تاريخ النشر2010 25 October ساعة 16:06
رقم : 29382

هل انهارت محكمة الحريري على يد الامم المتحدة ؟

العميد الدكتور امين محمد حطيط
هل انهارت محكمة الحريري على يد الامم المتحدة ؟
عندما قتل رفيق الحريري في ذاك اليوم الانقلابي في لبنان، سارعت الاجهزة الامنية اللبنانية لكشف الفاعل ببذل ما لديها من جهود كان يمكن ان تؤدي الى تحديد اولي للجهة الجانية، و لكن المستفيد من الجريمة سارع و بكل ما لديه من نفوذ لسد الباب امام تلك الاجهزة و رفع اليد اللبنانية عن التحقيق و وضعه بتصرف "المجتمع الدولي" الذي يمسك بقراره و يسيره كما يشاء عبر مجلس الامن – الهيئة الاهم من هيئات الامم المتحدة و اجهزتها- و سار الطرف الاميركي الصهيوني في خطته خارقا للدستور اللبناني و للسيادة اللبنانية مستفيداً من ادوات اوجدها في السلطة الانقلابية التي قامت بعد حزيران ۲۰۰۵ و سهلت او امتثلت لاوامره امتثال العبد لسيده و التابع للمتبوع الى ان رسا الحال على منظومة "قضائية دولية " تسيرها اميركا و تتدرج بها من "لجنة تقصي حقائق" كانت وظيفتها تسفيه الامن و القضاء اللبناني و اظهار عجزهما، الى هيئة تحقيق دولي كانت وظيفتها الحاق القضاء اللبناني بالتبعية لها ليعمل بامرتها و ييسر اعمال مقولة الاتهام السياسي للانتقام من سوريا، و اخيرا و في المرحلة الثالثة انشاء " المحكمة الخاصة بلبنان" لمحاكمة قتلة رفيق الحريري و اقامة " العدل في لبنان " كما يدعون. 

و في الاجراءات الميدانية و التحقيق ظهر من غير ترك اي مجال للشك عند عاقل او منصف يبحث عن الحقيقة، ان كل هيئات العدالة الدولية المتعلقة بمقتل الحريري، لم تكن يوما قاصدة العدالة بل كان جهدها الانتقام و الاقتصاص ممن يزعج اميركا و اسرائيل؛ المقاومة بكل وجهوهها، انظمة سياسية رسمية او تنظيمات شعبية، و من اجل ذلك سار التحقيق خلافا لابسط قواعد العلم الجنائي، خاصة في قاعدته الاولى التي تقوم على البحث في الميدان و التقاط الدليل الجدي و تتبعه لمعرفة الاتجاه الذي يقود اليه لاتهامه او الظن به على اساس انه الفاعل، بينما قام التحقيق الدولي بسير معكوس.
 
ففي مرحلة حدد التحقيق مسبقا ان سوريا هي الفاعل ثم راح يجمع الادلة لتبرير الاتهام و لما لم يجد قام بتصنيع الادلة فنشأت منظومة شهود التلفيق و الافتراء و الزور التي رغم كل ما دعمت به و اغدق عليها من مال لم تستطع ان تصمد امام نور الحقيقة فتساقطت و هي تهدد الان بسقوطها الجهة التي صنعتها من لبنانيين بعضهم في السلطة الرسمية الان و من اقليميين؛ دول و اعلام ،و من دوليين و على رأسهم اميركا التي اتخذت من الجريمة مدخلاً لمحاسبة سوريا و اخراجها من لبنان. لقد باتت منظومة شهود الزور جثة نتنة و كابوساً على مصنيعها لذلك يرفضون فتح ملفها يرفضون محاسبتها و يرفضون محاكمتها لانهم يرون في ذلك كارثة عليهم و على مشروعهم و على ما تبقى من كذبة اسمها "المحكمة الدولية". 

ان رفض هؤلاء المصنعين للزور و التزوير لمحاكمة شهود الزور محاكمة جدية و سريعة لا تتم الا عبر المجلس العدلي، لا يفسر الا برفضهم للحقيقة و هو على اي حال موقف يتخذونه للدفاع عن انفسهم و منعا لفتح ملف جرائمهم بحق لبنان و سوريا على السواء. و بتقييم عام للمرحلة الاولى نقول ان المخطط حقق اهدافه، لكنه لم يستطع الاحتفاظ بها خاصة و ان سوريا اليوم في لبنان ليست اقل قوة مما كانت عليه في لبنان في العام ۲۰۰۵ ، و ان المخطط محاصر اليوم بملف شهود الزور اكثر مما يهول به او يحاصر الاخرين بالاتهام السياسي، و ان الرافض لمحاكمة شهود الزور يشهد على نفسه و بكل بساطة بانه المجرم الرافض للحقيقة و الهارب من العقاب. 

اما في المرحلة الثانية، و بعد ان فرغ اتهام سوريا من محتواه و الاهداف، تحول التحقيق الدولي الى اتهام جديد و حدد حزب الله متهما بالجريمة، و كالسابق راح يصنع الادلة التي تبرر الاتهام، و هنا كانت مهمته اكثر تعقيداً، فبعد سقوط شهود الزور الذين اجمعوا على اتهام سوريا، لم يعد بالامكان تصنيع منظومة جديدة خاصة و ان ۵ سنوات مضت على الجريمة كافية لاسقاط صدقية اي شخص ينبري اليوم للاتهام اذ سيسأل بكل بساطة اين كنت خلال الزمن الطويل الماضي، لهذا السبب كان "الفكر الشيطاني"جاهزا لتقديم الحل للمحقق الدولي عبر اعتماد شبكة الاتصالات في لبنان، و انتاج لوحة متكاملة و شاملة لا تترك ثغرة الا و تسدها، لوحة فيها ما يشبه عند العسكريين " الحرب الهاتفية " التي فيها اتصالات هاتفية سلكية و لاسلكية تحمل اوامر و تقود مناورة. 

اما التقنية فهي جاهزة عبر اسرائيل التي خرقت شبكة الاتصالات اللبنانية بشريا و تقنيا الى الحد الذي مكنها من : تصنيع اتصالات لم تحصل، و الغاء اتصالات كانت قائمة، و تعديلا في توقيت و مدة الاتصالات المنفذة، و تقديم ذلك الى المحقق الدولي بشكل يظهر ان افراد من حزب الله و استنادا الى الاتصالات التي اجروها قبل الحدث واثنائه و بعده، هم الذين نفذوا الجريمة، و الدليل برأيهم قاطع على ذلك و يستند الى قاعدة المعلومات في شبكة الخليوي"التي لا يرقى اليها شك". و لهذا كان المحقق الدولي مطمئناً ينام قرير العين لانه نفذ المهمة المطلوبة منه و اسند اتهامه الى دليل تقني علمي قاطع. و هذا ما يفسر ايضا طمأنينة كل من عمل في الشأن من اللبنانيين الذين روجوا لفكرة الزلزال من القرار الاتهامي و كذلك الدوليين.
 
و لكن و في توقيت قاتل جاءت الصفعة لكل اولياء القرار الاتهامي و ادواتهم، جاءت هذه المرة من الاتحاد الدولي للاتصالات الذي هو احد الاجهزة المتخصصة التابعة للامم المتحدة، صفعة شكلها قرار الاتحاد بادانة اسرائيل لخرقها قطاع الاتصالات اللبناني و سعيها للفتنة في لبنان عبر ذلك. ان هذا القرار الذي يأتي من اعلى هيئة دولية تعني بالاتصالات و امنها يجهض و بشكل لا مناقشة فيه اي استعمال لقاعدة المعلومات في اي مسار جنائي لان من يتلاعب بحرف يتلاعب بكل الكتاب و المسألة مسألة ثقة و صدقية و بما ان عدو المقاومة "اسرائيل" هي المتحكمة بقاعدة المعلومات فلا يكون للقاعدة هذه اي صدقية كما هو حال شهود الزور.
 
و تأسيسا عليه يكون الاتحاد الدولي قد حرم المحقق الدولي من عنصر الادلة الوحيد الذي يستند اليه في اتهام حزب الله، و بعد سقوط شهود الزور تسقط بيانات التزوير، و يرى "بلمار" نفسه خالي الوفاض الا من التحقيقات و الادلة التي جمعها الامن و القضاء اللباني في اربعة اشهر و لم يستطع التحقيق الدولي ان يضيف اليها شيئا حقيقياً و صحيحاً في اربع سنوات رغم المليار دولار التي انفقها. 

و هكذا و بعد اسقاط حجية قاعدة المعلومات و على يد منظمة دولية اساسية و تعقيد مهمة بلمار في اتهام حزب الله يطرح السؤال هل تستمر محكمة الحريري؟ ام سيكون للامر اتجاه آخر ؟ في ظاهر الامور قد يكون التجميد، لكن ضحايا التلفيق هل يسكتون على ما اصابهم من ضرر خلال ۵ سنوات؟ و هل يسكت اللبنانيون على خسائرهم قبل الجريمة و بعدها من مال و سيادة و امن؟
 
قد يكون الجواب الذي نملكه سابق لاوانه في الطرح لكن يكفي ان نقول بان قرار الاتحاد الدولي عطل محكمة الحريري في وظيفتها المطلوبة اميركيا، و  على من يحترم نفسه و علمه ممن هو في هذه المحكمة الان ان يتخذ القرار الذي به يحمي اسمه و تاريخه.

https://taghribnews.com/vdcf0md0.w6d1caikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز