تاريخ النشر2019 23 January ساعة 10:36
رقم : 396877

المرجع الفقيد السيد فضل الله : ندعو إلى ثورة فكريّة وروحيّة وسياسيّة

تنا
في حوارٍ مع مجلّة «الوسط» الكويتيَّة، بتاريخ 20 جمادى الثاني 1428 هـ، الموافق: ٥/٧/٢٠٠٧، أجاب سماحة العلامة المرجع الفقيد السيّد محمد حسين فضل الله(رض) عن أسئلة تمحورت حول الهويّة ومصير الأمّة في ضوء ما يجري من صراعات، وما يحضَّر من مشاريع، داعياً إلى ثورة إسلامية فكرية سياسية روحية، تثبت عالمنا العربي والإسلاميّ، معتبراً أنّ المقاومة والوحدة هما الأمل في المستقبل.
المرجع الفقيد السيد محمد حسين فضل الله
المرجع الفقيد السيد محمد حسين فضل الله
وهذا بعض ما جاء في الحوار:

الأمَّة إلى أين؟!
س: في ظلِّ هذا الواقع العربي والإسلامي المرير، السؤال البديهي المطروح على لسان كل مسلم وعربي، هو: هذه الأمّة إلى أين؟ إلى أين تتّجه الأمّة في رأيكم؟

ج:ـ لعلَّ مشكلة الأمّة العربية والإسلامية كظاهرة ـ بقطع النظر عن بعض الاستثناءات، إذا أراد الإنسان أن يقدم بعض الاستثناءات ـ أنها سقطت تحت تأثير فقدان الهوية. فعندما ننظر إلى الواقع العربي، نجد أن مسألة العروبة أصبحت من التاريخ في ذهنية أكثر القادة العرب، لأنّ الإقليمية بمعناها الضيِّق لا بمعناها الوطني، أصبحت تمثِّل العمق الذي يتحرَّك به المسؤولون في العالم العربي. وقد لاحظنا ذلك في مؤتمر مدريد، عندما رفضت إسرائيل ومعها أميركا، أن يتقدَّم العرب بوفد عربي ليفاوض إسرائيل، بل حتى إنها رفضت أن تكون الجامعة العربيّة مراقباً، واعتبرت أنّ مجلس التعاون والاتحاد المغاربي هما العنصران العربيان المراقبان، في الوقت الذي نعرف أنهما لم يكن لهما، على الأقلّ في تلك المرحلة، أيّ دور في القضيّة الفلسطينيّة.

ولهذا، فإنَّنا نعتقدُ أنَّ العالمين العربي والإسلامي يواجهان حالة السقوط السياسي والابتعاد عن الهويّة العربيّة والإسلاميّة، بحيث لم تعد العروبة والإسلام سوى لافتة توضع للتغطية على كلّ هذه التعقيدات التي تصيب هذين العالمين.

أعتقد أنّه لا بدَّ من ثورة إسلامية فكرية ثقافية روحية سياسية تحاول أن تجمّد وتمنع كلّ هذا الواقع، لأنّ العالم الإسلامي يمكن له أن يقف ليأخذ دوره الكبير بحسب حجمه العددي والاقتصادي والسياسي، الذي يمكّنه من القيام بدور قيادي في العالم، إلى جانب الأدوار القيادية الأخرى، ولكنّ الاستكبار العالمي، وفي مقدَّمه أميركا، عمل بكلّ ما لديه من جُهد من خلال مخابراته المتحالفة مع «الموساد»، على تمزيق هذا العالم الإسلامي وإشغاله بقضاياه الضيّقة الخاصّة، بحيث أصبحت كلُّ دولة تفكّر في دوائرها الخاصّة بعيداً عن الدول الأُخرى. وهذا ما نلاحظه في القضيّة الفلسطينيّة، إذ أصبح كثير من العرب يعيشون التحالف مع إسرائيل ضدّ فريق فلسطيني لمصلحة فريق آخر، وضدّ فريق عربي وفريق إسلامي لمصلحة الاستكبار.

وهكذا، عندما ندرس التصريحات الصّادرة عن كثير من المسؤولين العرب، نجد أنهم يتحدَّثون عن الصّداقة مع إسرائيل ضدّ إيران، أو الصداقة مع إسرائيل ضد «حماس» وضد «حزب الله»، أو ضدّ الفئات التي تحمل أسلوب الممانعة.

إنّني أدعو العالم الإسلامي إلى أن يستيقظ من جديد ليصنع الحضارة التي تملكها العناصر الثقافية الإسلامية، والتي استطاعت أن تصنع الحضارة في بداية التاريخ الإسلامي، حتى قال نهرو في كتابه «لمحات في تاريخ العالم»، إنّ الحضارة الإسلامية هي أم الحضارات الحديثة، لأنّها هي التي أعطت الغرب اعتبار التجربة وسيلةً من وسائل المعرفة في إدارة شؤون العلم وما إلى ذلك.

لذلك، نحن ندعو كلّ علماء المسلمين إلى أن يقوموا بحركة فاعلة، لا حركة تقليديّة تنطلق من خلال فتاوى هنا وتصريحات هناك، أو من خلال السقوط تحت تأثير الحكّام الذين يدفعون لهم رواتبهم أو يسيطرون عليهم. إنّ المستقبل الذي يواجهنا هو مستقبل من أشدِّ المراحل خطورةً على العالم الإسلامي، ومن ضمنه العالم العربي.

المقاومة أعادت الأمل
س: إلى أيّ مدى تعتقد أن النـزاع القائم بين ثقافة الهزيمة وثقافة الممانعة والمقاومة أثَّر في هذا الوضع؟ وهل هو المسؤول عن هذا الانقسام في العالم الإسلامي؟

ج: من الطبيعيّ جداً أنّ العالم الإسلامي كفَّ عن أن يصنع دوره، وأن يصنع القوَّة لقضاياه الحيويّة والمصيريّة. لذلك، عندما ندرس الآن خريطة العالم، نجد أنَّ المنطقة التي يتقاتل فيها النّاس هي المنطقة الإسلاميّة، فنحن نرى أنّ هناك قتالاً بين المسلمين بإشراف المستكبرين في أفغانستان وباكستان والسودان وفلسطين والصومال وفي أكثر من بلد، وفي العراق الذي يمثّل المأساة ويمثّل الكيان الجريح. كما نلاحظ أنّ هناك قتالاً وحرباً سياسية تتحرَّك، كما هي الحال في لبنان وفي أكثر من موقع من مواقع المسلمين.

لولا الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في لبنان، لبقيت إسرائيل في مفهوم العرب القوّة التي لا تقهر. لذلك، نحن نعتقدُ أنَّ الصِّراع العربي ـ الإسرائيلي، أريد له من خلال لعبة الأمم، أن يجعل العرب في موقع الهزيمة، كما في هزيمة العام 67، وكما في الحروب التي انطلقت فيها إسرائيل لتجتاح المواقع الإسلامية، سواء في لبنان أو في مصر، حتى إنَّ مصر عندما انتصرت في العبور (عبور قناة السويس)، تحرّكت أميركا من خلال (هنري كيسنجر) لتحويل هذا النصر إلى هزيمة.

حتّى أصبحت قضية الهزيمة قضية القدر الذي سلَّم كثيرون من العرب أنّه يمثّل واقعنا وتاريخنا. ولولا أن هناك انتفاضة في فلسطين، ومقاومة في لبنان استطاعت أن تحقِّق بعض الانتصار، ولو بشكل جزئي، وتعيد للإنسان العربي والإنسان المسلم شيئاً من عنفوانه وانفتاحه على قضايا الانتصار على العدو وصنع المستقبل القوي والعزيز، لولا هذا، لما بقيت لهذا العالم أي روحيّة للنّصر أو لإرادة النصر، لأنّ إسرائيل أصبحت، في نظر الكثيرين، تمثل القوة الكبرى التي تنطلق قوّتها من القوة الأميركية التي تؤيّد الأمن الإسرائيلي الاقتصادي والسياسي والعسكري بالمطلق، حتى أصبح بعض العرب يتحدَّثون، أنّ العين لا ترتفع فوق الحاجب، أو أنَّ العين لا تقاوم المخرز، وما إلى ذلك.

لقد كنت أتابع المواقف الشعبيّة العربيّة الإسلاميّة عند انتصار المقاومة في لبنان على العدوّ، وكنت أجد فيها شيئاً من الأمل في المستقبل، عندما شعرت هذه الشعوب بأنَّ المقاومة أعادت لها شيئاً من الكرامة والعزّة، وفتحت لها أبواب الحريّة، وأنّ ذلك يمكن أن يتطوّر لتكون لدينا مقاومة من أجل الحريّة على مستوى كلّ العالم العربي والعالم الإسلامي.
https://taghribnews.com/vdcjametauqehoz.3ffu.html
المصدر : بينات
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز