تاريخ النشر2023 30 September ساعة 07:35
رقم : 608252

السيد جعفر فضل الله : يجب تحويل القيم من المثل العليا النظرية إلى واقع عملي يتجسد في حياة المسلمين

تنـا - خاص
دعا الاستاذ في الحوزة العلمية والجامعة بلبنان "حجة الاسلام السيد جعفر فضل الله"، الى "تحويل القيم من المثل العليا النظرية إلى واقع عملي تطبيقي قابل لكي يتجسد في حياة المسلمين على المستوى الكبير، كسياسات الدول والشعوب أو على المستوى الصغير كحياة المسلم نفسه في حياته اليوميه".
السيد جعفر فضل الله : يجب تحويل القيم من المثل العليا النظرية إلى واقع عملي يتجسد في حياة المسلمين
جاء في كلمة الاستاذ في الحوزة العلمیة و الجامعة، خلال الاجتماع الافتراضي للمؤتمر الدولي للوحدة الاسلامية الـ 37 المقام برعاية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية في ايران، خلال الفترة من 28 سبتمبر لغاية 3 اكتوبر 2023.

وفيما يلي نص كلمة السيد جعفر فضل الله :

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كيف يمكن لنا أن نؤسس لتعاون إسلامي من أجل بلورة قيم إسلامية مشتركة تأخذ مجالها في حياة المسلمين وفي واقعهم؟ لابد من أن ننطلق في البداية من نقطتين أساسيتين الأولى نظرية والثاني عملية. النقطة الأولى النظرية لها علاقة بالمرجعية المعرفية وتحديدا لدينا كتاب الله عزوجل وسنة رسول الله (ص) هذان مشتركان أساسيان لدى المسلمين لذلك كل ما ورد فيهما على مستوى القيم الإسلامية العليا كالحق والعدل والخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلاح والإصلاح وعدم الركون إلى الظالمين وما إلى ذلك كله مشترك بين المسلمين لأنه موجود في كتاب الله وأيضا موجود في سنة رسول الله وإن الإختلاف الفقهي والإختلاف العقائدي والكلامي هو لا ينعكس على هذا الجانب بطبيعة الحال. هذا يتعلق بالبعد الأول أي النقطة الأولى. النقطة الثانية وهي العملية ترتبط بالتحديات التي تواجهنا اليوم في عالمنا المعاصر هي تحديات لا تواجه فريقا بعينه من المسلمين ولا تواجه مذهبا بعينه ولا تواجه السنة فقط أو الشيعة فقط وإنما تواجه فعليا المسلمين جميعا على المستوى السياسي على مستوى احتلال بلاد المسلمين على المستوى الفكري والمفاهيم التي لا علاقة لها بالحرية ولا علاقة لها بالعدالة الإجتماعية ولا علاقة لها بدور الدين في حياة الأمة وفي حياة الشعوب وما إلى ذلك، هذه لا تواجه فريقا بعينه.
أيضا اليوم لدينا قضايا حساسة جدا كقضايا الأسرة وقضايا الشذوذ الجنسي والتنظير له والدفع في إتجاهه على المستوى العالمي يتحرك اليوم ويكاد يفرض العالم إذن هذا الأمر لا يواجه أبناء المسلمين من السنة فقط ولا أبناء المسلمين من الشيعة فقط في هذا البلد أو ذاك وإنما هي مفاهيم تنعكس على كل المستويات. أيضا لدينا اليوم الثورة الرقمية التكنولوجية التي أوجدت في هذا الحيز هذا الفضاء الإفتراضي والمجازي أوجدت الكثير من المواد التي تهز عقائد المسلمين جميعا سنة وشيعة وأيضا تشكك وربما تشتغل على الصعيد النفسي والروحي وما إلى ذلك في سبيل أن لا يكون لدينا جيل يستمر معه الإيمان والإلتزام والشعور بالمسؤولية تجاه تحريك هذا الدين في الحياة كما كان آبائه وأجداده بطبيعة الحال.
اليوم ربما يساهم كل ذلك في ضرب أيضا النماذج أي نموذج رجل الدين السني ورجل الدين الشيعي ورجل الدين المنتمي إلى أي مذهب هؤلاء كلهم يكادون یُضرب نموذجهم أيضا في حياة المعاصرة بطبيعة الحال. اليوم نعيش جميعا كمسلمين عصر الشك في أن الدين والسماء قادرة على أن تعطي للإنسان فعليا القواعد وأنماط العيش التي تخلق له السعادة وتعطيه الأمن وما إلى ذلك وفي الحال يتم تشويق أيضا من النماذج التي تجعل الدين هو منشأ للحروب وتجعله من عوامل الفشل والإفساد والفساد في حياة الناس وما إلى ذلك وهذا ما يعانيه كل المسلمين في البلدان المحسوبة على السياسة الشيعية ـ إن صح التعبیر ـ وكذلك في البلدان المحسوبة على السياسة السنية وما إلى ذلك.
الیوم نموذجنا الحضاري كمسلمين على مستوى السياسة وتقديم رؤيتنا السياسية وإقتصادنا السياسي وإجتماعنا وكذلك على مستوى التربية والإعلام كيف يمكن لهذا النموذج الحضاري أن يتحرك في ظل المؤسسات الدولية وحركة العلاقات بين الشعوب والدول وحركة العلوم المتنوعة وكيف يمكن له أن يتحرك في إطار رؤيتنا الإسلامية وكل ذلك تواجهنا جميعا بإشكالياته ولا يقتصر على فريق دون فريق. إذن نحن فعليا أمام تحديات مشتركة أساسية نحتاج فعليا إلى أن نطل على كل ذلك. إنطلاقا من هذه التحديات وهذه المرجعية المعرفية يجب أن نتخذ خطوات مهمة. إذا كان هذان المشتركان أي القرآن الكريم وسنة رسول الله (ص) والكثير من أحاديث أهل البيت عليهم السلام في جانب أو أحاديث الصحابة و تجاربهم في جانب آخر كل هذه تمثل اليوم تراثا مشتركا في غالبيتها.
لدينا أيضا التحديات المشتركة إذن لابد فعليا العمل المشترك على تجاوز هذه التحديات. نحن لدينا تأسيسا إسلاميا يحتم علينا كمسلمين أن ننطلق في إتجاه هذا الحيز العام وهذا التحدي العام الذي يواجهنا جميعا بطبيعة الحال. السؤال المحوري هو كيف يمكن لنا أن نواجه ذلك؟ على المستوى النظري ربما يكون لدينا الكثير من الأوراق لدينا الكثير من الكتابات لدينا الكثير من البحوث لدينا الكثير من الكلام حول القيم المشتركة وأنه ليس هناك من فرق فيها بين مسلم وآخر ومذهب وآخر لكن فعليا ما نحتاجه هو أبعد من ذلك لأن هذا لا يحل المشكلة. طالما نحن بقينا في الإطار النظري فإن هذا لا يحل المشكلة لأن الأجنبي يستغل كثيرا من نقاط الضعف الواقعية على مستوى القيم من أجل أن ينفذ من خلالها إلى ساحة المسلمين ليخلق كثيرا من الفتن وكثيرا من الوقائع التي يريده. 
ولذلك المسؤولية الفعلية التي يمكن لها أن تنقل المسلمين من القيم المشتركة النظرية إلى القيم المشتركة العملية هي أن نكون بمأسسة هذه القيم وأن نحول هذه القيم أولا إلى الواقع على الأرض بمعنى أن ننزل القيم في ساحة العمل. عندما أقول أنا أرتبط بالحق فماذا يعني الإرتباط بالحق في السياسة على المستوى الداخلي أو على مستوى العلاقات بين الدول الإسلامية؟ ماذا يعني الإرتباط بالعدل في السياسة مثلا أو في الإقتصاد أو في حركة المجتمع؟ عندما نتحدث عن رؤية إسلامية لحركة الوجود البشري في تنوعه بين ذكر وأنثى وجعله شعوبا وقبائل لكي يتعارف الناس ماذا يعني ذلك في الواقع العملي والتطبيقي؟ إذا لم ننزل هذه القيم لندرسها من خلال تسجداتها العملية أولا على المستوى الكبير وعلى المستوى الصغير التفصيلي ليصل إلى حياة المسلمين التفصيلية في يومياتهم كيف يكون الإنسان عادلا مع أبويه ومع جيرانه ومع المسلمين الذين يتفق معهم ويختلف معهم وكيف يمكن له أن يتعاون على البر مع هذا الإنسان الذي يجده مختلفا عنه في جانب وما إلى ذلك؟ هذه التفاصيل الحياتية في ميدان العمل في الإدارة في حركة العلاقات الإجتماعية كل ذلك لابد أن تنزل فيها هذه القيم النظرية إلى المستوى الملموس.
على هذا المستوى إذن نحن نبدأ عملية تحويل القيم من المثل العليا النظرية إلى واقع عملي تطبيقي قابل لكي يتجسد في حياة المسلمين على المستوى الكبير كسياسات الدول والشعوب أو على المستوى الصغير كحياة المسلم نفسه في حياته اليوميه. يقول الله عزوجل في القرآن الكريم:  "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا". عندما يختلف مذهبان إسلاميان فهل يمكن أن يبيح كل واحد لنفسه أن يتجنى على الآخر أو ينسب إليه بهتانا أو يكذب عليه أو أن يساعد عليه الكافرين والظالمين والمستكبرين وما إلى ذلك؟ هذه القيم لابد أن تنزل إلى المستوى العملي. تحقيق ذلك يحتاج إلى أن تتوفر عليه النخب تملك هذا النوع من الإختصاص والتخصص الفكري والأخلاقي والإداري كذلك بحيث تنزل هذه القيم من الحيز النظري إلى حيز التطبيق بحيث تتحول إلى قواعد وإجراءات للعمل في شتى ميادين الحياة. هذا هو الذي يجعلها ثقافة راقية بكل تفاصيلها من قبل كل المسلمين. هذا هو الذي يظهر لكل من ينظر إلى الواقع الإسلامي من الخارج وينظر إلى القيم المتجسدة فيكون ذلك بالنسبة إليه داعية حتى قبل أن يتحدث المسلمون نظريا بشيء.
لابد أن نصل إلى مرحلة ننتهي فيها من الكلمة التي نكررها كثيرا لنبرر الفجوة بين الإسلام كدين وبين واقع المسلمين ودائما هناك فجوة بين الواقع والتطبيق. لابد أن ننزل حتى ولو كان بمستويات معينة أو بتراكم معين وتدريجيا لابد أن ننزل من هذا الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي بحيث يكون لدينا رؤية لحركة تجسد القيم وتطبيقها في حياة المسلمين بحيث تبدو واضحة عندما ينظر إليها الإنسان من الخارج. هذا هو الوجه الحضاري للإسلام وهذا رهن بطبيعة الحال بمأسسة هذه القيم وتحويلها إلى قواعد وأسس وإجراءات قائمة على الضبط وأيضا على الإنضباط فيها.
وذلك إنطلاقا من الهوية الإسلامية التي ننتمي إليها جميعا إنطلاقا من إلتزامنا بمرجمعيتنا المعرفية القرآنية. عندئذ لا تكون تطبيق هذه القيم مستندا إلى مصالح ربما تكون متفاوتة ومتحركة ومتغيرة بين المسلمين فاليرتبط ويتركز أساسا إلى الإيمان بالله عزوجل ویکون جزءا من حركة هذا الإيمان والتعبير عن هذا الإيمان تجاه الله سبحانه وتعالى قبل أن يكون بإتجاه أي شيء آخر. ما لم يتم تحويل هذه القيم النظرية إنطلاقا من المرجعية المعرفية القرآنية والحديثية ما لم ننزلها إلى حيز الواقع إلى التجسد الملموس لتكون قابلة للقياس وقابلة للرؤية والتحسس في واقع المسلمين على مستوى السياسة وعلى مستوى الإقتصاد وعلى مستوى الإجتماع وعلى مستوى العلاقات وعلى مستوى الإعلام وعلى مستوى العلوم وعلى مستوى حركة الناس وأيضا على المستوى التفصيلي الذي يحكم مؤسساتنا التجارية ومؤسساتنا المعرفية ومؤسساتنا التعليمية وما إلى ذلك بحيث يكون الإسلام واضحا فيها، ما لم نفعل ذلك كأننا سنبقى نقول إن الدين في نظرياته نحن متفقون على الكثير منها ولكن في واقع التدين على الصعيد العملي توجد مشكلة. هذا الأمر أي تطبيق القيم الإسلامية هو الذي ينتظره العالم كله منا كمسلمين اليوم. عندما نمتلك زمام القوة لابد أن نبادر في هذا الإتجاه لأن هذا هو الذي يجعل الإسلام كحضارة واضحا أمام الآخرين وبالتالي يظهر الإسلام والقيم الإسلامية أمام الآخرين من دون أن نتحدث عنها. اليوم ما الذي يتميز به الإسلام كحضارة على سائر الأطروحات الحضارية التي ربما تتعثر في كثير من مواقعها؟
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصالحين على أنفسهم إنه أرحم الراحمين والحمدلله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


نهاية المقال 
https://taghribnews.com/vdccp4qei2bqxi8.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز