تاريخ النشر2010 14 December ساعة 16:49
رقم : 33951

رسالة المنبر الحسيني (4)

بقلم: نزار حيدر
واصل الكاتب الاسلامي الأستاذ نزار حيدر الكتابة في القضايا التي ينبغي على رجال الدين وخاصة خطباء المنبر الحسيني أن يراعوها خلال تأديتهم لمهمتهم وفيما يلي بقية مقترحاته ووصاياه لخطباء المنبر الحسيني..
رسالة المنبر الحسيني (4)

وكالة أنباء التقریب (تنا)

حادي عشر: یسعى بعض الخطباء الى استعراض عضلاته فوق المنبر، من خلال الظهور بمظهر (الموسوعة) فتراه لا یمر على علم الا وتطرق اليه، ولا حادثة الا وولج فيها، ولا امر الا وتحدث فيه، ولا راي الا وادلى به دلوه، وهذه، برايي، محاولة فاشلة، فليس المهم ان یظهر الخطیب بهذه الصورة على المنبر، انما المهم ان یستوفي الموضوع حقه وتعطی المحاضرة ما تستحق من البحث والتحليل، اما ان یذكر شيئا عن كل شيء، فان ذلك يضيع عليه المطلب، كما يقول العلماء، كما انه يضيع على المتلقي الهدف من الحديث والجوهر في الموضوع. 

ان التركيز في الموضوع وعدم التشعب به، يزيد من تركيز المتلقي للخطيب من جانب، ويعطي الموضوع حقه بالكامل من جانب آخر، ولذلك انصح ان لا یتورط الخطباء بما ليس لهم فيه سبق او معرفة، ولیتذكروا قول امير المؤمنين عليه السلام {لا تخض في موضوع ليس لك فيه صنعة} وصدق الامام الحسين السبط الشهيد عليه السلام عندما قال {لا تتناول الا ما رايت نفسك له اهلا}. 

ان التشعب والظهور بمظهر (الموسوعة) يساهم في اغلب الاحيان في عملية تسطيح العقول والاستخفاف بها، الامر الذي يجب ان يبتعد عنه الخطيب ولا يورط نفسه فيه، لان مثل ذلك يكون على حساب سمعته ورزانة مجلسه وعمق حديثه وبحثه. 

كما ان الاستعجال في الخطابة وسرد الروايات وتقديم المعلومات على عجل وادخال بعضها ببعض، لا يساهم في ايصال المطلب، لان ذلك يضيع على المتلقي فرصة الاستيعاب وتنظيم المعلومات في ذهنه.
ثاني عشر: حذار من ان يتحول المنبر الحسيني الى دكان للارتزاق.
وليس المقصود بذلك ان لا ياخذ الخطيب اجرا على صعوده المنبر، فان ذلك من حقه الطبيعي، كفله له الشرع والعقل والمنطق والقانون، فحال الخطيب في ذلك كحال المعلم واستاذ الجامعة والصحفي والكاتب والشاعر والمؤلف، واي صاحب صنعة او رسالة اخرى، ولكن المقصود هو ان يشترط الخطيب مبلغا
قبل ان يعتلي المنبر، فهذا هو الارتزاق بعينه. 

ان للخطیب مكافاتان، الاولى وهي الاهم، من الله تعالى ومن صاحب الرسالة المقدسة، واعني به الحسين السبط، والثانية من الناس من خلال صاحب العزاء او الموكب، ولذلك فان انتظار الخطيب ما سيجود به صاحب العزاء من مكافأة حق مشروع له ما يبرره، خاصة الخطباء الذین ليس لهم مورد رزق غير المنبر الحسيني، وفي مواسمه المعروفة، تلك التي تصرف كل وقتها وجهدها من اجل ان تعطيه ما يستحقه من جهد مبذول وطاقة مطلوبة، اما ان يشترط (المكافأة) والتي ستتحول في هذه الحالة الى معاملة، فهذا ما لا ينبغي للخطيب ان يتورط فيه، لان مثل هذه المعاملة تفسد الرسالة كما يفسد الخل العسل، كما انها تلغي المكافأة المعنوية التي سوف لن تكون من نصيبه في هذه الحالة، لانه استلمها من الناس من دون ان ينتظر شيئا من الله تعالى. 

انا استغرب من بعض الخطباء الذین یصرون على تحديد المبلغ بلا مرونة، فتراهم مستعدون لترك المنبر فارغا، خاصة في الحالات التي لم يسعف فيها الوقت اصحاب المجلس للبحث عن بدائل، وكانهم یستغلون الحرج لفرض المبلغ الذي یريدونه، او ان لا يكون في المكان مجلس، فاية رسالة تريد ان تبعثها مثل هؤلاء الخطباء في مثل هذا الموقف وفي مثل هذه الحالة؟ 

ثالث عشر: علموا الناس الحسين الامام، الحسين القائد، الحسين المؤمن، الحسين الابن، الحسين الزوج، الحسين الاب، الحسين العالم، الحسين القائد العسكري الشجاع، الحسين المدرسة، الحسين المعلم، الحسين الانسان الذي بكى على اعدائه وهو ينظر اليهم يتورطون بدمه الطاهر فيساقون الى نار جهنم زمرا.
لا تكتفوا بتعريف الحسين القتيل والعطشان والسليب ومحزوز الراس. 

لماذا يتعلم شبابنا نظريات ارسو وافلاطون، ولا يتعلمون شيئا عن نظريات الحسين السبط في الحياة الحرة الكريمة؟ لماذا يدرس اولادنا نظريات جان جاك روسو في العقد الاجتماعي، ولا يتعلمون شيئا عن نظريات الحسين في علوم الاجتماع والاخلاق والسياسة والتربية والفسلفة وغير ذلك من العلوم الانسانية العظيمة التي تركها لنا الحسين السبط واهل البيت عليهم السلام؟ لماذا يدرسون الثورة الفرنسية والثورة الاميركية، وثورات حصلت في كوبا والهند والصين، ولم يدرسوا ثورة كربلاء، بمعانيها الانسانية وقيمها الحضارية؟ لماذا يدرسون
وثيقة اعلان حقوق الانسان الدولية، ولم يدرسوا رسالة الحقوق للامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام؟ لماذا يتعلمون فلسفات الاغريق والاوربيين ولا يتعلمون فلسفة امير المؤمنين عليه السلام؟ لماذا يدرسون علوم الادارة الشرقية والغربية ولا يدرسون علوم الادارة عند امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام؟. 

ان على المنبر الحسيني ان يهتم بالدراسات المقارنة بين كل ما يخص ثورة الحسين عليه السلام، وبمختلف جوانبها الحضارية، وبين ما شهدته الانسانية من تطور في المنهج والفكر، عبر ثوراتها المختلفة التي شهدتها مختلف دول وشعوب العالم، ليعرف الناس، بالمقارنة، مدى عمق المحتوى الانساني لهذه النهضة التاريخية العظيمة. 

علموا نساءنا وبناتنا تحديدا زينب العالمة، زينب الفقيهة ، زينب المربية، زينب المراة المؤمنة الواثقة بدينها وحجابها، زينب الجبل من الصبر، زينب الجبل من البطولة والتحمل من دون تردد او خوف او وجل او شك في الحق، ولا تكتفوا بتعليمهن زينب المظلومة، وزينب البكاءة. 

علموا شبابنا علي الاكبر الشاب المؤمن الواثق بدينه وامامه، والقاسم المضحي في زهرة شبابه من اجل ان يحيا الدين وتحيا الاخلاق، وعلموا صغارنا واطفالنا رقية الطفلة الصابرة، وعبد الله الرضيع الذي ضحى من اجل القيم، ومن اجل ان يحيى الانسان بكرامة.
رابع عشر: ان على الخطباء أن يرتفعوا بالمتلقين الى مستوى المنبر، وليس العكس، فتهبط بالمنبر الى مستوى المتلقين. 

لقد رايت بعض الخطباء يدارون الحاضرين على حساب الرسالة، ویدارون صاحب المجلس والموكب على حساب قول الحقائق وشرحها للناس، وكأن مجرد صعود المنبر هو الهدف لمثل هؤلاء الخطباء، ابدا، اذ لا خير في منبر لا يقال من فوقه الحق، ولا خير في مجلس لا تقال فيه الحقائق التاريخية، ولا خير في منبر يخشى لومة لائم، ولا خير في مجلس تتقدم فيه عادات الناس وتقاليدهم وموروثاتهم البالية على حساب الحقائق والصحيح من السيرة النبوية والتاريخ الاسلامي. 

ان المنبر فرصة ذهبية لتصحيح المفاهيم الخاطئة وكنس الموروثات البالية، والا فلو لم يؤد المنبر مثل هذه الرسالة، فسيمنح الشرعية لكل
ما هو خطأ من التاريخ والدين والسيرة.
يكون المنبر حجة على الناس اذا ارتقى بهم وبوعيهم وثقافاتهم والتزامهم الديني والاخلاقي، اما اذا هبط بهم فانه، والحال هذه، سوف لن يكون حجة ابدا، فالحجة على الناس تتحقق من خلال العلم والتعليم وليس من خلال التبرير والسكوت عن الخطا والمداراة على حساب الحق، ابدا، والى هذه الحقيقة يشير امير المؤمنين عليه السلام بقوله {ما اخذ الله على اهل الجهل ان يتعلموا حتى اخذ على اهل العلم ان يعلموا}.
خامس عشر: فسروا للناس، وتحديدا في بلاد الغرب، اهمية الدين في القرن الواحد والعشرين، وكذلك اهمية القران الكريم ونهج اهل البيت عليهم السلام، لتحصنوهم من ظاهرة الكفر والالحاد التي يقودها منافقون عليمو اللسان على حد وصف امير المؤمنين عليه السلام. 

اشرحوا لهم ماذا يعني الرسول والامام في القرن الواحد والعشرين، وما ينفعنا تاريخ الرسل والانبياء والامم السالفة في القرن الواحد والعشرين، وماذا تنفعنا عاشوراء اليوم بعد مرور ١٤ قرنا عليها، وماذا تعني كربلاء اليوم بعد كل هذا التاريخ الذي مر عليها، وما الذي يميزها عن غيرها من احداث التاريخ وثوراته ونهضاته؟.
اقتحموا المحذور ومناطق الفراغ في التفكير لتصلوا الى عقول وقلوب الناس، خاصة الشباب منهم، من الذين تكتظ عقولهم بالكثير من الاسئلة المحرجة التي ربما يخافون من التصريح بها.
استنطقوا عيونهم وايماءاتهم لتستخرجوا منها مثل هذه الاسئلة الحرجة، لتجيبوا عليها بمنطق وحكمة وعلمية. 

حاولوا ان تستفيدوا من مختلف المظاهر والظواهر الموجودة والشاخصة في بلد الاقامة لتقريب وجهات نظركم الى الناس، خاصة الشباب، فالمقارنة في احيان كثيرة تقرب المعنى وتشرح القصد كثيرا، خاصة بالنسبة الى من انبهر بالغرب ومدنيته، فهو يثق بدينه اذا راى من مظاهر الغرب ما يوائمه، وهو كثير جدا.
خامس عشر: واخيرا فان للمظهر الذي تظهر فيه العمامة امام الناس الاثر الكبير في التاثير عليهم، لان الناس ينظرون الى العمامة كرمز وقدوة في كل شئ، ولذلك فهم يتاثرون بمظهرها اشد التاثر.
ان على الخطيب ان يهتم بمظهره وهندامه بشكل دقيق، كما يهتم بمادة خطابه وطريقة حديثه، فليس خافيا مدى اهمية المظهر في عملية التواصل مع المتلقي
والتاثير عليه. 
لقد رايت خطباء يصعدون المنبر الحسيني باسوء حالاتهم، فالعمامة غير منتظمة لا بلفتها ولا على راسهم، والعباءة مرقعة والصاية قذرة، اما اللحية فحدث عنها ولا حرج، وبعد كل هذا ينتظر من المتلقي ان ينظر اليه ويصغ اليه ويستمر في حضور مجلسه. 

قد يعتبر البعض مثل هذه المظاهر دليل على الزهد والتواضع، ابدا انه ليس كذلك، اولم يكن رسول الله زاهدا ومتواضعا؟ فلماذا يحدثنا التاريخ، اذن، عن مظهر رسول الله (ص) الذي يشد النفس والروح والعقل اليه؟ خاصة عندما يستعد للذهاب الى المسجد والصلاة في الناس والحديث اليهم؟ وكذا كان امير المؤمنين عليه السلام، فالزهد ليس في النظافة، وانما في ان لا يمتلكك شئ كما في القول الماثور. 

لقد ذكرت لنا كتب التاريخ ان الحسين السبط عليه السلام كان في اجمل مظهر واروع قامة في يوم عاشوراء، وهو يعلم انه مقتول بعد قليل، لماذا؟ اولم يكن الامام زاهدا عابدا؟ ام انه نسي شيئا من قوانين الزهد في تلك اللحظة؟ ابدا، فلا هذا ولا ذاك، بل انه اراد ان يظل القدوة حتى آخر لحظة في حياته الشريفة.
لقد حث الاسلام على النظافة وجمال المنظر وحسن المظهر كما تحدث عن الصلاة والصيام، خاصة عندما ينوي المرء الوقوف امام الناس والحديث اليهم والتواصل معهم. 

ففي الحديث الشريف عن رسول الله (ص) انه قال {ان الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة} وعن امير المؤمنين عليه السلام انه قال {تنظفوا بالماء من النتن الريح الذي يتاذى، بضم الياء، به، تعهدوا انفسكم فان الله عز وجل يبغض من عباده القاذورة الذي يتانف به من جلس اليه} وعن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: اتانا رسول الله (ص) فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره، فقال: {اما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟} وراى رجلا آخر عليه ثياب وسخة فقال: {اما كان هذا يجد ماءا يغسل به ثوبه؟} فما باك لو راى رسول الله (ص) عمامة تصعد منبره وهي على مثل هذه الحال؟ 

وعن مسمع بن عبد الملك، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ابصر رسول الله (ص) رجلا شعثا شعر راسه، وسخة ثيابه، سيئة حاله، فقال رسول الله (ص) : {من الدين المتعة واظهار النعمة}.
ان شخصية المرء تعبر عن ثقافته، ولذلك فهي المرآة الصافية التي تنعكس عليها حقيقته الذاتية، ولهذا السبب اهتم الاسلام بالمظهر كما اهتم بالجوهر.

https://taghribnews.com/vdccsoq1.2bq1p8aca2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز