تاريخ النشر2012 20 June ساعة 23:08
رقم : 99051
صحيفة الأخبار

موسكو تطمئن دمشق: لا عودة إلى الوراء

تنا - بيروت
موسكو تطمئن دمشق: لا عودة إلى الوراء
تسود المحافل الدبلوماسية الغربية، التي تابعت لقاء الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، أجواء عدم التفاؤل بإمكانية أن يكون أوباما قد نجح في إقناع بوتين بالتوصل إلى نقطة وسط تتضمن موافقته على السير بحل سياسي في سوريا من دون الرئيس السوري بشار الاسد، ما يعني ترحيل النقاش إلى اجتماع مجموعة التواصل الدولية الجاري الآن هندسة شكلها ومكان وتاريخ عقدها.

أثناء حرب ستالينغراد، أصدر الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين المرسوم الشهير المعروف بالمرسوم الرقم ٢٧٢ القائل: «لا خطوة إلى الوراء».
بالروحيّة نفسها للمرسوم يدير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الموقف في ما يخص سوريا وصراع الإرادات الدولية حول أزمتها. بوتين مارس تطبيقات المرسوم خلال لقائه بالرئيس الأميركي أوباما على هامش قمة مجموعة العشرين في المكسيك، ومن المرتقب أن ينقله إلى اجتماع مجموعة التواصل الدولية لاحقاً.

هذا الاستنتاج أطلقه كاتب فرنسي، مستشار لوزارة الدفاع، ينتمي إلى الحزب الاشتراكي، مستنداً إلى الكلام العام
الذي صدر عن القمة الروسية الأميركية، ولا سيما ترحيل ما تبقى من خلافات إلى «محادثات لاحقة».

ويروي السياسي نفسه قصة وصول مهمة المبعوث المشترك كوفي أنان والوضع في سوريا بكليته إلى هذه اللحظة، فيقول «بالأساس كان القصد من مهمة أنان جذب الروس إلى مفاوضات مع المجتمع الدولي حول سوريا. لقد تم الرهان في واشنطن والغرب على تحويل المبعوث الأممي لوسيط مع موسكو، لكن بوتين رفض أن يتعاطى مع مهمة أنان ضمن رؤية الغرب له.

وبالطبع أنان سياسي محنك وخبير، وهو عرف منذ البداية أن مهمات المراقبين المرسلين من الامم المتحدة لم تستطع يوماً حل مشكلة في العالم، فهم موجودون في قبرص منذ عام ١٩٨٥، ومع ذلك لا تزال الجزيرة مقسمة. وتستمر القبعات الزرق موجودة في جنوب لبنان منذ عام ١٩٧٨، وإلى جانبهم تستمر المشكلة مستوطنة هناك».

يتابع الدبلوماسي: «لقد قال أنان خلال زيارته الاخيرة لدمشق لبعثة المراقبين، إن مهمتكم ليس تغيير الواقع بل رؤيته». ويختم «ثمة مهمة أخرى، إضافة إلى الأولى حول لعب دور الوسيط الباحث عن ثغر ثمينة لجذب موسكو لمفاوضة المجتمع الدولي حول سوريا، وهي إنشاء قناة تفاوض بين النظام السوري ومعارضة الداخل.

فشل أنان في كلتا المهمتين، فالأسد
رفض مفاوضة معارضة الداخل من خارج سياق أجندة الاصلاحات التي أعلنها، وتم وصفها داخل فريق أنان، ومن قبل رموز المعارضة الداخلية، بأنها بخيلة، أما بوتين فرفض التعامل مع مسعى أنان بوصفه وسيلة وليس غاية وهدفاً مستقيماً لحل الأزمة السورية وفق عملية سياسية متوازية».

والآن، ينفض أنان يده من مهمة التوسط بين المجتمع الدولي وبوتين، المساند من قوى معتبرة تتخذ موقفه نفسه في شأن سوريا، وعلى رأسها الصين وإيران. وبدل ذلك، يجري وضع مهمة أنان على سكة الهدف الاساسي المضمر لها منذ إنشائها، وهو إنشاء طاولة تفاوض بين المجتمع الدولي وروسيا، تحت عنوان مجموعة الاتصال الدولية التي لم يكن لأنان فضل فيها إلا اقتراحها بعد وصول مهمته إلى فشلها المتوقّع.

لقاء المكسيك
وبحسب توصيف السياسي الفرنسي عينه، فإن بوتين ذهب للقاء أوباما بروحية التفكير الروسي الذي قاد خلال حرب ستالينغراد إلى صياغة المرسوم ٢٧٢: «لا خطوة إلى الوراء».

والواقع أن الكثير من المحافل الدبلوماسية الغربية تابعت أي إيحاء يمكن أن يصدر عن لقاء بوتين ــ أوباما، تسودها اليوم أجواء عدم التفاؤل بإمكانية أن يكون أوباما قد نجح في إقناع بوتين بالتوصل إلى نقطة وسط تتضمن موافقته على السير بحل سياسي في سوريا من دون بشار الأسد.

وبحسب هذه المصادر، فإن تواصلاً مكثّفاً جرى في الأيام الاخيرة
بين وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ورئيسة الممثلية العليا للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية الأوروبية كاثرين أشتون، حول الموقف الواجب اتخاذه من الدعوة لإنشاء مجموعة التواصل الدولية في شأن سوريا.

وبحسب هذه المصادر، فإنه تم تحديد ثوابت مشتركة بين الطرفين توجه موقفهما من هذا الموضوع، وستكون هذه الثوابت، في الوقت عينه محور الموقف الأساس الذي أبلغه أوباما لبوتين خلال لقاء المكسيك، ويتألف من ثلاث نقاط:
أولاً إنهاء إطلاق النار فوراً وإعلان التوصل إليه.
ثانياً، تأليف حكومة انتقالية في سوريا شرط ألا تضم المقربين من الرئيس الأسد، وألا يكون للأخير أي دور فيها.
ثالثاً، إجراء مفاوضات مع المعارضة السورية في الداخل والخارج للتوصل إلى حل سياسي للازمة السورية.

وبحسب المراقبين، يلاحظ أن هذه البنود الاوروبية ــ الاميركية الثلاثة لا تتضمن شرطاً صريحاً بتنحّي الأسد، رغم كونها تورده إيحاءً بين سطور عبارة البند الثاني القائل بـ«حكومة انتقالية من دون الأسد والمقربين منه».

ويشي هذا المقترح الأميركي ــ الأوروبي السري الجديد، المنتظر إعلانه في اجتماع مجموعة التواصل، بتراجع من قبلهما بالشكل عن نقطة أساسية في الخلاف المستمر بين الغرب ــ وخاصة واشنطن ــ وموسكو، حول رفض روسيا المطالبة الصريحة بتنحّي الأسد.

ولكن في الجوهر، لا يزال هذا الخلاف موجوداً، لأن المتوقع
أن تطالب روسيا بإيضاحات حول المقصود بألا يكون للأسد والمقربين منه وجود في الحكومة الانتقالية، وبالتالي عن الجهة التي ستفاوض المعارضة وتلك التي ستبرم اتفاقاً معها.

وبحسب دبلوماسي روسي في بيروت، فإن موسكو لا تزال متمسكة بجوهر مهمة أنان ذات النقاط الست، مع إدخال تعديلات عليها. ولكن موسكو لا ترى إمكانية لتجاوز الرئيس الأسد ضمن أي حل، إذ إن محاكاة النموذج اليمني لا تصح على الواقع السوري الذي يظهر أنه لا يمكن فصل عرى الترابط بين مؤسسة الجيش والرئيس الأسد. وهو أمر غير موجود في العلاقة بين الجيش والرئيس علي عبد الله صالح في اليمن.

كذلك فإن المعارضة السورية لا تزال مفككة ولا تملك رؤية سياسية موحّدة. ويستمر هذا العيب الاستراتيجي، عائق المعارضة السورية، رغم كل المحاولات والمساعدات الدولية الجارية لمعالجة هذا الامر، وآخرها اجتماع اسطنبول السبت الماضي والاجتماع المقرر عقده في بروكسل نهاية الاسبوع برعاية الاتحاد الأوروبي.

ويجري التكهن على نطاق واسع في المحافل الغربية والإقليمية حول نتائج قمة المكسيك بين بوتين ــ أوباما، والإعلان المشترك الذي صدر إثرها، وكلام بوتين خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقبها بشأن «نقاط التفاهم» مع الجانب الاميركي حول سوريا، والتي تحتاج إلى المزيد من المتابعة، ما يعني ترحيل النقاش إلى اجتماع مجموعة التواصل الدولية الجاري الآن هندسة شكلها ومكان وتاريخ عقدها.

صحيفة الاخبار- ناصر شرارة
https://taghribnews.com/vdcfyxd1.w6d1taikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز