>> عن التاريخ الاجتماعي لرام الله في العهد العثماني | وكالة أنباء التقريب (TNA)
تاريخ النشر2018 13 January ساعة 11:14
رقم : 305220

عن التاريخ الاجتماعي لرام الله في العهد العثماني

تنا-بيروت
يصف الكتاب حياة مجتمع رام الله في العهد العثماني، ويعرض للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والدينية والعمرانية والتعليمية والسياسية، وخصوصاً في الفترة الممتدة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى نهاية ذلك العهد.
عن التاريخ الاجتماعي لرام الله في العهد العثماني
 يقول مؤلّف كتاب "نشوء رام الله وتطوّرها وسكّانها"، سميح حمّودة، إن وضع الدراسات العلمية العربية للتاريخ العثماني تغيّر، إذ تزايد الاهتمام بهذا التاريخ في العقود الأخيرة، وظهرت دراسات علمية كثيرة، منها رسائل جامعية قُدّمت في أقسام الدراسات العليا في الجامعات العربية لنيل شهادات الماجستير والدكتوراه. وفيما يتعلّق بتاريخ فلسطين العثماني تحديداً، فقد ظهرت دراسات عديدة تتناول جوانب متنوّعة منه، وتتحرّى عنها؛ ومنها ما يبحث في التاريخ العثماني في فلسطين خلال فترة زمنية معيّنة بصورة عامة، أو ما يتناول تاريخ منطقة معيّنة، أو مدينة بحدّ ذاتها، مثل الكتب التي صدرت عن تاريخ مدينة القدس التي حظيت بالاهتمام لمكانتها الخاصة، وصدر عن تاريخها العثماني عشرات الدراسات، وبلغات متعدّدة. ولقد حظيت مدينة رام الله باهتمام عدد كبير من الكتّاب الذين تناولوا تاريخها الشفهي كما وصل إلينا من الذاكرة الجماعية لحمائلها الأصلية التي ساهم أبناؤها في إنشاء مجتمع رام الله الحديث في القرن السادس عشر.

وحظِيت المدينة أيضاً باهتمام مؤرّخين روائيين افتتنوا بسحر هذه البلدة الوديعة قبل أن تتحوّل إلى مركز إداري وسياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية. إلاّ أن هذا الزخم في التاريخ الأسطوري الشفهي والروائي لم ترافقه دراسات جادّة في التاريخ الاجتماعي الموثّق للمدينة. ودراسة سميح حمّودة عن رام الله العثمانية خطوة رائدة في هذا الاتجاه، كونها تناولت الأعوام التأسيسية (للبلدة) من القرن السادس عشر إلى نهاية الحكم العثماني والحرب العظمى في فلسطين (1917م).

وتتميّز هذه الدراسة باستخدام منهج الإثنوغرافيا التاريخية والتاريخ الجزئي، وهو يختلف عن التاريخ المحلّي في أنه يموضع أحداث نسيج البلدة الاجتماعي ودينامياته في إطار التغيّرات الهيكلية التي اجتاحت متصرّفية القدس والولايات الشامية للسلطة العثمانية في أثناء القرون الأربعة التي هيمنت فيها الدولة العثمانية على البلاد المقدسية.

في الفصل الأول من الكتاب، يبحث المؤلّف في بدايات رام الله في العهود القديمة، وتكوّنها كقرية إفرنجية خلال فترة الحكم الصليبي، ثم تحوّلها إلى قرية مسلمة في العهد المملوكي بعد طرد الفرنجة من فلسطين، وتحوّلها لاحقاً إلى قرية مسيحية. ويركّز الكاتب على عرض تفصيلات الحياة والأوضاع المعيشية فيها، وخصوصاً منذ بداية الاستيطان المسيحي فيها، والمتمثل في عائلات الحدّادين (الكسابر) والنقّاش، في القرن السادس عشر.

ويتضح من المصادر التاريخية أن رام الله كانت قرية عامرة في العهد المملوكي، وأن سكّانها كانوا خلال هذا العهد، وفي أوائل العهد العثماني، حتى نيسان/ أبريل 1561م، من المسلمين، وأن استقرار المسحيين فيها لم يبدأ إلاّ في تلك السنة.

وتقول رواية شعبية تناقلها سكان رام الله لأجيال، إن عشيرة الحدّادين هاجرت، خلال العهد العثماني، إلى فلسطين من منطقة الكرك في شرق الأردن؛ وكانت لهذه الهجرة أهمية كبيرة في تاريخ قرية رام الله، إذ يمكن اعتبار استيطان هذه العائلات في القرية حجر الأساس في تطورّها اللاحق، وفي تشكيل هويتها أيضاً. ووفقاً للمصادر التاريخية، فإن هجرة العشائر المسيحية في شرق الأردن وانتقالها من منطقة إلى أخرى، كانت ظاهرة وشائعة.

ويلاحظ المؤرخ عدنات البخيت، في ضوء الدراسات التي أُجريت بشأن سكان الشام في القرن السادس عشر الميلادي، وجود «هجرة مسيحية من منطقة شرقي الأردن إلى مناطق فلسطين إما لأسباب أمنية وطلباً للسلامة، أو لأسباب تجارية وللبحث عن لقمة العيش». والمسيحيون الذين هاجروا من شرق الأردن واستقروا في رام الله يرجعون بأصولهم، بحسب خليل أبو ريا، إلى قرية ماعين الواقعة على بعد ثمانية كيلومترات جنوبي غربي مادبا، في ناحية الكرك؛ وهؤلاء كانوا من الفلاّحين الذين يعتمدون على الزراعة مصدراً لرزقهم؛ كما أنهم كانوا يمتهنون صنعة الحدادة.

ويتبيّن من السجلاّت العثمانية والمصادر التاريخية أن لقب الحدّادين لم يكن مقتصراً على عائلة واحدة تسلسلت من الجدّ نفسه، بل أطلِق أيضاً على عدّة عائلات مسيحية امتهنت صنعة الحدادة إلى جانب عملها في الزراعة.

في الفصل الثاني، وعنوانه "الحياة في رام الله العثمانية منذ بداية استيطان المسيحيين فيها حتى بداية حملة نابليون على فلسطين"، يتحدّث المؤلّف عن الحياة في قرية رام الله العثمانية منذ بداية استيطان المسيحيين فيها في نيسان/ أبريل 1561م، حتى بداية حملة نابليون على فلسطين في شباط/ فبراير 1799م. وكانت رام الله خلال تلك الفترة قرية مختلطة بين المسلمين والمسيحيين، ثم تحوّلت إلى قرية مسيحية خالصة، بعد خروج المسلمين منها في سنة 1656م.

لقد امتازت الحياة في رام الله في العهد العثماني بالبساطة، وحكمتها القيم القبائلية والعشائرية العربية، وقامت بين سكانها علاقات تعاون وتكافل في مختلف المجالات، مثل الزراعة والحصاد وبناء البيوت، ولم تختلف حياة مسيحييها ومفاهيمهم وقيمهم عن حياة نظرائهم المسلمين في القرى المجاورة.

وتكشف الحجج المدوّنة في سجلاّت المحكمة الشرعية في القدس عن حدوث خلافات ونزاعات تجارية ومالية بين الأهالي؛ وهي لم تكن ناجمة عن الانتماء الديني قط.

كما يتبيّن من سجلّ المحكمة الشرعية أن سكان القدس المسلمين كانوا يتعاملون مع أهل رام الله ويستفيدون من خبراتهم العملية. ويتبيّن أيضاً من حجّة شرعية دُوّنت في سجلّ المحكمة الشرعية في القدس بتاريخ 3 ذو الحجة 1066هـ/ 22 أيلول/ سبتمبر 1656م، أن مسلمي رام الله باعوا حقوقهم للنصارى في أواخر ربيع الأول 1066هـ/ 27 كانون الثاني/ يناير 1656م.

الفصل الثالث المعنون "رام الله منذ حملة نابليون حتى بداية الحرب العالمية الأولى"، يتناول الحديث عن الحياة في رام الله العثمانية خلال فترة زمنية تمتد من حملة نابليون على مصر في سنة 1798م، وعلى فلسطين وهزيمته أمام أسوار عكا في السنة التالية (1799م)، حتى بداية الحرب العالمية الأولى في سنة 1914م. ويركّز الفصل على تأثير أحداث بالغة الأهمية شهدتها هذه الفترة من التاريخ، على مستوى الدولة العثمانية عامة، والمستوى الفلسطيني خاصة، في قرية رام الله. فقد أنتجت تلك الأحداث تحوّلات جذرية في المجالات السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والإدارية العثمانية، والتي انعكست بدورها على أوضاع أهالي رام الله فحوّلتها من قرية إلى مركز مدني.

وشملت هذه الأحداث على مستوى الدولة العثمانية عامة، فضلاً عن حملة نابليون، استيلاء حاكم مصر، محمد علي باشا، على بلاد الشام بالقوّة العسكرية، وبجيش ضخم قاده ابنه إبراهيم باشا، وحكمه لها مدّة عشر سنوات (1831 - 1840م). كما شهدت هذه الفترة إعلان سياسة التنظيمات التي تبنّتها الدولة العثمانية وشرعت في تطبيقها في ولاياتها المتعدّدة منذ سنة 1849م، والتي استمرّت أربعة عقود، وانتهت بإعلان أول دستور عثماني في سنة 1879م.

وبحسب المؤلف، أنه كان من نتائج هذه الأحداث اختلال العلاقة بين المسلمين والمسيحيين وتوترها، بسبب حملة نابليون واصطفاف المسيحيين الغرباء والشوام في مصر معها ومساندتهم لها، وبسبب المعاملة الخاصة التي عاملت بها الحكومة المصرية خلال فترة حكمها لبلاد الشام اليهود والمسيحيين، وميّزتهم بها من نظرائهم المسلمين.

كذلك، ازداد التغلغل الغربي، وخصوصاً البريطاني، في بلاد الشام، بسبب استعانة الدولة العثمانية ببريطانيا في حربها ضدّ فرنسا وخلال مجابهتها حملة نابليون، وبسبب سياسة التسامح مع الأجانب التي اتبعها محمد علي، ومحاولته إرضاء الدول الغربية كي لا تعارض وتقاوم سياسته في التوسع وإنشاء دولة كبيرة مستقلة عن السلطان العثماني.

ويتوقف المؤلّف عند فترة الحكم المصري في فلسطين (1831 - 1840م) وأثرها في رام الله، لجهة ما أحدثه من توتير العلاقة بين المسلمين من جهة، وبين نظرائهم المسيحيين واليهود من جهة ثانية، وما أنتجه من تغييرات وإصلاحات في النظام الإداري والقضائي، والتي كان من جملتها تشكيل مجالس محلية في المدن، يشترك فيها المسيحيون واليهود إلى جانب المسلمين؛ وأيضاً على تسامحه تجاه التغلغل الغربي الديني والتجاري، الأمر الذي أثّر في البنية الاقتصادية داخل فلسطين.

تأسيس بلدية رام اللهم الله
يعرض المؤلّف لأحوال رام الله خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الأولى، حيث عانت الزراعة في فلسطين خلال الفترة الأخيرة من العهد العثماني جرّاء الجفاف وأسراب الجراد، فمات الكثيرون بسبب الجوع والأمراض.

وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأت هجرة أبناء رام الله إلى الأميركيتين وغيرهما من أقطار العالم، لتتوسع بصورة كبيرة في أوائل القرن العشرين. ولم يكن الفقر هو الدافع الأساسي وراء الهجرة إلى أميركا، مع أن الرغبة في الثراء كان لها دور أكيد فيها.

كما شكّلت الجندية وتطبيق حكومة «الاتحاد والترقّي» التركية سياسة إلغاء الجزية عن الشبّان المسيحيين وحشدهم في الجيش العثماني، دافعاً أساسياً إلى الهجرة. وقد ازدهرت رام الله رغم هذه الهجرة المسيحية منها، في أواخر العهد العثماني تحديداً. فهي كانت مصيفاً لوجهاء يافا وبعض النبلاء الفرنسيين.

وحول الحكم العثماني لرام الله وبلديتها، يقول المؤلّف إن العثمانيين اعتمدوا في بداية حكمهم بلاد الشام، التقسيمات الإدارية التي وضِعت في العهد المملوكي، وكان يطلق على وحداتها الإدارية الأساسية آنذاك مصطلح «نيابات»، ثم «إيالات»، وصولاً إلى «ولايات». وقد وضع العثمانيون على رأس الإدارة في كلّ ولاية والياً يرتبط مباشرة بالإدارة السلطانية في إستانبول.

لكن الحكم العثماني تغيّر منذ خمسينيات القرن التاسع عشر، وتحديداً بعد نهاية فترة الحكم المصري (محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا) لفلسطين في سنة 1840م، إذ شرعت الدولة العثمانية بتطبيق التنظيمات والإصلاحات في الحكم والإدارة بهدف تشديد قبضتها على ولاياتها. وأولت في هذا السياق لواء القدس اهتماماً خاصاً، فميّزته من سائر الألوية السورية، لأهميته الدينية ووجود الأماكن المقدّسة فيه، وخصوصاً المسيحية منها؛ وبالتالي ازدياد الاهتمام الأوروبي به، وتنافس الدول الأوروبية في الحصول على الامتيازات فيما يتعلّق بتلك الأماكن المقدّسة، وبالرعايا الأجانب، وبالمسيحيين العرب الذين ادّعت الدولة العثمانية حمايتهم.

ويعزو خليل أبو ريا تأسيس بلدية رام الله إلى رغبة أهاليها، فيقول إنه بعد عشر سنوات من هجرة أهل رام الله إلى أميركا واحتكاكهم بالأجانب، خطر لهم أن يؤسسوا مجلساً بلدياً يرعى شؤون بلدتهم وينهض بها. ويتضح من سجلّ قرارات مجلس بلدية رام الله أنه احترم الأعياد الإسلامية وأنفق على الاحتفال بها، وعلى استقبال المهنّئين في دار الحكومة في رام الله، وأنه أخذ قرارات عدّة بصرف ما يلزم من أجل ذلك؛ هذا فضلاً عن جملة من القرارات البلدية التي توضّح بعض جوانب علاقة بلدة رام الله بالسلطة العثمانية، وهي في مجملها تُظهر التزام أهالي البلدة بالاحتفالات السلطانية، ومشاركتهم في إبداء الفرح بعيد ميلاد السلطان وعيد الجلوس الهمايوني [السلطاني]؛ والاحتفال أيضاً بانتصارات الجيش العثماني خلال الحروب.

في الفصل الخامس وعنوانه "رام الله خلال الحرب العالمية الأولى"، يتحدّث المؤلّف، نقلاً عن المصادر التاريخية، وخصوصاً سجلّ قرارات المجلس البلدي، عن مشاركة شباب رام الله في هذه الحرب، من خلال انخراطهم في الجيش العثماني، ومشاركتهم في المعارك في جبهات القتال المتعدّدة. وقد شملت عملية تجنيد هؤلاء الشباب المسيحيين والمسلمين معاً. ويتبيّن من قرارات المجلس البلدي لرام الله أنه كان مسؤولاً عن تزويد الجنود بالمياه، فكان يدفع تكاليف جلبها إلى معسكرهم الذي أقيم في أراضي البلدة. كما كان المجلس يُشرف على مناقصات بيع بعض أملاك الجيش التي ربما تكون صودرت من الأهالي ثم استغنى الجيش عنها.

وفي نهاية هذا الفصل يروي المؤلّف «نهاية الحكم العثماني لرام الله» على يد القوات الإنكليزية التي احتلّت غزّة في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917م، ومن ثم تعقبت هذه القوات بقايا الجيش التركي المنهزم بعد سقوط غزّة، لتدخل القدس عن طريق بيت عور والنبي صموئيل، وتهاجم الجنود العثمانيين الموجودين في رام الله، وتدخل البلدة في 27 كانون الأول/ ديسمبر 1917م.

نُظم الحياة في رام الله العثمانية
"نُظم الحياة في رام الله العثمانية" هو عنوان الفصل السادس من الكتاب، وفيه وصف لحياة مجتمع رام الله في العهد العثماني، وعرض للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والدينية والعمرانية والتعليمية والسياسية، وخصوصاً في الفترة الممتدة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى نهاية ذلك العهد.

وحول التركيبة العائلية في رام الله، يتحدث المؤلّف عن غياب أيّ حجج تتعلق بالمسلمين من سجلاّت المحكمة الشرعية في القدس، اعتباراً من سنة 1656م، وهي السنة التي باعت فيها العائلات المسلمة حقوقها في رام الله للمسيحيين على ما هو مدوّن في سجلّ المحكمة؛ وبالتالي فإن رام الله أصبحت منذ ذلك التاريخ قرية نصرانية خالصة يتكوّن سكانها من عدّة حمائل.

ومن ثم يعرض المؤلّف لملامح من الحياة الاجتماعية والاقتصادية في رام الله، ولنظام الأرض والزراعة فيها، حيث شكّلت التربة والمياه عاملين أساسيين في الزراعة في رام الله، كما في سائر القرى والمزارع. من هنا كان ارتباط حياة الفلاّح الفلسطيني بالأمطار، والتي كانت قليلة. وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب قطع أشجار الغابات. ومن بين الأشجار التي يزرعها الفلاّح والتي تُنتج طعاماً، ربما يكون الزيتون هو الأكثر قيمة.

يقول المؤرخ غرانت إن شجرة الزيتون قد تستمر قرناً في حمل ثمار غزيرة، وإن كرم الزيتون الجيّد يُعتبر مصدراً مؤكداً للدخل بالنسبة إلى الفلاّح الفلسطيني.

كما يتحدّث المؤلّف عن الثروة الحيوانية (الأغنام والماعز والبقر) وعن المهن والحرف والصناعات اليدوية في رام الله، وعن وسائل السفر والتنقل التي اعتمدها السكان؛ فضلاً عن طرق بناء البيوت في رام الله، وتوصيف السوق فيها، والأوزان والمكاييل التي كانت معتمدة، والعملات التي كان تُستعمل في العهد العثماني، ومنها البارة، وهي كلمة فارسية ومعناها شقفة أو قطعة، وجمعها بارات؛ وكلّ أربعين بارة تكوّن قرشاً واحداً.

ويتوقف عند توصيف المؤرّخين للمرأة في رام الله العثمانية، والمهام والأعمال الكثيرة التي كانت تقوم بها، والتي لم تقتصر على الأعمال المنزلية، حيث كانت الفلاّحات يعملن بجدٍّ في مجالات أخرى، لمساعدة أزواجهن في القيام بأعباء الحياة. كما يقدّم صورة متكاملة عن حياة الأطفال في رام الله بحسب وصف أحد أبنائها، بدءاً من الاحتفال بلحظة ولادة الطفل، والذي كان يفضّل أن يكون ذكراً، بحسب القصص العديدة المروية على لسان قاطني رام الله أنفسهم.

ويُفرد المؤلّف حيّزاً للحديث عن الحياة الأسرية «المتطورة» في رام الله في تلك الحقبة الزمنية (العهد العثماني)، وعن الأحوال الصحيّة في البلدة التي انتشرت فيها أمراض عديدة؛ وصولاً إلى أوضاع التعليم في البلدة وتطوّرها، إلى التغيّرات التي حدثت في الحياة الدينية (المسيحية) آنذاك. كما يورد معلومات وافية نقلها المؤرخ موسى خليل عن عادات الزواج في رام الله في العهد العثماني الأخير، وطبيعة الأعراس التي كانت تكثر خلال العيد الكبير لدى كلّ من المسلمين والمسيحيين.

التغيرات في حياة سكان رام الله
ةيتحدث الباحث عن ملامح من التغيرات التي حدثت في حياة سكان رام الله منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والتي شملت النواحي الاقتصادية والعمرانية والتعليمية والدينية، ليتوقف في نهاية هذا الفصل عند العلاقة الخاصة التي ربطت رام الله بالقدس، خلال الفترة من القرن الثامن عشر حتى مطلع القرن العشرين، وتحديداً لناحية إشراف بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس على الشؤون الدينية في رام الله، ودعم التعليم فيها، والعمل على فضّ الخلافات بين الحمائل، مع كلام في هذا السياق عن علاقة قديمة ووطيدة ربطت بيت لحم والقدس بالناصرة. فالمسيح عليه السلام، المولود في بيت لحم، انتقل إلى الناصرة ومنها عاد إلى القدس، وتنقّل بينها وبين قرى الجليل.

في الفصل السابع والأخير من الكتاب، وهو بعنوان "خلاصات واستنتاجات"، يعتبر المؤلّف، استناداً إلى مصادر تاريخية موثوقة، أن المسيحيين في البلاد العربية عموماً، وفي فلسطين خاصة، قد عوملوا معاملة حسنة من قِبل الدولة العثمانية، التي مال حكّامها (في الولايات) إلى التسامح مع أهل الذمة، يهوداً أو نصارى، وذلك على قاعدة التزام الشريعة الإسلامية التي تبنّاها أغلب هؤلاء الحكام، برغم بعض حالات الاضطهاد التي تعرّض لها المسيحيون في بعض المدن الفلسطينية .

ويختم المؤلّف بالقول إن ما حاول هذا الكتاب تبيانه هو أن المنهج الصحيح في دراسة أوضاع المسيحيين في الدولة العثمانية يقتضي دراسة كلّ تجمّع من التجمعات المسيحية ضمن أوضاعه وبيئته الخاصة، مع إشارته إلى أن وضع المسيحيين كان في بعض الجوانب أفضل من المسلمين العرب، وخصوصاً لأنهم كانوا معفييّن من الخدمة العسكرية حتى سنة 1908م، فامتلكوا الأراضي وجمعوا الثروات؛ هذا في مقابل إرغام المسلمين على أداء هذه الخدمة، الأمر الذي أثّر في أعدادهم، وقضى على عدد من شبابهم، وأضعفهم مالياً واقتصادياً.
 
https://taghribnews.com/vdcb5sbfgrhbg5p.kuur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز