تاريخ النشر2010 18 October ساعة 14:52
رقم : 28672

كيف تقرأ (إسرائيل) الانسحاب الأمريكي من العراق؟

وكالة أنباء التقريب (تنا): لقد حرصت النخب الحاكمة والكثير من صناع الرأي العام في "إسرائيل" على تقديم الانسحاب الأمريكي من العراق، على أنه وصفة أكيدة لحالة خطرة جداً من عدم الاستقرار في المنطقة تهدد مصالح الولايات المتحدة، والمتمثلة بشكل خاص بضمان تدفق امدادات النفط دون أي إعاقة.
كيف تقرأ (إسرائيل) الانسحاب الأمريكي من العراق؟
وهدفت حملة التخويف التي قامت بها تل أبيب إلى اقناع الأمريكيين بأن الانسحاب من العراق يعزز "محور الشر !"، ويضعف الأنظمة العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة. 

ولم تفت الإسرائيليون الإشارة إلى أن الانسحاب من العراق سيدلل على تراجع نفوذ أمريكا في المنطقة؛ ما سيعمل على تآكل قوة ردعها، لدرجة أنه سيشجع الأطراف المناوئة لها على المس بمصالحها، وسيعمل على تحول العراق إلى نقطة انطلاق لضرب المصالح الأمريكية، وتحديداً في الخليج الفارسي. 

ويؤكد الإسرائيليون أن ما يفاقم تأثير التداعيات الخطيرة للانسحاب الأمريكي من العراق هو المشاكل الهائلة التي تواجه الأنظمة المتحالفة مع الولايات المتحدة، وتحديداً النظام المصري، وعلى وجه الخصوص المخاطر التي تكتنف انتقال السلطة بعد خروج الرئيس حسني مبارك من دائرة الفعل السياسي، مع العلم أن الأمريكيين يعولون على الدور الذي يلعبه هذا النظام في التصدي لـ"الخطر الإيراني !". وكما يقول الكاتب الإسرائيلي ألوف بن فإن حالة عدم اليقين السائدة في كل ما يتعلق بمستقبل النظام في القاهرة تحتم على الأمريكيين تقليص رهاناتهم على أنظمة الحكم الديكتاتورية المتحالفة مع واشنطن في المنطقة. 

ويحذر الإسرائيليون الإدارة الأمريكية من مغبة انهيار عقيدة الرئيس أيزنهاور التي حكمت الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة منذ عام ١٩٥٧، والتي قامت على مواجهة الأطراف التي تهدد المصالح الأمريكية، ما جعل الولايات المتحدة لا تتردد في مواجهة كل زعماء الدول وقادة التنظيمات الذين تحدوا الإرادة الأمريكية ابتداءً من جمال عبدالناصر وانتهاءً بصدام حسين وأسامة بن لادن. 

ووفق هذه العقيدة فقد دافعت الولايات المتحدة عن الأنظمة العربية المستبدة المتحالفة معها، حيث تستمد هذه الأنظمة قدرتها على البقاء من الدعم الأمريكي لها، مقابل خضوعها لمحددات المصلحة الأمريكية ودعمها لمجمعات الصناعات العسكرية الأمريكية عبر التوسع في شراء كميات هائلة من السلاح الذي يصدأ في الغالب في مخازنه. 

ويدعي الإسرائيليون أن الانسحاب الأمريكي من العراق في ظل عدم استقرار الأنظمة المتحالفة مع أمريكا، سيؤدي إلى فتح شهية المزيد من القوى في المنطقة للتحرش بواشنطن، ما يدلل على وجوب إعادة الاعتبار لمكانة إسرائيل كـ"حليف موثوق ومستقر وقوي" للولايات المتحدة في المنطقة، والتصدي للخط الذي تعبر عنه الكثير من النخب في الولايات المتحدة، والتي تعتبر أن "إسرائيل" تمثل في الواقع عبئا على الولايات المتحدة وليس ذخراً استراتيجياً لها. 

وينفث المفكر الإسرائيلي يورام إيتينجر في مخاوف واشنطن، مشدداً على أن إعادة الاعتبار لإسرائيل كحليف مستقر لأمريكا في المنطقة هو خطوة تفرضها أيضاً مظاهر عدم الاستقرار الأخرى في المنطقة العربية، مثل اليمن الذي يدعي أنه يتحول إلى نقطة انطلاق ضد الولايات المتحدة، بالإضافة للأوضاع المضطربة في القرن الأفريقي وفي لبنان وغيرها. 

وبالمناسبة فإن بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية قد جاهر بتبنيه وجهة النظر الإسرائيلية، مثل نائب وزيرة الخارجية الأمريكية أندرو شابيرو الذي نقلت عنه صحيفة "هارتس" الإسرائيلية قوله إن التطورات المتوقعة بعد الانسحاب من العراق وأزمة أنظمة الحكم المتعاونة مع أمريكا تعزز مكانة إسرائيل كحليف استراتيجي. وفي ظل هذا الواقع فإن الكثيرين في "إسرائيل" أعادوا للأذهان مقولة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون الذي قال يوماً لتبريره المطالبة بزيادة الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل: "أنتم أيها الأمريكيون لا تصنعون لنا معروفاً بدعكم لنا، "إسرائيل" تقوم بدور حاملة طائرات ثابتة للدفاع عن المصالح الأمريكية في المنطقة". 

ويدعي الإسرائيليون أن الانسحاب من العراق سيؤدي إلى تهاوي نقطة الافتراض القائلة إن إمكانية مبادرة العرب لشن هجوم على "إسرائيل" ضئيل جداً، ويرون أن الانسحاب سيزيد من فرص شن هذه الحرب، ما يزيد من خطورة الجبهة الشرقية. ويرون في تل أبيب أنه في ظل هذا الواقع يتوجب على الكيان الصهيوني مواصلة السيطرة على الضفة الغربية التي يفترض أن تمتص أي هجوم عربي من الجبهة الشرقية، ولما كانت المستوطنات اليهودية تمثل مواقع متقدمة للجيش الإسرائيلي وتؤدي دوراً أمنياً كبيراً فإن "المصلحة الاستراتيجية الخالصة" تقتضي الحفاظ عليها وليس تفكيكها في أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين. 

ويتضح من خلال محاولة تضخيم المخاطر الناجمة عن الانسحاب من العراق، أن الإسرائيليين يهدفون إلى إيصال الأمريكيين إلى نتيجة مفادها أن القضية الفلسطينية تلعب دوراً هامشياً فقط في التأثير على استقرار الأوضاع في المنطقة والعالم. ويدعي وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم أن انشغال إدارة الرئيس أوباما في محاولاتها لحل القضية الفلسطينية لم يساعد في تقليص المخاطر التي تتعرض لها المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وأن وضع حد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن يؤدي إلى اعادة الاستقرار للمنطقة، بل سيؤدي حتماً إلى المزيد من الاضطراب الذي يصعب التكهن بنتائجه. والذي يعزز ميل الإسرائيليين لاستثمار جهود كبيرة من أجل اقناع الأمريكيين بعدم مركزية القضية الفلسطينية، هو معرفتهم المؤكدة أن الأنظمة العربية المتحالفة مع واشنطن قد أبلغت ممثلي إدارة أوباما بشكل لا يقبل التأويل، أن معالجة التهديد النووي الإيراني تمثل أولوية يتوجب تقديمها على محاولات حل القضية الفلسطينية.
مقالة بقلم: صالح النعامي
https://taghribnews.com/vdcgx39x.ak97u4r,ra.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز