تاريخ النشر2018 12 September ساعة 11:55
رقم : 356941

عاشوراء بين نقد التجديد واحتكار التأصيل

تنا
متى نفهم عاشوراء وثورة الامام الحسين (ع) فهما عصريا وعقلانيا بعيدا عن الخرافة والتخلف ؟
عاشوراء بين نقد التجديد واحتكار التأصيل
عبدالأمير داود
ليس جديداً أن تكون هناك مساحات كبيرة من الجدل بين من يريد أن تكون عاشوراء منبراً عالمياً خاليةً من البدع والتخلف والخرافة، على قاعدة أن الإمام الحسين(ع) خرج من أجل الإصلاح في أمّة جدّه، وأنّ مشروعه هو امتداد للرحمة العالمية، كما قال تعالى في كتابه: {وما أرسلناكَ إلّا رحمةً للعالمين}، وعلى قاعدة أن مشروعه هو نهضة في حجم العدل العالمي، وأنه ليس مشروعاً لطائفة هنا أو مذهب هناك، بل حركته قرآنية وسماوية وإنسانية تتحرّك في خطّ كلّ الرسالات السماوية..

وبين من يريد أن يبقيها محنّطة كمومياء في متحف أسيرة جغرافيّته وفي مذهبه، وكأن الإمام الحسين(ع) خرج من أجل حرب مذهبية وقبلية وحزبية! أو كأنها ذكرى مفرغة من الحيوية والدينماكية الفكرية والثقافية والرسالية والعنفوان الكربلائي، أو يجعلها أطلالاً يندبها الشعراء موسمياً..

القراءتان مختلفتان على مستوى التأصيل والتجديد، وعلى مستوى الإحياء والشعائر، وعلى مستوى المفهوم ومساحاته، ومن له حق التأصيل والتجديد.

كلا القراءتين لهما منهج وفكر وفقه وجماهير.. وإن كانت هاتان القراءتان ضمن قراءات كثيرة تتحرّك وتحاول أن تحدث هزات معرفيّة في عاشوراء، من أجل الخروج من نفق المذهبيّة والخرافة، إلا أنَّ هاتين القراءتين هما الأبرز في المجال الفكري العاشورائي، وإنْ كانت قراءة إحداهما لعاشوراء تتقدَّم على الأخرى، رغم قساوة مصطلحاتها وعنف مفرداتها، لكن رغم كلّ ذلك، تبقى هي، وبفضل ما تتمتّع به من منطقيّة في الفكر، وبرهانيّة في الاستدلال، ومقاصديّة عميقة في فهم القرآن وتفسيره، وقوّة تحليليّة في تفكيك التاريخ وفهمه، من أجل فهم عاشوراء كما هي دون أكاذيب وتحريف، هي التي تتناغم مع النصّ القرآني ومقاصده، وتنسجم انسجاماً كليّاً مع مفهوم النبوّة والإمامة في الفكر الإسلاميّ الأصيل.

ولكن هل تتقدّم حركة النقد والإصلاح في عاشوراء، ولازال المناخ يمتاز بالوصايا على حركة الاجتهاد في مساحات الحرية والمباحات الفكرية وكلّ فراغ عقلي وشرعيّ، ما لم يلامس أيّاً من الضرورات القيمية في القرآن، أو يقترب من المقدَّسات كما عرّفها لنا النصّ القطعي، أوما لم يجتهد في مقابل نصّ قطعيّ؟!

هنا، قد تبقى ساحاتنا العاشورائية مرهونة بعقل اجتهادي تقليدي وكلاسيكي لقرون، بفضل منع أيّ فهم جديد أو قراءة مغايرة للسائد من العرف البشري في الإحياء، ومن الأساليب الإحيائية التي ربّما لو فتشت من وراءها، ونقّبت خلفها بلغة علمية، ستجدها ربما لا تتّصل بالنص القطعي للمعصوم، بقدر ما هي نتاج فترة تاريخية وظروف اجتماعية مذهبية، أكثر مما هي تجلّيات ومصاديق لقيم إسلاميّة في مستوى موقعيّة كربلاء. والإمام الحسين(ع) في الفكر الإسلامي والسماوي والإنساني، متى ما توقّف النقد العلمي في عاشوراء، سيتوقف قلبها وعقلها عن ضخّ الحياة في شرايين الأمّة، كعناوين فكرية، وكمشروع حضاريّ يتجدّد كلّ عام، ليرسم معالم النهوض ومنهجيّة الإصلاح في الأمّة.

لذلك، عاشوراء تتخلّد مع مواكبتها لقضايا الأمّة، وتتجذّر أكثر في عقلها ووجدانها كلّما كانت نبضاً لها وانعكاساً لكلّ همومها وتحدّياتها.

 
https://taghribnews.com/vdchk-nxz23nmwd.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز