تاريخ النشر2018 27 September ساعة 19:00
رقم : 362877

هل يمكن فصل الدّين عن الدّولة؟

تنا
في شريعتنا الإسلاميّة، لا يجوز فصل الدين عن الدولة، فليس الدين طقوساً معيّنة يمارسها الإنسان في خلواته أو أماكن عبادته، ثم يتحرّك في الحياة بعيداً من ذلك، بل الدين نظام متكامل، يشمل جوانب الحياة المختلفة في العبادة والسّلوك والأحكام والسياسة والبعد والهدف .
هل يمكن فصل الدّين عن الدّولة؟
محمد عبدالله فضل الله
موضوع فصل الدين عن الدولة، من الموضوعات التي تثير بين الحين والآخر الكثير من السجالات والمواقف في الأوساط العامّة، فالبعض ينادي بضرورة الفصل بينهما، للدين أو من يمثّله من رجالات وهيئات، من التدخلات السياسيّة في تفاصيل الواقع السياسي. والبعض الآخر يقول بأنّه لا إمكانية للفصل، وأن دعوة الفصل متأثرة بالغرب، حين قامت النداءات لضرورة فصل الكنيسة عن الدولة. فالدين والدولة المدنية نموذج واحد في الواقع، وهما متكاملان مع بعضهما البعض في الغايات والأهداف التي تعمل على تنظيم كافّة جوانب الحياة.

وبالاستطاعة التوفيق بينهما في عالم التطبيق والواقع، عندما يتشاركان في الهموم والأهداف نفسها، فمادام الدين كما الدولة في هيئتها المدنيّة والقانونيّة يسعيان إلى إرساء قيم العدل والمساواة، وتكريس الحقّ وحماية الحقوق ورعاية المصالح العامّة والخاصّة للأفراد والمجتمع، فلا خلاف جوهريّاً عندئذ، ويمكن التّعايش في مجتمع متعدّد الفئات والجماعات، بالتفاهم على الأسس الإنسانية والاجتماعية المحقة للجميع.

وحول مسألة الفصل بين الدين والدولة، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):
"في شريعتنا الإسلاميّة، لا يجوز فصل الدين عن الدولة، فليس الدين طقوساً معيّنة يمارسها الإنسان في خلواته أو أماكن عبادته، ثم يتحرّك في الحياة بعيداً من ذلك، بل الدين نظام متكامل، يشمل جوانب الحياة المختلفة في العبادة والسّلوك والأحكام والسياسة والبعد والهدف، ولكن في البلد الذي يعيش فيه الناس، من مسلمين وغيرهم، ولا مجال للمسلمين لكي يطبّقوا نظلم الإسلام، فإنَّه لا مانع من أن نتعايش مع الآخرين وفق الأسس الإنسانيَّة في العدل والحقّ، وهذا أمر يسير، مهما تعدَّدت الطوائف، فيما لو ملكنا الوعي للتفاهم والالتقاء مع الآخر والحوار فيما نختلف فيه، والاجتماع على مصلحة البلد وأهله في حريته وكرامته، وهكذا يكون المجتمع مجتمع الإنسان، وان اختصّت كلّ طائفة في أحوالها الشخصيّة بمحاكم خاصّة ومرجعيّة دينيّة خاصّة، والمشكلة ليست في تعدد الطوائف، بل في العصبية للطائفة، والارتباط بالمصالح الخارجية، وبناء نظم الدولة على أساس طائفيّ في مراكز الحكم وغيرها".[سؤال وجواب/استفتاءات].

المرجع السيد فضل الله(رض) يعتبر أن الدين يختزن في داخله الدولة، مضيفاً أنه من المستحيل الفصل عمليّاً بينهما، كونهما روحاً واحدة وشيئاً واحداً:

"شعار فصل الدين عن الدولة هو شعارٌ انطلق من خلال التّجربة الغربيّة للدّين، باعتبار أنّ المؤسّسات الدينية كانت تتدخّل في الدولة، كما أنّها كانت تضطهد العلماء الذين يختلفون في نظرياتهم العلمية مع بعض النظريات التي يتبنّاها رجال الدين ولا يتبنّاها الدين. ولذلك، انفصلت أوروبا أو الغرب بشكل عام عن الدّين كقاعدة لنظام الدولة أو منهج للسياسة وما إلى ذلك، واعتبرت أنّ الدين هو علاقة بين الإنسان وربّه.

أمّا بالنسبة إلى الإسلام، فعندما ندرس الإسلام من جوانبه المختلفة، نرى أنّ هناك الفقه الإسلامي الذي يمثّل التنظيم القانوني الشرعيّ للحياة، في العبادات والمعاملات والعلاقات العامّة، على مستوى المجتمع، وعلى مستوى الدّول وقضايا الحرب والسِّلم.

لذلك، فالإسلام يختزن الدولة في داخله، فلا معنى أن نفصل بين الدّين والدّولة في هذا المجال، لأنَّ الدين يختزن الدولة، فبذلك كأنّك تريد أن تفصل بين الشّيء وذاتياته. ونحن عندما ندرس التراث الفقهي في الإسلام، سواء فيما تركه العلماء المسلمون من السنّة أو من الشّيعة، لا نرى أنّ هناك أيّة قضيّة من القضايا التي تتعلّق بالإنسان الفرد في حياته الخاصّة أو العامّة، وبارتباطات الدول بعضها ببعض، وبحقوق الإنسان وما إلى ذلك، إلا وتمّت معالجتها.

فنحن نرى أنّ الدين لا نقصان فيه، ومادام باب الاجتهاد مفتوحاً عند السنّة والشيعة، فإنّ أيّة قضيّة جديدة تفرض نفسها على الواقع، فإنَّ المسلمين المجتهدين تباعاً يجتمعون ويقدِّمون الحكم الشرعي الإسلامي الذي ينظّم لهذا الحدث الجديد مساره وطريقه. حتى إنَّ الفقه الإسلامي عالج قضيّة علاقة المسلمين مع غير المسلمين، ممّن يعيشون في المجتمع الإسلامي أو في الدولة الإسلامية. ونحن نعلم أنَّ النبيّ محمّداً(ص)، عندما هاجر إلى المدينة، كتب وثيقةً بين المسلمين واليهود، وأعطى اليهود حقوقهم الحياتية والشخصية، تماماً كما هي للمسلمين في هذا المجال، وكانت هذه أوّل وثيقة رسمية قانونية إسلامية أكّدت مسألة المواطنة، باعتبار أن اليهود حتى وإن لم يكونوا مسلمين، إلا أنّهم مواطنون، لذلك أعطاهم الإسلام حقّ المواطنة". [من حوار مع جريدة الشرق اللبنانية/ بتاريخ 15/7/2009].

عندما يعيش الناس قيم الدين ومفاهيمه، ويحملون روحيته ومسؤوليته بحقّ، ويسعون لخلق مساحات التلاقي والعمل المشترك الّذي يتوخون منه تحقيق العدالة والمساواة للجميع، عندها سوف يشعرون بأنّ كلّ الإشكاليات سوف تذوب في الواقع، ولن يبقى من سوء فهم للأمور. فالواقع المعيوش، عندما يؤسس للغة التفاهم والحوار، فإن التلاقي بين النظم المدنية والدينية ستكون كبيرة، ولكن الأهمّ أن نوسع من دائرة التلاقي، لا أن نضيّق علينا هذا الدائرة، ونختنق بضيق الأفق الذي نصطنعه لأنفسنا وللواقع من حولنا، وبالتالي نحمّل الحياة كثيراً من الأعباء والأزمات التي لا سبب موجباً لها.
https://taghribnews.com/vdccmiq1m2bqe48.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز