تاريخ النشر2011 19 January ساعة 13:46
رقم : 37224
العريان

الدكتور العريان : الأفق السياسي في مصر مسدود

النظام له رؤية مختلفة تماماً في إدارة الصراع مع المجتمع عبر توازنات يخلقها هو، ولا يريد من أحد أن يتدخل فيها، ونحن نفهم عقلية النظام المصري المستبد؛ لذلك نحن نتحرك بحكمة وحذر وحرص، لا نسعى لاستفزاز النظام ولا نسعى لرضاه أيضا، لكننا نمارس دورنا في هدوء وروية، ونتحرك في إطار الدستور والقانون.
الدكتور العريان : الأفق السياسي في مصر مسدود
وكالة أنباء التقریب (تنا)

أكد الدكتور عصام العريان -عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين- في حوار: " أن جماعته لا تشعر بالحاجة إلى الشرعية القانونية، معترفا بأن فقدان تلك الشرعية خلق حواجز نفسية بين الجماعة والجمهور؛ تحاول الجماعة التغلب عليها، كما تشعر الجماعة بأن الفرد الإخواني محاصر ومطارد؛ مما يقلل من نشاطه.

وأشار العريان إلى أن الإخوان لن تتقدم بطلب الاعتراف بها كحزب سياسي إلا إذا اتضح الأفق السياسي، كاشفا خضوع التجارب الحزبية للإخوان في المنطقة العربية للمراجعة بعد اكتشاف أنها تسير في أفق سياسي مسدود.

وأوضح العريان أن الإخوان تفضل أن تبقى جماعة شاملة؛ لأن هذا هو سر بقائها وقوتها، بدلاً من أن تتحول إلى حزب سياسي لا يقوم بدوره الحقيقي المناط به، مشيرا إلى أن الجماعة الشاملة هي الأقرب والأنضج والأفضل لمجتمعات لم تتبلور فيها بعد قواعد سياسية واضحة.

س: هل تشعرون في جماعة الإخوان المسلمين بالحاجة للحصول على الشرعية القانونية؟

ج : أعتقد أن الجماعة في كل مراحل تاريخها كانت حريصة على الشرعية القانونية والغطاء القانوني، وهي حتى هذه اللحظة التي نعيشها تجادل في ساحات القضاء حول أن شرعيتها القانونية لم تفتقدها، وأنه لا يوجد قرار بحل الإخوان ولا قرار يحظر نشاطهم، وما يجري هو إجراء سياسي قمعي يريد أن يضع الإخوان تحت الحصار والمطاردة المستمرة، وسأسوق لك موقفا يؤكد لك صحة ما أقول، ففي قضية التنظيم الدولي الأخيرة المتهم فيها الدكتور أسامة سليمان وصفت النيابة في مرافعتها الإخوان بـ "المحظورة" فقام القاضي بسؤال وكيل النيابة قائلا: هل لديك دليل على هذا؟ فتلعثم وكيل النيابة، وطالبه القاضي بتقديم ما يفيد ذلك من الناحية القانونية.

س : وفي اعتقادي أن الشرعية القانونية للإخوان تقتضي أن يكف النظام عن وصفها بالمحظورة، ولكن هنا سنواجه سؤالاً: ما هو الشكل الذي ستكون عليه الجماعة؟ وهل ستعود الإخوان كهيئة سياسية عامة كما كانت من قبل، ولا تخضع لقانون الجمعيات بل تتم معاملتها معاملة خاصة؟
ج : أنا أعتقد أن هذه النقطة يجب أن تكون محل حوار بين النظام والجماعة؛ لأن الجماعة رفضت قبل ذلك أن تتحول لجمعية تخضع لقانون الجمعيات في مصر، فعندما أصر الرئيس السادات على أن تخضع الجماعة لقانون الجمعيات -الذي يحظر عليها النشاط في المجال السياسي، ويتعارض مع مفهوم الإسلام الشامل الذي يحمله الإخوان- اعترض الأستاذ عمر التلمساني -رحمه الله- ورفض أن يتم تقييد وتحديد نشاط الإخوان في عمل خيري أو تثقيفي فقط.

هذه إشكالية تحتاج إلى حوار بين الإخوان والدولة لضبط المشروعية القانونية، أما إذا كنت تقصد الرغبة في الحصول على حزب يمارس العمل السياسي فهذا شيء مستقر لدى الإخوان ورغبة لديهم في المجال السياسي؛ لكنه اصطدم برفض صريح وقاطع من الرئيس مبارك نفسه الذي قال في تصريح نادر: "لو منح الدستور الحق للإخوان في تنظيم حزبي فأنا لن أوافق على ذلك"، وبالتالي جرت تعديلات دستورية مشوهة لمنع وجود أي حزب أو أي نشاط على مرجعية إسلامية أو دينية.


س : لكن ألا توجد لدى الإخوان الآن حاجة نفسية للحصول على الشرعية القانونية بعد انسداد الأفق السياسي في وجههم؛ الأمر الذي بدا واضحا بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة؟
ج : لا يوجد لدينا شعور بذلك، فالشرعية الواقعية أقوى بكثير من الشرعية القانونية، نحن عندما نقارن الإخوان -وهي في الوصف الرسمي "محظورة" ولا تحظى بمظلة قانونية- مع غيرها من الأحزاب التي لديها رخصة قانونية، نجد أن الإخوان أقوى وأكثر انتشاراً وأقوى تأثيراً، بل على العكس فالذين حظوا بمظلة قانونية أيضا كان لديهم شعور بأنهم حققوا إنجازاً ما، ولم يكن ليتمكنوا من الانطلاق في العمل، بل تم تقييد نشاطهم بطريقة أو بأخرى، أو تهديدهم بسحب هذه الرخصة القانونية.

وإذا نظرت مرة أخرى لمسألة الحماية التي يمكن أن تضفيها الشرعية القانونية أو المظلة القانونية على أفراد الإخوان أو ممتلكاتهم سنجدها حماية وهمية، لأنه يمكن أن تسحب هذه المظلة في لحظة واحدة بقرار حكومي في ظل نظام لا يحترم القانون ولا القضاء.


س : لكن حجب الشرعية عن الجماعة يضعفها داخليا أيضا.. أليس كذلك؟
ج : آثار حجب الشرعية تتمثل في وجود حاجز بين الإخوان كهيئة وبين جمهور الشعب؛ لأن هذا الحاجز يفترض أن يزول عندما يكون هناك مقرات معلنة وأنشطة واضحة يشارك فيها المجتمع، وبالتالي لا يكون هناك مشكلة لدى الفرد العادي في التعرف على الإخوان، هذا هو الأمر الأساسي الذي تؤدي إليه هذه المسألة، كما أن هناك شعوراً نفسياً لدى كثير من الإخوان بأنهم محاصرون ومطاردون، وهذا الشعور قد يقلل نشاطهم وحجم انطلاقهم في المجتمع، لذلك يحرص الإخوان عن البحث عن مظلات قانونية تزيل هذا الحاجز النفسي داخل الفرد الإخواني أو بينه وبين الجمهور، فانطلقوا في اتحادات الطلاب والنقابات المهنية ومجلس الشعب، وأسسوا العديد من الجمعيات في أنشطة متنوعة من أجل كسر هذا الحاجز.


س : ألا تؤثر حالة الحصار والتهديد الدائم على المكون الفكري والثقافي لدى الفرد الإخواني؟
ج : أعتقد أن الجانب الفكري والثقافي والتنظيري مرتبط أكثر بالمناخ العام في المجتمع؛ لأن هذا الجانب يمكن أن يتم بواسطة أفراد , شريطة أن يكون المناخ العام يتيح مثل هذه الحرية الفكرية والعلمية، ويجب أن نلاحظ هنا أن المناخ العام والبحث العلمي في الجامعات المصرية وهي معاقل البحث، بل وفي الأزهر الشريف نفسه تعاني دماراً شديداً في الـ٣٠ سنة الأخيرة.

س : البعض يرى أن هناك قيادات في جماعتكم لا ترغب في الحصول على الشرعية، لأن ذلك قد يكلفها التنازل عن امتياز الجماعة الشاملة، أو يعرضها للمراقبة الحكومية والاختراقات الأمنية إلى آخره، ومن ثم فإن كل مساعيكم للحصول على الشرعية القانونية هي التصريحات لوسائل الإعلام بالرغبة في ذلك دون إجراءات عملية وواقعية؟
ج : هذا كلام غير صحيح ويفتقد للدقة وللموضوعية، وأنا أعتقد أن الكل حريص على الشرعية القانونية التي تتيح للإخوان النشاط كهيئة إسلامية عامة، فإذا كان الغرض هو تقييد حركة الإخوان أو حصرها في المجال السياسي فقط، أو في مجال خدمي فقط دون المفهوم الشامل للإسلام؛ فأنا أعتقد أن هذا لا يوافق عليه كل الإخوان وليس القيادات فقط.


س : لماذا لا تكون هناك مبادرات مجتمعية يفتح فيها الباب لحوار جاد لحل أزمة الجماعة مع النظام، وليس فقط الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية بالرغبة في ذلك؟
ج : ليست تصريحات فقط.. أعتقد أن الإخوان -وقد عاصرت هذا على مدار ٢٠ سنة مضت- قدموا مبادرات كثيرة جدا للنظام، مقابل أن يكون هناك حرية دعوة وحرية حركة، والنظام رفض ذلك تماما؛ لأنه يلعب على فكرة التوازنات، فشجع جماعات العنف في الثمانينيات على حساب الإخوان، فكان الحصاد المر الذي وقع في مصر، كما شجع جهات أخرى متشددة في الفكر والرؤية ومتزمتة في السلوك والتطبيق، وكان أيضا هذا على حساب المجتمع، وبدأنا نجني الحصاد المر.

النظام له رؤية مختلفة تماماً في إدارة الصراع مع المجتمع عبر توازنات يخلقها هو، ولا يريد من أحد أن يتدخل فيها، ونحن نفهم عقلية النظام المصري المستبد؛ لذلك نحن نتحرك بحكمة وحذر وحرص، لا نسعى لاستفزاز النظام ولا نسعى لرضاه أيضا، لكننا نمارس دورنا في هدوء وروية، ونتحرك في إطار الدستور والقانون.

س : يرى البعض أن على الجماعة أولا أن تحل إشكاليتها الفكرية والتنظيمية قبل أن تطالب النظام بالاعتراف بها ومنحها حقها في الوجود والحركة، مثل حل إشكالية الجماعة والحزب أو الدعوي والحزبي؟
ج : هذه إشكاليات خلقها الباحثون؛ ولا يشعر الإخوان أن لديهم أدنى مشكلة بين الدعوي والسياسي، الإخوان يمارسون نشاطهم الدعوي في إطار ما يسمح لهم به وفق الدستور والقانون، ويمارسون نشاطهم السياسي في إطار ما يسمح به الدستور والقانون، وكلما ازدادت مساحة الحريات ازداد نشاط الإخوان في كل المجالات .


س : هل يمكن أن تتقدم الجماعة ببرنامج حزبها إلى لجنة شؤون الأحزاب كبادرة حسن نية تبرهن على رغبة الجماعة في توفيق أوضاعها؟
ج : العمل السياسي لا يقوم على مبادرات حسن النية، العمل السياسي يحتاج إلى قواعد واضحة، فعندما نتقدم إلى لجنة أحزاب نعلم أنها لن تقبل طلبنا فنحن حينذاك نمارس ما يعرف بالعبث، حتى لو قلنا في برنامج هذا الحزب أحسن الكلام.

وحتى هذه التجارب محل مراجعة اليوم من الجميع، لأنه ثبت في النهاية أنها تجارب في محيط أفق سياسي مسدود، أفق لا يسمح لهذه الأحزاب بالنمو نموا طبيعيا، ولا أن تمارس حياة طبيعية.

ويكفي أن نرى الآن في تجربتين مهمتين مثل الأردن واليمن أن حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن قرر مقاطعة الانتخابات، وهي أهم وظائف الحزب السياسي، وفي اليمن يهدد حزب التجمع في إطار اللقاء المشترك بمقاطعة الانتخابات أيضاً، وهذا يؤدي إلى أن هذه التجربة انتهت إلى لا شيء، وهذه هي المشكلة في الحياة السياسية العربية، وليست في مصر فقط.

س : هل ترى أن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ينافي فكرة الحزبية؟.. وهل الحياة السياسية في مصر قادرة على تحمل فكرة الجماعة الشاملة؟
ج : الحياة المجتمعية في مصر قادرة على تحمل فكرة الجماعة الشاملة، والباحثون الاجتماعيون يقولون إن سر بقاء جماعة الإخوان ونجاحها وقوتها هو الجماعة الشاملة، وأن فكرة الجماعة الشاملة قد تكون أقرب إلى التفكير الأنضج والاختيار الأفضل لمجتمعات لم تبلور بعد قواعد سياسية واضحة يمكن البناء عليها.

أنا أعتقد أن أهم ما تحمله فكرة الجماعة الشاملة هو حسم الهوية العامة للمجتمع والدولة، لأنه بعد ذلك يمكن رسم قواعد واضحة للأنشطة المختلفة في المجال السياسي والاقتصادي وفي كل المجالات، أما الحياة السياسية فيجب أن يعاد التعمق فيها، خاصة بعد أن يعلن شخص بحجم محمد حسنين هيكل موت السياسة، ففي المنطقة العربية لم يعد هناك أفق سياسي وحتى السياسة في بلاد تريد أن تبعث السياسة من جديد وجدت صعوبة شديدة في ظل الخواء الذي تعانيه الأمة العربية.

س : هل ترى في تصريحات قيادات الجماعة بشأن البرلمان الموازي محاولة لامتصاص غضب النظام، والإشارة بأن الجماعة حريصة على الشرعية الدستورية؟ وهل يمكن ربط ذلك بفكرة سعي الجماعة للحصول على الشرعية القانونية؟
ج : لا إطلاقاً... نحن نسير مع القوى الوطنية في إطار عمل مشترك، ونحن عندما قلنا إننا نرفض اسم البرلمان الموازي فلم نكن نعترض على المسمى، وبالتالي سميناه مع آخرين البرلمان الشعبي، ودعونا أن يكون هذا الاسم هو الاسم المتوافق عليه لدى الجميع، ونجحنا في ذلك؛ لكن المضمون نفسه نحن معه أن يكون هناك وعاء وطني يجمع كل القوى الوطنية من أجل دراسة ما يطرح من مشروعات قوانين أو سياسات عامة.


س : وما رأيكم فيما طرحه الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح من فكرة فصل الدعوي عن الحزبي، وفي ترك الجماعة الانتخابات لعدة سنوات؟
ج : هي فكرة مقدرة لكن المشكلة أنها قد تناسب بلاداً ونظماً تفهم هذا الطرح وتتجاوب معه، ولكن نظاماً مثل النظام المصري يفهم هذا فهماً خاطئاً ولن يتجاوب معه. سيفهم أن الجماعة انسحبت وانهزمت تماما، والمعيار الذي أخذت به الجماعة هو أن الأفيد لها هو المشاركة وليس الخروج من الساحة السياسية؛ بغض النظر عن تصرفات النظام.


أجرى الحوار: صلاح الدين حسن  -  اسلام اونلاين


https://taghribnews.com/vdcjx8et.uqea8zf3fu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز