدام القتلة كان يستهدف الإعلان عن انتهاء هذه الأمة.

لكن ردود الفعل المناسبة وخاصة انتفاضة الأقصى بدّدت آماله، ولهذا رأى الشارع الإيراني في انتفاضة الأقصى أنها إعلان عن وجوده هو، ودفاع عن كرامته هو، وهذا التفاعل مع الانتفاضة في إطار الدفاع عن المقدس من أهم رموز حضور القضية الفلسطينية في الشارع الإيراني.

في مسابقة «طريق القدس» التي أجراها مركز الدراسات الفلسطينية ولجنة الدفاع عن الثورة الإسلامية الفلسطينية بطهران، في موضوع رسوم الأطفال تقدم 13422 متسابقًا من تلاميذ الابتدائية والتوجيهية والثانوية الإيرانيين، وقدّموا لوحات رسوم ترتبط بانتفاضة الشعب الفلسطيني، وقلّما نجد لوحة تخلو من صورة بيت المقدس ببنائه المضلع وقبته، مما يدلّ على عمق المقدس الفلسطيني في وجدان الشارع الإيراني.

كما أن رسوم الفنانين الإيرانيين والأناشيد الفلسطينية الإيرانية قلّما تخلو من القدس وبيت المقدس وقبة الصخرة والأقصى، وكلنا نتذكر عمليات «طريق القدس» في ردّ العدوان على الجمهورية الإسلامية وما حققته باسم هذا المقدس من انتصار.

وهكذا انشداد الإيرانيين بمسلسل «طريق القدس» يحكي عن التعاطف النفسي مع الأمير العربي الحمداني في الدفاع عن المقدسات، ووجود «ساحة القدس» و«شارع القدس» إلى جانب «ساحة فلسطين» و«شارع فلسطين» في طهران والمدن الإيرانية الأخرى، تنمّ عن رموز القدسية في قضية فلسطين لدى المجتمع الإيراني.
 
2- مظلومية الشعب الفلسطيني
أظنّ أن أدبيات الثورة الإسلامية ووسائل إعلامها تنفرد في إطلاق صفة «المظلومية» على الشعب الفلسطيني والانتفاضة الفلسطينية، فهذه الصفة قد تكون سلبية في كثيرمن الأذهان، لكن الذهنية الإيرانية الإسلامية يتداعى لها «مظلومية» كل أصحاب الحقّ في التاريخ، وخاصة في التاريخ الثوري الإسلامي وفي قمته تاريخ واقعة كربلاء.

والمظلوم وفق هذه الذهنية ليس المقهور والمهزوم، بل هو طالب الحق الذي قل عدده وعدّته، لكنه يأبى الذلّ ويرضى أن يتعرّض لألوان الظلم دون أن يتنازل عن حقّه.

يظهر من العمق النفسي الإيراني أنه تعرض على مرّ التاريخ القديم لألوان الظلم من السلالات الحاكمة التي كانت تسخّر الشعب لأهوائها وفتوحاتها، ولعلّ هذا هو العامل الذي جعل الإيرانيين يحتضنون بضعة آلاف من المسلمين في الفتح الإسلامي ويساعدونهم على تسخير إيران رغم كل ما كان لكسرى من قدرة عسكرية تنافس قدرة الروم.

ولعلّ هذا أيضًا هو العامل الذي حال دون أن يستطيع المسلمون فتح بلاد الديلم في القرن الأول والثاني، لأن الديلم كانوا لا يفرقون بين هؤلاء الفاتحين الجدد وبين المقاتلين من أجل الهيمنة والنفوذ، لذلك ظلوا على دينهم حتى جاءهم «المظلومون» من العلويين الفارين من السلطة العباسية، فاحتضنونهم، ودانوا بدينهم ومذهبهم، ثم انتصروا لهم بعدأن أسسوا الدولة البويهية في إيران والعراق.

الإمام الخميني انطلق من هذه الخلفية النفسية للإيرانيين حين استثارهم في مسألة «الفيضية». فقد أضرم النار في الشارع الإيراني حين تحدث بصوت باك عن مظلومية طلبة المدرسةالفيضية.. كما أنّ صورة «المظلومية» التي أحيط بها بعد أن أجبر على مغادرة النجف، فظلّ حائرًا حتى ألقته المصادفات في باريس، هذه الصورة كانت المسمار الأخير الذي دقّ نعش الشاه وأقامت إيران ولم تقعدها إلاّ بعودة الإمام من منفاه إلى أرض الوطن.

وحين تصاعد التآمر الداخلي في بداية الثورة ضد الخط الإسلامي الملتزم ومن رموز هذا الخط الشهيد الدكتور بهشتي، تحدّث الإمام في اليوم التالي لانفجار الحزب الجمهوري الإسلامي بلغة قلبت المعادلة تمامًا لصالح الخط الإسلامي. وما كانت هذه اللغة سوى «مظلومية» الشهيد بهشتي.

والمظلوم بسبب هذه الخلفية النفسية التاريخية محبّب إلى نفوس الإيرانيين، وإن كان محببًا لدى كل الذين يقفون في صفّ المظلومين لمقارعة الظالمين، لكنه لدى الإيرانيين يرتبط أيضًا بكل من يقدسونهم في التاريخ من أمثال علي وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأبي ذر وياسر وسميّة وعمّار وغيرهم من الصحابة والتابعين.

الرسوم والأفلام والمسلسلات الإيرانية حول فلسطين تحكي عن شعب وادع هادئ يتعرّض للإرهاب والوحشية، وتتحدث عن مقتل الأطفال والنساء والشيوخ. وتتحدث عن أرض سليبة وعوائل مهجّرة ومخيمات مبثوثة، وعن مجازر تعرّض لها المشردون في المخيمات، وكلها تلتقي مع الوجدان الإيراني المتعاطف مع المظلوم، وتبقي القضية حيّة في النفوس وفي يوميات الإنسان الإيراني.
 
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية
https://taghribnews.com/vdcfe0dvtw6d0ja.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز