تاريخ النشر2022 13 July ساعة 21:32
رقم : 557423

الأقليات الإسلامية والتحديات الثقافية - القسم الاول

تنا
من أبرز التحديات التي تواجهها الأقليات الإسلامية في الغرب اليوم هي التحديات الثقافية التي تتعلق بعقائد المسلمين وثوابتهم الدينية، وترتبط بالخوف من الذوبان داخل النسيج الاجتماعي لتلك البلدان، أو ما يسمى بفقدان الهوية العربية والإسلامية لهؤلاء المهاجرين.
  د. عبدالستار ابراهيم الهيتي
  د. عبدالستار ابراهيم الهيتي
  د. عبدالستار ابراهيم الهيتي
أستاذ بجامعة البحرين ـ قسم الدراسات الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقـدمــة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم وسار على هديهم إلى يوم الدين .
وبعــد:

فقد تزايد عدد الأقليات الإسلامية في العالم، وخاصة في أوربا خلال السنوات القليلة الماضية، وتميزوا في كونهم من أصول مختلفة ومتعددة ربما ترجع إلى معظم الدول الإسلامية، بالإضافة أن عددا لا بأس به من المسلمين هم من أصول أوروبية و اعتنقوا الإسلام عن رغبة صادقة، هذه الجوانب تجعل بمقدور الأقلية المسلمة هناك القيام بدور مؤثر يحقق مصالح المسلمين في العالم، ومع هذه المميزات التي تميز المسلمين في أوروبا عن غيرهم إلا أنهم يواجهون تحديات كثيرة ومشاكل متعددة، منها مشكلات الإقامة والعمل، ومنها الصعوبات الخاصة بتوفير التعليم الإسلامي لأبناء المسلمين، والحفاظ على الهوية الإسلامية في ظل هذه المجتمعات الإباحية التي تنتشر فيها الانحرافات الأخلاقية، إضافة إلى اضطهاد بعض الأقليات المسلمة على خلفية هويتهم وثقافتهم.
 
وقد تعرضت الأقليات المسلمة في الغرب عموما وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص لهجمة شرسة غير مسبوقة منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر۲۰۰۱ ويتجلى ذلك بوضوح من خلال نظرة سريعة إلى التقارير الصادرة حول أوضاع هذه الأقليات والتي تقدم تصورا عاما عن المشاكل والصعوبات التي تمر بها الأقليات المسلمة في الغرب.
 
وعلى الرغم من أن بعض الدول الأوروبية، خطت خطوات مهمة باعترافها بالإسلام، وتم بالفعل في بعض الدول الأخرى إعطاء حقوق مدنيّة للمسلمين، فإنه لا تزال هناك عراقيل ومعوقات كثيرة ، كما أن هناك استمراراً في اعتبار بعض المظاهر الإسلامية كالحجاب مثلا
 
رمزا للتعصب والتحجّر الفكري، وهناك من يرفض السماح للمحجبات بالمدارس بدعوى الحفاظ على مبادئ علمانية المدرسة الأوروبية، وكرد فعل لذلك نجد أن صورة الغرب لدى المسلم··· غالباً ما تكون مقترنة بالإحباط نتيجة عدم تطابق المفهوم من الواقع .
 
    ومن جهة أخرى، فقد تم الاعتداء على نصوص القرآن الكريم وشخص النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليم الإسلام في أكثر من مناسبة، وتجاه ذلك الضغط الشديد قابل المسلمون في الدول الأوربية بصور متعددة من الصمود والصبر والاحتساب، حيث رأوا في هذا الأمر اعتداء على كيانهم الشخصي وسلبا لأبسط حقوقهم في الحرية والحياة فقابلوا ذلك بمزيد من التشبث والتمسك والحفاظ على التميز النابع من دينهم وثقافتهم , مما أثمر في النهاية  حالة من عدم الاستقرار المستمر والقلق والاضطراب بين الطرفين، الأمر الذي يستلزم القيام بحملة تعليمية وتثقيفية، وحملة تعبوية لمساندة الأقليات الإسلامية والعمل معه من أجل نشر الإسلام وتقديم برامجه الثقافية والتربوية للآخر .
 
   ومن أبرز التحديات التي تواجهها الأقليات الإسلامية في الغرب اليوم هي التحديات الثقافية التي تتعلق بعقائد المسلمين وثوابتهم الدينية، وترتبط بالخوف من الذوبان داخل النسيج الاجتماعي لتلك البلدان، أو ما يسمى بفقدان الهوية العربية والإسلامية لهؤلاء المهاجرين، وسنحاول في هذه المقالة أن نقف على أبرز تلك التحديات الثقافية التي تواجه الأقليات الإسلامية، ونعقبها بمقترحات وصيغ للمعالجة يمكن من خلالها الوقوف بوجه تلك التحديات وتخفيف وطأتها عليهم، ولذلك فستكون هذه الورقة موزعة وفقا لما يأتي :

المحور الأول : تعريف بالأقليات الإسلامية .
المحور الثاني : صور التحديات الثقافية للأقليات الإسلامية .
المحور الثالث : مقترحات وحلول ومعالجات .
 
أملي أن يكون ذلك إسهاما ولو بسيطا في خدمة هذا الدين الحنيف، وعملا بالأمر النبوي في الاهتمام بشأن المسلمين في قوله صلى الله عليه وسلم (من لن يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) والتزاما بالوصية النبوية التي تدعو إلى التناصح بين أبناء الأمة فيقوله عليه الصلاة والسلام (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولرسوله ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم).

المحور الأول : تعريف بالأقليات الإسلامية 
      تمثل الأقليات الإسلامية في دول العالم المختلفة نسبة لا يستهان بها من المسلمين الذين يدينون بهذا الدين، ولذلك فهم جزء من هذه الأمة تجد نفسها مضطرة للتعامل مع مجتمعات تختلف معها في المعتقد والحضارة والتفكير، وتتباين معها في السلوك والتصرفات الأمر الذي يجعلها أكثر حاجة إلى التفاعل والحوار مع الآخر الذي وجدت نفسها وسط بيئته وكيانه .
 
ولا بد من الإشـارة هنا إلى جملة من الحقائق صاحبت نشوء ظاهرة الأقليات الإسلامية في العصر الحديث، أبرزها :
 
۱ـ  إن السبب الأساسي لنشوء ظاهرة الأقليات الإسلامية كان مرتبطا بالهجرة من البلاد الإسلامية إلى مختلف أقطار العالم، وبخاصة إلى أوربا وأمريكيا وكندا واستراليا، حيث وصل المهاجرون من المسلمين إلى تلك البلدان وهم يحملون ثقافتهم وحضارتهم وعاداتهم وتقاليدهم ليجدوا أنفسهم وسط مجتمعات لها دياناتها ولغاتها وثقافاتها، ولها أنماط حياة وأساليب معيشة خاصة بها تختلف عما ألفوه ونشـئوا عليه في بلدانهم الأصلية.
 
۲ـ  إن الأفواج الأولى من المهاجرين المسلمين كان يغلب عليها الطابع الشعبي حيث كان البحث عن موارد الرزق هو الدافع الأكبر على تلك الهجرات الأولى، الأمر الذي جعل أغلب تلك الأفواج تنصهر مع المجتمعات الجديدة التي وفدوا عليها، إلا أنه مع مرور الزمن وبفعل التحولات الدولية الحديثة حصل تغير في نوعية المهاجرين من البلاد الإسلامية إلى الغرب، حيث أخذت أفواج المتعلمين والدارسين وأصحاب الكفاءات الثقافية والعلمية والمهارات المهنية المتميزة تغلب على ظاهرة المهاجرين المسلمين، مما أدى إلى ظهور أوضاع جديدة وبروز مشكلات متنوعة شعر المسلمون في المهجر بوطأتها وصاروا يتطلعون إلى إيجاد حلول لها حتى يستطيعوا التوفيق بين هويتهم وثقافتهم وبين المحيط الاجتماعي والبيئة الثقافية والمناخ العام الذي وجدوا أنفسهم يعيشون فيه .
 
۳ـ  إن انتشار الإسلام في الدول غير الإسلامية عن طريق إقبال أهل الأديان الأخرى على اعتناقه بعد وصول أفواج المهاجرين من المسلمين إليهم كان سببا آخر من أسباب نشوء ظاهرة الأقليات الإسلامية وتزايد أعدادهم، الأمر الذي دعا مجددا إلى ضرورة صياغة برنامج جديد لمعالجة أوضاع المسلمين الجدد وتحديد علاقاتهم مع طبيعة المجتمعات التي نشئوا فيها .
 
 ومن خلال ما تقدم يتضح لنا أن الأقليات الإسلامية هي إحدى الفئات التالية
 
۱ـ  مسلمون ينتسبون إلى دول غير إسلامية بالأصل والمواطنة، مثل مسلمي الهند والصين والفلبين المقيمين في أوطانهم الأصلية، وهؤلاء جزء لا يتجزأ من شعوبهم لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات مثل ما على مواطني تلك الدول .
 
۲ـ  مسلمون يقيمون في دول غير إسلامية ويخضعون لأحكام القانون المحلي لتلك الدول أمثال المسلمين من الدول العربية والإسلامية الذين يهاجرون إلى شتى بلدان العالم .
 
ومهما يكن من أمر فإن هؤلاء الذين يمثلون الأقليات الإسـلامية بحاجة إلى الاهتمام بأوضاعهم العامة باعتبارهم جزءا من حركة اليقظة الشاملة التي سادت أرجاء العالم، فنتج عنها تزايد مستمر ومتواصل من المسلمين الذين يعتنقون هذا الدين ويلتزمون بأحكامه وشريعته .
 
۳ ـ  هناك أقليات مذهبية تعيش في مجتمعات ليست مغايرة لها في عقيدتها، ولكنها أقلية مذهبية تعتنق مذهبا آخر غير المذهب الذي تتبناه الدولة، وبالرغم من كون بعض تلك الأقليات تمثل نسبة كبيرة قياسا مع عدد السكان تصل في بعض الأحيان إلى 20% إلا أنهم يعانون من جملة من التحديات الثقافية المتعلقة بالاختصاص المذهبي، مثل حظر بناء المساجد الخاصة بهم، وحظر الكتب المتعلقة بمذاهبهم، والتضييق عليهم في الدعوة والتوجيه، الأمر الذي يتطلب مراجعة مثل هذه المواقف وتصحيحها حتى لا يكون المسلم غريبا في موطنه، وحتى لا يصبح أتباع المذاهب الإسلامية أقلية في بلدانها .
 
فقد أدى التعصب المذهبي المقيت إلى زرع الخلاف والشقاق بين أبناء الأمة وتفتيت وحدتها وتقسيمها إلى أمم متخاصمة تتقاتل وتتنازع، فاستغل العدو المتربص بها هذا الانقسام والفوضى، فبسط سيطرته عليها وأمعن في إذلالها وقهرها، وكان السبب المباشر في كل هذا انعدام المنهجية الصحيحة للحـوار بين أبناء الأمة الواحدة، ذلك أن الحـوار بين الفرق والمذاهب الإسلامية لا يكاد يبدأ جدالا بالتي هي أحسن، حتى تتسلل إليه الحدة والشدة وتستولي عليه روح الضيق بالمخالفين والمسارعة إلى اتهامهم في أفكارهم ونياتهم وأخذهم بالشـبهة وسـوء الظن، فقد تصور الكثير من العاملين في حقل البحوث الفقهية من أبناء الأمة أن الحقيقة لا يمكن أن تتعدد وجوهها اعتمادا على التفسير الحرفي للنصوص وعزلها عن سياقها المقصود وعدم ربط الأحكام بعللها وغاياتها .
 
ولابد من الإشارة هنا إلى أن عددا من الأقليات الإسلامية في بعض البلدان الأوربية والأمريكية استطاعت أن تكتسب كيانا قانونيا يوفر لها إمكانية الاندماج في المجتمعات التي وفدت إليها بما لا يفقدها خصوصيتها الثـقافية ولا يؤثر في تركيبتها الاجتماعية، الأمر الذي جعلها تسـتطيع التعايش والحـوار مع مختلف الفئات الاجتماعية، كما وفر لها فرصا من التعامل المتكافئ مع الظروف المحيطة بها، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على الأغلبية الساحقة من تلك الأقليات المقيمة في مختلف أقطار العالم التي تتهدد هويتها الثقافية مجموعة من المشكلات والضغوط التي أملتها طبيعة التباين في المعتقد والمنهج والتفكير، ولذلك فإن المحافظة على تلك الهوية الثقافية تتطلب جملة من المعطيات تتمثل فيما يلي:
 
۱ـ  لابد لتلك الأقليات من أن تتمتع بسلامة العقيدة والفكر وقوة التمسك بالأخلاق والقيم، لأن الجماعات الإسـلامية خارج العالم الإسـلامي كلما كانت متماسـكة عقائـديا وأخلاقـيا كان ذلك أقـرب إلى التأثير الإيجابي في البيئة والمحيط الذي تعيش فيه، أما إذا ضعف كيانهم بسبب غياب الوعي الديني فإن ذلك سيؤدي إلى انسحابهم من ميدان التفاعل الحضاري وعدم مقدرتهم على التأثير بالمجتمعات المحيطة بهم .
 
۲ـ  إن تلك الأقليات الإسلامية المقيمة في مختلف الأقطار تحتاج إلى أن نتعهدها بالرعاية الكاملة تربويا وثقافيا وأخلاقيا وفكريا حتى تبقى هذه الأقليات في منأى عن المؤثرات الضاغطة التي تهدد الوجود المعنوي لها وتضعف فيها المناعة الثقافية والأخلاقية، فتصبح فريسة الضياع والانحراف والتيه .
 
۳ـ  إن العلاقة بين الأقليات الإسـلامية والمجتمعات من حوله ينبغي أن تقوم على أسـاس من القيم الإسلامية التي تصنع الفرد والجماعة، وتجعل من المسلم عضوا فاعلا ومؤثرا في محيطه وبيئته التي يعيش فيها، يتفاعل مع ما يسـود المجتمع من أفكار ومواقف، ويستوعب كل ما يجري من حوله بعين فاحصة وعقل مدبر وفكر نير.
 
إن الأقليات الإسـلامية مطالبة بأن ترتقي إلى مستوى المسـئولية في التعامل والتجاوب والتحاور مع المجتمعات المحيطة بها، وذلك بأن يكون لها حضور متميز في ميادين العمل العام، وأن تعطي صورة حقيقية للمسلم الذي يقدم الخير والفضيلة للمجتمع الذي يعيش فيه، بحيث لا يكون إنسانا انعزاليا سـلبيا، ولكن تلك المشاركة يجب أن تكون ضمن حدود الأحكام الشرعية بحيث لا تلغي فيه خصوصيته الإسلامية فيضيع وسط التيار المادي الجارف عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تكونوا إمعة  تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا".
 
ولا شك أن الأقليات الإسلامية إذا ما وفقت في إقامة علاقات ثقافية مثمرة مع المجتمعات التي تندمج فيها وتتعايش معها، فإنها ستحقق لنفسها ولدينها فوائد كثيرة من أبرزها تقوية الروابط الإنسانية التي ترسخ الوجود الإسلامي في البلدان غير الإسلامية وتساهم في إبراز الصورة الحقيقية للإسلام وتعمل على تصحيح ما يروج ضده من مغالطات وافتراءات لدى الشـعوب غير المسـلمة، كما أن تلك العلاقات ستكون دعوة مفتوحة يتم من خلالها تبليغ الرسـالة الإسلامية إلى العالم بلغة مفهومة ومنطق مقنع وأسـلوب جذاب، من دون إخلال بجوهر العقيدة  أو بأصل من أصول الدين الحنيف .
 
وكل هذه الجهود الخيرة تتطلب التصرف الحسن والفهم الرشيد لمقتضيات العمل الثقافي في قنواته المتعددة، وإن ثقل المسئولية في هذا الجانب إنما يقع على عاتق منظمات العالم الإسلامي ومؤسساته الدعوية والمعنية بالعمل الثقافي، لأن الأقليات الإسلامية في حاجة شديدة إلى أن تقف تلك المنظمات إلى جانبها وتدعمها وتقدم لها الخدمات التربوية والعلمية والثقافية، وتوفر لها المساندة والمؤازرة في كافة الميادين، لأن نجاح الأقليات الإسلامية في حماية هويتها والمحافظة على عقيدتها يخدم في نهاية المطاف المصالح العليا للأمة الإسلامية.
  
المحور الثاني: صور التحديات الثقافية للأقليات الإسلامية 
 المتابع لأوضاع الجاليات والأقليات الإسلامية يدرك ومن خلال نظرة سريعة إلى التقارير الصادرة حول أوضاع هذه الأقليات والتي تقدم تصورا عاما عن المشاكل والصعوبات التي يمرون بها أن التحديات التي يواجهونها شملت جميع جوانب حياتهم، ومنها حالات التمييز والاضطهاد ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وتنوعت طبيعة هذه الحالات من الاعتداء على الأنفس بالقتل والضرب والتهكم، أو الاعتداء على الممتلكات بالإتلاف والتدمير والتخريب، ناهيك عن مقالات ومقابلات التشهير والتشويه التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون والعرب بشكل شبه يومي في مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ويمكن تحديد أبرز وأقسى تلك التحديات بما يأتي:
 
ـ الاعتداء على المساجد وإبعاد الأئمة :
 حيث يقوم المتطرفون بالاعتداء على المساجد بالحرق والتفجير كما حصل في هولندا وفي غيرها، ولم يقتصر الأمر على قيام متطرفين هولنديين بحرق وتفجير مساجد ومدارس المسلمين ( حوالي ۱۵ مسجدا ومدرسة إسلامية ) ولكن شرعت الحكومة هناك بتطبيق عدة إجراءات وبرامج سيترتب عليها الإضرار بمصالح ومكتسبات الأقلية المسلمة، وتشبه تلك التي اتبعتها أمريكا مع مسلميها عقب تفجيرات ۱۱ سبتمبر .
 
وكان من أبرز تلك الإجراءات طرد أئمة ووعاظ بدعوى انتمائهم لجماعات متطرفة وتحريضهم على العنف، كما أقرت عدة دول خططا لمنع دخول دعاة عرب ومسلمين من الخارج، وتكليف مسلمي أوربا بتدريب دعاة وأئمة في الجامعات الأوربية لتولي مسئولية الرعاية الدينية لهؤلاء المسلمين، وجرى على سبيل المثال تحديد مهلة لمسلمي هولندا لتدريب أئمة من أهل هولندا مدتها أربعة أعوام يتم بعدها استبعاد أي إمام عربي آخر .
 
وقد أعلن كل من وزير الداخلية والعدل الهولنديين أنهم يبحثون سبل محاكمة الأئمة الذين يحرضون على ما وصفوه " بالكراهية والجها د ". و قال محافظ لاهاي أنه يبحث استخدام سلطاته في منع الأئمة الذين يتبنون هذه الأقوال أو إغلاق هذه المساجد . وأضاف: " والحقيقة أنه لا معنى لاحترام حرية العقيدة التي تنص عليها كافة المواثيق والقوانين في ظل هذا الوضع البوليسي الخطير" .
 
وفي السياق نفسه قررت بعض الدول الأوربية منح الأجهزة الاستخباراتية والأمنية المزيد من الاعتمادات المالية لتكثيف الرقابة على الأقلية المسلمة وتشديد الرقابة على أنشطة المساجد والدروس التي تلقى فيها، بما في ذلك خطب الجمعة ؛ بحجة تشجيع بعضها على العنف والإرهاب وكراهية غير المسلمين .
 
وفي لندن تظاهر أنصار مجموعة « الجبهة الوطنية » اليمينية المتطرفة البريطانية أمام أحد مساجد العاصمة الجمعة ۹ أبريل ۲۰۰۴، ودعوا إلى إغلاق المساجد في بريطانيا مرددين هتافات معادية للإسلام.
 
وفي سويسرا والدانمرك تم سن قوانين للحد من دخول أئمة للبلاد، وبدأ الحديث يدور حول "هل يجب مراقبة أماكن العبادة؟ ". وطالبت منظمات مسيحية كبرى بإنشاء معهد سويسري متخصص في تأهيل وإعداد الأئمة، يخضع لإشراف جهات تعليمية تشرف على تعليمهم وتأهيلهم ليكتسبوا القدرة على " التعامل مع الحياة الغربية الليبرالية ".
 
وأشرفت وزارة الداخلية الفرنسية على تعيين "لجنة خبراء" تعمل على الخروج بخطة لتأسيس معهد للأئمة، وذلك بهدف مواجهة نفوذ ما أسمتهم بـ"الأئمة المتشددين" وعلى خلفية تفجيرات ۱۱ مارس ۲۰۰۴ التي اتهم مسلمون مغاربة بالتورط فيها .
 
وسعت إيطاليا للسلوك نفسه، خصوصا أنها سبق أن طردت مدرسا جزائريا واتهمته بالانتماء لجماعة "إرهابية " بعد قيامه بإمامة المصلين بأحد مساجد روما في صلاة الغائب ترحما على الشيخ الشهيد أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس الذي اغتالته إسرائيل يوم ۲۲ / ۳ /۲۰۰۴ .
 
والخطورة هنا أن هذه الحالات من الإبعاد روجت لها وسائل الإعلام تحت ذريعة محاربة التطرف الإسلامي ووجدت صدى لدى الأجهزة الحكومية للقيام بعدة خطوات للتضييق على المسلمين عموما، مثل الدعوة إلى طرد أئمة ووعاظ وخطباء بحجة انتمائهم لجماعات متطرفة، وقيامهم بأنشطة مريبة؛ وهو ما حدث فعلا في كل يوم حيث تقرر دوائر الهجرة إبعاد وطرد عدد من الأئمة والخطباء بدعوى التحريض على أعمال العنف، ويبدو أن تركيز الاهتمام والعداء على الأئمة المسلمين راجع لتصور غربي بأن الوعاظ والأئمة المسلمين يسعون لربط المسلمين الأوربيين بعقيدتهم وتعاليم الدين الإسلامي بما يعرقل خطط دمجهم في الثقافة والحياة الأوربية العلمانية، بما يصعب اندماجهم في حضارة الغرب 
 
https://taghribnews.com/vdcf0edtmw6dtja.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز