تاريخ النشر2017 30 November ساعة 16:36
رقم : 296521

عن ظاهرة الانقلابات في التاريخ العثماني

تنا-بيروت
هذا الكتاب أول كتاب عربي يبحث العلاقة بين الجيش والسلطة ويركز على دراسة الانقلابات العسكرية وأنواعها والدور السياسي للجيش في الدولة العثمانية ويبحث في أعماق الظاهرة الانقلابية وواقعها ومن يقوم بها ومتى تحدث ؟ كما يبحث الكتاب في الدور السياسي للعرب في الجيش العثماني ويجيب عن أسئلة عدة تتعلق بالكلفة الاجتماعية للانقلابات والسياسات المتطرفة التي أدت إلى تصدع في الجيش العثماني وفك عرى الترابط الديني بين العرب والترك والحرب بينهم. كما يقدم لمحة عن انقلابات تركيا الحديثة.
عن ظاهرة الانقلابات في التاريخ العثماني
صالح محروس محمد  



يدرس علم الاجتماع العسكري الظاهرة الانقلابية ويدرس المترتبات عليها وتأثيراتها على الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية. ومن المؤسف أن ما حققه علم الاجتماع العسكري ضئيل في الجامعات والمراكز البحثية والدراسات العربية. وأصبحت دراسات علم الاجتماع العسكري لأفراد المؤسسة العسكرية العربية( قادة وجنودًا وتنظيمًا وتدريبًا) نادرة جدًا لطابع السرية الذي تٌحاط به هذه المؤسسة التي تحجب طبيعة عملها وسلوك عناصرها وتفاعلهم وفعاليتهم الاجتماعية عن الدراسات العلمية واقتصار هذا النوع من النشاطات المعرفية على الأكاديميات العسكرية إن وجدت وإن اهتمت بذلك.

إن الانقلاب بكل أنواعه هو ميدان اهتمام علم الاجتماع العسكري الذي يهتم بمجالات بحث ثلاثة هي: الأولى المؤسسة العسكرية لكونها تنظيمًا اجتماعيًا يقتضي دراسة أنماط العلاقات الداخلية بين عناصرها، والثانية العلاقات ما بين المدنيين من خلال دراسة الروابط ما بين المؤسسة العسكرية التي تقوم بالفعل الانقلابي والسلطة المدنية المنقلب عليها من جهة أخرى، والثالثة الصراع السياسي على السلطة بين الجيش والجماعات المسلحة.


ما الانقلاب وما أنواعه

يوضح الكاتب مفهوم الانقلاب وأنواعه. فقد بدأ ظهور مصطلح (انقلاب) بالفرنسية coup d’Etat وهو يشير إلى فعل موجه إلى مؤسسة الدولة. وقد شاع هذا المصطلح بلفظته الفرنسية في أغلب أنحاء العالم عن محاولات الاستيلاء على السلطة بالقوة أو عبر التهديد بإستخدامها. وللانقلاب أنواع عدة أولها الانقلاب العسكري وهو الأكثر شيوعًا في العالم وعُرف بصور عديدة، أنه تآمر يحيكه ضباط خارج السلطة أو تُحاك تفاصيله من داخل السلطة نفسها حيث يخطط بعض العسكريين سراً للإطاحة بالحكومة، أو هو من إعداد عسكري سري ثوري لضباط شباب هدفه المعلن إنقاذ البلاد من أزمتها.

أما انقلاب الدولة فينشأ في صفوف المسؤولين للإستحواذ على السلطة وإزاحة  منافسيهم عنها مثل انقلاب عبدالكريم قاسم في العراق على الملكية حيث كان من المقربين لرئيس الوزراء العراقي نوري السعيد وانقلاب هوارى بومدين على الرئيس الجزائري أحمد بن بله.

أما الانقلاب البرلماني الذى يتم عبر مؤسسات شرعية مثل انقلاب نابليون بونابرت في 9/11/1799 عندما أطاح بحكومة المديرين بمساعدة مجلس الشيوخ وأقام مكانها حكومة القناصل.

وهناك الانقلاب الشرعي وهو استخدام غطاء شعبي لحركة عسكرية مثل تظاهرة القمصان السود التي ضمت 40 ألف متظاهر إيطالي من أنصار موسوليني لتنصيبه على أيطاليا.

ويوجد انقلاب القصر هو الذي يحدث داخل القصر نتيحة صراعات على السلطة بين أفراد الأسرة الحاكمة نفسها ويحدث عمومًا من دون إراقة دماء مثل انقلاب الأمير فيصل على أخية الملك سعود بن عبدالعزيز في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1962.    

الانقلابات العسكرية في الدولة العثمانية

لم تكن تمردات الإنكشارية (الفرق العسكرية العثمانية) على السلطان العثماني وعزلهم للسلاطين أو قتل بعضهم بمثابة انقلابات عسكرية بالمعنى السياسي المعروف للإنقلاب. فلم يكن لهم مشروع الاستيلاء على السلطة أو تغيير النظام السياسي بقدر ما كانت لهم أطماع مادية فكانوا يسعون إلى مكافأة تتويج السلطان الجديد ويمكن القول إن الانقلابات في الدولة العثمانية بمعناها الحديث بدأت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر عندما قام ضباط عثمانيون بقيادة وزير الحربية حسن عوني باشا ومدير المدرسة الحربية سليمان باشا بتأييد من بعض وزراء الدولة في الحكومة وبتحريض من جمعية "تركيا الفتاة"، وبالتحديد من مدحت باشا، الذي قام بأول انقلاب عسكري عثماني عام 1876، فقاموا بعزل السلطان عبدالعزيز وبعد فترة قاموا بقتله. وقد اتفقوا على تنصيب ولي العهد مراد الخامس سلطانًا مكانه، وبعد ثلاثة شهور فقط قامت نفس المجموعة بقيادة مدحت باشا أيضاً بعزل السلطان الجديد واتهامه بالجنون وتنصيب السلطان عبدالحميد الثاني في نهاية شهر تشرين الأول / أكتوبر 1876. ثم توالت الانقلابات حيث وقعت خمسة انقلابات في الفترة من (1908 - 1913) والتي كانت مقدمة لانهيار الإمبراطورية العثمانية وتقسيمها واحتلال أراضيها.
 

دور  الضباط العرب السياسي في الجيش العثماني

كيف تحول الضباط العرب في الجيش العثماني من الولاء المقدس للسلطان العثماني بوصفه خليفة المسلمين إلى محاربة سياسة التتريك والسعى إلى استقلال الدول العربية وفكرة القومية العربية مع بدايات القرن العشرين؟

في جو مشحون بالتمردات والاضطرابات والحروب في الحقبة الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية فرضت الإصلاحات نفسها على الواقع المتخلف للإمبراطورية. ومن المؤسف أن الإصلاحات التي طالب بها المصلحون والمفكرون على مدى قرنين من دون أن يستجب لها السلاطين العثمانيون جاءت في ظروف الضعف البالغ للدولة العثمانية، حيث كانت قد أفلست والموارد قد قلّت، وحدود الدولة هُددت والهزائم قد تكررت. وهذا ما سمح للدول الأوروبية بالتدخل السافر في شؤون الدولة وفرض ما يناسبها ويتماشى مع مصالحها من حلول إصلاحية، والتي لم تكن والحال هكذا فرضاً داخلياً فحسب، بل فرضاً خارجياً أيضاً تم بضغوط القناصل الأوروبيين في إسطنبول وحقق لهم ما يبغون في مجالات عدة، منها تأكيد العمل بالامتيازات الأجنبية والتي تتمتع بمكاسبها الاقتصادية، والوصاية على الأقليات الدينية العثمانية، وربط المؤسسات العثمانية الجديدة ومنها الجيش بشبكة علاقات تبعية فكرية.

وهكذا ومنذ البداية ارتبط الإصلاح في الدولة العثمانية الذي هو في الواقع حاجة داخلية بضغوط الدول الأوروبية التي كانت تنظر إلى الدولة العثمانية بوصفها الرجل المريض. في هذا الجو تحركت قوى الجيش العثماني لتعلب دورًا سياسيًا كان مقدرًا لها أن تلعبه طالما أصبح هم التغيير متعلقًا بها وبقي الطابع العسكري طاغياً على بنية الإمبراطورية العثمانية. فبعد إلغاء الجيش الإنكشاري عام 1826، جاءت بعد محاولة تنظيم المؤسسة العسكرية العثمانية الجديدة وفق نمط علاقات ونظم ومبادئ جديدة فرضتها ظروف التدريب والتعليم عى يد خبراء عسكريين أوروبيين نقلوا معهم إلى جانب التقنيات العسكرية الحديثة أفكارًا تحررية ودستورية لنظام الاستبداد المستحكم بنموذج الدولة السلطانية، ونقلوا الأفكار القومية التي بُنيت عليها الدول الأوروبية الناشئة، عبر الضباط العثمانيين الجدد من دولة قائمة على الرابط الديني إلى الرابط القومي.

   وفي هذه الأجواء تحركت قوى التغيير من داخل الجيش فبدأت بالانقلابات ضد السلطان عبدالعزيز وقتله عام 1876، ثم الانقلاب ضد السلطان مراد وعزله عام 1876، ثم الانقلاب الدستوري عام ،1908 ثم انقلاب (الأخوة المحمدية عام 1909)، ثم انقلاب الجنرال محمود شوكت 1909، ثم انقلاب عصبة ضباط الإنقاذ عام 1912، وانقلاب الباب العالي عام 1913.

الانقلاب ضد السلطان عبدالحميد الثاني

تنبغي الإشارة إلى أن أخطر الانقلابات العسكرية التي شهدها التاريخ العثماني هو الانقلاب ضد السلطان عبدالحميد الثاني عام 1909، الذي كان من صنع وقيادة الفريق محمود شوكت سليمان العراقي البغدادي الفاروقي الذي كان من قادة حركة "الاتحاد والترقي"، وهو الذي زحف على رأس الجيش الثالث من ولاية سولانيك إلى الأستانة ودخلها عنوة وخلع السلطان عبد الحميد وولى مكانه محمد رشاد وتشكلت الحكومة برئاسة حقي باشا وكان وزيرًا للحربية. ثم أسندت إليه الصدارة العُظمى في أواخر عام 1912، وعندما عارض محمود شوكت باشا سياسة التتريك العنصرية ضد العرب من جهة، وعارض إصرارهم على التحالف المطلق مع الألمان من جهة أخرى اغتاله الاتحاديون أمام وارة الحربية عام 1913. فقد حدثت سبعة انقلابات عسكرية، خمسة منها وقعت في أقل من خمس سنوات شارك فيها ضباط عرب في الجيش العثماني، وذلك بعد أن بدأت حملة التتريك التى تبناها الاتحاديون وتعاظم الدور والمهمة باحتلال إيطاليا لطرابلس عام 1911، وتقاعس الاتحاديون عن الدفاع عنها، مما جعل الضباط العرب ينظمون أنفسهم عبر قنوات رسمية أولاً (مجلس المبعوثان والأحزاب العلنية)، ثم سرياً عبر الجمعيات السرية، وكيف تفكك ولاء الضباط العرب من الولاء المقدس الديني للسلطان إلى الولاء للرابط القومي العربي ووحدة الأقطار العربية، بعد أربعة قرون من الولاء التام للسلطان والدولة العثمانية.

     بدأ التصدع في الجيش العثماني والصراع بين الضباط العرب والترك منذ القرار الذي تورطت فيه الحكومة العثمانية عام 1864 بجعل اللغة التركية لغة رسمية على نطاق واسع في بلاد الشام. وكان أكثر كبار الموظفين الاتراك يجهلون اللغة العربية جهلًا تامًا ومع انكسار اللغة العربية والبدء في سياسة تتريك شعوب الإمبراطورية العثمانية أُتيحت الفرصة لمراكز أساسية لتدريس اللغة العربية، ولعب المسيحيون العرب دورًا رئيسًا في إحياء الدراسات العربية حيث تأسست (جمعية بيروت السرية) عام 1875 على يد خمسة شباب عرب من خريجى الكلية البروتستنانتية السورية في بيروت (الجامعة الأميركية حاليًا). وفي الحادى والعشرين من كانون الأول ديسمبر 1880، وزعت الجمعية منشورها في شكل منشور عُلق على جدران بيروت وتضمن الدعوة إلى استقلال سوريا متحدة مع جبل لبنان، والاعتراف باللغة العربية لغة رسمية للبلاد، ورفع الرقابة والقيود التي تحد من حرية التعبير والنشر، واستخدام القوات المجندة العربية في المهام العسكرية الداخلية فقط.

وكان هذا أول منشور سياسي يذكر فيه اسم العسكريين العرب ويبدو أن الأتراك كانوا يخشون من حركة تمرد من العسكريين العرب فتم نشرهم في المناطق النائية للإمبراطورية العثمانية أو في العاصمة إسطنبول.

وأدرك السلطان عبدالحميد الثاني (1876- 1909) فداحة الأخطاء السياسية العثمانية تجاه العرب والتي لا تتماشى مع شعار (الجامعة الإسلامية) التي دعا إليها. وكان السلطان عبد الحميد يعلم أهمية العنصر العربي ودوره الحضاري والثقافي والديني وأن البلاد العربية هدف للإستعمار الأوروبي، لذلك اختار كبار رجاله من العرب فكان من حرسه الخاص محمد باشا ومحيي الدين باشا، ابنا الأمير عبد القادر الجزائري وفؤاد باشا المصري والمشير أركان حرب شفيق باشا وأخوه الفريق وهيب باشا، وهما من لبنان. كما عيّن شكرى باشا الأيوبي الدمشقي وزيرًا للحربية وخير الدين باشا التونسي صدرًا أعظم عام 1878، وكان مستشاره الشيخ أبو الهدى الصيادي من حلب.

وفي خطوة باتجاه وحدة الدم التركي مع العربي زوج السلطان عبد  الحميد أميرتين من أسرته لشابين عربيين، هما الأمير عبدالمجيد بن الشريف علي حيدر وصالح بك خير الدين التونسي.

ولقد بدأ السلطان عبد الحميد بإرضاء كل العثمانيين حيث وافق على إقرار دستور مدحت باشا وافتتح لأول مرة برلمانًا عثمانيًا سُمّي بـ(مجلس المبعوثان) ووضعت برامج إصلاحية مهمة. ولكن الأمر لم يستمر كثيراً فسرعان ما أوقف السلطان عبدالحميد الدستور وسجن مدحت باشا ونفاه وعادت الدولة العثمانية إلى مرحلة السلطة المركزية.

 وقد ساهم العرب في صحافتهم في المعارضة النشطة للعثمانيين مثل مجلة المنار لرشيد رضا، ومجلة المقتبس لمحمد كرد علي، وصحف المقطم والمعتصم والأهرام. ومن أشهر المساهمات العربية المعارضة مؤلفات المفكر عبدالرحمن الكواكبي (1854 - 1902) في كتابه (أم القرى) حيث لخّص فيه فكرة الخلافة الإسلامية بأنها يجب أن تكون في العرب، وكتابه الثاني (طبائع الاستبداد) الذي طالب فيه بأن تناهض الأمة الاستبداد العثماني.

ورغم ميل السلطان عبدالحميد إلى دمج العرب في نظام الحكم العثماني، إلا أنهم قادوا انقلابًا أطاح به قام به الجنرال العراقي محمود شوكت وبمساعدة ضباط عرب آخرين، منهم العقيد عزيز علي المصري وإعطاء الحكم للإتحاديين الذين بدورهم أبعدوا العرب فقاموا بإغلاق نادي (جمعية الإخاء العربي العثماني). وكان لذلك رد فعل من المسيحيين العرب بقيادة المطران شفيق ندرة بالتعاون مع الجمعية اللبنانية في باريس (التي كان يرأسها شكري غانم)، فقام بتأسيس الجمعية المركزية السورية التي طالبت باستقلال ذاتي للمقاطعات العربية وهددت بالاستعانة بالدول الكبرى. ثم اشترك العرب في تأسيس (الجمعية القحطانية) عام 1909 التي كان هدفها تحويل الإمبراطورية العثمانية إلى تركية - عربية ومؤسسها سليم الجزائري والأمير عادل أرسلان وعزيز علي المصري وضمت الجمعية نسبة كبيرة من الضباط العرب. وقد وزّعت الجمعية منشورها على الولايات العربية وطالبت بإسقاط الاتحاديين وإشراك الضباط العرب في عمل دستور حقيقي، وأن تحصر مهمة الضباط العرب على خدمة بلادهم. ثم شرع سِرًا العقيد عزيز علي المصري ومعه عدد من الضباط العراقيون في تأسيس ذراع عسكري عربي لجمعيات الجمعية القحطانية والجمعية العربية الفتاة، فأسس نادي الضباط العرب ثم جمعية العهد العسكرية بعد انقلاب عام 1913، مع ياسين الهاشمي وسليم الجزائري وغيرهم وهي جمعية عسكرية سرية وكانت تهدف إلى الاستقلال الداخلي للبلاد العربية. وقد اكتشف أمر هذه الجمعية وتم اعتقال قادتها وإبعاد الضبط العرب من القيادة العامة للجيش العثماني حيث اعتقل عزيز المصري في شباط /فبراير 1914، مما أدى إلى غضب الضباط العرب على الإجراءات العثمانية فأرسلت جمعية "العربية الفتاة" في كانون الثاني يناير 1915 فوزى بكري إلى الشريف حسين بغرض أخذ رأيه في التمرد على الأتراك في سوريا والعراق. ورحب الشريف حسين بالفكرة وتبادل الرسائل مع المبعوث البريطاني مكماهون لتنسيق لثورة عربية ضد الحكم العثماني واتصل مع الجمعيات مثل "العهد" و"العربية الفتاة" للتنسيق معهم. ثم كان إعدام الجنرال جمال باشا قائد الجيش العثماني الرابع في الشام ليضع النار على الزيت حيث طالت الإعدامات صفوف الجمعيات العربية المناهضة للحكم العثماني، وأعلن الشريف حسين الثورة في حُزيران - يونيو 1916، فكان الضباط والجنود العرب يفرون من الجيش العثماني للإلتحاق بالشريف حسين أو الانجليز. وقد تكونت أول حكومة عربية في الرابع من تشرين الثاني / نوفمبر 1916، وعيّن عزيز على المصري وزيراً للحربية فيها وحاول أن يؤسس جيشًا عربيًا محترفًا بالتعاون مع الشريف حسين، ولكنهما تشاجرا ونجح جعفر العسكري بمساعدة نائبه نوري السعيد وهما (من كبار الضباط العراقيين) في ذلك فيما بعد.

وأصدر الإنجليز المذكرة المشتركة في 23 من تموز(يوليو) 1918، والتي تؤكد استقلال العرب وتدعو إلى الثورة على الأتراك، فتوجهت بعثة إلى سوريا بقيادة الشريف ناصر قائد الحملة الشمالية، ورافقها لورانس ضابط المخابرات البريطاني، وتكاثر التحاق العرب بالجيش العربي حتى صيف 1918. وكانت معظم قوات فيصل بن الشريف حسين من السوريين، وعمل لورانس كمستشار لفيصل. وبدخول القوات العربية البريطانية دمشق في الأول من تشرين الأول / أكتوبر عام 1918 بدأت نهاية العلاقات العربية التركية التي استمرت أكثر من أربعة قرون.

الانقلابات العسكرية في تركيا الحديثة

تناول الكاتب أيضاً الانقلابات العسكرية في تركيا الحديثة، وبخاصة الانقلاب الأكثر أهمية في التاريخ التركي، وهو انقلاب مصطفي كمال أتاتورك على السلطة العثمانية وإلغائه الخلافة عام 1924، وجعله الجيش الحارس الأول لعلمانية النظام الجمهوري الذى أسسه على أنقاض الدولة العثمانية. وأثناء رئاسته للجمهورية التركية حدثت ثورة الشيخ سعيد بيران الكردية العام 1925، فتم القبض على الشيخ سعيد ورفاقه(كان عددهم 47) وتم إعدامهم جميعًا في العام نفسه. كما جرت محاولة لإغتيال أتاتورك في أزمير، ووقعت العديد من المحاولات الانقلابية على أتاتورك خطط لها رفاقه مثل كاظم قره بكير ورؤوف بيه وعلي فؤاد. لكنه قمعها بقوة ودموية حيث حكم عليهم بالإعدام وعُلقت جثثهم في ساحات أزمير.

وتوالت الانقلابات العسكرية في تركيا فقام قائد الجيش جمال غور سال بالإطاحة بالرئيس المنتخب محمود جلال بايار ورئيس وزرائه عدنان مندريس في آيار /مايو 1960، وحكم جمال غورسال على عدنان مندريس ووزير الخارجية فطين رشدي ووزير المالية حسن بلاتقان بالإعدام شنقًا بتهمة قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية في 17 أيلول/ سبتمبر عام 1961.

وفي الثاني عشر من آذار مارس، قاد قائد الجيش ممدوح تاجماك انقلابًا للإطاحة بحكومة سليمان ديميريل. وفي الثاني عشر من أيلول سبتمبر 1980، حدث في تركيا الانقلاب الأكثر دموية قام به الجنرال كنعان يفرن بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، ثم الانقلاب الذي عٌرف بالسري عام 1993 الذي نظمته منظمة إرغينكون، وانقلاب ما بعد الحداثة الذي قام به الأميرال سالم درفيسوجلو في الثامن من شبط فبراير 1997، حيث أطاح بالزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان.

وكانت تخطيطات للانقلاب العسكري في عامي 2004 و2007 وخطة انقلاب (عملية القفص) التي وضعها عناصر من قيادة القوات البحرية التركية عام 2009، ومحاولة الانقلاب عام 2013 والتي نظمها "الكيان الموازي"، الاسم الذي يطلق على  تنظيم فتح الله غولن المتغلغل في كل مؤسسات الدولة التركية الجيش والمخابرات بهدف حل حزب العدالة والتنمية والسيطرة على الحكم في تركيا.

وأخيراً جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة في ليلة الخامس عشر من تموز / يوليو من عام 2016 عندما تحركت قوات مسلحة للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردغان وحكومته المنتخبة. ووعى الشعب التركي بالتكلفة الغالية للإنقلابات من الأنفس والبنية التنموية في الدول مما جعله يرفض الانقلابات العسكرية ويتمسك بالشرعية الشعبية، بحسب الكاتب.  

ويختم الكاتب بتحليل مهم عن الظاهرة الانقلابية التي حدثت في الدولة العثمانية وفي جميع أنحاء العالم، نتيجة الصراع بين المؤسسة العسكرية والسلطة المدنية، وذلك لأسباب أقتصادية حيث كان الضعف والانهيار الاقتصادي سبباً لها. فحين أعلن السلطان عبدالعزيز إفلاس الدولة عام 1875 حدث انقلاب عام 1876. وكذلك كان ضعف الحكام والسلاطين واضطراب الأمن واهتزاز مكانة الدولة العثمانية عالميًا والأطماع الأوروبية في أملاكها من أسباب الانقلابات إلى جانب دعوات النخبة العثمانية للتحديث والإصلاح. وعندما فشلت قوى المعارضة في الوصول إلى الحكم استدعت الجنرالات لتحقيق ذلك، وهم بدورهم سعوا إلى السيطرة على الحكم لمآرب أخرى بحجة التحديث والإصلاح.

 
https://taghribnews.com/vdcewp8wzjh8oni.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز