تاريخ النشر2011 26 February ساعة 10:06
رقم : 40926

السنة ليست ملكا لأحد ولا حكرا على أية مجموعة

اذا كانت السنة تعني اتباع خطوات الرسول(ص) والتأسي بسنته فكل المسلمين سنة واذا كانت الشيعة تعني حب آل البيت (ع) والموالاة لهم فيجب على المسلمين جميعا ان يكونوا شيعة.
السنة ليست ملكا لأحد ولا حكرا على أية مجموعة
وكالـة أنبـاء التقريب(تنـا)
الشيخ عثمان محمد جاه هو رئيس "مركز التقريب بين المذاهب الاسلامية" في غامبيا وعضو الجمعية العامة للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، شارك في مؤتمر الوحدة الاسلامية لدورته الرابعة والعشرين الذي عقد بطهران خلال الفترة من ١٩ الى ٢١ فبراير ٢٠١١ وقدم بحثا تحت عنوان "مفتاح وحدة الامة في مواجهة تحدياتها"؛ التقينا به على هامش هذا المؤتمر لنجري معه الحوار التالي: 

س: كيف تصفون وضع المسلمين في غامبيا؟
في غامبيا المسلمون لديهم حرية تامة لممارسة شعائرهم الدينية وليس بينهم وبين تطبيق المبادئ الدينية اي حاجز، ولأجل ذلك يمكنني أن أصف حالة المسلمين هناك بأنها جيدة. 

طبعا ينقصنا كمسلمي غامبيا شيئ مهم وهو أن الحكومة ليست اسلامية والدستور المعتمد ايضا غير اسلامي، لكنه بالرغم من ذلك نرى أن حرية اجراء الشعائر الدينية متاحة للمسلمين جميعا وكما ذكرت لا يوجد مانع ابدا. 

كما ان الحكومة ذاتها تحترم الشعائر الاسلامية ولا تسمح لأي جهة ان تسيء الى رموز المسلمين كما حصل ذلك في الغرب، والحكومة بنفسها تمهد لبناء المساجد واماكن الصلاة حتى في الدوائر
الحكومية، وتشارك في جميع المناسبات الاسلامية ولا تقف حاجزا امام تطبيقها.

س: هل توجد مرجعية دينية موحدة للمسلمين في غامبيا:
مع الاسف في غامبيا لا توجد مرجعية دينية مشتركة، بل هناك لكل مذهب مرجعية خاصة. ومع ان المذهب السائد في هذا البلد هو المذهب المالكي الا أنه في الآونة الأخيرة، اي قبل اقل من عشر سنين وبعد رجوع العديد من خريجي المدارس الاسلامية السعودية الى غامبيا حاملين الفكر الوهابي، بدأت موازين الاتجاه تتغير شيئا فشيئا لانهم اسسوا مدارس كثيرة وكل من تخرج من تلك المدارس لم يعد مالكيا بل ينتمي الى المذهب الوهابي. لذلك نرى ان المتخصص في الفقه الاسلامي لم يعد يدري توجه المسلمين في غامبيا؛ مثلا في مسجد واحد تجد اتباع المذاهب المتعددة من اهل السنة من المالكي والحنبلي والوهابي، وترى هذا التغيير في كافة المجالات بهذا البلد. 

باعتقادي ان لم يتم ارساء مرجعية دينية تشرف على المسلمين في غامبيا سيحدث تغييرا كبيرا في التشكيلة المذهبية العريقة والتوجه المذهبي، حيث سيصبح اكثر المسلمين من اتباع الفكر الوهابي الذي لا يقبل بوجود اي مذهب اسلامي آخر لا سني ولا شيعي، فكل من يخالف هذا الفكر يعد في منظار الفكر الوهابي خارجا عن الدين الاسلامي فيكفرونه او يفسقونه. لأجل ذلك بدات الان الخلافات بين اوساط الدعاة والمسلمين في غامبيا ولا ارى في هذا اي شيء اجابي وليس في مصلحة المسلمين ابدا. 

هذا تحدي كبير نواجهه نحن المسلمون في غامبيا، واذا سيطر هذا الفكر على الحكومة ايضا سيدخل مسلموا غامبيا عهدا جديدا لا ارى فيه النور. فنحن ورثنا المذهب المالكي الذي يشجع على انشراح الصدر وقبول الآخر اينما وجد، ولا يقبل باحتكار الرأي لمذهب معين ويرفض ان "كل من خالفك الراي يعتبر خارجا عن نطاق الدين"، فهذا ليس من منهج آباءنا ولا اجدادنا.

س: عرف لنا مركز التقريب بين الذاهب الاسلامية في غامبيا ونشاطاته والمسؤولية التي يتباناها مركزكم التقريبي لمعالجة
التحديات التي اشرتم اليها؟
مركز التقريب بين المذاهب تم تأسيسه عام ٢٠٠٦م اي بعد مشاركتي الثامنة في مؤتمر الوحدة الاسلامية بطهران. والحقيقة انني اعجبت بالفكرة التي انبثقت من خلال مشاركاتي المؤتمرات المختلفة، ورأيت ان السبب الذي تأسس من اجله المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية موجود في بلادي؛ لأن الاختلاف شيء طبيعي وموجود في خلقة الانسان وكذلك في أخذه عن الدين الاسلامي، لكن هذا الاخلاف ينبغي ان لايسيّر بالمسلمين الى خلق العداوات والصراعات والحروب الدامية. 

اذن عندما رأيت ان السبب الذي تاسس المجمع العالمي للتقريب من اجله موجود في بلادي ايضا، فكرت في تاسيس مركز اسلامي لتشجيع الحوار المذهبي وكذلك التسامح الديني وقبول واحترام الرأي الاخر، ومن هذا المنطلق وضعنا برامج للوصول الى هذه الاهداف ومنها تاسيس مكتبة اسلامية سميتها دار الحكمة جمعت فيها عددا لا بأس به من مصادر الشيعة والسنة معا؛ فإنني من قبل لم أرى في غامبيا كتابا شيعيا ولكن الآن توجد في مكتبة دار الحكمة قسم لكتب السنة وقسم لكتب الشيعة، ليتمكن كل من يريد التعرف على عقيدة الشيعة وتوجهاتهم بدلا من ان يعتمد على حجج الخصم يأتي الى هذه المكتبة ويطالع الكتب المتوفره في هذا الخصوص. فمكتبة دار الحكمة نشطة جدا ويرتادها الآن الطلاب والاكاديميون لإجراء بحوثهم ودراساتهم باستعانة الكتب والمصادر الصحيحة المتوفرة فيها. 

ومن النشاطات المهمة الاخرى التي يتبناها مركز التقريب بين المذاهب الاسلامية في غامبيا، هو احياء يوم عاشوراء في كل عام؛ حيث يشارك مسلمو غامبيا في مراسم احياء عاشوراء والتذكير بالنكبة التي وقعت في تاريخ الاسلام وذلك بقتل ابن بنت رسول الله (ص) الامام الحسين (ع). لأن استشهاد الامام الحسين (ع) مصيبة ليست للشيعة فقط بل لجميع المسلمين، فالشعور بالحزن والتوعية
بأهمية هذا الامام وما قدمه لازالة الانحارفات التي اصابت الدين وحدثت بسببها هذه الواقعة، هي من اهم واجبات مركز التقريب في غامبيا. لذلك يقوم المركز في كل سنة بتوجيه دعوة الى العلماء والدعاة لالقاء الكلمات والمحاضرات حول هذا الموضوع كما يقدم بعض البرامجع التلفزيونية والصحفية حول هذا الموضوع. 

كذلك احياء اليوم العالمي للقدس تمشيا مع ارشادات اية الله الامام الخميني(ره) من النشاطات المهمة التي ينتهجه مركز التقريب بين المذاهب في غامبيا ويتم ذلك عن طريق الاذاعة والتلفزيون وعقد الندوات بمشاركة العلماء والنخب للتحدث عن القدس وخلفية هذا المكان الشريف والتأكيد على انها ملك للمسلمين. 

ويخصص المركز ايضا كل جمعة صفحة كاملة في احدى الصحف الشهيرة في غامبيا ليكتب فيها مقالا حول الوحدة الاسلامية.

س: ما هو مفهوم التقريب برأيكم وهل يستدعي ذلك تقديم التنازلات عن المعتقدات من قبل ابناء المذاهب؟
التقريب من الجانب التنظيري هو العمل في ما اتفقنا عليه والتسامح فيما اختلفنا فيه، لقد اشرت ان الاختلاف ناتج عن طبيعة الانسان، والناس مختلفون في الفهم للامور. كما ان القران الكريم يؤكد على وجود هذا الاختلاف بين بني البشر، ولهذا السبب ان مفهوم الدعوة الى التقريب يعني ان هذا الاختلاف لايجوز ان يكون سببا في التناحر والعداوات فيما بيننا، فاذا كنا نحن المسلمون نجلس مع اليهود والنصارى على طاولة الحوار، فلماذا ابناء الدين الواحد وعلى سبيل المثال السنة والشيعة لا يجلسون على طاولة واحدة من اجل الحوار وينظر كل طرف للآخر كأخ له، من اجل تشخيص العدو الحقيقي للدين، اي اسرائيل وامريكا،
فيجمعوا اصواتهم ويتحدوا لمواجهة هذا العدو. لا ان يتناحر الاخ المسلم مع اخيه ليجلس العدو ويتفرج على هذه التناحرات التي تشهدها الامة الاسلامية في الوقت الراهن. 

اذن التقريب لا يعني ان يترك الشيعي عقائده المذهبية فيكون سنيا ولا ان ينتقل السني الى المذهب الشيعي. بل هناك اسس ومساحات مشتركة يدعو اليها؛ فقرآننا واحد وقبلتنا واحدة، نبينا واحد، وكلنا نصلي خمسا ونصوم رمضان فهذه اركان الدين والايمان، يتفق المسلمون حولها جميعا، وبالنسبة للمسائل الاختلافية لا يجوز ابدا ان تكون سببا في الصراعات بين اتباع الاسلام، فلنتسامح فيما اختلفنا فيه ونتحد حول ما اتفقنا عليه. هذا هو المفهوم الصحيح للتقريب. 

ان السنة والشيعة اساسا ليس بينهما اختلاف، لأن السنة ليست ملكا لأحد ولا حكرا على اية مجموعة، واذا كانت السنة تعني اتباع خطوات الرسول(ص) والتأسي بسنته فكل المسلمين سنة واذا كانت الشيعة تعني حب آل البيت (ع) والموالاة لهم فيجب على المسلمين جميعا ان يكونوا شيعة. 

ولكن هذا المفهوم غائب عن اذهان الكثير من المسلمين وخاصة اصحاب الفكر المتطرف فيظنون ان كل من يتعاطف مع المذهب الشيعي قد تراجع عن عقيدته السنية بل واصبح خارجا عن نطاق الدين. ومع الأسف غرس هذا الفكر في آذانهم وباتوا يخدمون به اعداء الدين.

س: كيف وجدم نشاطات مؤتمر الوحدة الاسلامية في دورته الرابعة والعشرين والتوصيات التي خرج بها المؤتمرون؟
لقد حان الوقت لأقول اننا بحاجة ماسة الى تطبيق توصيات وقرارات المؤتمر، على ارض
الواقع. انني شاركت ثمان مرات في هذا المؤتمر وفي كل مشاركة اكدت على الحاضرين ان مثل هذا المؤتمر الذي يعقد في ايران يجب ان يعقد في دولة اسلامية اخرى، وايضا اشرت الى ضرورة دعم المؤسسات التقريبية الاخرى في العالم، فكل منطقة لها تحدياتها واذا استطعنا ان نجمع هذه التحديات والتعرف عليها من خلال الندوات والاجتماعات التي نقيمها من اجل التقريب في ارجاء العالم، ثم نطرحها في مؤتمر الوحدة الاسلامية للعام القادم، سيكون ذلك اكثر تاثيرا لما نحن فيه ونكون قد استطعنا ان نحقق انجازا كبيرا نحو التقريب بين المذاهب الاسلامية. 

ايضا يجب ان تكون هناك سياسة تواصل بين المشاركين في المؤتمر وخاصة اعضاء الجمعية العامة للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية واللجنة المركزية ليستطيع الاعضاء رفع التقارير حول التحديات التي يرونها في بلدانهم الى المجمع، كي يقوم بوضع سياسة وخطط لتدارس الأمور ومن ثم التصدي لهذه التحديات ووضع الحد لأي مشلكلة يمكن حلها وهذا هو مفهوم التطبيق العملي للقرارات التي صدرت عن المؤتمر. 

كما إنني ابارك بالجهود التي يبذلها المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، وبسبب هذه الجهود جاءت فكرة تاسيس مركز التقريب بين المذاهب في غامبيا، وغيري كثيرون ممن قام بهذه الخطوة او افضل منها في اكثر من بلد. 

(حوار - حيدر العسكري)
https://taghribnews.com/vdcceoq0.2bqxi8aca2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز