تاريخ النشر2012 19 May ساعة 17:12
رقم : 95097

نحو قرار الإضراب العام كإستراتيجية نضال

تنا -بيروت
الاضراب نقطة تحول وليس شيئاً عادياً، ونقاش حول النضال السياسي للفلسطينيين.
نحو قرار الإضراب العام كإستراتيجية نضال
شكلت الإنتفاضة الثانية وتفاعل فلسطينيي الداخل معها، بشكل عفوي، شامل، ومتواصل لأسبوع، مع تقديم التضحية تلو الأخرى، دون ندم، وبإرادة زاحفة من يوم ليوم، معلما في نضالنا الوطني. لكنها مع ذلك، لم تشكل نقطة تحول في نضالنا، أو هكذا على الأقل تم التعامل معها حتى الآن. 

وبقي التجمع الوطني الديمقراطي يطرح سؤالا يعتبره جوهريا ضمن مشروعه النضالي: لماذا لم نستثمر المناخ النضالي الذي أفرزه تفاعلنا المتدحرج والمتصاعد مع الانتفاضة الثانية، والذي شكل الإستهداف المقصود وقنص شبابنا نتيجة وسببا في نفس الوقت لهذا التدحرج؟ لماذا لم تشكل هذه الوقفة النضالية المميزة لفلسطينيي الداخل، نقطة تحول في تاريخ نضالنا؟

وكان الجواب أن بعض التيارات السياسية التي ما زالت مهيمنة على الساحة خشيت من جو نضالي
لا يلائم قناعاتها ومشروعها السياسي من جهة، ولا تستطيع أن تتساوق معه من جهة أخرى، وكان أن تراجع حتى التجمع عن إعادة شحن ومأسسة الأجواء النضالية حينها. 

ما يحيل لتلك الأجواء – يحيل لها وليس يذكر بها- التي بقيت في حدود الإنفعالية والتلقائية (مع ذلك علينا أن نراها كبداية مرحلة نضالية جديدة)، هي أجواء نعيشها وعشناها خلال السنة الأخيرة، تعطي مؤشرات إلى أننا في صدد استعداد نضالي غير انفعالي وليس مجرد تلقائي، استعداد ترجم عبر التفاعل الفوري مع الأحداث الوطنية الجارية دون ضرورة وجود "مكونات" درامية كالإنتفاضة الثانية أو سقوط ضحايا فلسطينيين، أو غزو وقصف للمدن الفلسطينية. 

ولا شك أن مرحلة ما بعد الانتفاضة الثانية، ساهمت في إنتاج هذه الجهوزية بشكل صامت وتراكمي، وهي مرحلة شهدت من جهة نضوجا في وعينا الوطني يتمحور حول وضوح انتمائنا كمرجعية فيما يتعلق بقضايا المواطنة والإندماج والمساواة، ومن جهة أخرى تصاعدا
في مشروع التهويد وإنكار حقنا على الوطن وليس فقط في الوطن.

هذه الجهوزية تعني عدم الحاجة لاستعدادات وتعبئة متواصلة لإنجاح تعبيرات ونشاطات الإحتجاج والنضال، ونجاح الإضراب الأخير هو خير مثال على ذلك (ذلك لا يعني أن استعدادت وتهيئة أفضل تثمر نجاحا أكبر)، وهذه الجهوزية تعني أيضا تعدد نشاطات التضامن مع الأسرى، الذي شمل بلدانا عدة، وتعدد نشاطات الخيمات الشبابية قبل حوالي ٣ أشهر، وإصرار الآلاف على الخروج بشكل متوال من يوم الأرض لمسيرة العودة لمسيرة النكبة، وتعدد نشاطات الشبيبة في الجامعات، حتى ولو كنا نتحدث عن مشاركة أقل من حجم التحدي، وأقل من حجم الوعي المنشود، مع ذلك تبقى مؤشرات بأن الأرض تمور، وهي في مرحلة مخاض، علينا أن نستثمرها لتنجب ما لم تستطع الانتفاضة الثانية أن تنجبه من قوانين أخرى للمرحلة النضالية القادمة.

إن حاجتنا لتصعيد النضال ليواجه المد العنصري التهويدي من جهة، وليتلاءم من جهة أخرى مع انسداد الأفق السياسي لللآليات التي طرحت حتى الآن لإنهاء
الاحتلال في الضفة وغزة، وليجيب من جهة ثالثة على ضرورة –وبديهة- تعريف إطار مشترك للنضال السياسي الوطني الفلسطيني من جهة ثالثة، هو سؤال مطروح على الأقل من قبل التجمع الوطني الديمقراطي، وهو سؤال لا يحتاج لإبداع سياسي بقدر ما يحتاج لإرادة سياسية، ولقناعة بأن الدولة تصعد، وهي تفعل ذلك بسهولة كونها تمتلك أدوات السلطة والنفوذ والعنف، وتستعملها جميعا ليس كأدوات للمواطنة والحقوق، بل كأدوات للقمع: البرلمان، الشرطة، الشاباك، المحاكم، البلدوزر، حتى الأكاديميا الإسرائيلية تنتقل بالكامل إلى جهة القامع، وتتحول تدريجيا لمؤسسات فاشية منسجمة مع سائر مؤسسات الدولة. وهي ستستمر في التصعيد طالما لم نستثمر التفاعل الشعبي الأخير، ولم نحدد مسارات سبق ولجأنا إليها لكن دون اعتمادها كاستراتيجية، ومسارات ربما لم نفكر بها سابقا بشكل جدي مع أن بعضنا طرحها بشكل جدي. 

ما علينا أن نتخذه فورا من قرارات عينية - إلى جانب ما يمكن أن يحدث انقلابا في أدائنا السياسي، ألا وهو إعادة بناء لجنة المتابعة بشكل عصري ومؤسساتي وغير اعتباطي، على خلاف ما يحدث الآن، حيث الحس الوطني
لرئيس المتابعة لا يكفي لمؤسسة عليها أن تكون الأولى والتمثيلية لشعبنا في الداخل- ، هو اعتماد الإضرابات العامة بشكل استراتيجي، فهذه الإضرابات تتعدى أن تكون "وسيلة" كما يحلو للبعض أن يردد، لتكون جزءا من ثقافة سياسية.

صحيح أن الإضراب ليس هدفا بحد ذاته، لكن ذلك لا يعني التعامل معه بشكل تقني وجاف، وكمجرد أداة، لا تحمل ثقافة أو ديناميكية أو مردود خاص بها. 

فهو الجزء الذي يجعلك مسيطرا على إحداث خلل في النظام وفي الحياة العادية، التي تريدها السلطة "عادية"، وهو موقف أخلاقي وسياسي وتثقيفي، وقوته في وضوح رسالته، التي تتعدى الموقف تجاه الحدث العيني، أو القضية، يوم الأرض أو النكبة، لتحمل ثقافة نضال تتضمن أنه لا تطبيع مع إنكار الهوية والتاريخ والذاكرة وعلاقتنا مع وطننا، وأن إغلاق المحال التجارية و"خسارة" يوم عمل، هو ثمن نضالي بخس أمام تضحيات جبارة قدمها شعبنا. 

هذا التعامل مع "الإضراب" العام كثقافة نضال، عليه أن يكون جزءا من عملية إعادة رسم لأستراتيجيات نضالنا، بما في ذلك طبيعة وعمق التنسيق السياسي بين التيارات السياسية الثلاث الفاعلة على الساحة، ولا يتعدى النقاش حول كيفية خوض الانتخابات إلا جزءا من نقاش أشمل حول طبيعة
تحديد أهداف ووسائل نضالنا الوطني. 

لقد أشار جمال زحالقة إلى اعتماد العصيان المدني كإحدى استراتيجيات مقاومة المخططات والقوانين العنصرية والتهويدية، وربما آن الآوان لدراسة هذه الاستراتيجية، معناها، إمكانياتها، حدودها، بشكل جدي، فأهمية إعادة بناء لجنة المتابعة، تكمن في أنها ستكون الآلية التي ستضع قواعد سياسية لمرحلة جديدة، وليس مجرد عملية ترتيب أوراق لبيت قديم.

إن النقاش حول استراتيجيات نضالنا السياسي عليه أن يتم مع الأخذ بعين الاعتبار سياق "المواطنة"، الخاص بنا كفلسطينيين، ضمن ما فعله التجمع من توسيع مفهوم "المواطنة" بشكل يحولها من سياق ولاء وتكبيل للنضال، لسياق تحدي وتوسيع لمفهوم النضال السياسي، وعليه أن يتم أيضا ضمن رؤية جديدة للحراك الوطني لفلسطينيي الداخل كجزء من الحراك الوطني العام لشعبهم في كافة أماكن تواجده، مما يعني ضرورة تطوير حراك سياسي وطني فلسطيني مشترك قاطع للشرذمة الجغرافية. 


المصدر:
 موقع عرب 48
كتابة: حنين زعبي
https://taghribnews.com/vdcbzgb9.rhbs9pukur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز