تاريخ النشر2018 24 April ساعة 17:13
رقم : 326567

مزارعون مصريون يواجهون مصيراً مجهولاً بسبب سد النهضة الأثيوبي

تنا-بيروت
أدى قرار السلطات المصرية بفرض قيود على عدة محاصيل زراعية، لاستهلاكها لكميات كبيرة من مياه الري، إلى تزايد مخاوف المزارعين على رزقهم اليومي الذي لا مصدر له سوى زراعة تلك المحاصيل وبيعها كمحصول الأرز.
مزارعون مصريون يواجهون مصيراً مجهولاً بسبب سد النهضة الأثيوبي
وتجاهل مزارعو الأرز في قرية كفر زيادة بدلتا النيل في مصر لسنوات قيودا على الزراعة، تهدف لإدخار المياه، واستمروا في زراعة هذا النوع من الحبوب الذي يكاد لا تخلو منه مائدة الطعام في العالم العربي.

لكن قرارا على بعد آلاف الكيلومترات إلى الجنوب من البلد العربي الأكثر سكانا يوشك أن يغير هذا الوضع، في مثال آخر على ما يفرضه القلق بشأن المياه من تغييرات في قوانين الزراعة، بل حتى الدبلوماسية الدولية.

وبعيدا في أعلى النهر إلى الجنوب، بالقرب من أحد منابع النيل، تتأهب إثيوبيا لملء الخزان خلف سدها الجديد (سد النهضة الكبير)، البالغ قيمته أربعة مليارات دولار.. وقد يحدث هذا في العام الجاري.

وقد تكون لسرعة ملء الخزان آثار مدمرة على المزارعين الذين يعتمدون منذ الأزل على نهر النيل، في زراعة المحاصيل المختلفة للسكان في مصر البالغ عددهم 96 مليون نسمة، والذين من المتوقع أن يصل عددهم إلى 128 مليونا بحلول 2030.

وتتصدر حماية حصة مصر من مياه النيل، التي تعتمد عليها البلاد في الصناعة وفي توفير مياه الشرب وأيضا مياه الري، جدول أولويات الرئيس عبد الفتاح السيسي بينما يبدأ فترة حكمه الثانية.

قرار من القاهرة

وفي الوقت ذاته، تتصدى السلطات أخيرا لمشكلة الانتشار غير القانوني لزراعة الأرز، وهو محصول كثيف الاستهلاك للمياه، مظهرة اهتماما ملحا بعد أن فشل تغير المناخ والنمو السكاني السريع في إذكائه.

ويقول تجار إن هذه الحملة تعني أن مصر ستصبح على الأرجح بلدا مستوردا للأرز في عام 2019 بعد أن ظلت لعقود أحد كبار المصدرين.

وأصدرت القاهرة قرارا يسمح بزراعة 724 ألف فدان من الأرز هذا العام، وهي مساحة تشير تقديرات التجار إلى أنها أقل من نصف المساحة التي زرعت في 2017 والبالغة 1.8 مليون فدان، والتي زادت بدورها كثيرا عن المساحة المخصصة رسميا والبالغة 1.1 مليون فدان.

لا اتفاق

لقد ظلت مصر ردحا من الزمن تعتبر النيل هبة خالصة لها، على الرغم من أن النهر وروافده يمران في عشر دول. ومن مقولات الرئيس المصري الراحل أنور السادات الشهيرة قوله في عام 1979 إنه مستعد للذهاب إلى الحرب من أجل النيل، إذا تعرض تدفق المياه في النهر للتهديد. لكن أي تهديد من إثيوبيا في الماضي كان أجوفا- حتى الآن. أما السد الجديد، الذي يقطع رافد النيل الأزرق قبل أن ينحدر باتجاه جنوب شرق السودان، فإنه سيمنح أديس أبابا نفوذا سياسيا كبيرا على جيرانها في دولتي المصب.

والسودان ومصر هما أكبر المستفيدين من مياه نهر النيل في الزراعة وفي السدود. وتريد مصر أن تتأكد من أن سد النهضة لن يؤثر في سريان نهر النيل وتدفقات المياه التي تقدر بنحو 84 مليار متر مكعب في المتوسط سنويا. وتسعى إثيوبيا إلى الاستفادة من السد لكي تصبح أكبر دولة تولد وتصدر الكهرباء في أفريقيا، ولتوصيل الكهرباء للمرة الأولى إلى عشرات الملايين.

ولم يتمكن البلدان من الاتفاق على ترتيب شامل لتقاسم المياه على الرغم من سنوات من التفاوض. ولم تنضم إثيوبيا إلى اتفاق عام 1959 بين مصر والسودان، الذي أعطى القاهرة الحق في نصيب الأسد في النهر، ولا تعترف به. ومن جانبها ترفض مصر التوقيع على مبادرة إقليمية لتقاسم المياه تعود إلى عام 2010 تنزع من مصر حق النقض بشأن المشروعات التي من شأنها أن تغير مخصصات المياه.

أوجه الخلاف

وتقول إثيوبيا إن سدها لن يؤثر في سريان النيل حالما يُملأ خزانه الذي يتسع لاستيعاب 79 مليار متر مكعب. لكن القضية تتعلق بمدى السرعة التي سيتم بها ملء الخزان، إذ تريد إثيوبيا الانتهاء من عملية الملء في ثلاث سنوات على الأكثر بينما تسعى مصر لجعل المدة تصل إلى ما بين سبع إلى عشر سنوات وفقا لما تقوله مصادر على دراية بالموضوع.

وليس هناك ثمة شك في أن سريان النيل سيتأثر أثناء تلك السنوات، لكن الأمر غير المعروف هو حجم التأثير. ولا يتوافر سوى القليل من البيانات للإجابة على ذلك السؤال. وبحسب تقديرات مصادر في وزارة الزراعة المصرية، فإن خسارة مليار متر مكعب من المياه ستؤثر في مليون شخص وتؤدي إلى خسارة 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية.

وقال أشرف العتال، الرئيس التنفيذي لشركة فورتونا لتجارة السلع الأولية التي مقرها دبي والخبير في تجارة الحبوب المصرية، إنه على ذلك الأساس ربما يتسبب ملء خزان سد النهضة في ثلاث سنوات في تدمير 51 بالمئة من الأراضي الزراعية في مصر، بينما سيدمر 17 بالمئة من تلك الأراضي إذا تم على ست سنوات.

استعدوا للتأقلم

قالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) إن مصر تحتاج إلى استجابة "سريعة وكبيرة" من أجل ضمان الأمن الغذائي في السنوات القادمة لعدد من الأسباب من بينها شح المياه والتطور الحضري وآثار تغير المناخ. وتعثرت المباحثات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن السد في أوائل أبريل نيسان بسبب ما وصفه وزير خارجية السودان بأنها مسائل فنية. ولم يتحدد بعد موعد للجولة المقبلة.

وقالت آنا كاسكاو، وهي باحثة مستقلة في السياسات المائية المرتبطة بالنيل "ملء سد النهضة الإثيوبي الكبير هو القضية الأكثر إلحاحا للدول الثلاث التي يتعين عليها اتخاذ قرار بشأنها الآن، وقبل الشروع في الملء". وأضافت قائلة "أي استراتيجية عادلة ومنصفة للملء يجب أن تضع في الاعتبار السيناريوهات المختلفة بشأن المناخ وتغير معدلات الأمطار. فإذا كانت (الاستراتيجية) تتعلق بحالة جفاف، عندئذ ستكون الدول الثلاث مستعدة للاتفاق على ملء أبطأ".

ويقول مزارعو الأرز، الذين اعتادوا البدء في زراعته في نهاية أبريل نيسان، إنهم قد يتركوا أراضيهم بورا في ظل صعوبة التحول السريع إلى محاصيل صيفية أخرى مثل القطن والذرة، التي تحتاج إلى تقنيات وآلات مختلفة. وأبلغ وزير الري محمد عبد العاطي رويترز أن الوضع يشكل تهديدا كبيرا للمحاصيل وسبل العيش، وحتى الاستقرار السياسي إذا فشلت جهود التنسيق، وأضاف قائلا "تخيل إلى أي مدى سيصبح هؤلاء الناس معرضين للخطر.
https://taghribnews.com/vdciqqapyt1arw2.scct.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز