تاريخ النشر2012 20 November ساعة 13:06
رقم : 115576
الأيادي الخفية وراء واقعة كربلاء

هل "يزيد بن معاوية" هو الذي قتل "الحسين بن علي (ع)"؟

خاص تنا- مكتب بيروت
التّدخل الغربي، عبارةٌ باتت تزيّن النشرات الإخبارية العربية وتتنقّل في المحافل السياسية بين مؤيّد ومعارضٍ للغرب في بلاد العرب. وفي معناها العام دلالاتٍ لتدخّل السلطات الغربيّة في سياسات البلاد العربية، والعبث في شؤونها، وكلّ ذلك برضا الحكام العرب "البواسل"، اللذين ينحنون إجلالاً لعظمة الحكام الغربيين، ويأدّون كل فروض الطاعة لهم، طالبين المزيد.
هل "يزيد بن معاوية" هو الذي قتل "الحسين بن علي (ع)"؟

لم يكن الأمر مختلفاً عن ذلك قبل 1400 سنة حيث كان التّدخل الغربيّ في الحكم العربي موجوداً، إلا أنّه لم يكن سافراً كما الآن، بل كان وراء كواليس البلاط، حيث عاث الفساد الأخلاقي والإنحراف عن الإسلام بقوّة، فعجّت ليالي "الحاكم الإسلامي" بمجالس الخمر واللّهو والنساء، واختلطت أحكام الحلال بالحرام، حتى وصل الأمر للصلاة فجراً أربع ركعات.

"يزيد بن معاوية":
إنّه الحاكم الإسلامي الأمويّ "يزيد بن معاوية"، الشاعر الذي شهد على أخلاقه بنظمه لأبياتٍ مدحت الخمر واستهزأت بالدين الإسلامي، مخاطباً معشر الفساق قائلاً:
يا معشر النّدمان قوموا واسمعوا صوت الاغاني
واشربوا كأس مدامٍ واتركوا ذكر المعاني
شغلتني نعمة العيدان عن صوت الآذان
وتعوّضت عن الحور عجوزاً في الدّنان
هذا وقد أعاد انتماءه لمعسكر المشركين اللّذين حاربوا رسول الله (ص) ببدر قائلاً:
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا.. جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً.. ثم قالوا يا يزيد لا تُشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم.. وعدلناه ببدرٍ فاعتدل
وأضاف مستهزءاً بنزول الرسالة على نبينا الأكرم (ص):
لعبت هاشم بالملك فلا.. خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل 

تسارع الأحداث واختيار الحرب:
يزيد الذي نصّبه والده معاوية لتولي الخلافة بعده سنة 60 للهجرة، أخذ يطلب البيعة من رجالات ذلك العصر، فبايعه البعض وخالفه "الحسين بن علي (ع)" من جهة على مبدأ عدم أهليّته لولاية المسلمين وإدارة الوضع الإسلامي الذي وصل آنذاك الى مراحل متدهورة، ومن جهة ثانية "عبد الله بن الزبير" الذي رفض فكرة التّوريث في الخلافة إذ أنّه يخالف مبدأ الشّورى في تعيين الخليفة، كما كان سائداً وقتها. فبعث يزيد بن معاوية برسالة إلى الوليد بن عُتبة أمير المدينة المنورة وقتها طالباً فيها "أمّا بعد فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام" (الطبري في تاريخه أحداث سنة ٦٠ هـ- ج ٤-ص ٢٥٠). إلاّ أن الحسين (ع) لم يعطه البيعة مصراً على عدم أهليته قائلاً في ذلك: إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل النّفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننتظر وتنتظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة. (اُصول الکافي: 1/ 463)
وبعد محاولات يزيد وأزلامه الحثيثة على أخذ البيعة منه وبعد إصرار الحسين(ع) على تأكيد موقفه، وجد الإمام نفسه مخيراً بين قرارين لا ثالث لهما، إما مبايعة يزيد

والإعتراف بأهليته لحكم الأمّة الإسلامية، وإمّا محاربته، وهو الخيار الذي طرحه يزيد، حيث قال (ع): ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلة، وهيهات منا الذلة.
بالتّزامن مع ذلك وبعدما عرفوا بما آلت إليه الأمور، أرسل أهل الكوفة الى الحسين (ع) معلنين نُصرتهم له ووقوفهم الى جانبه في حربه ضدّ يزيد، حتى وصلت رسائلهم الى اثني عشر ألف رسالة، فتوجّه الحسين (ع) الى الكوفة بأهله وأصحابه، بعدما أرسل ابن عمّه مسلم ابن عقيل لتشفي الحقيقة.
في بداية الأمر، بايع أهل الكوفة مسلم وحشدوا عديدهم لذلك، حينها وصل الأمر الى يزيد، ودق ناقوس الخطر عنده، لأن الكوفة لا تقلّ إمارتها أهميةً عن الشام، وإن وقف أهل الكوفة جنباً الى جنب مع الحسين (ع)، فإن في ذلك نذيراً لانتهاء حكمه، وهنا تبدأ الحكاية..

الرجل الغربي في البلاط الإسلامي:
احتار ذلك الحاكم اليافع في الأمر، حيث أنّه ولسوء حظّه لم يرث ولا بعضاً من دهاء أبيه، الرجل الذي ضُرب به المثل بدهائه السياسي، إلا أن الأخير لم يُقصّر في توريثه ما يكفي يزيد لإدارة أمور الحكم، فقد ترك له مستشاره البيزنطي أو الرّومي "سرجون بن منصور التّغلبي"، الذي أشار عليه بالإبتعاد عن ميدان المواجهة المباشر، وتعيين "عُبيد الله بن زياد" بدلاً من "النّعمان بن بشير" والياً على الكوفة في الحادثة التالية:
دعا يزيد سرجون مولى معاوية فقال: ما رأيك؟ إن حسيناً قد وجّه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، وقد بلغني عن النّعمان بن بشير ضعف وقول سيئ، فمن ترى أن أستعمل على الكوفة؟ وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد.
فقال له سرجون: أرأيت معاوية لو نشر لك حيا أما كنت آخذا برأيه؟
قال: نعم.
فأخرج سرجون عهد عُبيد الله بن زياد على الكوفة وقال: هذا رأي معاوية، مات وقد أمر بهذا الكتاب، (فضُمّ المصرين إلى عبيد الله بن زياد).
فقال له يزيد: أفعل، أبعث بعهد عُبيد الله إليه.

دهاء السياسة الغربية، وغباء السياسة العربية:
بالرّغم من أنّ يزيد كان يُبغض عُبيد الله ابن زياد بغضاً شديداً، إلا أنّه وافق على تعيينه والياً على الكوفة، ولم يكن ذلك رجوعاً عن بغضه له إنّما أوّلاً: لعدم امتلاكه حلّاً آخر لهذه المعضلة، وثانياً لتمسّكه الشديد بالبلاط، فمشاعر الحب والبغض تنأى بنفسها أمام حبّ السلطة والجاه.
أمّا سرجون ذلك فوراء لعبته تلك بإظهاره لكتابٍ ادّعى أنّه من معاوية الكثير ممّا أخفاه، فما توصّل إليه التّحليل آنذاك هو سبب كُره ابن زياد الشديد لأهل بيت رسول الله (ص)، وأنّه سيأخذ الحسين (ع) مأخذ اللّئام إن لم يعطه البيعة ليزيد، إلا أن خلف ذلك قصّة حاكتها أصابع أجداد سرجون اللذين لم يعترفوا بالدين الإسلامي ولا بنبيّه صلوات الله عليه.

الأحقاد القديمة:
عندما بدأ رسول الله (ص) بنشر الدعوة الإسلامية، أرسل الى
ملوك العالم دعوةً الى الإسلام، من بينهم رسالة الرّسول (ص) الى هرقل قيصر الروم، جاء فيها: "من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم جميع الآريسيِّين". {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ،ولا نشرك به شيئا،ولا يتخذ بعضنا بعضا آربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}آل عمران:٦٤.
والآرسيون هم أتباع "عبداللَّه بن أَريس"، الرجل الذي ابتدع أحكام مخالفة في الدين الذي جاء به النبي عيسى (ع)، وكان معظماً عند النصارى، وعرفوا بالآريسيين حيث سكنوا ممكلة هرقل. 
والملفت في ردّ هرقل قبوله الدعوة الى الإسلام، مرسلاً للرسول (ص) ما يلي: إلى أحمد رسول الله الذي بشّر به عيسى، من قيصر ملك الروم: إنه جاءني كتابك مع رسولك، وإنّي أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل بشّرنا بك عيسى بن مريم، وإنّي دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيراً لهم.
والسؤال هنا، كيف يمكن لملك الروم أن يتّخذ أمراً ما ولا يتبنّاه الروم؟
لقد كان سائداً آنذاك قاعدة "ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، حيث أنّه لا يمكن للحاكم أن يفرض ديانةً مُعيّنة على شعبه، وقد شجّعت الكنيسة آنذاك هذا المبدأ لأنّه يجعلهم يستأثرون بأفكار الناس وحدهم، بعيداً عن ضغوطات السّلطة، وانطلاقاً من فطرة الإنسان الباحثة عن الإله لتعبده، كان الناس يتوافدون الى الكنيسة التي كانت تعتنق الدين المسيحي الذي طال ما طال من التشويه (بفعل التدخلات اليهودية الوثنية)، حيث أنّ تعاليم الكنيسة احتوت الكثير من أفكار الفلاسفة الوثنيين، وامتزجت بخرافات اليونانيين والرهبانيين، فتناست بذلك تعاليم الدين الصحيح الذي جاء به نبيّ الله عيسى (ع). كلّ ذلك كان وراءه الوثنية اليهودية التي كانت تريد أن تُبقى الشعب محدود التفكير، مائلاً الى الغباء، محتاجاً لها كي تبقى مسيطرةً عليه، مستفيدةً من جهده في نظامها الإقطاعي، واسئثارها بالمعبد والدين، وتكريسها لمبدأ القرابين والنذور. 

كيف دخل الرجل الغربي بلاط الحاكم الإسلامي؟
لم تدع الكنيسة رسالة الرسول الأكرم (ص) تمرّ مرور الكرام، بل دقّت أجراس الخطر عندها، إذ أن "محمّد" هذا هو "أحمد" ذاك الذي بشّر به الإنجيل الحقيقي في صفحاته، وخافوا على نفوذهم وجاههم الذي كانوا يعتلوه، فجهّزوا لذلك أفكاراً ومخطّطات تمنع الناس من تصديق رسول الله (ص) واعتناق دينه..
ومن أبرز ما فعلوه بقوّة هو استغلالهم أمر "الفتوحات" التي حصلت بعد رسول الله (ص) بدسّ رجالهم بين أوساط البلاط الإسلامي بعنوان "تبادل الخبرات"،
إذ أنّهم بذكائهم ومكرهم يعلمون جيّداً أنّ التّغيير لا يتمّ إلا عبر الإستئثار بمقاليد الحكم أو ما وراءه، وبالفعل، فإنهم أرسلوا الى معاوية (الذي كان والي الشام) عدداً من الروم ممّن كانوا في الإدارة البيزنطية في بلاد الشّام قبل فتحها، كتّاباً في الأمور الإدارية، وكان من بينهم "سرجون بن منصور التّغلبي الرومي" الذي شغل منصب "الكاتب" عنده و"وزير المالية" في حكومته (وفي بلاط معاوية لعب سرجون بن منصور النصراني دور المستشار المالي المتنفذ، وحفظ النّصارى للخليفة معاوية هذا التّسامح واخلصوا له، وأعظموه إعظاماً، لا تزال تقع عليه في الروايات النصرانية، وحتى في كتب التاريخ الأسبانية) (تاريخ الشعوب الإسلامية نقلاً عن العلاقات العربية ـ البيزنطية ١٤٠).

سرجون "أباً عن جد":
عاصر سرجون بن منصور التغلبي أربع حكومات أموية بدأها مع معاوية بن أبي سفيان، وزينها مع يزيد بن معاوية، وتابعها مع مروان بن الحكم ومن ثمّ عبد الملك بن مروان الذي عزله بمداراة من الحكومة. ومن أبرز ما خطّه هذا التغلبيّ الروميّ في تاريخه وقوفه بإخلاصٍ جانب يزيد بن معاوية حيث نصحه بعدم تلويث يده بشكل مباشر في مقتل الحسين بن علي (ع) وإيكال الأمر الى من سيقوم به طمعاً بسلطة الكوفة، ألا وهو "عُبيد الله بن زياد".

هل "يزيد بن معاوية" هو الذي قتل "الحسين بن علي (ع)"؟
نعم، هو الذي أمر بقتاله، وهو الذي طلب من والي المدينة "الوليد بن عُتبة" لأخذ الحسين بالبيعة أخذاً شديداً، وهو الذي طلب من والي مكة "محمد بن سعيد الأشدق" أن يبعث عشرين رجلاً من جلاوزته لقتله (ع) قائلاً لهم: اقتلوا الحسين ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة، وهو الذي نصّب "عُبيد الله بن زياد" والياً على الكوفة وكتب اليه: (قد بلغني أن أهل الكوفة قد كتبوا الي الحسين في القدوم عليهم، و أنه قد خرج من مكة متوجها نحوهم، و قد بلي بلدك من بين البلدان، و أيامك من بين الأيام، فان قتلته، و الا رجعت الي نسبك و الی أبيك عبيد، فاحذر أن يفوتك).

نعم، هو ومستشاره التغلبيّ ووالي المدينة ومكة والكوفة والشمر وعمر ابن سعد، وكل من أرسل الى الإمام برسائله ثمّ خذله.. كما يُفعل الآن بالشعب العربي والإسلامي الذي ينال ما ينال من الظلم والتعذيب والتجويع والقهر والفقر والآلام.. من قِبل إسرائيل وكلّ قوى الإستكبار في العالم.. وحكامهم العرب ينصاعون بكلّ ذلٍّ وغباءٍ وعبوديةٍ لمكر ودهاء السياسة الغربية، ولا يبالون بأوجاع شعوبهم لقاء مناصبهم..

إنّه التاريخ يعيد نفسه، ومعسكر الغباء والأطماع وحب السلطة والجاه ما زال موجوداً يبحث عن أي تحالفٍ مع الشيطان كي يبقى متمسكاً بالكرسيّ، والشّعب المظلوم يعاني الأوجاع والصعوبات ويعيش منتظراً الموت لينشد الراحة..
وهل سيبقى التاريخ كذلك حتى يأذن الله تعالى بالفرج القريب؟، وهو قريب انشالله!

اعداد: زينب رضا

https://taghribnews.com/vdcefn8zpjh8zni.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز