تاريخ النشر2010 1 December ساعة 10:47
رقم : 32746

التخطيط للفوضى في لبنان ..

وكالـة أنبـاء التقريـب(تنـا)
إن لبنان هو البلد المرشح -الآن- لتطبيق "براديغم الفوضى"( le chaos) بالرغم من كل التمويهات الصحافاتية والإعلاماتية العربية والدولية، أو الإسهابات التنظيرية المؤدلجة عربيا وغربيا، الساعية إلى التقليل من هذا الطرح لصرف الأنظارعن الطبخة الملبَكة المحبوكة لهذا البلد، بغية تفتيته عن بكرة أبيه.
التخطيط للفوضى في لبنان ..
ال الجنرال شارل دوغول : "إن فرنسا ليست هي اليسار... وفرنسا ليست هي اليمين(أو الوسط)..،فالفرنسيون يحسون- بالسليقة - بتيارات (متضاربة) في دواخلهم؛ فهناك الحضور الأزلي لتيار "الحركة" الذي يسعى نحو الأصلاح والتغيير، الذي هو - بالطبيعة - ضروري..، كما أن هناك أيضا تيار "النظام" و"التقاليد" الذي هو أيضا – بالبداهة - ضروري...، وبهذه التيارات كلها، نصنع فرنسا (ما بعد الحرب والنازية)، وإن إدعاء صنع فرنسا من شريحة (سياسية) واحدة (موحدة) لهو خطأ فادح، وإدعاء تمثيل فرنسا (سياسيا) باسم شريحة واحدة، لخطيئة وطنية (وتاريخية) لاتغتفر".

على هذه الثوابث نشأت الجمهورية الخامسة الفرنسية و"الديغولية" التي كان من أهم أسسها، مناهضة الحلف الإطلسي ورفض "أمركة" المجتمع الفرنسي، أو"مركسة" التقاليد الثقافية والسياسية الفرنسية الأصيلة، وعزل دول البحر المتوسط عن الصراعات (الشيوعية - الرأسمالية) وخلافات الحروب الباردة ومحوريها الرئيسيين، ولكن "الديغولية " ماتت – عمليا - بموت دوغول، وهكذا عادة ما تموت الأفكار الكبيرة بموت أصحابها...المصدر: ( GAUL charles Discours, entretien , Homme d’État et général français (١٨٩٠-١٩٧٠)

مدخل :
إن لبنان هو البلد المرشح -الآن- لتطبيق "براديغم الفوضى" le chaos، بالرغم من كل التمويهات الصحافاتية والإعلاماتية العربية والدولية، أوالإسهابات التنظيرية المؤدلجة عربيا وغربيا، الساعية إلى التقليل من هذا الطرح لصرف الأنظار عن الطبخة الملبَكة المحبوكة لهذا البلد، بغية تفتيته عن بكرة أبيه، للوصول إلى تفكيك المنطقة برمتها، ولصالح من؟ وللتمكين، بعد ذلك، لجرف "المارقين" و"المعتدلين" والملتزمين والغائبين أوالمغيَبين عن الصراع إلى الهاوية، كما يجرف السيل الدمن والأخضر واليابس، بعد تقليص معضلة لبنان - في منتديات مهزلة الإعلام العالمي - إلى مجرد "صراع بين المجتمع الدولي" و"مليشيات إرهابية" مارقة عن "الشرعية الدولية " و"القانون الدولي" إتكاءاً على التنسيق الأوركيسترالي المنظم، ما بين تل أبيب، وأطراف عربية وأوروبية، مع الفاعل والسيد في المنطقة وعلى الدعقاء : الولايات المتحدة الأمريكية...

تلك الأطراف التي تتغاضى كلها – للغرابة - عن قوانين التاريخ الذي لايرحم والذي يعلنها بكل اللغات لتشمل كل الحضارات، وتستغفل كون الإعلام الغربي الذي لاتهمه المبادئ الأخلاقية أو الحقائق، بقدر ما يتلذذ بالتنافس على حيازة السبق في الكشف عن الأسرار والفضائح، الذي سيكشف - كما عودنا ولو بعد حين - عن التواطء الجماعي المشترك مهما طال الزمان، وتأملوا في "فضائح ويكيليكس" التي يبدو أنها لا تهزأ عطاف المشهَرين بهم - عربا وإسرائيليين وأوروبيين...، فهم منشغلين - تبعا للمعطيات الميدانية والضرورات الفورية - بمهام "خلط الأوراق" ومحاولة – قدر الإمكان وبكل الوسائل المكشوفة والخفية - إبعاد الشبهات عن ضلوع إسرائيل، أو حتى الإشارة ألى إمكانية علاقتها بالجريمة من بعيد أو قريب - مما يتنافى مع أبسط قواعد علوم الإجرام وقوانين الجنايات.

ولتنشر"ويكيليكس" ماشاء لها النشر من الفضائح، فقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحاكم الدولية هي الحُكم والحَكَم، وبيدها عاقبة الأمور من قبل ومن بعد، ولن ترجع الفضائح المنشورة مجد العراق المنصرم، او تدفع "بالمحاكم الدولية" لاستدعاء بوش وكولين باول ورامسفيلد وديك تشيني او استدعاء مجرمي حرب تدمير لبنان او محرقة غزة، او تزيح كابوس الإحتلال، عن فلسطين أو تغير أنظمة ديكتاتورية طاغية في المنطقة، أو توقظ ضمائر ميتة ( سياسية ومثقفة ومبدعة وإعلامية ومتحزبة)... بل ستزاداد "المنظمات الدولية " إمعانا في التدليس والأراجيف، بالعزف على نغمة الإصرار بالمطالبة بدم قميص عثمان، وبالإستمرارفي تنفيذ "الخطة الكروية" المعروفة في عدم التوقف عن "الهجوم" بدون هوادة، لإرباك الطرف الخصم
و"الجاني المفترض الوهمي" قبل ظهور الحجة والبيان، لإسقاطه في المزيد من الدفاع ومطبات الإنفعال، لإبعاد مسار القضية عن أصلها ومضانها، بتوسيع لائحة الإتهامات العشوائية ذات اليمين وذات الشمال، بهدف تشتيت طرق تقصي الحقائق، وسد المنافذ، وتحويل الإنتباه عن الجناة الحقييقين، والإنحراف بالقضية كلية إلى وجهة رصد أهداف "مصممة مسبقا" لتطال رؤوسا كبرى على سنم السلط، في دمشق وبيروت وطهران! أوليس الهجوم المكثف أنجع وسائل الدفاع و المرواغة والتمويه؟

والناظر إلى خريطة هذا "الشرق العربي الشرير" - كما يراه الغرب النير القدير- فسيشاهد بأن الموزاييك العراقي يكاد يصبح في خبر كان، بعد أن ضحى أعقد من ذنب الضب، لكونه منتوج أنغلوساكسوني حصري سابق ومعقد، "لخبطت" فيه الدهائيات البريطانية المعروفة "لخبطتها" في الماضي القريب - وبالضبط منذ العشرينات - لعزله عن جذوره الأصلية بأرض"الهلال الخصيب"، الذي لم يتبق منه من الخصب سوى الجفاف والأطلال بعد هدم الديار؛ إستعانت بريطانيا على خلق هذا "الموزاييك المشوه" بكل خبراتها الميدانية - والمعرفية - في بلاد الله التي لا تغرب عنها الشمس، في"تجميع المعلومات الإستشراقية - وطالعوا إن شئتم مطارحات شيخي : الإستشراق الفرانكوفوني والأنغلوساكسوني، "لوي ماسينيون" و"برنارد لويس" في حفرياتهم في مجازر كربلاء، وعنفية ثورات الخوارج، ومجادلات فقهاء المرجئة والقدرية، وصراعات المتصوفة مع الحنابلة، والطرائف الكلامية لظرفاء معتزلة بغداد والبصرة، وزهاد الكوفة، وأخبارالقرامطة، وثورة الزنج، ومكائد الحشاشين مع صلاح الدين ومناقبه مع غزوات الصليبيين، وسقوط بغداد مع حملات المغول والتتار، بعد أفول نجم آل بني العباس، وخيانة إبن العلقمي (ولكل فترة زمنية في تاريخ العرب القديم والحديث إبن علقمي ومغول وتتار) ثم السلاجقة والمماليك والعثمانيين والإنكشارية، والقائمة تطول،...التي تم تجميدها في "الثلاجة المغلقة" لتسخينها وتسخيرها عند الاقتضاء، ولكل بلد عربي ومسلم "ثلاجته المغلقة" من نواكشوط إلى مسقط ، ومن إستانبول إلى كابول.

ليكف عباقرة نُفاة المؤامرة من عندنا عن اللغط بترجيع ما يقول أسيادهم الكولنياليين القدامى والجدد، فبطون تاريخنا العربي والاسلامي حبلى بالمؤامرات للذين يعلمون ...،حيث يرى اليوم خبراء "الثلاجة المغلقة" بعد الهجمة البربرية على بلاد ما بين النهرين، إرجاء البث في شأن العراق - من باب التاكتيك والستراتيجية إلى حين- بتركه منشغلا بالمزيد من الإقتتالات الداخلية التى إستُنبث فيه بتخطيط ماكر في مراكز البحوث الغربية، إلى أن يصبح رمادا وقاعا صفصافا، حيث تم "تجميد" الحالة العراقية في ما يسمى بـ "المرحلة الإنتقالية" إنتظارا لما بعد "مرحلة تفتيت لبنان" (وواهم من يفصل بين قضية فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان والسودان واليمن الآن) - وذلك بعد أن أثمرت ميكروبية "الطائفية" في العراق واختمرت في الأذهان شرقا وغربا بأنها الشر المستطير الذي ليس في الحسبان - فلا بد والحالة هذه من تبرير الإستمرار في "الحملة على الإرهاب"، ليتم تطبيقها على كل الأطراف المستعصية على الترويض في كل المنطقة بدءا بالداخل الفلسطيني واللبناني والعواصم المجاورة، بما فيها الأردن والسعودية ومصرمن دول الأعتدال، لتنحشر كلها فى مستنقعات الإعتراكات الداخلية (والغرب بطبيعته لا يركن إلى صديق من الإنس كان، أو من الجان)، ليتمكن "الفاشلون" والمتآمرون على أوطانهم ،من جمع أنفاسهم في إنتظارما ستسفرعنه الأحداث التالية :
- ضرب إيران أولا أم لبنان؟ أم لبنان وبعدها إيران ؟ أم ضربهما معا إن كان بالإمكان؟
- أم إحتواء سوريا أولا بقلب نظامها على غرار ما تم في العراق بعد فشل المساومات والضغوطات، وبعد نهاية "حوارات"(دمشق-الرياض)؟
- أو في انتظار ما سيبدر عن تركيا الحريحة العائدة إلى خلفيتها الحضارية والثقافية الأصلية في الشرق الأوسط للمطالبة بحقها الوجودي (التاريخي - الجغرافي - العرقي) ...
- وماذا ستتمخض عنه أرض الكنانة من أحداث ومفاجآت واضطرابات محتملة، قد تقلب ظهر المجن لكل الحسابات، وتشتت كل أوراق الإستراتيجيات والتاكتيكات وتربك كل الأولويات ؟

والخلاصة:
وبناء على كل هذه المعطيات والفرضيات، فكان لابد، والحالة هذه من المرور إلى تدمير المنطقة عبرالحديقة الخلفية - بالمنظور(الإستراتيجي : الإسرائيلي – أوروبي - أمريكي) بتصويب الضربة القاضية إلى "كعب آخيل"، والخاصرة الأضعف، وهو لبنان، الذي أريد له بأن يكون "ميكروكوزم" وخلاصة نظريتي "الفوضى" و"الثلاجة المغلقة" وأطروحات التفكيك المعدة للمنطقة كلها منذ السبعينات
- (وليس في أواسط التسعينات). وما خطابات فوكومايا و"نهاية التاريخ" و"صدام الحضارات " لصامويل هنتنغتون، سوي ذيلين لأطروحات تقرير "كيسينغر" للرئيس الأمريكي الأسبق "نيكسون" الذي يهيب به إلى "تفكيك" المنطقة التي تنام على "خيرات العالم"، والعرق النابض للآلة الغربية والمحرك لماكينة الاقتصاد الأمريكي بعد هزة البترول عند نهاية حرب (أكتوبر/رمضان-٧٣) . ودخول الراحل الملك فيصل المفاجئ في خط الممانعة، الذي تم اغتياله فور رحيل كيسينغر لزيارته للعاهل السعودي بالرياض.

ولعل السؤال الملح الآن لماذا لبنان؟
يمكننا هنا إجمال بعض العوامل الإضافية :
أولا : فلبنان وسوريا، أو بلاد الشام الكبرى - وهكذا نراها نحن العرب لا كما يريدها الغرب-المستعصيتان على الغرب دوما – كانتا وما تزالا هما المنتوجان الحصريان لفرنسا في منطقة الشرق الأوسط، بالإتفاق مع سماسرة لندن في القرن التاسع عشر، وبالضبط عندما تم إقتسام حطام تركة الأمبراطورية العثمانية بعد معاهدة فرساى عام ١٩١٩.

ثانيا : يعتقد الغرب الأوروبى جازما - حسب تجربته التاريخية في بلاد الشام - بتفرد لبنان دون بلدان المنطقة، بخاصية "القابلية الذاتية للإنفجار"، كونه البلد الأول في المنطقة الذي نفخ فيه الغرب نعرة "اللاعروبة" وزرع فيه فكرة خصوصية فنيقيته وأصوله "المتوسطية"(هذا المفهوم الفج الذي يطلقه الغرب على كل طائفة في المنطقة يُراد لها سلخها عن جذورها بدون أي سند علمي، اللهم سوى إقناع السذج والمنحرفين، والوصوليين والانتهازيين، بأنهم لقطاء لآل اللاتين أوآل الرومان).

ثالثا : "الثلاجة المغلقة" للبنان مليئة منذ عام ١٨٤٠،عندما بدأت الحبكة الخارجية لسماسرة الغرب عبر "اليوسوعييين الفرنسيين" بـ "الكوليج دوفرانس" للدراسات الشرقية ولغاتها، ومنظري الإثنولوجيات والأنثروبولوجيات الثقافية والدينية والجسمانية بالسوربون لاحقا، بزرع ميكروبة الطائفية في لبنان، حيث يفخر الفرنسيون بانتساب منشئ المارونيين : القديس الحموي، إلى أصول فرنسية - بدون التدليل على ذلك علميا- علما بأن الإثنولوجيات فى الغرب هى من أغرب الهرطقات العلموية التي لاتستند إلى مباحث علمية رصينة، سوى منهج الأراجيف والتزوير) وعبر بالتدخل العملي لقناصل الغرب في لبنان، حيث تنافست فرنسا وبروسيا والنمسا على دعم الموارنة والكاثوليك، وتدعيم البريطانييين للدروز، وحماية روسيا القيصرية للأرثوذوكس.

رابعا : عمل الغرب طيلة القرنين، على تنمية ثقافة "اللانتماء للدولة أو الوطن أو الأرض" بمحالة تهميش "الجبل الفقير" المتروك لشأنه بمذهبيته الدرزية "الخصوصية"، ثم الإهتمام به بعد محاولة الدروز الدخول في معمعة السياسة عبر"التقدمية الأممية الاشتراكية" لفترات، ثم محاولة مسخه، عبر شطحات متأمركي الجبل الجدد وهلوسات "متأوربي" الساحل، مثل بيروت وصيدا وتهافت بعض أفراد بعض الطوائف على الثراء والنفوذ والسلطة المناهضة لوحدة لبنان في ما بعد الحروب الأهلية، وبالضبط قبيل حرب ٢٠٠٦ .

العنصرالمفاجئ لصمود معظم الطوائف اللبنانية في حرب تدمير لبنان الذي أفشل التكهنات المستقبلية الغربية، هو الأمر الذي دفع بالمستفيدين الداخليين المنهزمين من محاولة تقطيع أوصال هذا "اللبنان"، بالإستمرار في مواصلة التنقيب عن كل أباليس الأرض وعفاريت الجن، ممن له مصلحة في تفتيت البلد، من دول "صديقة" حليفة قريبة، ومن الذئاب الكولونيالية التاريخية المتربصة والإمبريالية الأمريكية الجديدة التي يحركها أحبار تل أبيب، حيث أن لاحجة لهؤلاء "المستفيدين" سوى الإستجابة للطرح (الغربى الأمريكى - الإسرائيلى) إشباعا لأغراض شخصية، وما الباقي سوى خربشات شعرية وهذاءات أدباتية، وتحايلات سياسيوية لتبرير الخيانات والدناءات. والطريقة المثلى في نظر عباقرة هؤلاء "اللبنانيين الجدد" هي: إعادة "طبخ" حبكة جديدة باختلاق مسوغات تتماشى وطروحات "المجتمع الدولي" الذي هو أصلا بدون إجماع دولى - التى هي نفس سيناريوهات مكائد القرنين الماضيين بحذافيرها - ليقين الغرب بأن العرب مصابون بعاهة "الأمنيزيا" الكلية المزمنة، لأنهم لا يقرأون التاريخ، وإذا قرؤوه كـ"شطار"، فمن صفحاته الأخيرة...

ومن هنا فإنني لن أمل من تكرار مقولة الجنرال دوغول التاريخية :
بأن " النخب السياسية والثقافية التي لا تحسن قراءة تاريخ أوطانها من زوايا المرايا الخفية للسير والعبر، لايمكنها إلا تكرار نفس الأخطاء التاريخية الفادحة، وكم في تاريخنا من خيبات متتالية لا تغتفر !!! 

د.الطيب بيتي العلوي
https://taghribnews.com/vdcd950s.yt0xo6242y.html
المصدر : arabvoice
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز