تاريخ النشر2020 19 March ساعة 22:52
رقم : 455714
في ذكرى استشهاد الامام موسي الكاظم (ع)

الإمام الكاظم(ع) بحر العلم الزاخر

"وقد روى الناسُ عن أبي الحسن موسى الكاظم(ع) فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله وأحسنهم صوتاً بالقرآن، وكان إذا قرأ يَحْدُرُ ويبكي ويبكي السامعون لتلاوته، وكان الناس بالمدينة يسمّونه زين المتهجِّدين، وسمّي بالكاظم لما كظمه من الغيظ وصبرَ عليه من فعل الظالمين به".
الإمام الكاظم(ع) بحر العلم الزاخر
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض)
 
كانت المرحلة التي عاشها الإمام الكاظم(ع) مرحلة وعي ثقافي أغناها بعلمه، واستفاد منها أساتذة المجتمع كلّه.. كانت رسالته ـ التي هي رسالة الإسلام ـ وكما بينّا في مستهلّ البحث، أن يرصد حركة الناس في الأمور الصغيرة والكبيرة، ولا يتركهم يسيرون على هواهم ويخضعون لتيارت الانحراف، سواء كان انحرافاً عقيديّاً أو اجتماعياً أو سياسيّاً، فكان يوجّههم ليتمكّنوا من تجاوز هذا الانحراف، وكان من خلال ذلك يُوحي إلى كلِّ العلماء من بعده أن يتحرّكوا في علمهم وحركتهم في قلب المجتمع، ليدرسوا حركة سيره هل هي في خطِّ الاستقامة أو في خط الانحراف؟ لأنَّ الله تعالى لم يعطِ الإنسان علماً إلا من أجل أن يوظّفه في إصلاح المجتمع وهدايته.

وعلى الرغم مما عاشه الإمامالكاظم(ع) من ظروف قاسية وصلت حدَّ المأساة، إلا أنّه لم يهن أو يضعف أو يسقط، بل كان يزداد قوّة وروحانية، وهو ينتقل من سجن إلى سجن بأمرٍ من الخليفة العباسيّ هارون الرشيد، الذي عرف تأثير الإمام الكاظم(ع) في الواقع الإسلاميّ، وكيف حصل على الثقة الكبيرة في المجتمع الإسلاميّ بعلمه وروحانيته وأخلاقه، فضيّق عليه، وما زاده حنقاً عليه هو أنَّ الناس لا يقدّرون الإمام(ع) كعالِم وحسب، شأنه شأن بقية العلماء الآخرين، بل كانوا يعتقدون بإمامته وينفعلون بقداسته.

"وقد روى الناسُ عن أبي الحسن موسى(ع) فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله وأحسنهم صوتاً بالقرآن، وكان إذا قرأ يَحْدُرُ ويبكي ويبكي السامعون لتلاوته، وكان الناس بالمدينة يسمّونه زين المتهجِّدين، وسمّي بالكاظم لما كظمه من الغيظ وصبرَ عليه من فعل الظالمين به".

وروى عنه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)(14) والسمعاني في (الرسالة القواميّة) وأبو صالح أحمد المؤذن في (الأربعين) وأبو عبد الله بن بطّة في (الإبانة) والثعلبي في (الكشف والبيان)(15).

وكان أحمد بن حنبل ممن روى عنه، قال: "حدّثني موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، وهكذا إلى النبيِّ(ص) ثم قال أحمد: "وهذا إسنادٌ لو قُرِى‏ء على المجنون لأفاق" ، لأنَّه إسنادٌ رفيعٌ ينفتح على هذه الرموز المعصومة كلِّها التي تمثِّلُ الغنى العلمي والروحيّ كلَّه في مواقع الحياة كلِّها وفي خطوط المسؤوليّة كلِّها. وقد كان الإمام(ع) معنيّاً بأن يوجِّه الناس إلى أن يسألوا عمّا جهلوه في مواقع مسؤولياتهم المعرفيّة كلِّها، سواء في ما يجب أن يعتقدوه، أو في ما يجب أن يعيشوه من المفاهيم العامة التي تحكم نظرتهم إلى الكون والحياة وإلى الواقع كلِّه، وتحكم أيضاً تصوّراتهم لله تعالى وللنبيِّ(ص) ولخطوط الإسلام الكبرى كلِّها.

وقد سُئِل(ع): "هل يَسَعُ الناسَ تركُ المسألة عمَّا يحتاجون ـ إليه يعني هل للناس الحريّة إذا جهلوا شيئاً مما يتصل بمسؤولياتهم في حركتهم في الحياة، هل لهم الحريّة في أن يبقوا على جهلهم ـ قال : لا"، فليس لك الحريّة أن تبقى جاهلاً، فإذا جهلت فتعلّم، ونحن نعرف أنَّ الإسلام جعل القيمة للعلماء، بأنَّهم الذين يخشون الله، كما في قوله سبحانه: {إنَّما يخشى الّلهَ من عباده العلماءُ}[فاطر:28]،وفي قوله عزَّ وجلَّ: {قُلْ هَلْ يستوي الّذينَ يعلمونَ والّذينَ لا يعلمون}[الزمر:9]، وقوله سبحانه: {إنَّما يتذكَّرُ أولو الألباب} [الزمر:9].. وهكذا ورد في الحديث: "إنَّ الله أخذ على الجُهّال أن يتعلّموا كما أخذ على العلماء أن يعلّموا".

وقد نقل عنه الرواة من الفقه والتفسير والمواعظ والوصايا الكثيرة ما يوحي بالنشاط الكبير في إغناء المجتمع الإسلاميّ بالفكر والتربية والتفقّه، كوسيلة من وسائل الارتفاع بالمستوى الفكري الذي يركّز الوجود الإسلاميّ على أساسٍ ثابت، انطلاقاً من الخطِّ الإسلاميّ الذي يحمّل العلماء مسؤولية نشر العلم، لا سيما في حالات سيطرة الانحراف والبِدَع على المجتمع، وذلك بالقوّة نفسها التي حمّل فيها الجهّال مسؤولية التعلّم.

تصحيح المفاهيم

كانت الحركة الثقافيّة في زمن الإمام الكاظم(ع) تنطلق لتثير الكثير من علامات الاستفهام حول مفردات العقيدة من جهة، وحول خطوط الشريعة من جهة أخرى، وحول الواقع السياسيّ من جهة ثالثة.. إذاً، كما سبق وقلنا، عاش الإمام الكاظم(ع) هذه المرحلة، واستطاع أن يملأها علماً وفكراً وروحانية، وأن يرصد الانحرافات التي فرضت نفسها على حركة الفكر، فعمل على تصحيحها والأخذ بها نحو الاتجاه الصحيح.


/110
https://taghribnews.com/vdcfytdjjw6dtea.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز