تاريخ النشر2018 23 May ساعة 14:43
رقم : 332679

الشهيد الصدر وأثر فكره الاقتصادي على العالم الإسلامي - 2 -

تنا
مع نهاية القرن الرابع عشر الهجري ومستهل القرن الخامس عشر للهجرة: اتجه العلماء والمفكرون الإِسلاميون ليعطوا الموضوع الاقتصادي اهتماماً مركزاً، خاصة مع ازدياد المطالبات بضرورة تحديد نظرية إسلامية في الاقتصاد تتجاوز العموميات بالنسبة إلى مسائل النظام الاقتصادي في الإِسلام.
الشهيد الصدر وأثر فكره الاقتصادي على العالم الإسلامي - 2 -
سماحة الدكتور الشيخ علاءالدين زعتري
أمين عام الفتوى بسوريا


وعن الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي يقول السيد الشهيد الصدر:
يتألف الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي من أركان رئيسية ثلاثة يتحدد وفقاً لها محتواه المذهبي، ويتميز بذلك عن سائر المذاهب الاقتصادية الأخرى في خطوطها العريضة. وهذه الأركان هي كما يلي:

1 ـ مبدأ الملكية المزدوجة.

2 ـ مبدأ الحرية الاقتصادية في نطاق محدود.

3 ـ مبدأ العدالة الاجتماعية.

وللمذهب الاقتصادي في الإسلام صفات أساسيتان، تشعان في مختلف خطوطه وتفاصيله، وهما: الواقعية والأخلاقية.
وعن مسؤولية الدولة من الناحية الاقتصادية يشير الشهيد الصدر إلى : الضمان الاجتماعي، والتوازن الاجتماعي.
الدكتور-الشيخ-علاء-الدين-زعتري-من-سورياتحديد المفاهيم في المنهج العلمي عند الشهيد الصدر:

إذ إن بعض المفاهيم العلمية قد يكون لها معنى محدد واضح مستقر ومتفق عليه بين المتخصصين في علم ما، كالاصطلاحات التي لها معاني محددة. وبعض المفاهيم قد لا يكون هناك اتفاق بين المتخصصين حول معناه، بحيث يفهم كل واحد منهم معنى مختلفاً.

وقد كان الإمام الصدر دقيقاً وواضحاً في تحديد المفاهيم التي استخدمها.

إذ أشار إلى أن بعض المفاهيم حملت شحنة تاريخية من مجتمعات أخرى، وتطبيقها على واقعنا يؤدي إلى مسخ الحقائق وتشويهها. كما أن بعض المفاهيم حمل شحنة ايديولوجية بشكل مستتر أو بشكل ضمني غير واضح، لذلك لا بد للباحث أن يدقق في معاني المفاهيم، وان لا يستخدم المفهوم في غير معناه الذي وضع له.

يقول الإمام الصدر في هذا الصدد: «وبودي أن أقول هنا وفي المقدمة شيئاً عن كلمة «اقتصادنا» وما اعنيه بهذه الكلمة حين أطلقها؛ لأن كلمة الاقتصاد ذات تاريخ طويل في التفكير الإنساني. وقد اكسبها ذلك شيئاً من الغموض نتيجة للمعاني التي مرت بها. وللازدواج في مدلولها بين الجانب العلمي من الاقتصاد والجانب المذهبي. فحين نريد أن نعرّف مدلول الاقتصاد الإسلامي بالضبط، يجب أن نميّز علم الاقتصاد عن المذاهب الاقتصادي. لننتهي من ذلك إلى تحديد المقصود من (الاقتصاد الاسلامي)».

هنا يحاول الشهيد الصدر ان يزيل الغموض والالتباس فيعرف علم الاقتصاد تعريفاً دقيقاً واضحاً ثم يعرّف المذهب الاقتصادي فيقول: علم الاقتصاد: هو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصادية وأحداثها وظواهرها، وربط تلك الاحداث والظواهر بالاسباب والعوامل العامة التي تتحكم فيها.

وأما المذهب الاقتصادي: فهو عبارة عن الطريقة التي يفضل المجتمع
اتباعها في حياته الاقتصادية، وحل مشاكله العملية.

ويستمر في تعريف كلمة «الاقتصاد الإسلامي» فيقول: «.. نحن حين نطلق كلمة الاقتصاد الإسلامي لا نعني بذلك علم الاقتصاد السياسي مباشرة، لان هذا العلم حديث الولادة نسبياً، ولأن الإسلام دين دعوة، ومنهج حياة، وليس من وظيفته الآلية ممارسة البحوث العلمية. وإنما نعني بـ «الاقتصاد الإسلامي» المذهب الاقتصادي للإسلام الذي تتجسد فيه الطرقة الإسلامية في تنظيم الحياة الاقتصادية بما يملك هذا المذهب ويدل عليه من رصيد فكري.

إن وظيفة العلم لا تقتصر على الوصف والتقرير فقط. فالعلم يهدف إلى فهم وتفسير الظواهر الاجتماعية. اما عملية تغيير الواقع وتقويمه بالمقاييس الأخلاقية فليست من العلم في شيء. إنها ترتبط بالمذهب الاقتصادي. وعلى الباحث أن يكون حذراً في استخدام المفاهيم وتعريفها. فقد تكتسب المفاهيم مدلولات جديدة.

«..فالكلمة حتى إذا كانت محتفظة بمعناها اللغوي الأصيل على مر الزمن، قد تصبح خلال ملابسات اجتماعية معينة، بين ملدولها فكر خاص أو سلوك معين، مشروطة بذلك الفكر أو السلوك حتى ليطغى أحيانا مدلولها السيكولوجي على معناها اللغوي الأصيل».

البعد الإنساني في الاقتصاد الإسلامي
وهناك نقطة مهمة لا بد من الإشارة إليها وهي أن الإسلام لا يكتفي بالجانب الموضوعي في تنظيم الحياة الاقتصادية، إنما يهتم بالعنصر الروحي والفكري، أو بتعبير آخر البعد الأخلاقي أو البعد الإنساني.

وكما يقول السيد الصدر «هناك المزاج النفسي العام للمجتمع الإسلامي. وهذا لا يدخل في الحساب العلمي. لان هذا المزاج ليس شيئاً مادياً له درجة محدودة أو صيغة معينة، يمكن أن تفترض مسبقاً وتقام على أساسها النظريات العلمية».
 
«فعلم الاقتصاد الإسلامي لا يمكن أن يولد ولادة حقيقية، إلا إذا جسّد هذا الاقتصاد في كيان المجتمع، بجذوره ومعالمه وتفاصيله، ودرست الأحداث والتجارب الاقتصادية التي يمر بها دراسة منظمة».

وما لم يتجسد الاقتصاد الإسلامي في مجتمع معين، ولم يطبق في الحياة الواقعية، لا يمكن وضع علم الاقتصاد الإسلامي. إذ إن العلم لا ينشأ من فراغ، والنظريات العلمية لا تصاغ على أسس افتراضية، بل يجب أن تؤخذ من الواقع المحسوس. والموضوعية في البحث تتطلب أن نقبل الواقع كما هو، وان نبني على أساس تحليل ما هو موجود، لا على ما عندنا من أفكار ودراسات أو أجزاء من دراسات او فروض او نظريات مسبقة. انما يجب ان تنطلق النظرية بالاستقراء العلمي وبالطريقة التجريبية من الواقع الذي نعيشه، وندرس ذلك الواقع دراسة منهجية ثم تصاغ الفكرة صياغة علمية.

وذلك بملاحظة الظواهر الاجتماعية ملاحظة دقيقة والسير في البحث خطوة خطوة حتى تنتهي بالقوانين التي تفسر الظواهر الاقتصادية والاجتماعية. والعلم يشمل كل نظرية تفسر واقعاً من الحياة الاقتصادية بصورة منفصلة عن فكرة مسبقة او مثل اعلى للعدالة.

سماته الإمام الصدر الفكرية:
1 ـ السعة والشمول: حيث شملت فعاليات الشهيد الصدر العلمية مجمل
العلوم الاسلامية ذات العلاقة بالعقيدة الاسلامية والشريعة الاسلامية والمجتمع الاسلامي.
وعلى نحو الاجمال فقد تناول بالبحث: الفقه، والاصول، والفلسفة، والعقائد، والحديث، والرجال، والتاريخ الاسلامي، وفلسفة التاريخ، والمنطق، والنظام الاسلامي، والاقتصاد السياسي والمجتمع الاسلامي. وقد كان يتناول الموضوع الواحد من خلال ابعاد متعددة ليعطي للشمول سعة وانطلاقا.

2 ـ التحقيق والتجديد والحاجة: ولم يهتم الشهيد الصدر بالشمول كهدف وانما كان العمق في التناول للموضوعات والتجديد فيها هو الهدف من وراء مختلف الابحاث التي كتبها بحيث يلاحظ الباحث والمطالع لها الشئ الجديد دائما او النكهة الجديدة على الاقل.
بالاضافة الى انه يحاول ان يفتش في ابحاثه عن نقاط الفراغ ليملأها ويثري بذلك الابحاث الاسلامية.

3 ـ استكشاف النظرية الى جانب التفصيل: ولم يكتف الشهيد الصدر بالعمق كهدف اساس بل وضع الى جانبه هدفا آخر كان يسعى اليه وهو استكشاف النظريات العامة التي يمكن ان تفسر مجموعة من المفردات وتكون قاعدة يعتمد عليها في الحالات المشابهة. فلم يقتصر في بحثه العلمي على الجزئيات وتعميقها بل كان ينطلق منها الى الكليات التي تجمعها وتربط بينها مما كان يضفي على العمق والتجديد في آن واحد بعدا جديدا مهما يساهم في دعم المواجهة الحضارية التي يخوضها الاسلام مع الحضارات الجديدة.

4 ـ الموضوعية في البحث العلمي: وقد كانت الموضوعية طابعا مميزا لأعماله العلمية بحيث كان يتناول القضايا المختلفة ومن القضايا التي يتحكم بها العرف والذوق الفني بالتحليل العلمي الموضوعي وينتهي بها الى نتائج رائعة تفسرها تكون العرف العام والذوق الانساني، فهو يدرسها كظاهرة اجتماعية او لغوية كما يدرسها العالم في مختبره، ولا يبتعد بها عن اطارها الخاص والارضية التي احتضنتها ونمت فيها.

5 ـ الواقعية والتجربة: والواقعية صفة اخرى يتميز بها البحث العلمي للشهيد الصدر، بل سوف نجد هذه الواقعية اساسا لكل بحث علمي في الشريعة او المجتمع.

الواقعية التي تعني الانطلاق من الواقع القائم، واستنطاق القرآن والشريعة والقوانين العلمية والتاريخية في تفسيره ومعالجته [للمواضيع المبحوثة] و التمييز بين حالة تفسير النص بالواقع، او تفسير النص مع الاغماض عن الواقع وفصله عن اطاره وهدفه وحالة تفسير الواقع بالنص ومعالجته من خلال النص الشرعي والسعي لتحقيق هدف النص الذي ورد لمعالجة هذا الواقع.

وقد اعطى لهذه الواقعية بعدا اعمق حين ادخل عنصر نتائج التجربة البشرية كطرف في البحث والمقارنة، حيث تصبح النظرية التي يراد استنباطها اكثر وضوحا وواقعية كما نشاهد ذلك في مجموعة من اعماله العلمية مثل كتاب فلسفتنا واقتصادنا، والتفسير الموضوعي حيث اعتمد اسلوب المقارنة مع حصيلة التجارب البشرية المعاصرة اساسا في فهم النظرية الاسلامية.

6 ـ الاهتمام بالشكل الى جانب المضمون: وقد اهتم السيد الشهيد بالشكل ـ بالاضافة الى اهتمامه بالمضمون ـ لأن الشكل يخدم المضمون في اهدافه. بالاضافة الى ان السيد الشهيد كان يكتب للامة بكل مستوياتها ولم يكن يكتب لنفسه او للنخبة العلمية فحسب.

7 ـ الممارسة الميدانية والاجتماعية: ولم يكن الشهيد الصدر يكتب عن الواقع من خلال التصور للواقع او تخيله او من خلال ما يقرأ عنه بل كان يعايش الواقع في كثير من الاحيان بعقله وروحه من خلال الممارسة والمشاهدة الحسية لأنه كان يتحرك ضمنه ويتفاعل معه يوميا من خلال الصراع السياسي والاجتماعي المستمر.
 
https://taghribnews.com/vdcja8ethuqetmz.3ffu.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز