ونشر الشامي على قناته على "تلغرام" "معرفات" تحمل اسم "جبهة أنصار الدين – حركة فجر الشام الإسلامية"، مع بيان يشير إلى أن الجبهة "جماعة مستقلة إدارياً وتنظيمياً ولا تتبع إلى أي جهة داخلية أو خارجية". على أن وضع كلمة "حركة فجر الشام الاسلامية" هو ايذان بالعودة الى التسمية القديمة.
وكان الشامي قد أعلن في وقت سابق عن استقالته من عضوية الشورى في "هيئة تحرير الشام" وتعليق عمله فيها دون ذكر الأسباب، وإن كانت مصادر مقربة من الهيئة قد أشارت إلى وجود خلافات مع قيادتها، كجزء من الحالة العامة التي تمر بها حالياً.
تاريخياً، كانت "حركة فجر الشام الإسلامية" قد شكلت مع "شام الإسلام" و"جيش المهاجرين والأنصار" في شهر تموز عام 2014 جبهة موحدة تحت اسم "جبهة أنصار الدين"، قبل أن يلتحق "جيش المهاجرين والأنصار" بما كان يعرف بـ "جبهة النصرة"، ثم تندمج الجبهة كلها ضمن "هيئة تحرير الشام" عند تشكلها قبل عام. علماً أن هذه الجبهة (جبهة أنصار الدين) تعتبر المكون الوحيد الذي اندمج فعليا مع "هيئة تحرير الشام".
يأتي هذا الانفصال بعد انفصال سابق لحركة نور الدين زنكي عن "هيئة تحرير الشام"، حيث وصلت الأمور بينهما حد الاحتراب والاقتتال. ومع انسحاب "جبهة انصار الدين" يمكن السؤال عن الاطراف المتبقية من الفصائل الاساسية التي أسست "هيئة تحرير الشام"؟
بالعودة الى الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير من العام 2017 اجتمعت عدة فصائل من فصائل الشمال السوري وأعلنت عن اندماجها في مكون عسكري جديد باسم "هيئة تحرير الشام"، وضم كلاً من "جبهة فتح الشام"، "جبهة النصرة"، "حركة نور الدين الزنكي"، "لواء الحق"، "جبهة أنصار الدين"، و"جيش السنة".
وترأس التشكيل الجديد - حسب ما أُعلن - القائد العام السابق لحركة "أحرار الشام الإسلامية" هاشم الشيخ أبو جابر. وكنا في مقالة سابقة تحدثنا عن هدف اختيار هاشم الشيخ ليترأس هذا التشكيل، وأن الهدف الاساس الاستفادة من كون "الشيخ" زعيما سابقا لـ"حركة أحرار الشام"، وأن هدف "النصرة" الأساس هو تفكيك هذه الحركة لصالحه، وأن الزعيم الفعلي سيكون الجولاني نفسه. وبالفعل لم تمض سنة على التشكيل، الا وتم الاعلان عن تعديلات في الهيكلية القيادية للهيئة، فلم ينته شهر تشرين الاول/اكتوبر من العام 2017 الا وكان الجولاني قائداً عاماً للهيئة بينما تحول "الشيخ" الى زعيم لمجلس الشورى.
اذاً، مع انسحاب "جبهة أنصار الدين" بعد انسحاب "حركة نور الدين الزنكي"، لم يتبق من الفصائل الأساسية التي أسست الهيئة الا : "جبهة النصرة"، "لواء الحق"، و"جيش السنة". ما يعني أن فصيلين كبيرين (الزنكي وانصار الدين) من أصل ثلاثة (مع جبهة النصرة) قد انفصلا فعلياً عن الهيئة.
لكن مشكلة انفضاض الفصائل من حول جبهة "النصرة" ليست هي المشكلة الوحيدة، اذ إن الأمر يتعلق بانفصال شخصيات دينية وقيادات شرعية أيضاً.
ففي تاريخ 11-9-2017 أعلن "الداعية السعودي" عبدالله المحيسني، والذي يشغل منصب القاضي الشرعي في "هيئة تحرير الشام"، استقالته من الهيئة إثر تسريبات صوتية وصفته ووصفت "شرعيي الهيئة" بـ"المرقعين".
وفي بيان نشره المحيسني على حسابه على "تلغرام"، موقع باسمه وباسم زميله السعوي مصلح العلياني، فند الأسباب التي دعتهما لإعلان الاستقالة وأولها "التجاوز الحاصل للجنة الشرعية في القتال الأخير" مع الفصائل الأخرى والذي أفضى لسيطرة الهيئة على مدينة إدلب ومعبر استراتيجي يربطها مع تركيا.
وتابع البيان "ثم أعقب ذلك ما تمخضت عنه التسريبات الصوتية من انتقاص صريح لحملة الشريعة على ألسنة بعض المتصدرين في الهيئة على نحو خطير، مما استلزم انتفاضة من أجل إصلاح الخلل من خلال حزمة إجراءات". وخلص البيان الى أن العجز عن الاصلاح أفضى الى الاعلان عن "استقالتنا عن هيئة تحرير الشام".
اذا، انشقاقات بالجملة، من فصائل وشخصيات، اضافة الى عمليات اغتيال وتصفيات تطال شخصيات شرعية وقيادات ميدانية في هيئة تحرير الشام دون أن ننسى حجم التفجيرات، التي تكاد تكون يومية، في مدينة ادلب معقل جبهة "النصرة".
على أن القضية بين "شرعيي" الهيئة لم تقتصر على مجرد الانشقاق، بل تعدتها الى التراشق، اضافة الى أن ما يحصل داخل البنية التنظيمية للهيئة، وبينها وبين باقي الفصائل، لا يمكن عزله عن المشهد العام للساحة السورية -خصوصا الميدانية- وتطوراتها. فما الذي يجري؟
