تاريخ النشر2017 18 December ساعة 17:11
رقم : 300143

ميدانيات مصر: ثلاثة أشهر حاسِمة

تنا-بيروت
دخلت العمليات العسكرية والأمنية في سيناء منعطفاً جديداً ومفصلياً، بعد أن حدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مهلة ثلاثة أشهر لإتمام تطهير سيناء من أيّ تواجد للمجموعات الإرهابية المُسلّحة. تحدٍ كبير وضعه الرئيس أمام الوحدات التابعة للجيشين الثاني والثالث الميدانيين وقوات الشرطة، على أثره بدأت عمليات هي الأشمل والأقوى منذ شهور شمال ووسط سيناء. صورة الوضع الميداني منذ يوم الـ 26 من الشهر الماضي كانت على النحو التالي
ميدانيات مصر: ثلاثة أشهر حاسِمة
عمليات الجيش في سيناء
أطلق الجيش الثاني الميداني في مناطق عملياته شمالي سيناء، عملية عسكرية رئيسية لتطهير مناطق في محيط مدينة رفح وجنوبها ومنها مناطق أبو حلو وحيّا جوز أبو رعد والمساعيد. كما شنّ عملية فرعية استهدفت مناطق الظهير ومربّع نجد والجورة وأبو العراج جنوبي الشيخ زويد. خلال هذه العمليات دمّر مخزناً رئيسياً للعتاد والمتفجّرات بجانب عربتّي دفع رباعي بمن فيهما من العناصر الإرهابية.

بالتزامن مع هذه العمليات، بدأ سلاح المهندسين في المرحلة الرابعة من عملية إنشاء المنطقة العازلة بين شمالي سيناء والحدود مع فلسطين المحتلة، حيث بدأت الجرّافات في العمل بمناطق الجرادات وطويل الأمير ودوّار ربيعة وأبو مليح في حيّ الأحراش جنوبي مدينة رفح، وذلك بعد إتمام المراحل الثلاث السابقة بمسافة 1500 متر من خط الحدود.

أحبطت قوات الجيش الثاني خلال هذه الفترة خمس محاولات هجومية لتنظيم داعش، حيث تصدّت لمحاولة هجومية على كمين جسر الوادي في محيط مدينة العريش وقتلت وأصابت 5 عناصر إرهابية، وتصدّت لهجوم آخر على تمركز أمني قرب بطريركية الأقباط الأرثوذكس في حيّ الضاحية في العريش وقتلت 3 عناصر. كما أفشلت هجوماً ثالثاً على كمين عسكري في منطقة قبر عمير غربي مدينة الشيخ زويد وقتلت إرهابياً وأصابت آخرين، وتصدّت لهجوم على كمين أمني في حيّ المساعيد غربي العريش ما أسفر عن أصابة عنصرين أمنيين. وتمكّنت من القبض على 4 عناصر إرهابية أثناء محاولتهم زرع عبوة ناسفة بجوار فندق وسط العريش.

في ما يتعلّق بعمليات الجيش الثالث الميداني وسط سيناء، تمكّن خلال هذه الفترة من تصفية أربعة عناصر إرهابية، واعتقال 7 آخرين، وتدمير 17 نقطة تمركز لهم، وعربة رباعية الدّفع وسبع دراجات نارية، بجانب مخزن كبير للذخائر عثر فيه على كميات من قذائف الهاون ومواد تصنيع العبوات الناسِفة.

شهدت هذه الفترة تصاعداً في أنشطة القبائل السيناوية على المستوى الميداني، فبدأت عناصر تابعه لها تحت أشراف الجيش في عمليات تمشيط وبحث في محيط منطقة البرث وقرى جنوبي رفح، كما اشتبكت هذه العناصر مع مسلّحي داعش في موقع قرب منطقة القسيمة وسط سيناء. كذلك استمر الدعم الجوي المُكثّف لعمليات شمال سيناء، حيث استهدفت طائرة من دون طيّار سيارة كان يستقلّها 4 عناصر إرهابية من بينهم قيادي قرب منطقة الطايرة جنوبي رفح، ما أسفر عن تدميرها. وشنّت المقاتلات غارات جوية في محيط حيّ الإمام علي قرب الشريط الحدودي، وجنوب وغرب رفح، ومناطق جنوبي الشيخ زويد.

عمليات وزارة الداخلية
شهدت عمليات الشرطة المصرية في سيناء تصاعداً واضحاً عقب وصول مساعد وزير الداخلية للأمن العام إلى شمالي سيناء وتوليه قيادة العمليات الأمنية هناك، بدأت مداهمات مركّزة استهدفت بشكل رئيسي قرى مركز بئر العبد ومنها قرى رابعة وأقطية و6 أكتوبر، بجانب أحياء مدينة العريش ومناطق تقع جنوبها، وقرى جنوبي مدينة رفح ومنها قرية أبو حلو. أسفرت العمليات حتى الآن عن تصفية 3 عناصر إرهابية أحدهم كان مسؤولاً عن التمويل المالي للعناصر المنفّذة للعمليات الإرهابية، كذلك تم القبض على أكثر من 120 مشتبهاً به.

كان النجاح الأكبر لقوات وزارة الداخلية خلال هذه الفترة، متمثّلاً في الكشف عن عدد بلغ نحو 15 عبوة ناسفة كانت مزروعة على جوانب الطرق لاستهداف الأرتال الأمنية والعسكرية خلال تحرّكها، من بين هذه العبوات عبوتان تبلغ زنة كل منهما 250 كجم من المواد المتفجّرة ، والأخرى كانت إحداها مزروعة على طريق العريش – بئر العبد، والأخرى كانت مدفونة قرب قرية أبو الحصين الواقعة على طريق العريش – القنطرة، كما تم الكشف عن 9 عبوات أخرى في مناطق متفرّقة على طريق هذه القرية، وأربع عبوات بواقع عبوتين في منطقة الحرية قرب الشريط الحدودي وعبوة ثالثة على طريق الخروبة جنوبي الشيخ زويد، وعبوة رابعة على طريق رفح – الشيخ زويد.

خارج سيناء، نفّذت وزارة الداخلية مداهمتين، الأولى استهدفت قرية جلبانة في مدينة الإسماعيلية، وقتلت فيها خليّة من 11 عنصراً إرهابياً، كانوا يخطّطون لمهاجمة كنائس، وصادرت أثناء المداهمة كميات من الذخائر ومواد تصنيع العبوات الناسفة، وعشرات أجهزة اللاسلكي. المداهمة الثانية كانت على موقع في محافظة الشرقية، وقتلت فيه 5 عناصر إرهابية تسلّلت من شمالي سيناء للقيام بعمليات تفجيرية، وصادرت في الموقع عدّة عبوات ناسفة وقطع سلاح. أحبطت الوزارة محاولة لتفجير عبوتين ناسفتين في شارع السودان بمنطقة المهندسين في القاهرة، وكان لافتاً احتواء العبوتين على مئات الكرات الحديدية الصغيرة، التي كانت ستؤدّي إلى أصابات كثيرة في حال نجاح المحاولة.

عمليات تنظيم داعش
يتّضح يوماً بعد آخر، اتجاه التنظيم في عملياته لاستهداف المدنيين، وهذا ما كانت الحال عليه خلال هذه الفترة. حيث قام بذبح مراهق ينتمى إلى قبيلة الترابين بعد أن اختطفه من منطقة البرث جنوبي رفح، واغتال ثمانية مدنيين منهم 7 في حيّ الصفا وسط رفح، وواحد في منطقة المزرعة جنوبي العريش، واختطف عدداً من المدنيين من منطقة المزرعة جنوبي العريش ومنطقة قبر عمير في الشيخ زويد. كذلك قام التنظيم بتفجير منزلين مهجورين يمتلكهما ضابطيان سابقيان بالجيش المصري، أحدهما كان قد تعرّض لتفجير سابق. وذلك في محاولة للرد على تدمير الجيش المصري لعدد من المنازل التي تعود لعناصر إرهابية في رفح والعريش. نجح التنظيم في تنفيذ عمليتين تفجيريتين فقط ضد الأرتال العسكرية والأمنية، وقد تمتا قرب قرية الميدان غربي العريش واستهدفتا مدرّعات للشرطة، وأسفرتا عن أصابه ضابطين ومجند واحد. وقد فشل التنظيم رغم محاولاته المتكرّرة، في إبطاء عمليات تنفيذ المنطقة العازلة على الحدود، بعد أن تم التصدّي بالطيران والمدفعية لهجماته المحدودة على وحدات المهندسين وقوات تأمينها.

جدول زيارات مزدحم
شهدت القاهرة زيارة مهمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير دفاعه ووفد من مجلس شؤون الدفاع في مجلس الدوما. وقد كان لافتاً في هذه الزيارة الوثيقة التي نشرتها وسائل الإعلام الروسية، حول تفويض رئيس الوزراء مدفيديف لوزير الدفاع شويجو، لبدء التفاوض مع الجانب المصري حول تعديلات أساسية في بنود التعاون العسكري المشترك، ومنها تعديل يوفّر للبلدين القدرة على استخدام القواعد والمجال الجوّي لكليهما بعد إخطار مسبق، كذلك بحث وفد مجلس الدوما مع نظرائه في مصر ومع مسؤولي وزارة الدفاع المصرية، آليات تسمح ببدء تدريبات للضباط المصريين في المعاهد العسكرية الروسية.

كذلك زار وزير الدفاع المصري قبرص، وعقد لقاء هاماً مع نظيريه اليوناني والقبرصي، تم في هذا اللقاء بحث بنود اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وهو نفس الإطار الذي تأتي فيه زيارة لوفد عسكري ودبلوماسي مصري عالي المستوى إلى عاصمة جنوب السودان . شهدت القاهرة أيضاً زيارات لكل من وزير الدفاع الأميركي، ووزيرة الجيوش الفرنسية، ورئيس أركان الجيش الإماراتي، وزيارة مهمة لوزير الدفاع البرازيلي الذي بحث مع المسؤولين المصريين إمكانية تزويد مصر بمنظومات مناطيد المراقبة والرصد، وطائرات التدريب الخفيفة والهجوم الأرضي.

صفقات ومناورات عسكرية
تسلّمت القوات الجوية المصرية خلال هذه الفترة الدفعة الخامسة من مقاتلات الرافال الفرنسية بواقع ثلاث مقاتلات، ليرتفع العدد الإجمالي الذي تسلّمته حتى الآن إلى 14 مقاتلة، من أصل 24 مقاتلة تم التعاقد عليها. وستجرى مصر خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة أوائل العام المقبل مفاوضات جدية لشراء ما بين 12 إلى 24 مقاتلة أخرى من هذا النوع، بجانب كورفيتين بحريين من نوع "جاويند".

أبرزت البحرية المصرية اهتمامها بالكورفيت الروسي "Buyan" وتحديداً النسخة التصديرية منه المُسمّاة "Tornado"، وذلك ضمن الزيارة التي قام بها وفد مصري إلى معرض الدفاع البحري الدولي في حزيران/ يونيو الماضي، كذلك زار وفد آخر معرض بانكوك للدفاع والأمن وأبدى اهتماماً بالغواصات الصينية من نوعي S20 وS26T. في نفس الإطار، عُقد في القاهرة معرض تكنولوجيا الدفاع والأمن والسلامة العامة، على هامش معرض القاهرة الدولي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وقد عرضت فيه عدّة شركات مصرية منها شركة فالكون والشركة العربية العالمية للبصريات، نماذج مهمة لمنتجاتها في مجال المناظير الليلية ومنظومات الرشاشات الأوتوماتيكية.

في جانب آخر، نفّذت وحدات الجيش الثالث الميداني، المرحلة الرئيسية من المشروع التكتيكي بالذخيرة الحيّة "بدر 2017"، ووحدات المنطقة الشمالية العسكرية المشروع التكتيكي "طاهر 52"، وكذلك نفّذت وحدات المنطقة الجنوبية العسكرية مدعومة بوحدات المظّلات والصاعقة والوحدات البحرية الخاصة، المرحلة الرئيسية من التدريب المُشترك مع الجيش الأردني "العقبة3".

ثلاثة أشهر حاسِمة
ربما تبشّر الأسابيع الماضية، "بمعزل عن حادث الروضة"، بإمكانية كبيرة لنجاح القوات العسكرية والأمنية في إتمام المهمة في الوقت المحدّد لها، خاصة وأن تقارير عديدة من بينها تقرير مركز ويلسون، تفيد بانخفاض عدد العمليات الإرهابية في سيناء هذا العام مقارنة بكل الأعوام السابقة منذ عام 2012، حيث بلغت حتى أواخر الشهر الماضي نحو 34 عملية مقارنة بنحو 270 عملية العام الماضي، كما بات الثقل الأكبر لعمليات تنظيم داعش هو في محيط رفح ومناطقها الجنوبية بصفة أساسية، وذلك في محاولة لمنع إقامة المنطقة العازلة التي في حال إتمامها، ستمثل ضربة نهائية لأية إمكانية لتنقل المجموعات الإرهابية على جانبي الحدود. مجريات عمليات هذه الفترة تؤكّد فقدان التنظيم حتى لقدرته على شنّ هجمات بالعبوات الناسفة، حيث انخفضت بشكل حاد نسبة العمليات الناجحة، وزادت بشكل مطرد نسبة اكتشاف وإحباط هذه المحاولات والمحاولات الهجومية الأخرى. تركيز التنظيم على استهداف المدنيين لم يؤد الهدف المطلوب منه، حيث زاد إصرار القبائل السيناوية على مساندة القوات الأمنية والعسكرية، وبعضها أصدر بيانات جديدة لتأكيد موقفه ومنها قبيلة السواركة.

قدرة القوات الأمنية والعسكرية المتزايدة على اكتشاف مواقع العبوات الناسفة، قلّلت بشكل كبير من هامش العمليات الناجحة لتنظيم داعش، ومن عدد الإصابات والشهداء في صفوف عناصر الجيش والشرطة. هذه القدرة تعود بشكل أساسي إلى عاملين مهمين، الأول هو التكتيك المُتبّع من جانب القوات، بإرسال وحدات لتمشيط وتأمين الطرق التي يتم استخدامها لتنقّل الأرتال، بحيث يتم تطهيرها وتأمينها بشكل مستمر، مع مراقبتها بالطائرات من دون طيار لرصد أية تحركات مريبة. العامل الثاني هو التعديل الذي تم على الطائرات من دون طيار صينية الصنع "Wing loong1"، التي تمتلكها مصر، حيث تزوّدت برادار تصوير مقطعي من نوع "JY203" يسمح لها بتحديد الأجسام المتحرّكة وراء الموانع والسواتر وتحت الأشجار والشجيرات، في كافة الأحوال الجوية وبمدى يصل إلى 75كم وهامش خطأ قليل جداً، وهذا يسمح إذا ما تمّت مقارنة صوَرها الملتقطة على فترات قريبة، من تحديد التغيّرات في محيط الطرق المستخدمة في التنقل، وبالتالي رصد أية عمليات حفر أو أي تواجد لأجسام غريبة عليها. بهذا تصبح هذه الطائرات والطائرات الأحدث منها "CH5"، الأداة الأمثل لرصد واستهداف تحرّكات العناصر الإرهابية وإحباط هجماتها قبل وقوعها. وفي هذا السياق نستطيع أن نضع التحديثات الجارية حالياً في مطار العريش وذلك تمهيداً لتوسيع العمليات الجوية خلال الأسابيع القادمة شمالي سيناء.
https://taghribnews.com/vdcaywnee49nw61.zkk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز