تاريخ النشر2017 6 February ساعة 12:52
رقم : 259191

لماذا يقدِّمون لنا الله إلهًا مخيفًا؟!

تنا
كبرت وأنا أخاف من الله، أخاف أن يعاقبني على أيّ شيء أخطئ به، أصبح الإله في نظري كائنًا مخيفًا ينتظر النّاس على خطأ صغير أو كبير كي يعاقبهم وينتقم منهم، وكأنّ مهمّته هي ترصّد أخطائنا وزلّاتنا، وانتظار اللّحظة المناسبة كي ينقضّ علينا.
لماذا يقدِّمون لنا الله إلهًا مخيفًا؟!
سوسن غبريس
 هكذا رسم أهلي والبيئة المحيطة بي صورة الإله؛ لا تفعل هذا أو ذاك حتّى لا يخنقك الله، أو يحرقك، أو يرمي بك في دركات النّار، أو يعذّبك العذاب الّذي ليس كمثله عذاب... أليست هذه بعض العبارات الّتي سمعها الكثير منّا عن الله؟!

أمّا الموت، فهو أشدّ ما يرعبنا في الموضوع، لأنّه يعني أنّنا أصبحنا في قبضة الله، ولن نستطيع الفكاك منها، وكأنّ رحلة الموت هي رحلة العذاب والانتقام الّتي لن نخرج منها سالمين أبدًا!

وما يزيد الطّين بلّة، هو أنَّ الكثير من رجال الدّين يعملون على استدراج النّاس إلى سبيل الإيمان عبر تخويفهم من الله، محاولين بهذا الأسلوب الرّديء إبعادهم عن الذّنوب والانحراف عن جادة الحقّ، كما يتوهّمون...

هكذا تحوَّلت حياتنا إلى جحيم دنيويّ، وخوفٍ من كلّ شيء، ولم يدرك هؤلاء، أنّ هذا الأسلوب أنشأ عندنا عقدةً من الإله، وشوَّه العلاقة بيننا وبينه، وكبَّل حركتنا، فصرنا نخاف من الإقدام على أيّ خطوة، خوفًا من أن تُغضِب الله، فينتقم منّا أشدّ انتقام، وصرنا نعبده فقط لأنّنا نخاف سطوته وبطشه بنا، لا لأنّه أهل للعبادة، وصارت صورة الإله المخيف تلاحقنا حتّى في أحلامنا.

أين صورة الله الأخرى؛ الإله الرّحيم الّذي وسعت رحمته السّماوات والأرض، الّذي يحنّ على عباده، ويعلم أنّهم يخطئون، وينتظر منهم أيّ بادرة ليعفو عنهم؟ أين صورة الإله الّذي يحبّ عباده ويشفق عليهم في ضعفهم، ويعينهم في ضرّائهم وبأسهم، حتّى ولو لم يكونوا له نعم العبيد؟ أين صورة الإله الَّذي هو أقرب إلينا من حبل الوريد، والّذي يستمع إلى أنيننا وصوت أوجاعنا، ويعطف علينا، ويستجيب لنا ويسهّل لنا سبلنا، ويوفّقنا في حياتنا؟ ولماذا لا نرى الصّورة الثّانية إلّا في زوايا الصّفحات، وبعض الأسطر القليلة؟

أنا أرفض الصّورة الأولى بشكلها المعروف، وأحبّ الصّورة الثّانية، الّتي تقدِّم لي الإله بشكله المحبَّب الجميل، الّذي أستطيع أن أعبده وأنا مرتاح لا خائف ولا مرتعب... أريد الصّورة الثّانية الّتي تجعلني أدرك أنّ الموت هو بداية رحلة الاستقرار في نعيم الله ورحمته، على الرّغم من كلّ الذّنوب والأخطاء، وجلّ من لا يخطئ!

يقول المرجع فضل الله(رض): "علينا أن نربّي في نفوسنا حبّ الله، حتّى ننطلق في عبادتنا له انطلاق الحبيب إلى حبيبه، تمامًا كما كان رسول الله(ص)".

فلنتنبّه جميعًا كيف نقدّم الإله إلى أطفالنا، وإلى الأجيال الصّاعدة، ولتكن صورة جميلة كما هو جمال الله، حتّى تكون العلاقة معه علاقة سليمة قائمة على بنيان متين.
https://taghribnews.com/vdcgyy9xqak9nq4.,rra.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز