تاريخ النشر2011 8 January ساعة 11:58
رقم : 36129

لا حرب... لا فتنة... ولكن

اسرائيل عاجزة عن شن حرب جديدة لثلاث اسباب : تحقيق انجاز ميداني - استعدادها لدفع الثمن ومواجهة ردةالفعل - القدرة على استثمار الانجاز سياسياً
امين حطيط
امين حطيط
وكالة انباء التقريب (تنا) :

السؤال المطروح بإلحاح اليوم، هل المنطقة هي على ابواب حرب تقوم بها اسرائيل منفردة، بعد ان قرر الناتو في استراتيجته الاخيرة الانكفاء الميداني، ام يكون لاميركا دور لاحق؟
بداية وفي الاجابة ينبغي ان نميز بين امرين: الاول نيات اسرائيل وقرارها المتخذ للذهاب للحـرب، والثاني شن الحرب فعليا تنفيذا للقرار.
في الاول، نرى ان اسرائيل في تركيبتها مبنية على فكرة الحرب المتواصلة (هي اما ان تكون في حرب واما ان تكون في حالة التحضير لحرب، لان الحرب تلازم الفكر الصهيــوني الذي يرى ان القوة تصنع اي شيء حتى وخلافا للحق)، ويضــاف الى هذه المسلمة الآن ما نتج عن حرب ٢٠٠٦ حيث ان اسرائيل التي عجــزت في الميـدان عن تحقيق اهدافها ولم تصل بالقرار ١٧٠١ الى كل ما تريـد (خاصة رغبتها في التخلص من المقاومة) اسرائيل هذه قررت العودة الى الميدان، لتعويض ما فاتها فيه، وهـي عملت من اجل ذلــك على اكثر من اتجاه وصعيد، لتحضير نفسها للمنازلة الحتمية، فمتى تكون المنازلة؟ 

هنا يكون البحث في الامر الثاني المتعلق بتنفيذ القرار والذهاب للحرب، وهو الامر الـذي لن يكون الا اذا توفـرت له شــروط ثلاثة: الاول، امتـلاك اسرائيـل القـوة العسكـرية التي تحقـق عبرهــا الانجاز الميداني في مواجهة العدو. الثاني، استعداد اسرائيل لدفع الثمن واستيعاب ردة الفعل التي ينتظر ان تواجهها. الثالث، القدرة على استثمار الانجاز سياسيا وتعهـده ميدانيا بمنـع العـودة الى الحال الى مـا كانـت قائمة عليـه قبل الحرب، فهل ان ما يشترط متوفر؟ 

أولا: طورت إسرائيل قدراتها العسكرية على الصعد الاساسية الثلاثة: التنظيم والتجهيز والتدريب لتتمكن من خوض الحرب اللامتماثلة في مواجهة حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، فضلا عن قدرتها في الحرب التقليدية ضد الجيوش. وهي تتصور انها قادرة على الجانب الفلسطني في غزة ان تحقق ميدانيا معظم ما تريد. ان تحقيق الانتصار ميدانيا في لبنان امر ليس بالسهل، ان لم يكن شديد الصعوبة لسببين رئيسيين، يتعلق الاول منهما بحجم القوى التي ستواجهها في الميدان وقدراتها العسكرية ومهارتها الميدانية، والثاني يتعلق بقرار تلك القوى الثبات في الميدان والاستمرار في القتال من غير سقف زمني، ما يمنع حسم الحرب ويدفع اسرائيل الى خوض حرب استنزاف تتآكل فيها قواتها شللا وتدميرا. ومن اجل ذلك كانت الخطة الاسرائيلية بان تسبق الحرب فتنة في لبنان تشغل المقاومة وتنهكها ولا تكون للجيش الاسرائيلي مهمة الا التقاط الاشلاء او اجتثاث الجيوب المحاصرة والمطوقة بالنار الداخلية والمعزولة بالنفس الطائفي، وهنا تبدو اهمية ما تعول عليه اسرائيل لجهة القرار الاتهامي من محكمة الحريري، الذي رسم بولتون سيناريو العمل المتعلق به: قرار اتهامي تليه فتنة داخلية تنهك المقاومة، وبعدها تشن الحرب الاسرائيلية التي يتوخى منها التخلص من حزب الله ومقاومته، لكن الرد كما يبدو في لبنان، هو باجهاض الفتنة، او حسم الموقف سريعا، حتى لا تستغله اسرائيل لحساب حربها. 

اما في الشرط الثاني، فاننا لا نجـد كبـير جهـد في القـول ان اسرائيل لم تستطع حـتى الآن توفـير الشروط واتخـاذ التـدابير اللازمة لحماية ما اسمته «الجبهـة الداخلية»، فبعد التـرويج الاعلامـي لنجاح ما اسمي القبـة الفولاذية، او مقـلاع داوود، صـرح خـبراؤها بـان نسبة ٤٠ % من الصواريخ لا يمـكن اعتـراضها وقـد تكـون النسبة اعلى، كما تبـين ان نصـف الاسرائيلـيين لم تؤمن لهم الملاجـئ التي توفر لهـم الحـماية، فاذا عطــفنا هذا الامـر على القدرات النارية للخصم التي فيها امكان الوصـول الى اي نقطة او هدف على كامل مساحة فلسطين المحتلة لامكن القول ان اسرائيل غير قادرة على استيعاب رد الفعل على حربها في الوضع الراهن وضمن الظروف المتشكلة. وهي تعول على القرار الافترائي المنتج للفتنة التي تحد من قدرات القصف من لبنان لكنها لا تستطيع ان تتفلت من استراتيجية الحرب الشاملة التي ستدخل فيها ضدها كل قوى جبهة المقاومة . 

اما في الشرط الثالث، والمتعلق بعدم عودة الحال الى ما كان عليه قبل الحرب، فهنا نرى متغيرات كثيرة ادت الى انتشار الفكر المقاوم وقيام منظومة اقليمية من دول وتنظيمات تعتمد استراتيجية المقاومة طريقا اساسياً للتحرير، وهي منظومة اعتمدت استراتيجية الحرب الشاملة طولية النفس، ما يعني ان احتلال جزء او منطقة من مناطق وجود المقاومة في لبنان او فلسطين، لا يعني اجتثاث المقاومة فيها، لان الحاضنة المتعددة الابعاد للمقاومة لن تسلم اي ورقة من اوراقها وبالتالي فان الاحتلال سيتسبب بتصاعد اعمال المقاومة التي ستذكر بما كان في لبنان وغزة قبل تحريرهما. وبمعنى آخر فان هدف اجتثاث المقاومة سيكون امرا مستحيلاً، وستكون اسرائيل امام واقع قاسٍ لا اعتقد انها في وضعها الراهن قادرة على احتمال كلفته. فهي لن تستطيع ان تحسم الحرب في التوقيت الذي تريد، وهي لن تستطيع ان تتحمل توقف الحرب. وهي لم تضع استراتيجتها بعد لتعمل وفقا لمنطق الحرب الشاملة والعمل على جبهات متعددة رغم انها اجرت بعض المحاولات في ذلك. 

ومن جهة اخرى، يرى الاستراتيجيون الاسرائيليون ان ما تنعم به اسرائيل اليوم من هدوء في الداخل يمنعها من المبــادرة الـى حرب غير مضمونة، لان المخاطر التي تخشاها كلها تصـنف من قبيـل المخاطر المستقبلية التي تحتمل الانتظار. وتذكر هي في سياق هذه المخاطر، تفاقم التسلح في غزة وامتــلاك المقاومة هـناك صواريح مضادة للدروع، تحد من حركة وفعالية الميركافا ٤، وصواريخ تستطيع ان تبلغ مسافة ٦٠ كلم ابعد من قطاع غزة، او حتى تل ابيب وفقا لبعض التقديرات. اما على الجانب اللبناني فانها تخشى من تطور قدرات حزب الله الى حد امتلاك قدرات نارية تغطي كل فلسطين المحتلة، فضلا عن تعاظم قوته الميدانية الى حد بلوغها اليوم٤٠ الف مقاتل كما تردد اسرائيل. ونذكر بما قاله السيد حسن نصر الله بان المقاومة الاسلامية في لبنان قادرة على تدمير ٥ فرق من الجيش الاسرائيلي اذا دخلت لبنان (ولبنان لا يستوعب اصلا اكثر من فرقتين، وتلحقهما فرقة او اثنتان على الاكثر). اما على الجانب السوري فان اسرائيل تدعي ان تطوير سوريا لقدراتها خاصة صواريخ ارض ـ ارض، وصواريخ ارض ـ جو، سيكون من شأنه تعقيد المواجهة المستقبلية، والاخلال بالتفوق العسكري الاستراتيجي الذي تتمتع به اسرائيل. ونصل الى ايران وما تروج له اسرائيل من انها باتت على مسافة ٣ سنوات من امتلاك القنبلة الذرية التي سيكون ظهورها في ايران، حدثاً يقلب كل موازين القوى في الشرق الاوسط كما تقول اسرائيل. 

فالتهديدات هذه «مستقبلية» وتحتمل الانتظار لمعرفة امر تحققها فعليا، خاصة ان اسرائيل «تنعم»، كما يقول بعض سياسيها وعسكريها، بامن لم تشهده منذ سنوات، حيث لا صواريخ تهطل عليها من الشمال ولا عمليات مقاومة مؤذية ولا عمليات استشهادية. واذا كانت هناك بعض الصواريخ بين الحين والآخر تطلق من غزة، فانها ليست بالامر الذي يدفع للحرب، ومعالجته برأيهم يمكن ان تتم عبر عمليات جوية مدروسة تدمر ما يكشف من اهداف وتعاقب المدنيين الذين يحتضنون المقاومة ويسمحون بانطلاق الصواريخ من جوارهم. فاذا عطفنا هذا التوصيف على مسألة تدني درجة الضمان في الانتصار في الحرب مقروناً بارتفاع كلفتها في الميدان او في الجبهة الداخلية لخلصنا الى القول، ان تقديرا منطقيا سليما للموقف يقود الى استنتاج، ان الحرب ليست في مصلحة اسرائيل، لا بل ان اسرائيل ليست في حاجة للحرب اصلاً. ونحن نرى ان إعمال المنطق يقود الى استبعاد الحرب في المدى المنظور، على اي من الجبهات التي تعد لها اسرائيل في مواجهة منظومة المقاومة والممانعة. وفي المقابل نعتقد ان اسرائيل ستعوض عجزها عن الحرب بحروب بديلة تحت عناوين ثلاثة: 

- استمرار العمل العسكري المحدود، عبر تنفيذ غارات وعمليات عسكرية ظرفية على غزة تحت ذريعة الدفاع عن النفس كرد فعل على قصفها بصواريخ تنطلق من غزة. مع استمرار الحصار والتضييق المستمر ضد القطاع منذ ٤ سنوات.
- استمرار عمليات التعقب والاغتيال لقادة ومسؤولين في جبهة المقاومة والمواجهة ومن مختلف المستويات والاختصاصات، كما فعلت ضد حزب الله (اغتيال عماد مغنية) او حماس (اغتيال المبحوح) او في سوريا (اغتيال العميد سليمان) او في ايران (اغتيال علماء الذرة وضباط).
- رفع وتيرة بث الفتن والاقتتال الداخلي في المنطقة، من غير تمييز بين دولة عدوة او دولة متعاهدة، وتعول اسرائيل كما اميركا على هذه الفتن بشكل خاص، لانجاح مشروع التفتيت والتجزئة، فضلا عن اشغال المقاومات في مسألة الدفاع عن نفسها او تآكل قدراتها.
امين حطيط :  عميد ركن وباحث استراتيجي
https://taghribnews.com/vdccosq1.2bqei8aca2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز