تاريخ النشر2010 18 August ساعة 13:33
رقم : 23753
7 رمضان ذكري وفات:

شيخ الأباطح أبو طالب (رضي الله عنه)

عرف أبو طالب بالسخاء والوفاء والعفة والشجاعة، وكان شاعراً حكيماً مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يؤمن بالله عزوجل، وينهي عن عبادة الأصنام وأحل ما أحل الله عزوجل وحرم ماحرم.
شعب أبي طالب الذي لجأ اليه بنو هاشم عندما تحالفت قريش ضدهم
شعب أبي طالب الذي لجأ اليه بنو هاشم عندما تحالفت قريش ضدهم

وكالة أنباء التقریب (تنـا)
يصادف السابع من شهر رمضان المبارك ذكرى وفات رجل عظيم ضحىّ بكل ما يملك من أجل الدفاع عن الرسول والرسالة النبوية الشريفة فهو شيخ الأباطح أبو طالب رضي الله عنه. ومن البديهي أنّ مكانة أبي طالب في قريش، وبروز شخصيته فيها، هي وحدها مدعاة لأن يكون يومه يوماً مشهوداً، فما بالك بمواقفه الشامخة دفاعا عن النبي ورسالته المبينة.
فهذا أبو الحسن البكري في كتاب مولد أميرالمؤمنين(عليه السلام) يصور وفات أبي طالب بقوله:
" شققن النساء على أبي طالب الجيوب، ونشرن الشعور، وشمل الحزن جميع شعاب مكة وشعوبها".
كما ذكر السيد فخار بن معد في كتابه أبياتاً لأمير المؤمنين علي(عليه السلام) يرثي فيها أباه :

أبا طالب عصمة المستجير         لقد هد فقدك أهل الحفاظ  
وغيــث المحول ونور الظلم          فصلى عليـــك وليّ النعم

في هذه الأسطر نحاول أن نتصفح أوراقاً من حيات مؤمن قريش (أبي طالب رضي الله عنه) ومواقفه الشامخة في عصر الرسالة الإسلامية، تمجيداً وإحياء‍ً لهذه الذكرة العظيمة.

(١) سيرة حياة أبي طالب : 
إسمه " عبد مناف" وهو / بن "عبد المطلب" بن "هاشم" بن "عبد مناف" بن" قصي" بن "كلاب" بن "مرة" بن "كعب" بن "لؤي" بن "غالب" بن "فهر" بن "مالك" بن "النضر" بن "كنانة" بن "خزيمة" بن "مدركة" بن "الياس" بن "مضر" بن "نزار" بن"معد" بن "عدنان". 

لقبه : شيخ الأبطح، وسيد البطحاء، ورئيس مكة، وحليم البطحاء، بيضة البلد، وشيخ القريش.
كنيته : ابوطالب وبها اشتهر. 
مولده : في مكة المكرمة قبل ولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بخمس وثلاثين سنة.
وفاته : في مكة المكرمة في السنة العاشرة للبعثة عن عمر يناهز الخامسة والثمانين ودفن في الحجون. 

اخلاقه وشمائله : عرف ابو طالب بالسخاء والوفاء والعفة والشجاعة، وكان شاعراً حكيماً مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقد ورث ابوطالب صفات ابيه من حلم وجود وحكمة.
وكان يؤمن بالله عزوجل، وينهي عن عبادة الأصنام وأحل ما أحل الله عزوجل وحرم ماحرم، وفي بالنذ، مؤدي الحق، مجير الخائف، حرم الظلم والخمر والكبائر ونهى عن وأد البنات ومنع ان يطوف الناس بالبيت عرياناً، مع قلة ماه فقد كساه الله تعالى هيبة ووقاراً فكان حاكم قريش وسيدها ومرجعها في الملمات وكانت له سقاية الحجيج ورفادتهم.

وقيل عنه : ... وقد جاءت بأبي طالب لرياسة الناس جميعاً في مكة المكرمة سيادة طريفة من الشجاعة والعفة والسخاء والوفاء والتجارب والحكمة وحسن البيان وقد نسجت بأخلاقه الغر كل اكرومة، فهو رجل لايميل به الهوى، ولاتدنو من خلقه مذمة ولاضعف، تفزع اليه قريش وأهل البادية في نوائبهم فيخف لهم وينجدهم... فقد كان نبعة الخير والكهف الحصين الذي يقي من الحوادث والطوارئ، فإليه كان يلجأ الضعيف المضام وبه يتوسلون حين ينقطع من السماء قطرها، وهو الوصول للرحم، الكشاف للكروب، البر الرحيم، الجواد بما يملك من غير منة، والسمح بلل طلب، قوي الارادةن منطيق فصيح، يتدفق بلاغه، جميل الطلعة، مهوب الجانب موهوب الإحترام. 

زوجته :
هي فاطمة بنت أسد بن هاشم ، تجتمع في سلسلة النسب مع أبي طالب في هاشم ولم يذكر التاريخ له من زوجات سواها.
كانت فاطمة بنت الأسد من فضليات الهاشميات، بزغت في عصرها شمساً في سماء الكمال تتنقل في ابراجه شرف، حسب، فكرم محتد، فمكارم اخلاق، فذكاء قلب، فطهارة نفس، فجمال ذات، ففضيلة صفات، ولذلك اختارها سيد قريش ولم يستبدل سواها مدة حياته السعيدة معها.
أسلمت فاطمة بنت اسد بعد عشرة من المسلمين فكانت الحادية عشرة فهي من السابقات الى الإسلام وهي أول امرأة بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أعقابه :
هم / طالب وعقيل وجعفر وعلي(ع) وهو اصغرهم سناً وكان بينه وبين جعفر عشر سنين وابنة تسمى "فاختة" وتدعى "ام هانئ" وأخرى تدعى "جمانة"، والكل من السيدة الجليلة فاطمة بنت أسد.

(٢) أبو طالب في بدء الدعوة الإسلامية : 
مواقف أبي طالب في الدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين، دعما لنجاح الرسالة النبوية كثيرة جداً وذكرها الكثير من رواة الفريقين. وللاختصار نذكر ماتيسر لنا في هذا الملف بعض مواقف شيخ الأبطح في عهد الاسلام دفاعاً عن شخص النبي (ص) والاسلام والمسلمين بالشرح التالي :
اولاً : دفاعه عن النبي (ص) :
أ) عندما بلغ رسول الله صلي الله عليه آله وسلم عمه ابا طالب انه قد نزل عليه الوحي وبشر بالرسالة، اجابه :
" اخرج – ابن أخي- فإنك الرفيع كعباً والمنيع حزباً والأعلى أباً، والله لا سلقك لسان الا سلقته السنٌ حداد، والله لتذلّنِ لك العرب ذلّ البهم لحاضنتها ولقد كان ابي – يقصد عبد المطلب – يقرأ الكتب جميعاً ولقد قال : إن من صلبي لنبياً، لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به، فمن ادركه من ولدي فليؤمن به.

ب) يوم الدار، يوم الإنذار عند نزول قوله تعالى " وأنذر عشيرتك الأقربين " / طلب رسول الله (ص) من علي أن يدعو له بني عبد المكلب وكانت الدعوة في دار أبي طالب، وأطعمهم رسول الله (ص) وهم كثيرون من طعام قليل حتى شبعوا وتكررت الدعوة مرتين، فالتفت ابو طالب لرسول الله (ص) قائلاً : " ما أحب الينا معاملتك ... وهؤلاء بني أبيك مجتمعون وإنما أنا أحدهم غير أني اسرعهم الى ما تحب، فامض لما أمرت به، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك..." .

وروى ابو عمر الزاهد الطبري عن ابن عباس عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال : " فلما أراد النبي (صلى الله عليه آله وسلم) أن يتكلم اعترضه أبو لهب فتكلم بكلمات وقال : " قوموا، فقاموا وانصرفوا".
قال : " لما كان من الغد أمرني فصنعت مثل ذلك الطعام والشراب فدعوتهم، فأقبلوا ودخلوا، فأكلوا وشربوا، فقام رسول الله (ص) يتكلم فاعترضه أبولهب، فقال أبوطالب :
"اسكت يا أعور! ما أنت وهذا؟ ثم قال لا يقومن أحد ... فجلسوا ثم قال للنبي (ص) قم يا سيدي! فتكلم بما تحب، وبلغ رسالة ربك، فأنت الصادق المصدق".
وفي رواية أخري أن ابوطالب قال رسول الله (ص) :
" يا إبن أخي! إن أردت أن تدعو الى ربك فأعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح".

ج) مشى بعض أشراف قريش الي ابي طالب وقالوا له : "يا أبا طالب ! ان لك شأناً وشرفاً ومنزلةً فينا، وإنا قد أنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا، من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين..." . فنقل أبوطالب ذلك الى النبي محمد (ص) فأجابه رسول الله قائلاً :
" ياعماه! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يضهره الله أو أهلك فيه ما تركته" .
فقال أبو طالب لرسول الله (ص) : أقبل يا بن أخي " وأردف قائلا : " اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ أبداً" .

ثانيا : أبو طالب يدافع عن المسلمين :
لم يقتصر دفاع أبي طالب على شخص الرسول الكريم (ص) فحسب، وإنما شمل المسلمين ايضا،ً فمن ذلك : 
١- يثأر لعثمان بن مضعون ( كان من حكماء العرب في الجاهلية، اسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً وهاجر الي الحبشة الهجرة الأولى، شهد بدراً ومات في السنة الثانية من الهجرة ).
كان عثمان بن مضعون يقف بباب الكعبة ويعظ الناس أن لايعبدوا الأصنام، فهجم عليه فتية من قريش وضربوه فوقعت ضربة أحدهم على عينه ففقأتها، وبلغ أباطالب ذلك فغضب غضباً شديداً وقام في أمره حتى أخذ بثأره، وكانوا قد أجمعوا الى أبي طالب وناشدوه أن يدعها ويدون له الدية، فأقسم لهم " اني لا أرضى حتي أقلع عين الذي قلع عينه، فكان ما أراد.

٢- أجار أبا سلمة المخزومي :
أسلم أبوسلمة بن عبد الأسد المخزومى، فأرادت قريش أن تعذبه لتصرفه عن الإسلام فلجأ الى أبي طالب، فخلصه من العذاب فجاء وفد من مخزوم الى أبي طالب وقالوا له : " يا أبا طالب هبك منعت منا ابن أخيك محمداً، فما بالك ولصاحبنا تمنعه منا؟ "،
فأجابهم : انه استجارني ...

٣- يوصي النجاشى بالمسلمين :
لسيدنا أبى طالب أبيات كتبها الى النجاشى بعد خروج عمرو بن العاص وصاحبه الى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب وبقية المهاجرين المسلمين، يحض فيها النجاشى على إكرام جعفر وأصحابه وهي :

ألا ليت شعري كيف في الناس جعفر           وعمـرو وأعـــــداء النبـــي الأقــارب
وهل نال إحسان النجاشى جعفـــــراً          وأصحابــه أم عاق عن ذاك شــاغـب
تعلــــم أبيت اللعــن انــك ماجـــــــــد           كــريم فلا يشقى اليــك المجانـــب
وتعلـــــم أن اللـــه زادك بســـــــــطة            وأسباب خيـــــر كلهـــا بـــك لــازب

ثالثا : أبوطالب ودفاعه عن الإسلام :
وامتد دفاع أبي طالب ليشمل الدين الإسلامي الذي اعتنقه عن عقيدة ويقين وبصيرة، وبعضها على نحو المثال :
أ‌)ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم :
انبرى أبوطالب ينفي الكذب عن النبي (ص) ووصفه بالصادق الناصح الأمين وصدقه فيما يقوله ويفعله، فقد أقسم لقريش : " والله ماكذب ابن اخي قط".
ب‌)أبيات لأبي طالب يمدح بها رسول الله (ص) وآله وسلم والدين الإسلامي :

ألا إن خيرالناس نفســـاً ووالـــداً        إذا عدّ سادات البــرية أحمــد
نبــي الإله والكــريــم بأصلـــــــه        وأخلاقه وهو الرشــيد المؤيــد
جريء على جلى الخطــوب كأنه        شهاب بكفي قابــس يتوقــــد
من الأكرمين من لؤي بن غالــب         إذا سيم خسفاً وجهه يتربــد

وفي أبيات أخري يحث بها ابنه علياً (ع) كي يتبع رسول الله (ص) ويلازمه :
إن الوثيبة في لزوم محمد       فاشدد بصحبته علي يديكا

ويفرح كثيراً باسلام أخيه الحمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء، فيقول :

فصبراً – أبا يعلي – على دين أحمد     وكن مظهراً للدين وفقــت ناصــراً
وحط من أتى بالحق من عند ربــــه      بصدق وعزم لاتكــن"حمز" كافراً
فقد سرني إذ قلت : إنــك مـــؤمــن     فكـن لرسول الله في الله ناصــراً
وبــــــاد قريشـــاً بالـــذي قــد أتيته     جهاراً وقل : ماكان أحمد سـاحراً

الحصار في "شعب أبي طالب" : 
لما تأكدت قريش أن أبا طالب لم ولن يتخلى عن محمد صلى اللع عليه آله وسلم، فقد سمعوا منه الأشعار والاقوال العديدة المينة لرأيه ورأوا منه تلك المواقف الصلبة التي دافع فيها عن رسول الله (ص) دفاعاً حقيقياً وعلموا تصميمه على عدم التخلي النبي صلوات الله عليه، سعت رجال قريش فيها بينهم واجتمعوا وتعاقدوا وقالوا " ننافي بني هاشم ونكتب معهم في مجمع ولانقضي لهم حاجة ولانقتضيها منهم ولا نقتسمهم ناراً حتى يسلموا الينا محمداً ويخلوا بيننا وبينه او ينتهي عن تسفيه آلهتنا " ، وأجمع أهل مكة على ذلك.
وكتبت الصحيفة وختمت بثمانين خاتماً وعلقت في الكعبة.
لكن لم يثني هذا القرار أبا طالب عن عزمه في دعم الاسلام والمسلمين. وانحاز ابو طالب برسول الله ومن معه من بني هاشم وبني عبد المطلب الى الشعب الذي يقال له شعب بني هاشم وشعب عبد المطلب وذلك بعد ست سنوات من مبعثه (ص) فحصرتهم قريش وأقاموا بالشعب ثلاث سنين، وكانت سنين صعبة حتى أن رسول الله (ص) وأبا طالب وخديجة أنفقوا أموالهم جميعاً ووصلوا الى حد الضر والفاقة وأشرفوا على الهلاك حتى أكلوا الخبط وورق الشجر.

(3) اسلام أبي طالب :
أ) ايمان أبي طالب الباطني بمحمد(ص) ورسالته :
الايمان هو التصديق بوحدانية الله تعالى ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتصديق بكل ما جاء به عن الله تعالى.
ومعنى الاسلام شرعاً فهو: الإنقياد بالأفعال الظاهرة الشرعية ومن هنا يظهر قول النبي (ص): [الاسلام علانية والايمان بالقلب].
وينفرد الاسلام عن الايمان في المنافق الذي ينطق بالشهادتين وينقاد لأحكام الاسلام ظاهراً وهو بقلبه مكذب غير مصدق.
كما ينفرد الإيمان عن الاسلام في من يصدق بقلبه ولا ينطق بالشهادتين عناداً ولا ينقاد للافعال الظاهرة الشرعية، ومن هذا القبيل الكثير من علماء اليهود الذين عرفوا سيدنا محمداً (ص) رسولاً صادقاً ولم ينطقوا بالشهادتين ولم يتبعوه، قال الله تعالى :
[ يعرفونه كما يعفرون أبنائهم ]
فهم ( علماء اليهود ) لم يقروا برسالة عناداً رغم اعتقادهم القلبي بصدق دعوة النبي (ص)، لذلك لاينفعهم الايمان الباطني حيث تكذيبهم الظاهري عناداً.
واما اذا كان عدم الإنقياد الظاهري وعدم النطق بالشهادتين لعذر لا لعناد، فإن الايمان الباطني ينفع صاحبه باطناً.
والعذر الذي يمنع من الإنقياد في الظاهر، له اسباب منها:
الخوف من الظالم، بأن خاف إن أظهر اسلامه وانقياده أن يقتله أو يؤذيه أذىً لا يحتمل، أو يؤذي أحداً من أولاده أو أقاربه، فهذا يجوز له خفاء الإسلام، بل لو أكرهه الظالم على التلفظ بالكفر فإنه يجوز له أن يتلفظ به، وقد أشار سبحانه تعالى الى هذا بقوله :
[ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ] النحل / ١٠٦ .
من هذا القبيل امتناع أبي طالب من الإنقياد الظاهري خوفاً على إبن أخيه محمد (ص) فإنه كان يحميه وينصره ويدفع عنه كل أذىً ليبلغ رسالة ربه وكان كفار قريش يمتنعون من إيذاء النبي صلى الله عليه وآله رعايةً لأبي طالب وحمايته وكانت رئاسة قريش بعد عبد المطلب بأبي طالب فكان أمره عليهم نافذاً وحمايته عندهم مقبولة لظنمهم أن أباطالب على ملتهم ودينهم، ولو علموا أنه أسلم وتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم لايقبلون حمايته ونصره بل كانوا يقاتلونه ويؤذونه ويفعلون معه من الأذى أكثر مما يفعلونه بالنبي (ص) ولاشك أن هذا عذر قوي لأبي طالب مانع من إظهاره الإنقياد الظاهر للاسلام. ولذلك ايضا لم يتغير ظن المشركين من قريش تجاه أبي طالب بأنه على دينهم وملتهم وكان اعتقادهم أن دعم أبي طالب لمحمد (ص) هو لأجل القرابة التي بينه وبين النبي (ص) والحمية المشهورة بين العرب لا للإتباع في الدين.
في الواقع كانت مواقف أبي طالب ودعمه للدين الإسلامي المبين وصبره على المصاعب والشداد التي واجهته في هذا المسار، تؤكد وبكل وضوح أن عم النبي (ص) في الباطن كان قلبه مملوأً بتصديق محمد (ص) ورسالته الرشيدة.

ب) ألأدلة الفقهية على إسلام أبي طالب :
١- بقاء أبي فاطمة بنت أسد على عصمة أبي طالب/ وإلى هذا أشار الامام السجاد (على ابن الحسين )عليهما السلام حين قيل له :
"إن هاهنا قوماً يزعمون أن أبا طالب كافر"... فأجاب: "وا عجباً كل العجب! يطعنون على أبي طالب أو على رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وقد نهاه الله تعالى أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن الكريم ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها من المؤمنات السابقات فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب رضي الله عنه".
ومعلوم أنه لا يجوز أن تكون المسلمة زوجة لكافر أو مشرك.

٢- عن الإمام الباقر بن علي بن الحسين عليهم السلام :
"ألم تعلموا أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام كان يأمر أن يحج عن عبد الله والد الرسول (ص) وآمنة والدته وأبي طالب في حياته، ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم".
علماً أن غير المسلم لا يحج عنه.

٣ – روى ابن معد في كتابه "الحجة " عن طريق "شيخ الصدوق" عن "داود الرقي" ، قال :
دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ولى على رجل دين، وقد خفت نواه فشكوت ذلك إليه، فقال: " إن مررت بمكة فطف عن عبد المطلب وصل عنه ركعتين، وطف عن أبي طالب طوافاً وصل عنه ركعتين وطف عن عبد الله طوافاً وصل عنه ركعتين وطف عن آمنة طوافاً وصل عنها ركعتين وطف عن عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصل عنها ركعتين، ثم ادع الله عز وجل أن يرد عليك مالك"، قال " ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا فإذا غريمي واقف يقول : " ياداود جئني هناك فأقضي حقك".
والشاهد هنا أيضاً أن غير المسلم لا يطاف ولا يصلى عنه.

ج) أحاديث الفوز والنجاة :
١- حديث تحريم النار / عن على بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول [ نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال / يا محمد ! إن الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك "إني حرمت النار على صلب أنزلك وعلى بطن حملك وحجْر كفلك " ، فقال : ياجبرئيل! من تقول ذلك؟ قال : أما الصلب الذي أنزلك فصلب عبد الله ابن عبد عبد المطلب وأما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب وأما لحجر الذي كفلك فعبد مناف بن عبد المطلب( ابو طالب ) وفاطمة بنت أسد"].

٢- حديث كل الخير أرجو :
عن عبد الله عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، أنه سأل رسول الله (ص) فقال ما ترجو لأبي طالب ؟ فقال : [كل الخير أرجو من ربي].
فلولا علم النبي صلوات الله عليه بإيمان عمه أبي طالب، ما كان يرجو له كل الخير من ربه تعالى، مع ما أخبره الله تعالى من خلود الكفار في النار وحرمان الله تعالى لهم الخيرات وتأبيدهم في العذاب على وجه الإستحقاق والهوان.
ويعلق السيد دحلان على هذا الحديث قائلاً : ورجاؤه صلوات الله عليه وأله وسلم محقق ولا يرجو كل الخير الا لمؤمن ولا يجوز أن يراد بهذا ما حصل له من تخفيف الشر وبعض الشر أهون من بعض، وحصول كل الخير انما يكون بدخول الجنة.
وأحسن من قال في هذا المقام :
وكل الخير ترجّاه النبي له           وهو الذي قط ما خابت أمانيه

٣- حديث أنا وكافل اليتيم :
قال رسول الله (ص) : [أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة] وأشار بأصبعيه وقرن بينهما.
هذا الحديث الشريف يشمل كافل المصطفى عمه أبا طالب الذي أحسن كفالته ورعايته حتى اشتهر محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين قريش وعرف بـ / يتيم أبي طالب/ .
فأبو طالب لم يدع اليتيم ولم يقهره ولم يرتكب أي مخالفة شرعية حتى يحرم من أجره أو ينقص منه بل على العكس قام بالمهمة خير قيام حين أكرمه الله تعالى وعبد المطلب بكفالة محمد (ص)، قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم :
[ألم يجدك يتيماً فآوى]- الضحى / ٦.
فأي جزاء يلقى من كفل سيد البشر وفخر ربيعة ومضر، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ إنه الجزاء الأوفى " الجنة " مع الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولك رفيقاً.
ويقول السيد الفخار : " وقد سمعت جماعة من أصحابنا العلماء مذاكرة يروون عن الأئمة الراشدين من آل محمد (ص) أنهم سئلوا عن قول النبي صلوات الله عليه المتفق على روايته " انا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة" فقالوا أراد بكافل اليتيم عمه أبا طالب للأنه كفله يتيماً من أبويه ولم يزل شفيقاً حدباً عليه.

د) وقائع من السيرة النبوية ما يتعلق بقوله تعالى " وأعرض عن المشركين" – الحجر ٩٣، الأنعام ١٠٦ :
١- عدم الأكل من المشركين :
كان عقبة ابن أبي معيط يكثر مجالسة رسول الله (ص) واتخذ ضيافة فدعا اليه رسول الله فأبى أن يأكل حتى ينطق بالشهادتين ففعل.
فكيف يأكل ويشرب رسول الله (ص) مع عمه أبي طالب طوال السنين العشر بعد البعثة لو لم ينطق بالشهادتين!

٢- عدم الجلوس على فراش المشركين :
عندما ذهب أبو سفيان الى المدينة المنورة، يلتمس تمديد صلح الحديبية، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله (ص) فقال يا بنية ! ما أدري ! أرغبت بي على فراش رسول الله (ص) أم رغبت به عني؟ قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله.
فكيف كان يجلس وينام رسول الله (ص) مع عمه أبي طالب تلك السنين الطويلة عشرة بعد البعثة منها ثلاث سنوات في حصار الشعب حيث كان يلازمه.

٣- عدم الإستعانه بغير المسلمين :
في غزوة أحد لم يقبل الرسول (ص) طلب ليهود لمساعدته، لأنهم رفضلوا أن يستسلموا، وقال [ فإنا لا نستنصر بأهل الكفر على أهل الشرك].
فكيف كان يستنصر بعمه على أهل الشرك لو لم يكن مؤمناً ولأبى طالب مواقف تذكر فشكر.

٤- رد جوار المشرك :
عند عودته (صلوات الله عليه) من الطائف دخل مكة المكرمة بجوار "المطعم ابن عدي" ليطوف بالكعبة (شرفها الله)، ثم رد عليه جواره لأنه لم يسلم وقال :
[ اني لأكره أن أقيم في جوار مشرك لأكثر من يوم ] وفي رواية لثلاثة أيام.
فكيف بقي بجوار عمه ( أبي طالب ) هذه المدة الطويلة!

٥- حديث أللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة :
هكذا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مستجاب الدعوة حتماً.
فهل من المعقول أن يشمل دعاء رسول الله (ص) ألأيادي البيضاء التي لأبي طالب على الرسول والإسلام والمسلمين، والله يقول :
[ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) – الرحمن /٦٠.

هـ ) شهادات على إسلام أبي طالب:
شهد أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم من العلماء بإسلام أبي طالب.
وقد أورد الأميني في الغدير (٧/٣٨٤ و ٣٨٥ ) أقوال بعض هؤلاء العلماء وعلى نحو المثال نذكر :
الشيخ المفيد، وشيخ الطائفة الطوسي، والطبرسي المفسر، والسيد فخار ابن معد الموسوي، والفتال، والحجة ابن طاووس، والعلامة المجلسي وغيرهم.
كما قال بإسلامه وإيمانه الإسماعيلية والزيدية وكثير من المعتزلة وعلماء أهل السنة مثل السيوطي والقرافي والألوسي والسيد محمد رسول البرزنجي المدرس في مكة المكرمة والسيد زيني دحلان مفتي الشافعية في مكة المكرمة وغيرهم.
ونذكر في السطور الآتية مقتطفات من شهادات الذين قالوا بإسلام أبي طالب من كلا الفريقين:

اولاً / أئمة أهل البيت عليهم السلام :
•علي ابن أبي طالب عليه السلام يشهد بإسلام أبيه :

١- عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال :
" إن ابي حين حضره الموت شهده رسول الله (ص) فأخبرني عنه بشيء خير لي من الدنيا وما فيها".

٢- قال علي عليه السلام :
" ما مات أبوطالب حتى أعطى رسول الله (ص) من نفسه الرضا".

٣- قال على عليه السلام :
" والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط، قيل له فما كانو يعبدون، قال : كانوا يصلون الى البيت على دين ابراهيم عليه السلام متمسكين به ".

٤- أخرج أبو الفرج الإصفهاني بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام وقال : " كان أمير المؤمنين يعجبه أن يروى شعر أبي طالب عليه السلام أن يدوّن وقال :
تعلموه وعلموه أولادكم فإنه كان على دين الله وفيه علم كثير".

•شهادة الإمام السجاد – زين العابدين – علي بن الحسين عليه السلام :
سئل الإمام زين العابدين عن أبي طالب : أكان مؤمناً فقال : " نعم، فقيل له إن هاهنا قوماً يزعمون أنه كافر فقال : "وا عجباً كل العجب! أيطعنون على أبي طالب أو على رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وقد نهاه الله تعالى أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن الكريم ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها من المؤمنات السابقات فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب رضي الله عنه".

•شهادة الإمام محمد الباقر عليه السلام :
١- عن أبي بصير عن محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال : " مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناًً وشعره في ديوانه يدل على إيمانه ثم محبته وتربيته ونصرته ومعاداته أعداء رسول الله (ص) وموالاته أوليائه وتصديقه إياه فيما جاء به من ربه وأمره لولديه علي وجعفر بأن يسلما ويؤمنا بما يدعو إليه وأنه خير الخلق وأنه يدعو إلى الحق والمنهاج المستقيم وأنه رسول رب العالمين فثبت ذلك في قلبيهما فحين دعاهما رسول الله (ص)، أجاباه في الحال وما تلبثا لما قرره أبوهما عندهما من أمره، فكانا يتأملان فِعال رسول الله صلوات الله عليه فيجدانها كلها حسنة تدعو إلى سداد ورشاد".

٢- عن أبي ليث المرادي، قال : "إن أبي طالب في ضحضاح من نار يغلي فيه دماغه" فقال الباقر عليه السلام :
"كذبوا ! والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة الميزان وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان أخرى لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم".

•شهادة الإمام الصادق عليه السلام :
عن يونس بن نباتة عن الإمام الصادق عليه السلام قال :
يا يونس ما يقول الناس في أبي طالب ؟ قلت جعلت فداك يقولون هو في ضحضاح من نار يغلي منها أم رسه، فقال : " كذب أعداء الله إن أبا طالب من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً".

•شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام :
أخرج الكليني في الكافي (٢٤٢) بإسناده عن "أبن أبي منصور أنه سأل أبا الحسن الأول الامام الكاظم عليه السلام : " ...قلت فما كان حال أبي طالب؟ قال : أقر بالنبي (ص) وبما جاء به ودفع اليه الوصايا ومات من يومه".

•شهادة الإمام الرضا (ع) :
أخرج الشيخ الصدوق بإسناد له، أن عبد العظيم بن عبد الله العلوي الحسيني المدفون بالري كان مريضاً فكتب الى أبي الحسن الرضا عليه السلام : " عرفني يابن رسول الله عن الخبر المروي أن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه" ، فكتب اليه الرضا عليه السلام : "فإن شككت في ايمان أبي طالب كان مصيرك النار".

ثانياً/ شهادات الصحابة :
١- شهادة العباس بن عبد المطلب :
عن عكرمة عن ابن عباس قال : أخبرني أبي أن أبا طالب رضي الله عنه شهد عند الموت أن لا أله ألا الله محمد رسول الله .

٢- شهادة الخليفة أبي بكر (رض) حيث قال :
"أن أبا طالب ما مات حتى قال لا اله الا الله".

٣- شهادة الصحابي الجليل أبي ذكر الغفاري (رض) :
" والله الذي لا اله الا هو ما مات أبو طالب رضي الله عنه حتى أسلم ...الخ وأنه قال الشهادة بلسان أهل الحبشة".

٤- شهادة أبو الجهم بن حذيفة :
سئل أبو الجهم ابن الحذيفة " أصلى رسول الله على أبي طالب ؟"، فقال : " واين الصلاة يومئذٍ، إنما فرضت الصلاة بعد موته ولقد حزن عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر علياً بالقيام بأمره وحضر جنازته وشهد له العباس وأبو بكر بالإيمان وأشهد على صدقهما، لأنه كان يكتم ايمانه، ولو عاش الى ظهور الاسلام لظهر ايمانه.

ثالثاً/ شهادات أهل الفضل والعلماء:
١-شهادة القرافي في (شرح التنقيح) عند قول أبي طالب :
وقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعزي لقول الأباطل
قال : "إن هذا تصريح باللسان واعتقاد بالجنان وإن أباطالب ممن أمن بظاهره وباطنه غير أنه كفر ظاهراً ولم يذعن للفروع وكان يقول :
[إني لأعلم أن ما يقول ابن أخي حق ولولا أني أخاف أن تعيرني نساء قريش لأتبعته]،
وإن قوله : لولا نسائ قريش لِيوهم عليهم أنه على دينهم وهذا عذر صحيح بلغ به تمكين النبي (ص) في نبوته والدعوة اليه".

٢-شهادة سبط ابن الجوزي، قال :
"كون أبي طالب من أهل الجنة لا ينبغي التأمل فيه وأن شواهده أكثر من ان تذكر، إهتمامه بكفالة النبي المختار ونصرته له واهتمامه بدفع اذى الأشرار والكفار عنه وجزع النبي صلوات الله عليه عند موته وتسمية عامة بعام الحزن لموته وموت خديجة واستغفاره له في طول أيام ولايرتاب استجابة دعائه لا سيما مع الإصرار.

٣- شهادة البرزنجي والدحلان :
"توترت الأخبار أن أبا طالب كان يحمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحوطه وينصره ويعينه على تبليغ دينه ويصدقه فيما يقوله، ويأمر أولاده كجعفر وعلي باتباعه ونصرته، هذه الأخبار كلها صريحة في أن قلبه طافح بالإيمان بالنبي (ص)".

٤- قال ابن حجر رأيت لعلي بن حمزة البصري جزءاً جمع فيه شعر أبي طالب ويزعم أنه كان مسلماً ومات على الإسلام، وأن الحشوية تزعم أنه مات كافراً واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه ".

٥- أفتى الإمام أحمد ابن حسين الموصلي الحنفي المشهور "بابن وحشي" في شرحه على الكتاب المسمى "شهاب الأخبار" للعلامة محمد بن سلامة القضاعي المتوفي سنة ٤٥٤هـ أن " بغض أبي طالب كفر"، ونص على هذه الفتوى من أئمة المالكية "العلامة على الأجهوري" في فتاويه، وقال بهذه الفتوى "أبو طاهر".

و) اسلام أبي طالب على لسان المعاصرين :
ذكرنا في النصوص الآنفة ما دل على اسلام شيخ الأباطح أبي طالب رضي الله عنه من الرواة المنتسبين لكلا المدرستين مكتفين بهذا القدر رعاية لجانب الإختصار كما سنكتفي في هذه الفقرة بما قاله الشيخ الدكتور علوي أمين أحد ألأساتذة المرموقين بالأزهر الشريف تأكيداً على اسلام أبي طالب رضي الله عنه :

كتب الدكتورعلوي أمين، بحثا أكد فيه أن أبي طالب مات على الإسلام، وساق فى هذا الإتجاه العديد من الأدلة والبراهين المستقاة من كتب التراث سواء من الأحاديث أو من السيرة النبوية الشريفة.
و في حوار له مع وكالة أنباء التقریب، في ذكرى وفات أبي طالب (رض) - السابع من شهر رمضان ١٤٣١هـ- أشار الى أدلة قاطعة تثبت اسلام أبي طالب، ايجازها ما يلي :

" ذكر الطبرى فى تاريخه وصاحب السيرة الهاشمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بدأ قومه بالإسلام كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه حتى ذكر آلتهم وعابها وكان ذلك سنة أربعة من بعثته صلى الله عليه وسلم فلما فعل ذلك نكروه وأجمعوا على خلافه وعداوته الا من عصم الله منهم بالإسلام وهم قليلون مستخفون وحدب على رسول الله عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه.
ومضى النبي صلى الله عليه وسلم على أمر الله مظهرا لأمره لا يرده عنه شىء، فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضيهم من شىء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلتهم راؤوا محاماة أبي طالب عنه وقيامه دونه وامتناعه أن يسلّمه لهم. مشى اليه رجال من أشراف قريش فقالوا [يا أباطالب إن ابن أخيك يسب آلهتنا وعاب ديننا وسفه احلامنا وضلل آرائنا فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلى بيننا وبينه، فقال لهم أبوطالب قولاً رقيقا وردهم رداً جميلا فانصرفوا عنه، ونلاحظ هنا أن معرفة أبي طالب لقريش ليست كمعرفة غيره بها فهو على وعي تام بما يدور فى خلد وقلب قريش وما هى نقاط الضعف والقوة عندهم كما أنه كان على دراية تامة بكيفية طبخ القرارات السياسية عند قريش لأنه القريب من موقع القرار والرؤوس المدبرة له ، لذلك فإن دعمه للرساله والرسول يحتاج الى منهج توعوي يتم بواسطة استيعاب تلك القوى ومن هنا نجد أن أبا طالب قد مارس عدة أساليب تكشف بدورها عن الدور العظيم الذى قام به لصالح الإسلام...ٍ]
وبعد أن ردهم أبو طالب مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعوا اليه ثم تزايد الأمر بينه وبينهم تباعداً وتضاغناً حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وتلاوموا بعضهم ببعض عليه فمشوا الى أبى طالب مرة ثانية وقالوا له [أن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا وأنا قد استنهيناك من ابن أخيك ولم تنهاه عنا وإنا والله لا نصبر على شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا فإما أن تكفه عنا أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين]، ثم انصرفوا وهنا أدرك أبو طالب اصرار قريش فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم [يا ابن أخى إن قومك قد جاؤنا فقالوا لي كذا وكذا فابقي علي وعلى نفسك ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق]، فاجاب الرسول موضحا بأنه سيواصل مواجهته لقريش حتى اظهار الدين وجاء ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم (يا عم لو وضعوا الشمس فى يميني والقمر فى يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه). ثم استعبر باكياً وقام فلما ولىّ، ناداه أبو طالب [أقبل يا ابن أخى ... فو الله لا أسلمك لشىء أبداً] ثم أنشد أبو طالب قائلاً :

والله لن يصلوا اليك بجمعهم      حتى أوسد فى التراب دفينا
فأنفذ لأمرك ما عليك مخافة      وأبشر وقرّ بذلك منه عيـــونا
ونعمت انـــــــك ناصحـــــي       ولقد صدقت فكنت قبل أمينا
وعرضت دينـــــــاً قد علمت        بأنه خير أديان البرية دينــــا

كما أشار الدكتور علوي أمين الى السّير التي تؤكد اسلام حامي رسول الله (ص)، بقوله :
" ذكر أصحاب السير جميعا أن أبا طالب قام في بني هاشم وبني عبد المطلب فدعاهم الى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه فاجتمعوا اليه وقاموا معه وأجابوه الى ما دعاهم اليه الاّ ما كان من أبي لهب، فلما رآى أبو طالب ما سره فى جدهم معه وحدبهم عليه مدحهم و ذكر قديمهم، ويذكر فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ولكن قريش باتت تريد عزل النبى عن بنى هاشم بعد أن أعلنوا بلسان أبي طالب أنهم حماة النبى وأن الإعتداء عليه هو بمثابة إعلان حرب لم تضع أوزارها حتى يفنى الهاشميون والبطون معهم ولذا قرروا هتك حرمة الرسول صلى اللله عليه وسلم والإساءة اليه فلقد ذكر القرطبى وأهل السير، أن النبى صلى الله عليه وسلم قد خرج الى الكعبة يوما وأراد ان يصلى فلما دخل فى الصلاة قال أبو جهل من يقوم لهذا الرجل ليفسد عليه صلاته فقام ابن الزبعري فأخذ فرساً ودما واساء به للنبى صلى الله عليه وسلم فانفتل النبى من الصلاة ولم يكلمهم، هنا ملحوظة لم يكن سكوت النبى عن ضعف أو قلة حيلة لأنه كان مؤيد من الله بجنود لم يروها لكنه لا يقابل السيئة بالسيئة مثلها استئلافا للقلوب وطمعا فى هدايتها، تركهم رسول الله وأتى عمه أبا طالب فقال يا عم الا ترى الى ما فعل بى قال أبو طالب من فعل هذا بك فقال النبى صلى الله عليه وسلم ابن الزبعري فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى حتى أتى القوم وهو يعلم من حرك هذه النكرة، فلما رآى القوم أبا طالب قد اقبل نهظوا، قال أبو طالب والله لإن قام رجل لجللته بسيفى فقعدوا حتى دنى اليهم فقال يا بني من الفاعل بك هذا فقال عبد الله بن الزبعري فأخذ أبو طالب فرسا ودما ولطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول.
بعد هذه الحادثة رأت قريش أنه لا مناص لهم ليحفظوا هيبتهم فى العرب من أخذ النبى صلى الله عليه وسلم أخذة باطشة من وراء ظهر أبي طالب".
واستدل الدكتور علوي بآراء الصحابة ايضاً وذكر رواية عن سعد بن جبير عن عبد الله بن مياس أنه قال: " إن أبا طالب كان مثله كمثل أصحاب الكهف حين أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فأتاهم الله أجرهم مرتين" .
وعن ابن حجر فى الإصابة عن ابن عباس قال : " جاء أبو بكر بأبى قحافة وهو شيخ قد عمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تركت الشيخ حتى نأتيه فقال أردت يارسول الله أن يأجره الله أما والذى بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحاً بإسلام عمك أبي طالب حتى بإسلام أبى التمس بذلك قرة عينك فقال صدقت". وهناك روايات عن العباس عبد المطلب وبعضها عن أبى بكر أن أبا طالب ما مات حتى قال لا اله الا الله محمد رسول والخبر مشهور أن ابا طالب عند الموت قال كلاما فاصغى اليه أخوه العباس ثم رفع رأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يابن أخى والله لقد قالها عمك ولكنه ضعف على أن يبلغك صوته".
ووقد استخلص الدكتور علوي أمين من هذا الكلام أن " مسالة تكفير أبى طالب جاءت بوحي الساسة وقد واجه هذه الإشاعة أئمة أهل البيت والصحابة وعالجوها على أحسن وجه، وخلاصة قضية أبى طالب أنه الإمتداد للخط الإبراهيمى الموحد حيث تكفل النبى بوصية من أبيه عبد المطلب فقام بخدمته ورعايته وقدمه على أبنائه حتى بعثه الله نبيا.
وتنوعت أساليب أبى طالب فى نصرته للدين الحنيف فدخل الشعب المسمى باسمه وتحمل الصعاب فى سبيل نصرته والدفاع عنه وتصدى للحوارات والمناقشات السياسية حيث كان نصير رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قضى نحبه".

(٥) المصادر :

١- كتاب " أبو طالب بطل الإسلام " / المؤلف : السيد حيدر محمد سعيد العرفي/ الطبعة
الاولى ١٩٩٠م .
٢- كتاب "شيخ الأبطح أو أبو طــــالب" / المؤلف : السيد محمد علي شرف الدين (قدّم له سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين) / دار الأرقم / صور ـ لبنان/ ١٩٧٨م.
٣- مواقع اسلامية على الإنترنت. 
_________________________
اعداد : ح العسكري

https://taghribnews.com/vdcbfzb5.rhbfspukur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز