>> الانتخابات المصريَّة .. مهزلة جديدة ! | وكالة أنباء التقريب (TNA)
تاريخ النشر2010 30 November ساعة 13:56
رقم : 32705

الانتخابات المصريَّة .. مهزلة جديدة !

الانتخابات التشريعية في مصر جرت وسط اللا مبالاة من قبل الشعب المصري , لانه يعلم بنتائجها مسبقاً . فالفجوة بين الحكومة والشعب الذي تتزايد مرارة حياته تزداد يوما بعد يوم .
الانتخابات المصريَّة .. مهزلة جديدة !
وكالة انباء التقريب (تنا) :
يَبدو أنَّ الانتخابات في مصر تتجه إلى تأكيد حقيقتين، وليست حقيقة واحدة؛ أولاهما أنه لم يسبقْ للحزب الحاكم في تلك البلاد (الحزب الوطني الديمقراطي)، أن فشل منذ تأسيسه في العام ١٩٧٨، في الحصول على أغلبية الثلثين في البرلمان، أما الثانية، أنه ومنذ ذلك الحين صار بديهيًّا أن الغالبيَّة العظمى من المصريين الذين يحقُّ لهم الاقتراع لا تكلِّف نفسها عناء التوجه إلى المراكز الانتخابيَّة، ورغم أن هذه التوقعات المسبقة للعمليَّة المتدثِّرة بلبوس الديمقراطيَّة، منحت ثلاثة عقود من الاستقرار للدولة العربيَّة الأكثر اكتظاظًا بالسكان والمحورية على الصعيد السياسي، إلا أنها أدت إلى تشكُّل طبقة حاكمة، تتباعد بشكلٍ متزايد كل مرة عن واقع شعبٍ تتزايد مرارة حياته يومًا بعد آخر.

من هنا، فإن الانتخابات العامة ، تبدو في صالح حكام مصر، كما هو الحال دومًا، على حساب واقع الديمقراطيَّة، ربما كما لم يحدث من قبل؛ فرغم أن الحزب الوطني الديمقراطي، من المرجَّح أن يستحوذ على قرابة ٤٠٠ كرسي من أصل خمسمائة وثمانية مقاعد (٥٠٨) متنازَع عليها، إلا أنه من المُتوَقع ألا تتعدى نسبة المشاركة حدود ٢٥% في أحسن الأحوال، وهي نفس النسبة التي سجَّلَتها آخر انتخابات برلمانيَّة أُجريت في العام ٢٠٠٥.

ثم إن التصويت لم يخلُ من الدراما؛ فاللافتات والتجمُّعات الصاخبة أنتجت مظاهر كرنفاليَّة عكَّرتها بعض الاشتباكات البشعة بين أنصار المرشَّحين المتنافسين من الحزب الوطني الذين كثيرًا ما يلجأ بعضهم إلى توظيف البلطجيَّة، والمؤيِّدين لجماعة الإخوان المسلمين إلى جانب أفراد الشرطة الذين يرتدون اللباس المدني والذين يشبهون في بعض الأحيان البلطجيَّة المأجورين، وهي الاشتباكات التي أدَّت حتى الساعة إلى مقتل ثلاثة أفراد من الإخوان -الجماعة المحظورة رسميًّا- التي يترشَّح أفرادها بصفة "مستقلين" بالإضافة إلى اعتقال نحو ١٣٠٠ من أعضائها لفتراتٍ وجيزة في غالب الحالات، فضلًا عن استبعاد بعض المرشحين، أو حتى تعطيل التجمُّعات و تمزيق الملصقات.

وعلى الرغم من أن قليلين فقط يشكُّون في أن الحزب الوطني سوف ينتصر مرةً أخرى، إلا أن البرلمان القادم قد يكون مختلفًا عن سابقه؛ ففي العام ٢٠٠٥ فاجَأَ الإخوان المسلمون الحزب الوطني بفوزهم بأكثر من نصف المائة وخمسين (١٥٠) مقعدًا التي نافسوا عليها، بشكلٍ جعلهم يملكون صفة القوَّة المعارضة الأقوى في البرلمان؛ ولهذا فقد عمل الحزب الحاكم على تغيير قواعد اللعبة خلال الفترة النيابيَّة الماضية، بإجراء تعديل دستوري يُمنَع بموجبه قيام الأحزاب ذات الطابع الديني قبل أن يضيف عقبة قانونيَّة أخرى تمثَّلَت في إدخال حصة ٦٤ مقعدًا يتوجَّب أن تشغلها النساء، ربما على فرض أن الإسلاميين لن يتمكنوا، على الأرجح، من تقديم كثيرات من النساء للترشيح، فضلًا عن إنهاء ميزة الإشراف القضائي على الانتخابات مثلما جرت التقاليد الانتخابيَّة سابقًا، وبدلًا من ذلك تم تأسيس لجنة انتخابيَّة ضعيفة عينتها الحكومة كُلِّفَت بالإشراف على الانتخابات.

وفي اختبار مبكِّر لحياد هذه الأخيرة، أظهرت اللجنة فشلًا في تسجيل معظم مجموعات المجتمع المدني التي أرادت مراقبة الانتخابات، وحظرت استخدام الكاميرات في مراكز الاقتراع، مما يعوق التغطية الصحفيَّة المقيَّدة أصلًا نتيجة الخطوات الحكوميَّة الأخيرة ضد بعض الفضائيَّات، وربما يكون الهدف أيضًا منع تكرار ما حدث في العام ٢٠٠٥ حينما أظهرت صورًا تلفزيونيَّة حيَّة لبعض الناخبين وهم يحاولون الدخول إلى مركز الاقتراع من خلال تسلُّق الأسوار وعبر السلالم بعد أن منعتهم شرطة مكافحة الشغب -في محاولةٍ منها للتأثير على النتائج- من الدخول بواسطة الباب الرئيسي للمركز، بغضّ النظر على أن الحكومة منعتْ أيضًا طلباتٍ كثيرةً تقدَّمَت بها حكومات أجنبيَّة، منها واشنطن، للسماح للمراقبين الدوليين بمراقبة الانتخابات، وهي الطلبات التي اعتبرتها الحكومة المصريَّة، إياها للسيادة الوطنيَّة.

لذا يبدو أن الحكومة حريصة على تقليم أظافر الإخوان المسلمين الذين يُعتَقَد أن حصَّتهم سوف تتراجع إلى أقلّ من ٣٠ مقعدًا مقابل الثمانية وثمانين (٨٨) التي كانت بحوزتهم في البرلمان المنتهية ولايته؛ إذ قد تذهب بعض تلك المقاعد إلى أفراد من تلك الأحزاب الأربعة والعشرين (٢٤) العلمانيَّة رسميًّا، وهي أحزاب فشلت عمومًا في الحصول على أكثر من حفنة مقاعد قليلة في الانتخابات الماضية، وبالتالي فإنها قد تلتقط بعض الفرق بالنظر إلى أنها ضعيفة وموالية بالأساس بشكلٍ يعني أنها سوف تعزِّز هيمنة الحزب الحاكم.

كل هذه المعطيات، يعتبرها الكثير من المصريين مؤشراتٍ واضحةً على ما سوف يشوب العمليَّة من تلاعب سافر؛ إذ وبموجب الدستور فإن البرلمان يلعب دورًا كبيرًا في تحديد المرشحين للرئاسة، حيث أن الرئيس حسني مبارك البالغ ٨٢ سنة من العمر حاليًا، قد عانَى مؤخرًا من نوبات اعتلال صحيَّة، وبالتالي فإن ولايتَه الحالية التي سوف تنتهي في شهر سبتمبر المقبل -وهي بالمناسبة الخامسة له منذ العام ١٩٨١- تتطلَّب أن تكون هنالك سيطرة صلبة على البرلمان بشكلٍ يسهل من مُهمَّة الحزب الحاكم في منع أي منافس مستقلّ للرئاسة، بمعنى تأييد الرئيس مبارك مرشحًا لفترة سادسة أو تكريس رجل جديد ربما سوف يكون ابنه، جمال.

مع ذلك، فإن الاستنتاج بأن هذه الانتخابات ستكون محسومةً من شأنه أن يعزِّزَ مواقف اللامبالاة التي يُظهِرها العديد من المصريين المصدومين أصلًا من السياسة، لكنه سوف يشجِّع أيضًا أولئك الذين يطالبون بإصلاح شامل للنظام .
ورغم الصبر الأسطوري الذي يتمتَّع به الشعب المصري، إلا أنه قد يكون مشارفًا على النفاذ.
ذي إيكونوميست
ترجمة/ نوح عبد الحق

https://taghribnews.com/vdciwyap.t1aru2csct.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز