تاريخ النشر2011 1 January ساعة 13:30
رقم : 35463

عام الخيارات الخطأ

عام ازداد من التدهور في الحالة العربية نتيجة التمزق والعجز في العمل المشترك والتشبث بخيار المفاوضات بديلاً عن المقاومة وتهميش المواطن سياسياً .
عام الخيارات الخطأ
وكالة انباء التقريب (تنا) :
نودع غداً عاماً شهدت فيه أحوال الأمة العربية مزيداً من التدهور، وقضاياها مزيداً من الخسائر.

ويمكن ادراج عوامل هذا التدهور تحت ثلاثة عناوين كبيرة هي: استمرار حالة التمزق العربي والعجز الفادح في مضمار العمل العربي المشترك أولاً، واستمرار التشبث بخيار المفاوضات برعاية أمريكية مع إسرائيل بديلاً عن المقاومة ثانياً، واستمرار تهميش المواطن العربي سياسياً واقتصادياً وإقصاء الجماهير العربية عن المشاركة في صنع القرار ثالثاً. ولعل هذا العنوان الأخير يختصر علة العلل العربية، إذ لو كان للمواطن العربي كلمة مسموعة في شؤون أمته وقضاياها لتم تبني خيار الوحدة والمقاومة رسمياً منذ زمن، ولكان حال الأمة قد تغير نحو الأفضل حتماً.

لكن الكثير من النخب العربية الحاكمة تعادي هذين الخيارين الشعبيين، وتعمل ضدهما بمختلف الطرق والوسائل، ولا ترى في شعبيتهما ما يُلزمها بمراجعة موقفها العدائي منهما، رغم ما ألحقه هذا الموقف من أضرار بالغة بالقضية القومية العربية في شقيها الوحدوي المتعلق بتحقيق الوحدة القومية، والتحرري المتمثل بالصراع العربي الصهيوني. أضرار كان من الطبيعي، وبحكم الترابط العضوي بين «القومي» و«القطري» من جهة، وفي ظل إنهاء البعد القومي للصراع واستبداله بجملة من الصراعات الأخرى المدمرة (داخلية في القطر الواحد - بينية - مع طرف إقليمي نصير لقضية فلسطين)، كان من الطبيعي أن تصيب الكيانات القطرية نفسها، وتهدد وحدتها بالانفراط والانقسام، وتجعلها هدفاً سهلاً للاختراق الخارجي، وحتى للعدوان والاحتلال.

وبإصراره على رفض الخيارين الطبيعيين في الحالة العربية التي تعاني من التجزئة والاحتلال معاً، وهما خيارا الوحدة والمقاومة، اختار النظام الرسمي العربي في معظمه الطريق الخطأ من حيث قدّر ومازال يقدر أن في هذا الطريق سلامته التي توهم أنها يمكن أن تستمر في غياب الأمن القومي العربي رغم ما ثبت عملياً من أن غيابه يعني غياب الأمن الوطني نفسه، مؤكداً بذلك تخلفه الكبير عن حركة الجماهير، وعجزه عن رؤية أبعد من مصالحه السلطوية الضيقة، والوصول الى ماوصلت إليه تلك الجماهير بحسها السليم.

وليس ما يقوم به منظروه من محاولة دحض ما لا يُدحض، وإنكار ما لا يُنكر، فلا ينالون سوى مزيد من ازدراء الجمهور العربي واحتقاره، سوى دليل على بؤس هذا النهج السياسي الذي لا يفتقر إلى الشعبية فقط، ولكنه يفتقر قبل ذلك الى العقلانية والواقعية اللتين غالباً ما تترددان في خطابه لتعنيا في حقيقة الأمر عقلانية التقوقع القطري والتبعية السياسية والاقتصادية للخارج، وواقعية التفريط والاستسلام.

وإذا كان من نهج واقعي وعقلاني حقيقة فهو نهج الوحدة والمقاومة، ذلك أن التأكيد على ضرورة الوحدة لنهوض الأمة ليس قولاً إيديولوجياً أو نظرياً، ولكنه درس ينبض به تاريخ الأمم، وحقيقة تفرضها المصلحة المشتركة في مواجهة مختلف التحديات في عالم أصبحت فيه التكتلات الكبرى والاتحادات العملاقة شرطاً للبقاء، وحق شرعي لأمة جزأها الاستعمار أسوة بغيرها من الأمم.

والتأكيد على أن المفاوضات ليست الخيار الوحيد ينسجم بدوره مع عبر التاريخ وحقائق الواقع، ففي كل تجارب التحرر الوطني التي شهدها العالم، كان النضال الوطني هو الطريق الى نيل الحقوق، وكان التفاوض يكلل هذا النضال في مراحله الأخيرة ويتناول كيفية وترتيب إنهاء الاحتلال، ولكن لم يحدث أبداً أن كان التفاوض بديلاً عن النضال والمقاومة. ثم إن تجربة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وما ألحقته من أضرار خطيرة بالقضية هي الدليل الحي على أن التفاوض في غياب النضال والمقاومة يؤدي الى ضياع الحقوق وليس إلى إحقاقها.

يمكن قول الكثير مما يدمي القلب عن حالة الأمة في عام مضى. فما يحدث في فلسطين ولبنان واليمن والعراق والسودان والصومال يلقي ظلالاً قاتمة من الشك على المستقبل العربي برمته، ويؤكد أن اليد الخارجية ما كانت لتفعل ما تفعله في هذه الساحات لولا هذا الغياب العربي المأساوي الذي يعكس غياب الرؤية والاستراتيجية والفكر أيضاً، ويساوي الانتحار بلا مبالغة.

لكن المأساة الأكبر هي في استمرار هذا الغياب، والإصرار على التشبث بالخيارات الخطأ التي تزيد في استفحاله بما يعرض المصير العربي كله لأسوأ الاحتمالات.

مع ذلك، ولأننا محكومون بالأمل كما قال راحلنا الكبير سعد الله ونوس، لا نستطيع إلا أن نستبشر خيراً بالعام الجديد، وأن نأمل في انصلاح حال السياسة العربية التي فرقت أمة جمعتها الثقافة والمصالح المشتركة والمصير الواحد، مع علمنا أن ذلك لن يكون ما لم تتحرر الإرادة الرسمية العربية، وتتغير الخيارات التي قادتنا الى ما نحن فيه، وتُتبنى الخيارات الشعبية المشروعة التي ثبت أنها الطريق لاستعادة الحقوق المغتصبة، وتحقيق مشروع وحدة الأمة ونهضتها. 


بقلم: محمد كنايسي




https://taghribnews.com/vdcc10q1.2bqpe8aca2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز