تاريخ النشر2017 31 December ساعة 17:33
رقم : 302607

قوة الساحل والصحراء... جهود فرنسية بطعم الهيمنة!

تنا-بيروت
تحوي مجموعة الدول الخمس في الساحل والصحراء كل مكامن القوة والمنعة لانطلاقة مارد اقتصادي وسياسي إقليمي بالمنطقة، نظرًا إلى امتداد هذا التجمع من تخوم دولة السودان شرقًا إلى ضفاف المحيط الأطلسي غربًا بمساحة إجمالية قدرها 5.37 مليون كم²، وبتعداد سكاني يبلغ 61.67 مليون نسمة؛ مما يؤشر إلى أن هذا التجمع مثالي لأن يكون سوقًا تكاملية لا سيما أنه باستثناء موريتانيا التي تطل على الأطلسي تعتبر بقية دول التجمع دولاً حبيسة.
قوة الساحل والصحراء... جهود فرنسية بطعم الهيمنة!
وقد ورد في البيان الختامي للقمة الأولى في نواكشوط أن الرؤساء الخمسة "قرروا إعداد برنامج بأولويات الاستثمار ومشاريع هيكلية تعطي الأولوية للأمن والبنى التحتية الأساسية (النقل والطاقة والاتصالات والمياه) والتحديث الديمغرافي والأمن الغذائي والاقتصاد الرعوي"؛ مما أعطى الانطباع بأن الهاجس التنموي يشكّل أولوية لدى قادة دول التجمع نظرًا لتشابه ظروف دولهم التي تتقاطع في أنها من أفقر دول العالم وأكثرها تخلفًا وتتخبط في مشاكل أمنية وتنموية تتجاوز قدرات حكام التجمع".
 
لم تعد الأهداف المعلنة لقوة مجموعة الساحل الإفريقية من قبيل ماورد في البيان المشار إليه، بل أضيفت إليها نكهة الحرب على الإرهاب ومواجهة شبكات الجريمة والتطرف التي باتت المنطقة جاذبة لها، غير أن حزمة الأهداف المعلنة أو الخفية لم تعد تقنع البعض لاسيما في ظل التحرك السياسي والدبلوماسي اللافت الذي تقوم به الدولة الفرنسية من أجل تعبئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي حول الانخراط في هذه القضية التي يشوبها الغموض حتى اللحظة.

لا يختلف اثنان على الأهمية الإستراتيجية التي توليها الدولة الفرنسية لمنطقة الساحل الافريقي والتي تتكون اليوم من الدول التي كانت تخضع للسيطرة الاستعمارية الفرنسية، حيث وجدت النخب الفرنسية في أزمة جمهورية مالي سنة 2013 فرصة سانحة لتبرير التدخل في هذه الدولة تحت ذريعة كسر الارهاب والتصدي لتنظيم القاعدة هناك ومواجهة العصابات الخارجة عن القانون، والتي باتت تقوم بعمليات الخطف والسرقة والاجرام، الشيء الذي اثار مخاوف الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة والى حد بعيد دول الاقليم، الامر الذي دفع "حكومة مالي" الى استجداء التدخل الفرنسي فيما عرف عملية «سرفال» الفرنسية، لكن كلفة الحرب التي شنتها فرنسا في الشمال المالي وفشلها في بسط الامن والقضاء على الخطر الذي تمثله الجماعات المتطرفة جعل الدولة الفرنسية تبحث عن مقاربات أمنية اخرى تحفظ لفرنسا مصالحها في هذه المنطقة وتقطع الطريق في وجه اطماع الدول العظمى وبخاصة الصين وروسيا والتي يسيل لعابها للثروات المعدنية الهائلة الموجودة في باطن تلك الارض.

بدأت قوة الساحل المكونة من خمس دول بمبادرة من فرنسا مطلع العام الجاري مع مجيء الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون، وهي تهدف الى تشكيل قوة قوامها 5 آلاف رجل، وتتألف من جنود ينتمون إلى البلدان الخمسة المعنية بحلول أيار/ مايو 2018.

وتملك القوة حتى الآن، مقر قيادة في سيفاري في مالي، ونفذت في الفترة الأخيرة أول عملية في منطقة «الحدود الثلاثة» بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو.. وتأمل فرنسا التي تتصدر الخطوط الميدانية في تلك منطقة، بخفض التزامها العسكري تدريجاً، في حين لا يُعدّ هؤلاء المسلحون سوى بضع مئات (بين 500 و800 وفق تقديرات)، لكنهم يحتفظون بقدرة على ضرب دول ضعيفة مثل مالي.

وفي سبيل تسريع وتيرة التجهيز والتعبئة السياسية والمالية والعسكرية عقدت عدة قمم ولقاءات ونظمت عدة جتماعات بين فرنسا وقادة اوروبيين اضافة الى دول الساحل المعنية بالموضوع، بل ومع ممولين من خارج الاقليم كالسعودية والامارات، لكن فرنسا المتحمسة لهذه القوة تشعر بتباطئ شديد الامر الذي دفع الفرنسيين الى التعبير عن ذالك باستياء بالغ.

محللون يخشون ان يكون تمويل هذه القوة هو العائق الأول امام انطلاقتها، لاسيما في ظل احجام الولايات المتحدة ومن ورائها الامم المتحدة عن توفير التمويل اللازم للقوة والبالغ قرابة 422 مليون يورو، فضلا عن تردد الاخيرة في توفير المساعدة العملياتية واللوجستية للقوة المزمع نشرها من اجل انطلاقتها.
 
وربما يكون تشكيل "القوة"، وفقا للرؤية الجيواستراتيجية لفرنسا ذات الجذور الاستعمارية للمنطقة، مثارا للجدل وحتى للتنديد  في الأوساط  الفكرية والثقافية والسياسية الافريقية، خصوصا أن هناك قوى عالمية وإقليمية ناهضة بدأت هي الأخرى تتحسس لتجد لنفسها موطئ قدم في هذه المنطقة الهامة من القارة السمراء، ورغم الحماس الفرنسي الشديد لجمع التمويل لهذه القوة، والتي تضم خمسة آلاف عنصر من تشاد وموريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، الا ان الشكوك تراود الكثيرين حول النوايا الفرنسية الحقيقية من وراء هذا التجييش والتحريض والتعبئة الكبرى.

فمنطقة الساحل والصحراء الافريقية عرضة، كما هو معلوم، منذ سنوات لتحديات أمنية واقتصادية متنوعة، أبرزها: المخدرات والإرهاب والهجرة غير الشرعية، وقد عرفت أغلب دول الساحل صراعات مسلحة تطورت لتصبح حروبا أهلية  في بعض البلدان، وهي صراعات غذتها العوامل العرقية والقبلية كما ساعدت هذا الثالوث(المخدرات والإرهاب والهجرة غير الشرعية) على التجذر والتمكن .

وبعض التحليلات الإستراتيجية تذهب إلى أن السياسات الفرنسية تجاه الساحل الافريقي تعكس، في بعض أبعادها، نوايا أخرى قد تستهدف هذه المنطقة التي تعد منطقة نفوذ تقليدي لها "مستعمراتها السابقة" بهدف ايجاد مبررات وذرائع لممارسة نهجها التقليدي المعروف مع مستعمراتها السابقة وهو التدخل الدائم وإغلاق الطريق في وجه منافسيها من الدول الكبرى المنافسة لها وبخاصة الصين التي طعنتها في الظهر في أكثر من بلد عبر مشاريعها الاقتصادية والبنيوية والتي تلقى قبولا من قبل النخب الإفريقية..

فرنسا التي يسيل لعابها للنفط واليورانيوم والذهب الذي تختزنه هذه الارض، ترى ان العودة من جديد لهذه القارة لم يعد ممكنا بالطرق الاستعمارية الانتدابية القديمة كالتدخلات المباشرة، كما أن الغطاء الدولي الضامن لمشروعية التدخل قد لا يكون سالكا بما فيه الكفاية، الشيء الذي يجعل اللاعب الفرنسي في وضع حرج قد لا يكون مريحا في المديين المتوسط وطويل الأجل، ما يجعل السؤال عن كون تشكيل قوة لدول الساحل مستبطنا لنزوع جديد للهيمنة الفرنسية في افريقيا.. فهل سيكون الطريق سالكا أمامها؟ أم أنها جولة من التحديات الاقليمية والدولية -هذه المرة- على طاولة دول الساحل والصحراء الافريقية؟

محفوظ جيلاني
https://taghribnews.com/vdchvinxq23nv-d.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز