تاريخ النشر2018 1 February ساعة 15:45
رقم : 309472

نشأة الدبلوماسية الحديثة.. رؤية روسية

تنا-بيروت
تنبع الفكرة الأساسية لكتاب "تاريخ العلاقات الدولية أو تاريخ الدبلوماسية الحديثة" لثلة من الباحثين الروس، من رغبة الباحثين في الكشف عن دهاليز الأسس التي أسست إلى تشكّل الدبلوماسية الحديثة التي تقود الساحة الدولية في عالمنا الحالي منذ الحرب العالمية الثانية.
نشأة الدبلوماسية الحديثة.. رؤية روسية
وتتمحور الفكرة الأساسية للكتاب حول تساؤل رئيسي فحواه "كيف سارت الدبلوماسية الحديثة خلال الحرب العالمية الثانية، وكيف شكّلت البنية السياسية والاقتصادية الأساسية لعالمنا في الوقت الحالي؟"

إلى جانب هذا التساؤل الرئيسي، يرمي الكتاب إلى الإجابة عن أسئلة فرعية عدة أهمها:
ـ ما هي تفاصيل الحرب العالمية الناحية من منظور التاريخ السياسي؟

ـ ما هو الدور الأساسي الذي لعبته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، في تأسيس بنية الدبلوماسية الحديثة؟
ـ كيف استطاع الاتحاد السوفييتي تجنب ويلات الحرب التي كانت دُبرت له من قبل دول المحور والحلفاء على حدٍ سواء؟
ـ كيف اجتمع الاتحاد السوفييتي مع دول الحلفاء ضد دول المحور؟

ـ ما هي العوامل التي أدت إلى انقسام العالم إلى قطبين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؟
المنهج التاريخي الذي يعني الوصول إلى المبادئ المتصلة بأحداث التاريخ الماضي عبر تحليل الحقائق المتعلقة بالمشكلات الإنسانية والقوى الاجتماعية التي شكّلت الحاضر، والمنهج الوصفي الذي يقوم على أساس تحديد خصائص الظاهرة ووصف طبيعتها ونوعية العلاقة بين متغيراتها وأسابها واتجاهاتها ونتائجها، وما إلى ذلك من جوانب مختلفة تدور حول سبر أغوار ظاهرة أو تجربة معينة، للوصول إلى وصف الظاهرة بتحاليل وروابط وتفسيرات مختلفة، هما المنهجان المتُبعان في سردية الكتاب الذي يُعتبر جزءاً من مجلد كبير يتناول تاريخ الدبلوماسية منذ نشأة الخليقة.

ويوضح الكتاب في القسم الأول الذي يحمل عنوان "بدء الحرب في أوروبا"، أن "دبلوماسية الحرب" هي التي أسست للدبلوماسية الحديثة التي نعيش، مبيناً أن التهديدات المتبادلة لدول التحالف والمحور تبدلت بعد إنشاء تحالفات ثنائية ثم تحولت إلى تحالفات إقليمية محورية فيما بعد.

بعد نضج طبخة التحالفات المحورية، هاجمت ألمانيا "الفاشية" بولندا في 1 أيلول/سبتمبر 1939. وعلى إثر ذلك، أعلنت بريطانيا وفرنسا الحربَ على ألمانيا في 3 أيلول/سبتمبر. وفي ذات اليوم، أعلنت الدول الخاضعة للاستعمار أو الهيمنة البريطانية، كأستراليا ونيوزلندا وكندا وأفريقيا الجنوبية، الحرب ضد ألمانيا. ووفقاً للكتاب، فإن هذه الحرب قد اندلعت، في الأساس، نتيجة لصراع قوى إمبريالية مختلفة حول نطاق السيطرة على العالم، وبذلك نشبت هذه الحرب من لُب النظام الرأسمالي، غير أنه لا يمكن إغفال الدفعة "الفاشية" التي كانت تتسم بها ألمانيا، بحسب الكتاب، كعاملٍ أساسيٍ آخر لاندلاع الحرب، "كونهم روس يبدو أنه لهم رؤية يسارية".

ويرى الكتاب في سياسات "الترضية والتهدئة" التي اتبعتها بريطانيا وفرنسا، أنها سياسات كانت ترمي إلى دفع هتلر بجنوده نحو الشرق حيث الاتحاد السوفييتي، إلا أن هذه السياسة لم تؤدِ، في حينها، إلى حربٍ بين الرأسمالية والاشتراكية، حرب كان يهدف إليها متبعو سياسات "الترضية" إلى فك صدام الدول الإمبريالية على حساب الاتحاد السوفييتي الاشتراكي، غير أن دبلوماسية الأخير الانسيابية والنشطة حالت دون وقوعه في هذا الفخ، مبيناً أن هذه أهم نجاحات "الدبلوماسية الحربية" التي اتبعها الاتحاد السوفييتي خلال تلك الحقبة.

الدبلوماسية السرية للدول الغربية
وتحت محور "الدبلوماسية السرية للدول الغربية"، يُشير الكتاب إلى أن هتلر في نهاية عام 1939، وبداية عام 1940 كان يرمي إلى تحكيم سيطرته في بولندا كورقة قوة أمام بريطانيا وفرنسا، لتحقيق السلام وفقاً لمصلحته. وقد صرح هتلر بذلك بوضوح خلال خطابه في 19 أيلول/سبتمبر 1939، قائلاً: "ألمانيا لا تهدف إلى محاربة فرنسا أو بريطانيا، لكن لا بد لهما أن يعترفا بالسيطرة الألمانية على بولندا." وفي 28 أيلول/سبتمبر عادت حكومة هتلر لتؤكد على استعدادها للسلام. وتفسيراً لكلام هتلر وحكومته، يوضح الكتاب أن هتلر كان يريد من خلال هذه الورقة تأكيد ضرورة تعديل معاهدة فرساي، وإعادة المستعمرات الألمانية لبلاده، والاعتراف بسيطرته الفعلية على بعض المناطق الأوروبية، وبالأخص بولندا.

وفي 10 تشرين الأول/اكتوبر 1939، قال هتلر في قصر رياضة برلين الرياضي، إنه "لا يوجد أي داعٍ أو ذريعة لاستمرار الحرب مع الأعداء الغربيين". وبحسب الكتاب، بينما كان هتلر يمارس "البروبوغندا أو الحرب النفسية الديموغاجية" لدغدغة عواطف الحلفاء تجاه السلام، كان رئيس أركان الجيش الألماني يعد "الخطة الصفراء" لبدء الحرب ضد بريطانيا وفرنسا، إلى جانب بلجيكا وهولندا اللتين لم يقتنع الجنرالات الألمان بإعلانهما الحياد. وبالفعل، لاقت بروبوغندا هتلر صدى لدى بعض الساسة الغربيين الذين رأوا أن توقف الحرب من صالح الدول الرأسمالية ضد "الخطر" الشيوعي" المتمثل بالاتحاد السوفييتي.

وفيما يخص الولايات المتحدة، فقد كانت ترى نفسها في البداية على الحياد عملاً بمبدأ "مونرو"، غير أنها رفعت الحظر عن صفقات بيع الأسلحة للدول المتحاربة منذ السنوات الأولى للحرب العالمية، أملاً في رفع ثروتها القومية جراء بيع الأسلحة. لكن، كانت في الوقت نفسه، ترى أن من المفيد الحيلولة دون اشتعال نيران الحرب الملتهبة، ومواكبة طموح الساسة الغربيين الساعين لإيقاف لهيب الحرب، بهدف تأسيس قطب "رأسمالي" ضد القطب "الشيوعي" الذي قد يستفيد كثيراً من هذه الحرب.

وفي ضوء ذلك، أرسلت الولايات المتحدة، في شباط/فبراير 1940، مساعد وزير الخارجية س. ويلز إلى أوروبا. وفيما كان المُعلن من هدف الزيارة، وفقاً للكتاب، هو فقط الإلمام أكثر بالوضع الراهن في أوروبا، كان الهدف الأساسي هو توحيد الجهود حول إيقاف الحرب. وبالفعل أجرى ويلز لقاءات مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا للتشاور حول إمكانيات إيقاف الحرب، لكن هذه اللقاءات باءت بالفشل، لأن ألمانيا كانت تشترط الإبقاء على سيطرتها واستعادة سيادتها في أوروبا، بينما كانت فرنسا وبريطانيا تريدان انسحاب ألمانيا من الدول التي احتلتها. وكانت جميع هذه المشاورات من أجل توحيد الجهود صوب محاربة الشيوعية.

وفي المقابل، كان الاتحاد السوفييتي على علم بالخطط الأميركية أو الغربية التي تسعى إلى إيقاف الحرب، ومضافرة الجهود ضده، لذا طفق على رفع مستوى التدابير الأمنية على حدوده، عقب احتلال ألمانيا لبولندا وتدميرها، وأسند ستالين دبلوماسيته إلى أسس حماية مصالح الاتحاد السوفييتي في الساحة الدولية، وتفضيل السلام على الحرب، مدركاً أن الانجرار إلى الحرب سيكون بمثابة المؤامرة الغربية.

ولتعزيز هذه الأسس، اتجه لينين صوب إعادة التوحد مع روسيا البيضاء وغرب أوكرانيا، وتوقيع اتفاقيات دفاع مشترك مع أستونيا وليتوانيا ولاتفيا. وكان التحدي الأكبر للاتحاد السوفييتي في اتخاذ إجراءته الأمنية في حدوده مع فنلندا، حيث رفضت الأخيرة عرضه، في نيسان/أبريل 1938، حول توقيع اتفاقية دفاع مشترك، إذ رأت فنلندا في ذلك تهديداً مباشراً لسيادتها ومصالحها، كما وجدت فيه احتمالاً لخرق حالة الحياد التي كانت أعلنتها مسبقاً، غير أنها، بحسب الكتاب، كانت قد استدانت من الولايات المتحدة، واستوردت أسلحة من بريطانيا وفرنسا.

وفي ظل هذا التعنت من الحكومة الفنلندية، اضطرت حكومة الاتحاد السوفييتي إنشاء قواعد جوية قريبة من الحدود مع فنلندا، للتصدي لأي هجوم جوي قد يأتي من طرف أجوائها السيادية بعد احتلالها من قبل ألمانيا أو اختراقها من قبل ألمانيا والدول الغربية على حدٍ سواء. ولتأمين حدودها البحرية القريبة من الحدود البحرية الفنلندية، عرضت حكومة الاتحاد السوفييتي على فنلندا عرض استئجار جزر عدة، غير أن فنلندا رفضت هذا العرض أيضاً. ولم تقف فنلندا على ذلك، بل أخذت بالترويج لبروبوغندا "الاتحاد السوفييتي هو العدو الأزلي لفنلندا"، وفرضت العمل على جميع المواطنين لرفع مستوى الإعداد العسكري ضد الاتحاد السوفييتي من دون مبرر. وطبقاً للكتاب، فإن "متخلفي" السياسة الفنلندية الذين دفعوا بتعزيزات عسكرية نحو الحدود السوفييتية، على أمل مهاجمة ألمانيا واليابان للاتحاد السوفييتي، ومن ثم تحرك فنلندا نحو الاتحاد السوفييتي لتأسيس "فنلندا الكبرى"، ونتيجة لهذه السياسات، أبلغت حكومة الاتحاد السوفييتي ممثل فنلندا نيتها بقطع العلاقات السياسية والإدارية، وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1939، بدأت الاشتباكات الفعلية بين الطرفين.

ولإدراك الاتحاد السوفييتي ضرورة تجنب أي استنزاف لطاقته، وضرورة استعداده لأي تحرك غربي ألماني أحادي أو ألماني أوروبي مشترك، جنح في 12 آذار/مارس 1940، إلى عقد اتفاقية صُلح مع فنلندا.

استراتيجية ألمانيا في الحربية
 ويخصص الكتاب قسمه الثاني للحديث عن الموقف الأميركي ـ البريطاني من هزيمة فرنسا، مبيّناً أن هتلر رمى أولاً إلى احتلال الدنمارك والنروج، ومن ثم التحرك صوب الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا، حيث كان يرى في هاتين الدولتين، أي الدنمارك والنروج، منطقة جغرافية عازلة بينه وبين الدول المذكورة. لذا، وبعد الانتهاء من حربه في الدنمارك والنروج، أعلن في 27 نيسان/أبريل 1940 استعداده للتحرك صوب الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا، موضحاً أن تحركه سيكون ما بين 1 إلى 7 أيار/مايو.
وبينما كانت ألمانيا تتجه صوب فرنسا، كانت بريطانيا تتأهب للانعزال على ذاتها، ولم تكن تقدم الدعم المطلوب لفرنسا التي كانت تُعرّف على أنها حليفتها. وبينما الحرب جارية، بدأ الزعيم الإيطالي موسيليني، منتصف أيار/مايو 1940، في جس نبض الأطراف نحو السلام، ولكن محاولاته لم تنجح.

ومع تقدم الجيش الألماني نحو هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ، كانت فرنسا تُظن أن خط "ماجينيو" سيكون عاصماً لها، لكنه لم يفِ بالغرض، واستطاع الجيش الألماني اجتيازه، واضطرها إلى توقيع "وثيقة هزيمة" في 22 حزيران/يونيو 1940. وكان سحب بريطانيا جنودها من فرنسا سبباً أساسياً في انهزام فرنسا أمام ألمانيا. ومن نتائج هزيمة فرنسا، انضمام إيطاليا إلى الحرب ضد بريطانيا.
وفي الفصل الثالث، يتحدث الكتاب عن التطورات التي جرت في منطقة المحيط الهادئ، موضحاً أن الدول الغربية كانت، في البداية، تقف إلى جانب اليابان في حربها ضد الصين، ولعل اتفاقية "أريتا ـ كريغي 164" التي وُقعت في تموز/يوليو 1939، خير مثال على ذلك. واستمرت سياسة المهادنة البريطانية لليابان حتى مع انطلاق شعلة الحرب العالمية الثانية، حيث كانت ترمي بريطانيا إلى الإبقاء على اليابان إلى جانبها. لكن لم تكن "حرب النفط" المستمرة بين الولايات المتحدة واليابان في المحيط الهادئ تمنح بريطانيا ما تصبو إليه من فرص.

كان الهدف الأساسي لبريطانيا من سياستها حيال اليابان والولايات المتحدة، هي ذات أهداف سياسة الترضية التي أُطلق عليها اسم "سياسة ميونيخ"، حيث كانت تهدف إلى إبقائهما على اتحادٍ ضد الاتحاد السوفييتي والحركات الشيوعية الصينية.
وفيما حاول الطرفان التفاوض حول مكتسبات المحيط الهادئ، لم يستطعا التوصل إلى حل، وانتهى الأمر بانحدار المفاوضات.

وفي 7 كانون الأول/ديسمبر 1941، سلمت اليابان مذكرة تضمنت رفض الحكومة اليابانية للاقتراحات الأميركية. ويُشار إلى أن اعتراض اليابان على محاولات بريطانيا والولايات المتحدة لعرقلة السلام بين الصين واليابان أحد الأسباب الأساسية لانسحاب اليابان من هذه المفاوضات. وفيما لم تتضمن المذكرة إعلان اليابان الحرب على الولايات المتحدة، إلا أن اليابان شنّت في اليوم ذاته من تسليم المذكرة، هجومها على القاعدة البحرية الأميركية في بيرل هاربر في المحيط الهادئ.
 
 
الهجوم الألماني على الاتحاد السوفييتي
وبالوصول إلى الفصل الرابع، يتناول الكتاب استعدادات هتلر لشن حربه ضد الاتحاد السوفييتي، حيث اتجه نحو هذه الخطوة، بعد سيطرته وتطويقه لتسع دول هي: النمسا وتشكوسلوفيكيا وبولندا والدنمارك وفرنسا والنروج وهولندا وبليجكا ولوكسمبورغ، وتأكده من قوة جبهته الخلفية ضد الاتحاد السوفييتي.

ولكن، قبل الشروع في حربه ضد الاتحاد السوفييتي، أراد هلتر تأمين جبهته الخلفية بشكل أكبر، من خلال عرض السلام على بريطانيا، لكن الموقف الأميركي الداعم لبريطانيا، عبر تقديم أسلحة ومستشارين عسكريين، والرافض لعروض السلام الألمانية، دفع بريطانيا للإعلان، في 22 حزيران/يونيو 1940، عن رفضها لعرض ألمانيا.

على إثر ذلك، اضطرت ألمانيا للجنوح صوب توقيع معاهدة اتفاق مع اليابان وإيطاليا في 27 أيلول/سبتمبر 1940، لتأمين جبهتها الخلفية كبديل للتصالح مع بريطانيا، التي باتت بمثابة الهدف التالي لها عشية رفض بريطانيا.

وعن استعدادات الاتحاد السوفييتي للخطط الألمانية الهجومية، يتحدث الكتاب، في الفصل الخامس، عن ظهور تدهور في العلاقات الألمانية ـ السوفييتية مطلع آب/أغسطس 1940، وفي ضوء ذلك، اتجه الاتحاد السوفييتي نحو أخذ حذره عبر عقد اتفاق سلام مع فنلندا، وتوسيع رقعته الجغرافية عبر ضم أجزاء من أوكرانيا ومولدوفيا.

وانطلاقاً من نقطة ضرورة تفادي خسائر الحرب قدر الإمكان، أجرى الاتحاد السوفييتي مشاورات مع الجانب الياباني للتوصل إلى اتفاق يقضي بتعهد الطرفين عدم مهاجمة بعضهما أثناء الحرب، وعلى إثر ذلك توصل الطرفان إلى اتفاق في 13 نيسان/أبريل 1941.

وعلى الرغم من بذل الاتحاد السوفييتي مشاورات حثيثة مع الجانب الألماني برغبة تجنب الحرب، إلا أن جميع محاولاته فشلت. وفي ليلة 22 حزيران/يونيو 1941، بدأت ألمانيا هجومها ضد الاتحاد السوفييتي.

وكان الهجوم الألماني غير المُعلن على الاتحاد السوفييتي الفتيل الذي أشعل شعاع تحالف "ضد هتلر"، وقرأ جوزيف غوبلز، وزير أو مستشار الدعاية السياسية لهتلر، في المذياع إعلان الحرب على الاتحاد السوفييتي، على أنه حرب ضد البلشفية أو الشيوعية التي تهدد أمن القارة الأوروبية.

وحول الموقفين البريطاني والأميركي حيال الحرب السوفييتية - الألمانية، كتب تشرتشل إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، أنه "لمن الطبيعي أن يكون عدونا الذي نريد القضاء عليه في المقام الأول هو هتلر، لذا لا بد من مساعدة الروس بكل ما أوتينا من قوة."

وفي 21 حزيران/يونيو 1941، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية مذكرة تنص على أنها ستخفف القيود المفروضة على عمليات بيع السلاح للاتحاد السوفييتي، في سبيل توفير القدرة له على مجابهة الخطر الألماني "الفاشي".

وفي ضوء الموقفين الأميركي والبريطاني الإيجابيين حيال الاتحاد السوفييتي، بدأت اللقاءات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفييتي وبريطانيا من جهة، وبينه وبين الولايات المتحدة من جهةٍ أخرى، وكان الاتفاق البريطاني ـ السوفييتي حيال تقاسم النفوذ في إيران من أفضل المؤشرات على الأجواء الإيجابية التي جمعت بين الأطراف المذكورة. 

ووفقاً للكتاب، فإن الموقفين الأميركي والبريطاني كان لا بد أن يكونا إلى جانب الاتحاد السوفييتي، ليكون هناك خط دفاع أولي لهما، ويكون هناك فرصة لاستنزاف الاتحاد السوفييتي أو ألمانيا من خلال تحاربهما. ولعل توقيع "ميثاق الأطلسي" في 14 آب/أغسطس 1941، بين الرئيسين الأميركي والبريطاني، وبغياب الاتحاد السوفييتي، يُعد أكبر دليل على تبني الطرفين لهذا التوجه. وقد استمر التوجه السوفييتي المستقل عن التوجه الأميركي البريطاني طيلة فترة الحرب، حيث دعم الاتحاد السوفييتي مقاومة عدد من الدول البلقانية، بينما اتجهت الولايات المتحدة وبريطانيا صوب بعض دول المحيط الهادئ والمناطق الأفريقية.

لقد استمرت محاولات الولايات المتحدة وبريطانيا، بالرغم من المؤتمرات الثلاثية المشركة كمؤتمر يالطا والقاهرة، من اتباع سياسات التطويق ضد الاتحاد السوفييتي، خلال الحرب العالمية الثانية، وما بعده، وهذا ما أحدث حالة الاستقطاب التي شهدها العالم حتى عام 1991 بشكل واضح، وحتى يومنا هذا بشكل ضمني.

الدور الأميركي في الحرب
 ويخصص الكتاب الفصل السادس، للحديث عن هزيمة ألمانيا وتأسيس الدبلوماسية الحاكمة لعالمنا في الوقت الحالي، مستهلاً السرد بالإشارة إلى أن تحالف "مكافحة أو محاربة هلتر" استطاع، في 6 حزيران/يونيو 1944، تنفيذ إنزال "النورماندي" الذي تم على شاطئ نورماندي الواقعة في شمال فرنسا. ومن هنا بدأت هزيمة ألمانيا، حيث استطاع التحالف في خريف 1945، مهاجمة القوات الألمانية في أوكرانيا والنمسا وبولندا ويوغسلافيا، وغيرها، وصولاً إلى إلقاء الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين، كأول مرة في التاريخ، في أيلول/سبتمبر 1945، على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، حيث اضطرت اليابان على إثر ذلك توقيع وثيقة الاستسلام من دون قيد أو شرطٍ.

ووفقاً للكتاب، فإن "الولايات المتحدة حاولت بعد الحرب استثمار انتصار الدول التي حاربت مجتمعةً ضد هتلر لصالح أهدافها القومية فقط، عبر تأسيس الأمم المتحدة، لمواجهة القوى الأوروبية الممتد نفوذها شرقاً وغرباً، من خلال تشجيعها لتنفيذ حق تقرير المصير للمستعمرات، والإسهام في إعادة إعماء أوروبا المدمرة بديون باهظة تستتبع هذه الدول لها، وبالأخص عبر مشروع مارشال المشهور، غير أن الاتحاد السوفييتي رفض الهيمنة الأميركية على العالم، ومن هنا انطلقت شرارة الحرب الباردة التي استمرت فعلياً حتى عام 1991، ولكنها لا تزال حتى يومنا هذا مستعرة ضمنياً."

ويدعي الكتاب بأن الولايات المتحدة ومن قبلها بريطانيا وفرنسا، هي التي أشعلت الحرب الباردة وحالة الاستقطاب، وليس الاتحاد السوفييتي، موضحاً أن تسلسل الأحداث عبر الحرب العالمية الثانية تُثبت ذلك وبوضوح، وأن الأفضل للباحثين الراغبين بحث أسباب نشوء الدبلوماسية الحديثة، الغوص في تفاصيل ما قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها، وليس بعدها.

قد يشكل الكتاب بديلاً مهماً للمصادر الغربية التي احتكرت الطرح الدبلوماسي التاريخي لسنوات طويلة، لكن يؤخذ على الكتاب اصطباغه بصبغة أيديولوجية واضحة تجلّت في الدفاع عن الاتحاد السوفييتي بصفته رافع لواء "الاشتراكية التحررية" ضد الدول الغربية الإمبريالية. كما اتسم الكتاب بتوجه قومي متعصب ظهر في وصف فنلندا  "جارة الاتحاد السوفييتي سابقاً أو روسيا حالياً" بالدولة المتخلفة.
 
https://taghribnews.com/vdcefo8xwjh87ei.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز